36/01/23


تحمیل
الموضـوع:- أحكام المصدود - مسألة ( 439 ).
الاشكال الثاني:- إنه ورد في صحيحة معاوية المتقدّمة ما يدلّ على المغايرة بين المحصور والمصدود حيث قال عليه السلام:- ( المحصور غير المصدود، وقال:- المحصور هو المريض والمصدود هو الذي يرده المشركون كما ردّوا رسول الله صلى الله عليه وآله ليس من مرض والمصدود تحلّ له النساء والمحصور لا تحلّ له النساء )[1]، إنها دلّت على المغايرة بينهما ومعه لا يمكن التمسّك بظاهر الآية الكريمة وإرادة المعنى اللغوي من الحصر فيها بعد هذه الرواية التي تجعل المغايرة بينهما والمفروض أنّا لا نقبل ما أفاده صاحب الحدائق(قده) على ما نقلناه عنه سابقاً فإنه ذكر أنّ هذا عرفٌ خاصٌّ بهم صلوات الله عليهم ولا ينبغي تحميله على الآية الكريمة ونحن علقنا على ذلك وقلنا إنّ هذه الرواية تولّد عندنا احتمال أنّ المقصود من المحصور هنا هو ما يقابل المصدود ولا يمكن لأحدٍ أن ينكر هذا الاحتمال بحيث تعود الآية مجملة لا ظهور لها في كون المقصود من المحصور هو المعنى اللغوي بل لعلّ المقصود هو ما يقابل المصدود.
وما دمنا لا نقبل جوابه فكيف إذن نتخلّص من هذ الاشكال ؟
والجواب:- يحتمل أن يكون المقصود من الرواية هو بيان المغايرة بين العنوانين بنحو المغايرة الحكميّة - أي في الحكم - فالإمام عليه السلام حينما يقول هذا غير هذا نحتمل أنّ المقصود هو أنّ هذا غيره يعني من حيث الحكم فإنه من حيث الحكم قد يختلفان، فالمغايرة مغايرة حكميّة - أي في مجال النساء - فالذي مُنِع لأجل العدو تحلّ له النساء بالتحلّل وأمّا الذي حصل له المنع بسبب المرض فلا تحلّ له النساء إلّا بطواف النساء فالمغايرة هي من هذه الزاوية ولذلك الإمام سلّط الأضواء على ذلك بأنّ هذا تحلّ له وذاك لا تحلّ له، وهذا شيءٌ وجيهٌ ومادام شيئاً وجيهاً فيعود ظهور الآية الكريمة - بعد ضمّ القرينتين السابقتين إليها - في إرادة مطلق الحبس من الحصر بلا مانعٍ فإن الذي يقف أمامه هو هذه الرواية والمفروض أنّها يحتمل أن يكون المقصود منها التغاير من زاوية النساء لا التغاير من جميع الزوايا فتبقى قرينة ( فإذا أمنتم ) الموجبة للظهور في إرادة مطلق المنع من المحصور بلا مانعٍ من الأخذ بها . فإذن هذه الرواية لا تزعزع ما انتهينا إليه.
الإشكال الثالث:- إن الآية لا تدلّ على وجوب الهدي في حالة الحصر، يعني سلّمنا أن ( أحصرتم ) يراد به مطلق الحبس بما يشمل الحبس بسبب العدو ولكنها لا تدلّ على وجوب الهدي فإنها قالت ﴿ فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ﴾ وقبوله ﴿ فما استيسر من الهدي ﴾ لا يستفاد منه الوجوب بل هو حياديّ فإنها لم تعبّر وتقول ( فيلزم ) أو ( فيجب ) فكيف تستفيد الوجوب ؟!! فالآية من ناحية لزوم الهدي مجملةٌ ولا يمكن التمسّك بها لإثبات وجوب الهدي إذا أريد التحلّل.
والجواب:- نحن لا نتمسّك بفقرة ﴿ فما استيسر من الهدي ﴾ فإنّها مجملة كما ذكر وإنما نتمسّك بقوله تعالى بعد ذلك مباشرة ﴿ ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله ﴾ الذي هو كناية عن التحلل، إنّ هذه ظاهرة في اللزوم وأنّه لا يجوز التحلّل وحلق الرأس إلّا إذا بلغ الهدي محلّه.
إذن هذا هو مورد الشاهد دون فقرة ﴿ فما استيسر من الهدي ﴾، نعم هذه الفقرة وردت في هذه الآية الكريمة مرّتين مرّة في بداية الآية حيث قيل ﴿ وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ﴾ وهنا قلنا وإن كانت هذه الفقرة لا دلالة لها على الوجوب لكن التعقيب الذي أتى بعدها حيث قيل بعدها مباشرة ﴿ ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله ﴾ يستفاد منه آنذاك الوجوب فلا مشكلة، ومرّة ثانية وردت في ذيل الآية الكريمة حيث قيل في الآية ﴿ ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محلّه فمن كان منكم مريضاً أو به أذىً من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذا امنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ﴾.
نتذكّر مما سبق أنّ السيد الخوئي(قده) استدل بهذه الفقرة على أنّ حج التمتع يجب فيه الهدي لأنها تقول ﴿ فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة الى الحج فما استيسر من الهدي ﴾ فهي دلّت على وجوب الهدي وهذا هو أحد الأدلّة التي تمسّك بها على ذلك.
