جلسة 49

المفطرات

النقطة الثانية: بناءً على مفطّرية الغبار لا فرق بين أن يكون غليظاً أو لا، كما اختار ذلك صاحب (المدارك)[1] وصاحب (الجواهر)[2] قدّس سرّهما، ولكن قد يقال بالاختصاص بالغليظ لأحد الوجهين التاليين:

الوجه الأول: ما اُشير إليه في (المستمسك)[3] وهو أنّ مدرك مفطّرية الغبار هو رواية المروزي[4] التي ورد فيها التعبير بالكنس، والكنس يثير غباراً غليظاً، ومعه فالاختصاص بالغبار الغليظ ينشأ من كون المدرك مختصاً بذلك.

الوجه الثاني: ما اُشير إليه في (رياض المسائل)[5] من أنّ مدرك مفطّرية الغبار ليس هو رواية المروزي فأنّها ضعيفة لقطعها وعدم معلومية المسؤول عنه فيها، وإنما المدرك هو الإجماع وينبغي الاقتصار فيه بعد كونه دليلاً لبّياً على القدر المتيقن وهو خصوص الغليظ.

هذا ما يمكن به توجيه الاختصاص بالغليظ، والمناسب التعميم فأنّ الكنس الوارد في رواية المروزي قد يثير غباراً غليظاً وقد يثير غباراً ليس بغليظ، فدعوى أنّ الكنس لا يثير إلاّ الغليظ هي على خلاف ما يلحظ خارجاً، وبذلك يندفع الوجه الأول في اختصاص المفطّرية بالغبار الغليظ.

وأمّا الوجه الثاني فهو مبني على كون المستند في المفطّرية هو الإجماع وليس رواية المروزي، فلا يصلح رداً على من يتمسك برواية المروزي، وعليه فلا فرق بين الغليظ وغيره إلاّ فيما سيأتي استثنائه في النقطة التالية.

النقطة الثالثة: ينبغي أن يستثنى من مفطّرية الغبار ما يثيره الهواء في بعض الأوقات وخصوصاً في بعض البلدان، ففي بعض البلدان يشتد الهواء في كثير من الأحيان ويكون سبباً لإثارة الغبار، إما في فصل الربيع بالخصوص أو في غير ذلك من الفصول أيضاً، ومثل هذا قد استثناه بعض الفقهاء فقد اختار صاحب (الجواهر)[6] ذلك تبعاً لاُستاذه، وهذا هو المناسب باعتبار أنّ تعميم المفطّرية لمثل ذلك يلزم منه الحرج في كثير من الأحيان خصوصاً في مثل بلاد الحجاز التي يشتد فيها الهواء، فلو كانت المفطّرية ثابتة في الحالة المذكورة لازم أن يشيع ذلك لعموم البلوى به، وعدم وضوح ذلك بين الناس هو بنفسه كاشف عن عدم المفطّرية في الحالة المذكورة.

ونحن بهذا لا نريد التمسك بما دل على نفي الحرج كقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)[7] الذي هو مدرك قاعدة نفي الحرج، ليشكل بأنّ القاعدة المذكورة ناظرة إلى الحكم التكليفي دون الحكم الوضعي، فهي تدل أنّه في مورد الحرج لا يوجد إلزام بالوجوب أو الحرمة من دون دلالة على أنّه لا مفطّرية، وإنما نريد أن نقول: إنّ التحرّز عن الغبار المذكور ما دام حرجياً، فيلزم أن تكون المفطّرية لو كانت ثابتة واضحة بين الناس، وعدم وضوحها هو الدليل على عدمه وليس الدليل قاعدة نفي الحرج.

هذا مضافاً إلى أنّه قد يُدّعى القصور في المقتضي قبل أن تصل الحاجة إلى إبراز المانع والمخصّص، فأنّ المقتضي لمفطّرية الغبار هو رواية المروزي التي ورد فيها التعبير بالكنس، ومن المحتمل أنّ المفطّر هو الغبار الذي أُحدث بالاختيار، فمتى ما كنس الإنسان في نهار الصوم وأحدث باختياره الغبار كان ذلك مفطّراً له، ولا يعم حالة ما إذا حدث الغبار بنفسه من دون إثارة مثير، ودعوى أنّ العرف لا يفهم الخصوصية من هذه الناحية أول الكلام، وعليه فالمفطّرية تختص بحالة ما إذا كانت إثارة الغبار بتوسط الكنس أو مطلق الإثارة الإنسانية الأعم من نفس الشخص وغيره، ولا تعم حالة الإثارة الربانية.

ومنه يتضح التأمّل فيما ذكره السيد اليزدي[8] ـ قدس سره ـ من عدم الفرق بين ما يحصل الإثارة بسبب الهواء أو بغيره، وهكذا ما أفاده السيد الحكيم[9] ـ قدس سره ـ من أنّ تفرقة كاشف الغطاء بين ما إذا حصلت الإثارة بسبب الهواء وما إذا حصلت بغيره غير ظاهرة، حيث اتضح أنّ استثناء ما يثيره الهواء وجيه للوجهين المتقدمين.

النقطة الرابعة: الأحوط إلحاق الدخان بالغبار، فقد يحكم بمفطّرية دخان التتن وغيره لأحد الوجوه التالية:

الوجه الأول: التمسك بما دل على مفطّرية الغبار، بدعوى أنّ الغبار إنما كان مفطّراً لأنّه يحتوي على ذرات صغيرة تدخل إلى الجوف، وحيث إنّ الدخان كذلك، أي: يحتوي على ذرات صغيرة تدخل الجوف، فمن المناسب تعميم المفطّرية له ،  وقد نقل صاحب  (المدارك) [10] وصاحب  (الحدائق) [11] أنّ بعض المتأخرين استدل على مفطّرية الدخان بذلك، وأجاب العلمان ـ سيد (المدارك) وشيخ (الحدائق) ـ بأنّ ذلك بعيد، وما ذكراه وجيه باعتبار أنّ الغبار وإن اشتمل على ذرات، ولكن ذرات الغبار تختلف عن ذرات الدخان، ولعل لتلك الذرات خصوصية ومعه فكيف يجزم بالتعميم؟ وما ذلك إلاّ قياس مع احتمال الفارق، هذا مضافاً إلى وجود المانع في خصوص الدخان وهي موثقة عمرو بن سعيد المتقدمة، حيث ورد فيها: سألته عن الصائم يتدخّن بعود أو بغير ذلك فتدخل الدخنة في حلقه؟ فقال: «جائز، لا بأس به»[12].

________________________

[1] مدارك الأحكام 6: 52.

[2] جواهر الكلام 16: 235.

[3] مستمسك العروة الوثقى 8: 260.

[4] الوسائل 10: 69 ـ 70 ، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب 22، ح1.

[5] رياض المسائل 5: 312.

[6] جواهر الكلام 16: 234.

[7] الحج: 78.

[8] العروة الوثقى 2: 19.

[9] مستمسك العروة الوثقى 8: 261.

[10] مدارك الأحكام 6: 52.

[11] الحدائق الناضرة 13: 75.

[12] الوسائل 10: 70، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب22، ح2.