34-07-18


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/07/18

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- الواجب الخامس من واجبات حج التمتع - وهو الثاني من أعمال منى في اليوم العاشر- ( الذبح أو النحر في منى ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 استدراكان:-
 الاستدراك الأول:- ذكرنا في نهاية المحاضرة السابقة أنه قد يقال بوجود رواية تدل على جواز الذبح ليلاً وهي صحيحة محمد بن مسلم والتي كانت تقول:- ( إذا وجد الرجل هديا ضالاً فليعرفه يوم النحر والثاني والثالث ثم ليذبحها عن صاحبها عشية الثالث ) وقلنا إن قوله عليه السلام ( عشية الثالث ) قد يفهم منه أنه يجوز الذبح في حالة الاختيار ليلاً ، وهنا نستدرك ونقول إن كلمة ( عشية ) في لغة العرب لا يراد منها المساء بمعنى ما بعد المغرب - أعني عند دخول الليل - وإنما يراد منها ما بعد الظهر فما بعد الظهر هو عبارة عن العشية فالرواية حينئذ لا تدل على جواز الذبح ليلاً وإنما تدلّ على جوازه في النهار غايته يجوز تأخيره إلى نهار اليوم الثالث عشر ، فلابد من تصحيح العبارة السابقة طبقاً لهذا.
 الاستدراك الثاني:- ذكرنا سابقاً أنه ينبغي التفصيل بين ليلة العاشر وبين بقيّة الليالي ففي ليلة العاشر لا يجوز الذبح وفي بقيّة الليالي يجوز لعدم وجود مانعٍ ، والآن نستدرك ونقول:- ينبغي أن يكون التفصل هكذا:- وهو أنه لا يجوز الذبح في ليلة العاشر ويجوز في ليلة الحادي عشر من دون أن نصعد إلى ليلة الثاني عشر وذلك لما ذكرناه سابقاً من أن الأحوط وجوباً الاقتصار في الذبح على اليوم العاشر - في مقابل الذبح في اليوم الحادي عشر - ومادام الاحتياط هو الاقتصار على اليوم العاشر وعدم جوازه في اليوم الحادي عشر فتبعاً لهذا الاحتياط لابد هنا من أن نحتاط كذلك فنقول إن الذبح في نهار الحادي عشر لا يجوز وأما في بقية الليالي والأيام [1] التالية لا يجوز أيضاً من باب الاحتياط تبعاً لذلك الاحتياط.
 النقطة الرابعة:- يجب الاتيان بالذبح بعد الرمي . نعم من جهل أو نسي فيقع ما أتى به صحيحاً بلا حاجة إلى الاعادة بنحوٍ يحصل معه الترتيب.
 وهذه النقطة تشتمل على حكمين:-
 أما بالنسبة إلى الحكم الأول:- - وهو إن الذبح يجب أن يكون بعد الرمي - فهذا ما تعرضنا إليه سابقاً وذكرنا أكثر من رواية تدلّ عليه من قبيل صحيحة معاوية المتقدمة حيث جاء فيها:- ( إذا رميت الجمرة فاشتر هديك ) ، وعلى منوالها صحيحة محمد بن حمران:- ( أتى أناس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال بعضهم إني ... ) وغيرهما ، والحكم واضح من هذه الناحية ولا يحتاج إلى مزيد تأكيد.
 وأما بالنسبة إلى الحكم الثاني:- فيدل عليه صحيحة حمران المتقدمة وغيرها.
 النقطة الخامسة:- يجب أن يكون الذبح أو النحر بمنى.
 والظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في ذلك ، قال في المدارك:- ( هذا الحكم مقطوع به في كلام الاصحاب ) [2] فهذه العبارة تدلّ بوضوح على أن المسألة لا خلاف فيها بل مقطوع بها ، ولكن ما هو الوجه الفنّي الذي يمكن أن نتمسك به ؟
 يمكن أن نتمسك بالوجوه الثلاثة التالية:-
 الوجه الأول:- ما تمسكنا به أكثر من مرّة وهو أن المسألة عامة البلوى وفي مثلها يلزم أن يكون حكمها واضحاً فإن ذلك لازم كونها عامة البلوى ولا نحتمل أن يكون ذلك الحكم الواضح هو جواز الذبح في غير منى بعد اتفاق الأصحاب على لزوم الذبح فيها . إذن هذا الاتفاق بين الاصحاب على تعين منى للذبح يورث الاطمئنان للفقيه بأن ذلك الحكم الواضح شرعاً هو ما عليه الأصحاب إذ لا يحتمل أن يكون ذلك الحكم الواضح شيئاً آخر غير ما عليه الأصحاب فإن ذلك خلف فرض وضوح الحكم وبالتالي ينتهي هذا الدليل إلى الاطمئنان وإلا فهو بنفسه لا ينفع.