ونحن أشكلنا هناك وقلنا:- إن هذه الفقرة لا يستفاد منها الوجوب لأنها قالت ﴿ فما استيسر من الهدي ﴾ فهي حياديّة وأمّا قوله بعد ذلك ﴿ فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام .. ﴾ فهذا أيضا لا يستفاد منه اللزوم لأنّه يبيّن أنّ الهدي راجحٌ له فإذا كان لا هدي فالقائم مقامه هو هذا فإذا كان ذاك واجباً كان هذا واجباً وإذا كان ذاك مستحبّاً فهذا يصير مستحباً . إذن هذه الفقرة التي جاءت عقيب تلك أيضاً لا تنفعنا في مجال استفادة الوجوب، هذا ما أشكلنا عليه سابقاً.
ولكن هذا الإشكال لا يأتي في الفقرة الأولى لأنه جاء عقيب ﴿ فما استيسر من الهدي ﴾ فقرة ﴿ ولا تحلقوا ﴾ وهذه ظاهرة في اللزوم أيّ لا يجوز التحلّل إلّا بالهدي - وهذه كانت جملة معترضة وليست محلّ بحثنا وإنما بحثنا هو في الفقرة الأولى واتضح أن استفادة الوجوب من الآية الكريمة لتحلّل المصدود والمحصر شيءٌ وجهٌ لا بأس به -.
والخلاصة:- إنّ الآية الكريمة قد يشكل على استفادة وجوب الهدي بالتحلّل بثلاثة إشكالات وقد اتضح أنّ الجميع قابل للدفع، فإذن لا مانع من الأخذ بظهورها في إثبات الوجوب.
وأما الروايات:-
فالمهم منها روايتان، فقد يتمسّك بهاتين الروايتين لإثبات الوجوب ونحن نذكرهما لنلاحظ بأنّه هل يستفاد منهما الوجوب حقاً أو لا ؟
وقبل أن نذكر هاتين الروايتين نذكر كلاماً للعلامة في المنتهى:- حيث ذكر لإثبات وجوب الهدي في التحلّل للمصدود إنّ النبي صلى الله عليه وآله في صلح الحديبية صُدَّ وتحلل بالهدي - وهذا ثابت بالتاريخ وبالروايات -، ثم ذكر هذه الجملة:- ( وفعله صلى الله عليه وآله بيانٌ للواجب فيكون واجباً )[2] . إذن هو أثبت الوجوب بهذا الشكل.
والاشكال عليه واضح:- فإنّه مَن قال إنّ فعله لبيان الواجب ؟!! نعم قل إنّ فعله يدلّ على أنّ ذلك وظيفةٌ إلّا أنّ الوظيفة أعم من الواجب والمستحب، فهذا صحيحٌ ولكن لا ينفعك، والأوّل ينفعك ولكن ليس بصحيحٍ.
وأمّا الروايتان:-
الرواية الأولى:- موثقة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال:- ( المصدود يذبح حيث صدَّ ويرجع صاحبه فيأتي النساء، والمحصور يبعث بهديه فيعدهم يوماً فإذا بلغ الهدي أحلّ هذا في مكانه ... )[3]، ومحلّ الشاهد هو أنه عليه السلام قال ( المصدود يذبح حيث صد ) وكلمة ( يذبح ) وإن كانت جملة فعليةً ولكن كما قرأنا في كتاب الكفاية أنّ الجملة الفعليّة تدلّ على الوجوب وظاهرة فيه خلافاً للشيخ النراقي فإن رأيه في المستند أنّ الجملة الفعليّة لا ظهور لها في الوجوب بل هي حياديّة من هذه الناحية، ولكن المعروف أنّها ظاهرة في الوجوب، ومادامت هي ظاهرة في الوجوب فيثبت بذلك أنّ المصدود يلزمه أن يذبح، وهذا هو المطلوب . إذن هي قد دلّت على ذلك، هكذا قد يقال.
وفيه:- إنّنا نسلّم أنّ الجملة الفعليّة الخبريّة ظاهرة في الوجوب إلّا أنّه في خصوص المقام يوجد ما يوجب الاجمال فإنه عليه السلام قال ( المصدود يذبح حيث صُدَّ بينما المحصور يبعث بهديه ) فلعلّ مقصوده عليه السلام هو بيان هذا المطلب وهو أنه يذبح في مكانه في مقابل ذاك حيث يرسل الهدي أمّا أنّ أصل الذبح لازمٌ أو ليس بلازمٍ فهي ليست ظاهرة في ذلك بل هي ظاهرة في أنّ ذبح هذا يكون في مكانه في مقابل ذاك فإنّ الذبح يكون بالإرسال.
وهكذا بالنسبة إلى الفقرة الثانية فهي حينما قالت ( يبعث ) فهي أيضاً لا تدلّ على اللزوم لأنها في صدد بيان المقابلة وأن هذا لا يذبح في مكانه بل وظيفته الارسال أمّا أنّ هذه الوظيفة لازمة أو ليست بلازمة فلا ظهور للرواية في ذلك بل تعود مجملة من هذه الناحية . نعم نسلّم أنه لو فرض أنَّ الفقرة الثانية لم تكن موجودة وكانت الفقرة الأولى هي الموجودة بأن قيل هكذا:- ( المصدود يذبح في مكانه ) فيمكن أن يقال بأنّها ظاهرة في اللزوم، أمّا بعد أن فرض أنّها جعلت مقابلة لذاك فحينئذٍ يزول هذا الظهور ويتولّد إجمالٌ.
إذن الرواية المذكورة مجملة من هذه الناحية ويشكل التمسّك بها.