1440/07/17


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/07/17

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الإعتكاف، مسألة ١٥ في نذر الإعتكاف

كان الكلام في المسألة الخامسة عشر، وانتهى الكلام الى قوله (والأولى جعل المقضي اول الثلاثة وإن كان مختاراً في جعله أياً منها شاء)، وذكرنا ان في المقام قولين:-

القول الأول هو ان المكلف مختار في جعل المقضي أياً من الأيام الثلاثة، وهو مختار الماتن وصاحب الجواهر.

والقول الثاني هو لزوم جعل المقضي اليوم الأول من الإعتكاف.

وتقدمت ملاحظتان على الدليل الأول الذي استدل به للقول الثاني، ويقع الكلام في الملاحظة على الدليل الثاني له -وحاصل الدليل هو انه اذا جعل اليوم المقضي هو اليوم الأخير فسوف يكون اليوم الأخير واجباً باعتبارين، الأول: باعتبار كونه اليوم الثالث من ايام الإعتكاف، والثاني: باعتبار النذر، فلا يكون مجزياً عن الواجب بالنذر، بخلاف ما اذا جعل المقضي هو اليوم الأول- وهي انه لا مانع من إجزاء الإعتكاف في اليوم الثالث عن المنذور كما لو فرضنا ان المكلف اعتكف في شهر رمضان، فان صيام اليوم الثالث من ايام الإعتكاف يصير واجباً باعتبارين اولهما انه ثالث ايام الإعتكاف حيث يجب فيه الصيام ، وثانيهما انه احد ايام شهر رمضان، ومع ذلك يكون مجزياً عن كل منهما، فوجوب اعتكاف اليوم الثالث باعتبار مضي يومين لا ينافي وجوبه باعتبار كونه منذوراً، وهذا نقوله سواء التزمنا بعدم وجود محذور في اجتماع المثلين -كما هو الحال في اجتماع النقيضين واجتماع الضدين- فيجتمع وجوبان في شيء واحد، او قلنا بأنه محال -كما يقولون- فتجتمع ملاكات هذه الوجوبات فيه، فيرجع الى تأكد الوجوب. وعلى كل حال لا اشكال في كونه مجزياً عن النذر، خصوصاً انه سيأتي ان وجوب الوفاء بالنذر وجوب توصلي يتحقق امتثاله بأي نحو اتفق حصول المتعلق.

وعلى اساس هذه الملاحظات على ما استدل به للقول الثاني ذهب جماعة منهم السيد الماتن الى القول الاول.

هذا، ويظهر من عبارة السيد الحكيم (قده) في المستمسك منع التخيير في جعل الواحب احد الأيام الثلاثة، وفي هذا المجال ذكر ان الأمر بقضاء اليوم الفائت بضميمة ما دل على عدم مشروعية الإعتكاف اقل من ثلاثة ايام يدل على وجوب ضم يومين آخرين، فيكون المنضم -أي اليومين- واجباً نفسياً ويصير جميع الأيام الثلاثة واجباً واحداً بالوجوب النفسي ومنشأه هو النذر، فاذا كان كذلك سوف لا يكون هناك معنى لتعيين ان الفائت هو اليوم الأول او اليوم الثاني او الثالث، لأن الجميع كأنما صار بمثابة الفعل الواحد فيكون الواجب عليه الإعتكاف في ثلاثة ايام بلا تجزئة، فلا يكون هناك تفصيل بين ما وجب بالنذر وهو اعتكاف اليوم الواحد وبين الإعتكاف في اليومين الآخرين.[1]

ولاحظ السيد الخوئي (قده) على كلامه بأنه لا يمكن أن نلتزم بالوجوب النفسي للإعتكاف في اليومين الآخرين، بل هو وجوب غيري مقدمي لوضوح أنّ ضم يومين آخرين هو من شروط الصحة والواجب ولا علاقة له بالوجوب، بمعنى أنّ الوجوب النفسي الناشئ من النذر تعلق بإعتكاف اليوم الرابع الذي أخل به، ودليل وجوب الوفاء بالنذر لا يطلب منه أكثر من هذا، غاية الأمر أنَّ إعتكاف يوم واحد لا يقع صحيحاً إلا إذا ضم إليه إعتكاف يومين آخرين، فيكون إعتكافهما من شروط الصحة وتحقق الواجب لا الوجوب، فيكون وجوبهما إذا إتصفا بالوجوب الشرعي وجوباً مقدمياً غيرياً. وبعبارة أخرى ما فرضه السيد الحكيم (قده) من الملاك النفسي لا منشأ له إلا النذر، ووجوب الوفاء بالنذر وجوب نفسي يدعو المكلف إلى إعتكاف يوم واحد، وما عداه يكون مقدمة لتصحيح هذا العمل، وعليه فإذا كان فيه ملاك ووجوب يكون ملاكاً ووجوباً غيرياً، وعليه فالكلام الذي ذكره لا يمكن المساعدة عليه.[2]