 الدليل الثاني:- السيرة ، فإنها قد جرت منذ الزمان القديم والى يومنا على الاتيان بالذبح في منى بنحو اللزوم والتعيّن وقيد ( بنحو اللزوم والتعين ) لابد من اضافته وإلا فمجرد السيرة وحدها لا تدلّ على اللزوم فإنها أعمّ من هذه الناحية . وهذا في الحقيقة ليس تمسكاً بالسيرة وإنما هو تمسكٌ بالارتكاز المتشرّعي وحينئذ يقال إن هذا الارتكاز المتشرعي على لزوم الإتيان بالذبح في منى لابد له من منشأ فإن كل معلولٍ يحتاج إلى علّة ولا يحتمل أن يكون له منشأ إلا الوصول يداً بيدٍ من معدن العصمة والطهارة وأما أن يكون المنشأ بعض الأمور الأخرى الجانبية التي سنشير إليها فهو ضعيفٌ باعتبار أن دلالتها أضعف من ذلك الارتكاز فإن ذلك الارتكاز ارتكازٌ واضحٌ وهذه الأمور أمورٌ ليست بهذه الدرجة من الوضوح ولا يحتمل نشوء الأمر الواضح من الأمر الأقل وضوحاً.
 الدليل الثالث:- صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( في رجل يضل هديه فيجده رجل آخر فينحره ، فقال:- إن كان نحره بمنى فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضل عنه وإن كان نحره في غير منى لم يجزئ عن صاحبه ) [3] ، ودلالتها واضحة في عدم الإجزاء حيث قال عليه السلام ( وإن كان نحره في غير منى لم يجزئ عن صاحبه ) . نعم مورد هذه الرواية هو الهدي الضال فكيف نعمّم إلى غير الضال الذي هو محل الكلام ؟ ذلك إما بإلغاء خصوصية المورد بمعنى أنا نجزم بعدم وجود خصوصيّة لكون الهدي ضالاً فإن قبلنا بذلك فهو وإلا فيمكن التمسك بشكلٍ آخر فيقال إنه إذا كان الهدي ضالاً ولا يجزئ ذبحه إلا في منى فبالأولى يكون عدم جواز نحر غيره في غير منى ليس مجزياً فإن الضال قد يتسامح فيه باعتبار أنه ضال وأن صاحبه غير موجود فيحصل نحوُ تخفيفٍ فإذا فرض أنه لا يوجد تخفيفٌ وكان يوجد إلزامٌ في ذبحه في منى فبالأولويّة القطعيّة العرفيّة يفهم أن غير الضال يكون حكمه كذلك.
 هذا وقد استدل السيد الخوئي(قده) بالوجهين التاليين:-
 الوجه الأول:- السيرة القطعية المستمرة من زمن النبي صلى الله عليه وآله إلى زماننا ، ونصّ عبارته في التقرير:- ( السيرة القطعية من زمن النبي صلى الله عليه وآله إلى زماننا ).
 ولابد من إصلاح هذا الوجه واضافة تتمة إليه فمن دونها لا يكون تاماً وذلك بأن يقال:- إن السيرة مستمرة على الإتيان بذلك بنحو اللزوم والتعيّن ، ولعله لم يذكر ذلك من باب وضوح المطلب أو غفلة القلم وإلا فمن الواضح أن مجرد السيرة وحدها لا تدلّ على اللزوم فإنها تلتئم مع الأفضلية ورجحان الذبح في منى ، ونحتمل أن مقصوده هذ ولكن وقعت خيانة في التعبير.
 الدليل الثاني:- قوله تعالى ( فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محلّه ) [4] ، وذكر تقريبين لدلالة الآية الكريمة على المطلوب:-
 التقريب الأول:- أن الآية الكريمة قالت:- ( حتى يبلغ الهدي محلّه ) ولم تبيّن ما هو ذلك المحلّ ولم تقل إنه منى فلابد من ضمّ ضميمة وذلك بأن يقال ( إنه لا يحتمل أن يكون ذلك المحلّ مكاناً آخر غير منى ) فبضمّ هذه المقدمة يتم المطلوب وإلا فمن دونها تبقى الآية مجملة من حيث تعيين ذلك المحل.
 التقريب الثاني:- التمسك بموثقة زرعة:- ( سالته عن رجل قصَّر في الحج ، قال:- فليبعث بهديه إذا كان مع أصحابه ومحلّه أن يبلغ الهدي محلّه ومحلّه منى يوم النحر إذا في الحج وإن كان بعمرة نحر بمكة ) [5] ، قال( قده):- ( فضم الرواية إلى الآية ينتج أن الكتاب العزيز يدلّ على لزوم الذبح بمنى ) .
 إذن هو قد ضمّ الرواية إلى الآية الكريمة كمفسِّرٍ لها وبعد ضمّ هذا المفسِّر تصير الآية الكريمة دالة على لزوم الذبح في منى وبذلك يتم المطلوب.
 إذن تمم دلالة الآية الكريمة من ناحيتين.


[1] هذا ما صحّحه سماحة الشيخ الاستاذ عندما سألناه بعد الدرس إذ قد يفهم السامع للتسجيل الصوتي أن الاحتياط هنا هو في ليلة الحادي عشر فيحصل بذلك تدافع بين هذا الاحتياط وبين ما ذكره قبل ذلك من جواز الذبح في ليلة الحادي عشر ولكن الصحيح والمقصود له هو ما أثبت هنا في التقرير من أن هذا الاحتياط يعود إلى الليلة الثانية عشر وما بعدها من الليالي والأيام/ ...المقرر.
[2] مدارك الأحكام، الموسوي العاملي، ج8، ص19.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص137، ب28 من أبواب الذبح، ح2، آل البيت.
[4] سورة البقة، الآية196.
[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج13، ص182، ب2 من أبوبا الإحصار والصد، ح2، آل البيت.