1440/04/30


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/04/30

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 60 ) – شرطية الاختيار – شروط المتعاقدين.

الجواب الثاني:- ما أفاده الشيخ الخراساني(قده)[1] ، وحاصل ما ذكره أنَّ الاكراه على الجامع إكراهٌ على كل فردٍ فرد من دون فرقٍ بين أن يترتب الأثر على جميع الأفراد أو على واحدٍ منها ، فحتى في صورة كون ترتب الأثر على أحدهما دون الآخر فهو يصرّح ويدّعي بأنه حتى في هذه الحالة يكون الاكراه ثباتاً بلحاظ كلا الطرفين ، خلافاً للشيخ الأعظم(قده) ، فإنَّ للشيخ الأعظم(قده) له عبارة ذكر فيها أنه لو أكره على الجامع بين ما له أثر وما ليس له أثر فلو أوقع ما له الأثر وقع صحيحاً ولم يكن واقعاً بنحو الاكراه ، وهنا هو يريد أن يردّ على كلام الشيخ الأعظم(قده) فيقول بل يقع مكرهاً عليه ، فالإكراه يكون ثابتاً بلحاظ كلا الفردين حتى الذي ليس له أثر.

ومادام الأمر كذلك فسوف تقع معارضة بين دليل نفي الاكراه وبين دليل الأثر ، فحديث نفي الاكراه المتوجه إلى الجامع ينفي الاكراه ، يعني نتيجة نفي الاكراه - أي نتيجة ( رفع عن أمتي ما استكرهوا عليه ) - هي أنه باطل ، فهذا الفرد إذا أوقعته فهو باطل ، وذاك الفرد إذا أوقعته فهو باطل ، بينما دليل الأثر مثل ﴿ أحلّ الله البيع ﴾ يثبت الأثر للبيع مطلقاً المكره عليه وغير المكره عليه ، فتقع معارضة بين ( رفع عن أمتي ما استكرهوا عليه ) وبين دليل الأثر وآنذاك نقدّم الأظهر من هذين الدليلين ، فإذا كان الأثر يترتب على كلّ منهما بأنَّ الشخص المكرِه أكره على ايقاع إما هذا البيع الجامع للشرائط أو ذاك البيع الجامع للشرائط فهنا كلّ واحد منهما يترتب عليه الأثر فتقع المعارضة بينهما والأظهر في مثل هذه الحالة هو دليل نفي الاكراه ، وأما إذا كان الأثر يترتب على أحدهما ، يعني أكرهه إما أن توقع بيع الدار وهذا صحيح وله أثر أو أكرهه على بيع السيارة ولكن بالفارسية وهذا ليس له أثر مثلاً ، فهنا يكون الأظهر هو دليل الأثر لا دليل نفي الاكراه ، فإذا كان الأظهر هو دليل الأثر فسوف نحكم بالصحة ، فالحكم يتبع الأظهر فإنَّ كان الأظهر دليل نفي الاكراه يحكم بالبطلان ، وإلا فيحكم بالصحة ، قال(قده):- ( وبالجملة يكون الاكراه على أحد الأمرين كافياً وقوع ما اختاره[2] مكرهاً عليه مطلقاً كان[3] لكل واحدٍ منهما بخصوصه أثر أو كان لخصوص أحدهما . نعم يمكن أن يقال إنَّ دليل ذي الأثر في الفرض أظهر ففيما أكره مثلاً على مباح أو محرّم أو عقد فاسد أو صحيح يقدم دليله[4] على دليل رفع الاكراه كما يقدم لذلك[5] دليل رفعه[6] على دليله[7] في غير المقام[8] ).

