جلسة 96

مفطرات الصوم

الثالث: تقدّم في مسألة 1003 جواز مصّ لسان الزوجة وبالعكس، وذكرنا أيضاً أنّ بعض الروايات قد دلّت على ذلك وأنّه لا بأس به، وقد أفتى الفقهاء ـ رضوان الله عليهم ـ لأجل ذلك بالجواز، والآن نقول: يلزم تقييد الجواز المذكور بما إذا كان الشخص واثقاً من عدم الإنزال، وإلا فلا يجوز له ذلك، فإنّ الرواية الدالة على جواز ذلك وإن كانت مطلقة ولكنها تقيّد بموثقة سماعة الدالة على أنّه إذا خاف الإنزال فلا يجوز، كما هو الحال في سائر موارد الإطلاق والتقييد الأخرى.

الرابع: إنّ ما انتهينا إليه سابقاً، وهو تحريم الملاعبة مع عدم الوثوق أمر تقتضيه الصناعة، حيث إنّ ظاهر موثقة سماعة ذلك، ولكن المشهور بين الفقهاء هو الكراهة، ولم يعرف نسبة التحريم في حالة عدم الوثوق إلى أحد من المتقدمين، ومن هنا يكون المناسب الانتقال إلى الاحتياط بدلاً من الفتوى بالتحريم بنحو الجزم.

هذا كله في الدعوى الأولى، وقد اتضح ثبوت التحريم بنحو الاحتياط في حالة عدم الوثوق.

وأمّا الدعوى الثانية، وهي الكراهة مع الوثوق فقد يستدل لها بأنّ ظاهر بعض الروايات مرجوحية كلّ ملاعبة ومطلق المباشرة للزوجة، غايته خرجنا من ذلك في حالة عدم الوثوق بسبب موثقة سماعة وقلنا بالتحريم، وتبقى آنذاك حالة الوثوق مشمولة لتلك الروايات الدالة على المرجوحية والمبغوضية، ومن تلك الروايات:

موثقة الأصبغ بن نباته، قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ فقال: يا أمير المؤمنين، أُقبّل وأنا صائم؟ فقال: له «عف صومك، فإنّ بدو القتال اللطام» [1]، فإنّه يفهم منه مطلوبية تنزيه الصوم من كلّ ملامسة للزوجة؛ لأنّ القتل يبتدأ باللطام، بمعنى أنّ القتل لا يحصل دفعة وإنّما يحصل تدريجاً، فأولاً تصدر اللطمة على الوجه أو نحوه ثم ينجر الأمر إلى القتل، وهكذا ينبغي للمؤمن أن ينزّه صومه من ملامسة النساء خوفاً من انتهاء الأمر إلى ما لا تحمد عقباه.

ورواية الصدوق بسنده عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ أنّه سأله عن الرجل يجد البرد، أيدخل مع أهله في لحاف وهو صائم؟ قال: «يجعل بينهما ثوباً» [2].

ورواية (عيون الأخبار) عن الرضا عن آبائه ـ عليهم السلام ـ قال: قال عليّ بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ: «ثلاثة لا يعرض أحدكم نفسه لهنّ وهو صائم: الحجامة، والحمّام، والمرأة الحسناء» [3].

والروايات الثلاث المذكورة تدل على مرجوحية مطلق مباشرة الصائم لزوجته، غايته في حالة عدم الوثوق نقول بالتحريم لموثقة سماعة المتقدّمة، فتبقى حالة الوثوق مشمولة للروايات المذكورة وتثبت فيها الكراهة.

هكذا قد يوجّه الحكم بالكراهة، ولكنّه قابل للمناقشة، فإنّ ظاهر جميع الروايات الثلاث المذكورة التحريم وليس الكراهة، ولا فرق بينها وبين الروايات المتقدّمة التي استفيد منها التحريم، ومعه يكون المناسب تقييد الحرمة المستفادة من هذه الروايات الثلاث بحالة عدم الوثوق، ولا يمكن آنذاك الخروج بالتفصيل وأنّه مع عدم الوثوق يَحرُم ومع الوثوق يكره إلاّ إذا فرض أنّ المستفاد من الروايات الثلاث المذكورة الكراهة دون التحريم، ولكن الواقع ليس كذلك، فإنّ لسانها لسان التحريم، ومعه يكون استفادة التفصيل أمراً مشكل.

نعم، بناء على الرأي المشهور القائل بأنّ المقصود في جميع الروايات هو الكراهة يمكن أن يفصّل في درجات الكراهة، فيقال مع عدم الوثوق تكون الكراهة شديدة ومع الوثوق تكون خفيفة.

وعلى أي حال، التفصيل الذي أشار إليه السيد الماتن في عبارة المتن لا يمكن استفادته من الروايات، فإنّ الكراهة مع الوثوق لا تدل عليها رواية، اللهم إلاّ أن يستند في ذلك إلى الشهرة، فإنّ المشهور هو الكراهة مطلقاً، وهو وإن لم يرَ حجّية الشهرة ولكن الأمر في باب المستحبات والمكروهات سهل؛ للتسامح في أدلتها. هذا كله في النقطة الأولى.

النقطة الثانية: إذا قصد الصائم عند ملامسته لزوجته الإنزال ولكنّه لم ينزل كان ذلك من قصد المفطر، وهو من جملة المفطرات فيجب قضاء الصوم.

هذا، وقد تقدّم منّا في مباحث النية أنّ قصد القاطع بنحو الاستقلال يكون موجباً للمفطرية؛ لأنّ الاستمرار في نية الصوم وعدم قطعها في الأثناء أمر لازم، إذ المستفاد من قوله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[4] ، منضمّاً إلى قوله سبحانه وتعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)[5] ، أنّ الصوم واجب من الفجر إلى الغروب، وحيث إنّ الصوم من العناوين القصدية فيلزم أن يكون مقصوداً في جميع هذه الآنات المتخلّلة.

أمّا إذا قصد المكلفُ القاطعَ من دون إلتفات إلى أنّ ذلك يوجب قطع الصوم والإخلال بنيته فلا دليل على تحقق المفطرية آنذاك، وفي كثير من الأحيان لا يكون المكلف قاصداً لقطع الصوم بنحو استقلالي، ولذا لو نُبِّه وقيل له: أنت حينما قصدت أن تأكل فقد قصدت قطع الصوم وإن لم تأكل بالفعل يستغرب ويقول: كلا، بل إنّي باقٍ على نية الصوم. وهذا منبه على أنّ قصد قطع الصوم متحقق بالتبع وليس بنحو الاستقلال، ولا دليل على اعتبار نية الصوم أكثر من هذا.

النقطة الثالثة: يكره الاكتحال بما يصل طعمه أو رائحته إلى الحلق، كما إذا كان في الكحل صبرٌ أو مسكٌ أو نحوهما. والمستند فيه موثقة سماعة بن مهران.

____________________________

[1] وسائل الشيعة 10: 100، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب33، ح15.

[2] وسائل الشيعة 10: 98، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب33، ح7.

[3] وسائل الشيعة 10: 99، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب33، ح10.

[4] البقرة: 183.

[5] البقرة: 187.