1441/04/28


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

41/04/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الديات

(مسألة 211): يستثني من ثبوت الدية في القتل الخطائي ما إذا قتل مؤمناً في دار الحرب معتقداً جواز قتله وأنّه ليس بمؤمن فبان أنّه مؤمن، فإنّه لا تجب الدية عندئذٍ وتجب فيه الكفّارة فقط(1)

    1. الظاهر ان هذه المسالة مطروحة عند فقهائنا القدماء فقد ذكر الشيخ الطوسي (قده) في الخلاف (إذا قتل مؤمنا في دار الحرب، عامدا إلى قتله، و لم يعلمه بعينه و انما ظنه كافرا، فلا دية عليه، و ليس عليه أكثر من الكفارة)[1] وقد استدل عليه بقوله تعالى «فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ» والمقصود بالعداوة العداوة الدينية ولم يذكر الدية. واستدل أيضًا بان الأصل براءة الذمة

والشيخ ابن ادريس (قده) بعد ان نقل كلام الشيخ الطوسي قال (و الذي يقوى في نفسي، و يقتضيه أصول مذهبنا، ان عليه، الدية و الكفارة معًا، لقوله (عليه السلام) المجمع عليه- لا يطل دم امرئ مسلم ، و قوله (عليه السلام) في النفس مائة، من الإبل ، و هذه نفس، و الدية و ان لم تذكر في الآية، فقد علمناها بدليل آخر، و هو قوله (عليه السلام)- لا يطل دم امرئ مسلم- و في النفس مائة من الإبل)[2] ثم ادعى اجماع اصحابنا على ذلك عدا الشيخ الطوسي (قده)

اما مسالة الاستدلال بالاية الشريفة في محل الكلام فباعتبار ان الاية تتعرض الى قتل المؤمن وهو في قوم بينكم وبينهم عداوة باعتبار ان الاية التي بعدها تتحدث عن قتل المؤمن في قوم بينكم وبينهم ميثاق، وانه قتله مع اعتقاده انه ليس بمؤمن وانه من جملة الاعداء فمن هذه الجهة يكون الاشتباه، وبعض اسباب النزول تشير الى هذا ايضًا، ولم يذكر في الاية في الجزاء الا (فتحرير رقبة مؤمنة) وسكتت عن بيان الدية في الجزاء، وقد اشار العلامة وغيره الى ان الذي يدل على عدم وجوب الدية في الفرض هو الاية التي قبلها والاية التي بعدها، قال تعالى ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ۚ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا ۚ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا(92)﴾

فقد اثبتت الدية مع الكفارة في الحالة التي قبلها والتي بعدها وفي محل الكلام ذكرت تحرير رقبة فقط وهذا في حد نفسه قرينة على الحكم المذكور بالاضافة الى مسألة ان التفصيل قاطع للشركة فالحكم الثابت للاخير لا يكون ثابتًا في محل الكلام بل الثابت فيه هو الكفارة فقط

وهذا المقدار لعله واضح ولكن الكلام في كيفية استفادة فرض المسالة من الاية الشريفة فقد فرض في المسألة ان القتل خطأ وفرض فيها ان يكون القتل في دار الحرب وفرض فيها ثالثًا اعتقاد القاتل انه ليس بمؤمن وتبين انه مؤمن، ويظهر من هذه القيود خروج ما لو قتله في دار الاسلام عن مسالتنا، ويخرج منها ما لو لم يكن معتقدًا انه كافر بل ظن انه ليس بمؤمن ولم يجزم بذلك

اما اشتراط ان يكون في دار الحرب فالظاهر ان استفادة هذا المعنى من الاية مبني على ان يكون (من) في قوله تعالى (فان كان من قوم ...)) بمعنى (في)

ولكن يحتمل ان تكون (من قوم) بمعنى انه ينتسب اليهم وناشيء منهم فينتمي الى قوم من الاعداء الكفار ولكنه كان مؤمنًا بينهم، ومعه لا يمكن ان نستفيد ان القتل حصل في دار الحرب، فتخصيصه بدار الحرب مبني على ان يكون المقصود ب(من) ما يساوق (في) او (بين)

وما يرجح الاحتمال الاول الذي بيتني عليه الاستدلال ان الثاني لازمه الالتزام بانه اذا قتله في دار الاسلام فلا وجوب للدية كما لا تجب اذا قتله في دار الحرب والحال انه يصعب الالتزام بسقوط الدية في قتله لمجرد ان قومه من الاعداء

وبناءً على هذا فالمناسب للامر الاول ان يكون المراد بالقتل الخطأ في هذه الروايات غير القتل الخطأ المحض الذي ليس فيه تعمد ايقاع فعل بالنسبة للمجني عليه ولا تعمد قتله كما لو رمى طائرًا فقتل انسانًا، بينما القتل الخطأي هنا فيه تعمد ايقاع فعل على المجني عليه وقصد قتله، فيكون هذا خطأ من نوع اخر اي خطأ في الاعتقاد، واذا التزمنا بذلك فلا معنى لاستثناء هذه الحالة من الخطأ المحض في المسألة


[1] الخلاف المؤلف : الشيخ الطوسي. الجزء : 5 صفحة : 320
[2] السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي المؤلف : ابن إدريس الحلي. الجزء : 3 صفحة : 320