وجميع القضايا الثلاث التي ذكرها قابلة للتأمل:-

أما القضية الأولى - وهي أنَّ الاكراه على الجامع اكراه على الأفراد -:- فإذا كان يقصد أنَّ كل فرد يحصل من دون طيب نفس فهذا له وجاهة ، ويكون نفس مطلب الحاج ميرزا علي الايرواني(قده) ، ولكن نقول: إذا كان المقصود هو هذا فمتى ما كان الأثر يترتب على أحدهما دون الآخر فالمناسب أنه لو ترك ما لا يترتب عليه الأثر مثل العقد بالفارسية وجاء العقد بالعربية الذي يترتب عليه الأثر أن نحكم بالصحة كما حكم الشيخ الأعظم(قده) ، لأنَّ طيب النفس موجود هنا ، لأنه يوجد لك مفرّ وهو اجراء العقد بالفارسية الذي هو باطل ، فلماذا تركته - إذا كان الاكراه بمعنى طيب النفس - ؟!! ، فالمناسب أن نقول إذا تركت العقد الذي لا أثر له واخترت العقد الذي له أثر يكون هذا العقد عن طيب نفس فإنه يوجد لك المفر فإذا أجريت العقد الواجد للشرائط فمن المناسب أن يقع صحيحاً كما حكم بذلك الشيخ الأعظم(قده) ، وهو جاء وعلّق على كلام الشيخ الأنصاري(قده) وقال إنه يقع مكرهاً في كلا الحالتين ، فيظهر أنَّ مقصوده من الاكراه ليس هو عدم طيب النفس وإنما يقصد منه الجبر ، فإذا كان يقصد منه الجبر يعني من أُجبِر على الجامع فقد أُجبِر على الأفراد بعدد الأفراد فيكون العقد باطلاً.

ولكن يردّه:- إنَّ هذه قضية تحتاج إلى اثبات ، فإنَّ الإجبار مادام متوجهاً إلى الجامع كيف يقال إنَّ الأفراد يوجد بلحاظها إجبار أيضاً ؟!! إنه لو كان يوجد إجبار بلحاظ الأفراد فهذا يعني يوجد أجبار بعدد الأفراد ، والحال أنَّ المكرِه بالوجدان يقول أنا يوجد عندي إجبارٌ واحد على الواحد الكلّي ، فأصلاً القول بأنَّ الاجبار على الجامع إجبار على الأفراد مخالف للوجدان ، ولا أقل يحتاج إلى اثبات.

نعم رب قائل يقول:- إنَّ الفرد أيضاً يكون مجبراً عليه ، لأنَّ به التخلّص عن ذلك الإجبار الواقع على الكلي.

وجوابه:- مادام به التخلص فيكون صادراً من دون طيب نفس ، لا أنه بنفسه يكون مجبراً عليه ، فإذاً لابد أن نفرّق بين المطلبين.

وأما القضية الثانية - وهي حصول المعارضة فيقدم الأظهر - فالجواب:- نحن قرأنا في علم الأصول أنَّ حديث الرفع يُقدَّم على الأدلة الأوّلية بنكتة الحاكمية والنظر ، وهو قد نبَّه على ذلك في الكفاية ، يعني أنَّ الدليل الأولي مثل ( الخمر حرام ) ، فإذا اكرهني الظالم على شربه فيجوز لي شربه لحديث نفي الاكراه ، ويقدم حديث نفي الاكراه على حرمة شرب الخمر لأنَّ حديث نفي الاكراه ناظر إلى الأدلة الأوّلية في الواجبات والمحرّمات ويقول إنه عند الاكراه يرتفع الوجوب أو ترتفع الحرمة[9] ، لا أنه تحصل معارضة ويقدم الأظهر ، فإذاً لا تحصل المعارضة ويقدّم الأقوى بل المناسب والصحيح أنه يقدّم لأجل الحكومة كما ذكر الشيخ الأنصاري(قده) في كلماته في الرسائل وغيرها.


[2] أي في وقوع ما اختاره.
[3] سواء كان لكل واحد منهما.
[4] أي دليل ذي الأثر الذي هو واحد وهو ﴿ أحل الله البيع ﴾.
[5] يعني لأجل الأظهرية.
[6] أي دليل رفع الاكراه.
[7] أي على دليل رفع الأثر.
[8] أي في غير مورد ترتب الأثر على كليهما.
[9] حسب اختلاف الموارد.