ولازم ما ذكره السيد الخوئي (قده) أنّ الإعتكاف في الأيام الثلاثة يشتمل على ملاك ووجوب نفسي في أحدها، وملاك ووجوب غيري في البعض الآخر وهو متمم ومصحح للإعتكاف في ذلك اليوم، وهذا لا مانع منه.

ثم ذكر السيد الخوئي (قده) في تقريرات درسه أن المنذور الفائت لا تعين له حتى في الواقع، وعليه فلا معنى لتعينه بالقصد من قبل المكلف، وذكر في توضيح ذلك أن المورد يدخل تحت المركبات التدريجية التي يكون الفعل فيها تدريجياً، ولكن الإمتثال يكون دفعياً وفي آن واحد وهو الآن الذي يفرغ المكلف فيه من الإتيان بذلك المركب، فلا يتحقق الإمتثال إلا بالإتيان بآخر جزء من أجزاء المركب، وذلك لأن كل جزء من أجزاء المركب التدريجي مشروط في صحته وتحقق إمتثاله بأن يكون ملحوقاً ومسبوقاً بجزء من أجزاء ذلك المركب، وهذا شرط في كل جزء ما عدا الجزء الأول الذي لاشيء قبله والجزء الأخير الذي لاشيء بعده، وبناءً على هذا فالإمتثال والوفاء بالنذر في محل كلامنا لا يتحقق إلا بعد الفراغ من إعتكاف اليوم الثالث، ولكنَّ المكلف لا يعلم بأن الوفاء بالوجوب الناشئ من النذر تحقق بأيّ إعتكاف من الأيام الثلاثة، فالذي يعلمه المكلف أنه يمتثل وجوب الوفاء بالنذر عندما يفرغ من الإعتكاف في اليوم الثالث، ومن هنا فما يتحقق به الوفاء بالنذر لا تعين له حتى في الواقع، فلا معنى لتعيينه من قبل المكلّف.[3]

أقول: يبدو (والله العالم) أن ما ذكره (قده) لا ربط له بمحل كلامنا، إذ بإمكان المكلف الناذر أن يعيّن ما فاته وما أخل به في الأيام الثلاثة، ويتعين بذلك (أي بقصد الناذر)، وما ذكره السيد الخوئي (قده) يتم ويصح في المركبات تدريجية الوجود التي يتعلق وجوبها بنفس المركب كالصلاة، ففي هذه الموارد يقال أن هذا الوجوب الواحد متعلق بالمركب، وأن إمتثال هذا الوجوب لا يكون إلا بعد الفراغ من جميع أجزاء المركب، فإذا لم يأت ببعض الأجزاء فلا يكون ما جاء به إمتثالاً ومصداقاً للواجب. وهذا الكلام منه لا يأتي في محل كلامنا، إذ في محل كلامنا لا يوجد وجوب واحد متعلق بالمركب وهو الإعتكاف في ثلاثة أيام، بل يوجد وجوب نفسي واحد يتعلق بإعتكاف يوم واحد -لا أنه يتعلق بالأيام الثلاثة، وإلا رجعنا إلى ما قاله السيد الحكيم (قده)- وهو ناشئ من النذر، أما اليومان الآخران -على تقدير تعلق الوجوب بهما- يكونان واجبين بالوجوب الغيري المقدمي لتصحيح الواجب بالنذر.

والحاصل أن المكلف بإمكانه أن يعين ما وجب عليه بالنذر -بخلاف السيد الخوئي (قده)، حيث يستظهر من كلامه أنه لا يمكنه التعيين-؛ لا نريد أن نقول أنه يجب عليه أن يعين ذلك، بل نريد أن نقول أنه بإمكانه أن يعينه وبذلك يتعين، كما أنه بإمكانه أن لا يعينه بأن يأتي بالإعتكاف على أن يكون أحد أيامه من دون تعيين وفاءً للنذر، إذ وجوب الوفاء بالنذر توصلي.