جلسة 57

المفطّرات

والجواب: أنّ ما ذُكر في الحالة المذكورة هو مصداق للاحتلام، فإنّ الشخص يصدق عليه بالتالي أنّه احتلم فتشمله الروايات الدالة على عدم مفطّريّة الاحتلام، ولو تنزّلنا فلا أقلّ يصدق كلا العنوانين، أي عنوان الاحتلام وعنوان الاستمناء، لا أنّه يصدق فقط عنوان الاستمناء كما أراد ذلك الشيخ العراقي، ومع صدق كلا العنوانين تتعارض الروايات من كلا الجانبين، وبعد التساقط نرجع إلى الأصل فتكون النتيجة عدم المفطّريّة أيضاً.

هذا كله لو فرض ورود عنوان الاستمناء في الروايات، ولكن سيأتي إن شاء ـ تعالى ـ أنّ الوارد عنوان عبث بأهله فأنزل، ولم يرد عنوان الاستمناء في شيء من الروايات، ومن الواضح أنّ عنوان عبث بأهله فأنزل ليس بصادق على المقام.

النقطة الثانية: لو فرض أنّ المكلّف قبل الفجر مس ميتاً، فهل يجب عليه الاغتسال قبل طلوع الفجر ويكون ذلك كالجنابة؟ كلا، فإنّ الروايات وردت في الجنابة ولم ترد في مس الميت، ومعه فيتمسك بصحيحة محمّد بن مسلم[1] الحاصرة للمفطّرات في ثلاثة أو بأصل البراءة.

هذا في مس الميت، وأمّا الحيض والنفاس فيأتي الحديث عنهما في المسائل التالية إن شاء الله تعالى.

مسألة 987: إذا أجنب ـ عمّداً ليلاً ـ في وقت لا يسع الغُسل ولا التيمّم ملتفتاً إلى ذلك فهو من تعمّد البقاء على الجنابة، نعم إذا تمكن من التيمّم وجب عليه التيمّم والصوم، والأحوط استحباباً قضاؤه وإن ترك التيمّم وجب عليه القضاء والكفارة[2].

تشتمل المسألة المذكورة على نقطتين:

النقطة الاُولى: لو فرض أنّ الشخص كان ملتفتاً إلى أنّ الوقت لا يسع الغُسل ولا التيمّم وبالرغم من ذلك أجنب نفسه، فهل يكون ذلك مفطراً؟ حكم صاحب (الحدائق)[3] وصاحب (الجواهر)[4] بالمفطّريّة، وأنّ ذلك من مصاديق تعمّد البقاء على الجنابة إلى الفجر من دون أن ينسبا إلى الأصحاب شيئاً، وهكذا أفتى المتأخرون بالمفطّريّة لنفس النكتة.

وقد يوجّه ذلك كما جاء في كلمات السيد الماتن[5] بأنّه يكفي في صدق عنوان تعمّد البقاء على الجنابة كون المقدمة اختيارية، فالمكلّف في مفروض المسألة قد أجنب نفسه باختياره، وهذا المقدار يكفي لصدق عنوان تعمّد البقاء فلا يلزم في صدق العنوان المذكور كون البقاء بنفسه أمراً اختيارياً، بل يكفي أن يكون حدوث الجنابة أمراً بالاختيار.

وفيه: إن ما ذكر وجيه لو فرض أن الروايات قد ورد فيها عنوان تعمّد البقاء على الجنابة وأنه من جملة المفطرات، فلو كان العنوان المذكور وارداً لتمّ ما أُفيد، ولكن لم يرد العنوان المذكور في الروايات، فإن أحسن الروايات حالاً هي صحيحة أبي بصير[6] حيث قال: في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثمّ ترك الغُسل متعمّداً حتى أصبح، قال: «يعتق رقبة، أو يصوم شهرين متتابعين، أو يُطعم ستّين مسكيناً»، قال: وقال: «إنّه حقيق أن لا أراه يدركه أبداً» وهي كما ترى لم تشتمل على عنوان تعمّد البقاء، بل الوارد فيها ترك الغُسل متعمّداً حتى أصبح.

وإذا قلت: هذا لا يؤثر فإنّ عنوان ترك الغُسل متعمّداً صادق في المقام بعد ما كانت الجنابة بالاختيار.

قلت: هذا مقبول لو فرض أنّ تمام الموضوع للحكم بالمفطّريّة في الصحيحة المذكورة هو عنوان ترك الغُسل متعمّداً، ولكن نحتمل وجود جزء ثانٍ في موضوع الحكم، وهو أن تكون الجنابة في سعة الوقت، فمن أجنب في سعة الوقت ـ وهذا هو الجزء الأوّل ـ وترك الغُسل متعمّداً ـ وهذا هو الجزء الثاني ـ فيحكم عليه بالمفطّريّة، والمفروض في المقام أنّ الجنابة ليست في سعة الوقت، والقرينة على هذا الجزء الأوّل تعبير الرواية حيث ورد فيها: رجل أجنب في شهر رمضان بالليل، والمقصود من هذا جزماً هو الإجناب في سعة الوقت بقرينة قوله: ثم ترك الغُسل متعمّداً حتى أصبح، وهذا معناه أن السائل ناظر إلى حالة الجنابة في سعة الوقت، ولا أقل من كون هذا محتملاً بدرجة وجيهة، ومعه فلا نجزم بكون تمام الموضوع هو عنوان ثمّ ترك الغسل متعمّداً حتى أصبح، اللّهم إلا أن يُدّعى أنّ السائل وإن كان ناظراً إلى سعة الوقت فافترض أوّلاً الجنابة في سعة الوقت ثم افترض ثانياً ترك الغُسل متعمّداً، ولكن الجزء الأوّل لا خصوصية له وإنما المدار على الجزء الثاني، وهو ترك الغُسل متعمّداً، إلا أنّ عهدة هذا على مدّعيه وإن حاول السيد الحكيم[7] التأكيد عليه.

إن شئت قلت: لو فُرض أنّ السائل قد صرّح هكذا: رجل أجنب في سعة الوقت وترك الغُسل متعمّداً حتى طلع الفجر، وأجاب ـ عليه السلام ـ بأنه قد أفطر، فهل يمكن أن نستفيد منه عموم الحكم بالمفطّريّة لحالة الإجناب في ضيق الوقت؟ كلا، إنّه مُشكل.

وعليه يكون المناسب هو التمسك بالبراءة في الحالة المذكورة وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه.

__________________

[1] الوسائل 10: 31، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب 1، ح 1.

[2] منهاج الصالحين 1: 265.

[3] الحدائق الناضرة 13: 128.

[4] الجواهر الكلام 6: 244.

[5] مستند العروة الوثقى 1: 187.

[6] الوسائل 10: 63، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب 16، ح 2.

[7] مستمسك العروة الوثقى 8: 282.