36/03/14


تحمیل
الموضـوع:- تتمة مسألة ( 449 )، مسألة ( 450 )– أحكام المحصور.
استدراك:- ذكرنا مطلباً قبل أن نتعرّض إلى الصور الثلاث وهو أنّه حكم(قده) بأنّ المحصور يجب عليه الذهاب مادام يشعر من نفسه الخفّة ويظنّ أو يحتمل بنحوٍ معتدٍّ به القدرة على أداء المناسك، وهذا الحكم الذي أفاده - يعني الوجوب - يتطابق مع الوجدان المتشرّعي ومرتكزات المتشرعة فمن المناسب إذن أن يذهب، ولكن الكلام في التخريج الفنّي لهذا الوجوب ونحن ذكرنا مدركين لذلك الأوّل هو فكرة الاستصحاب الاستقبالي بناءً على استفادة حجّيته من إطلاق روايات ( لا تنقض اليقين بالشك ) [1]والثاني هو التمسّك بالسيرة العقلائية الممضاة.
واستدراكنا هو:- إنّه بالنسبة إلى الاستصحاب الاستقبالي فإنّه حتى لو بنينا على حجّيته فقد يتوقّف في تطبيقه على المقام لأنّه يتمّ فيما لو فرض أنّ المكلف أحرز القدرة الآن بأن فرض أنّه كان حيّاً الآن وعاقلاً وغير ذلك ويحتمل بعد ذلك أن تزول هذه الأمور كزوال القدرة على المشي أو الموت أو غير ذلك فهنا هذا مورد الاستصحاب الاستقبالي، فأنت الآن حيّ فبالاستصحاب الاستقبالي تبني على بقاء الحياة ... وهكذا في بقيّة الأمور التي هي محرزة الآن، وأمّا في محلّ كلامنا فلا يوجد شيءٌ محرزٌ الآن ويُشكّ في بقائه فهو لا يحتمل مثلاً زوال الحياة أو العقل أو أنّه يحصل في رجله كسرٌ فلو كان من هذه الناحية فالأمر سهلٌ إذ أنّ هذا استصحابٌ استقباليٌّ بلا إشكال، وإنما كلامنا هو في أنّه لا يدري أنّ الوقت يسع لإدراك الموقفين أو لا فهنا لا يوجد شيءٌ محرزٌ الآن حتى يستصحبه إلى الاستقبال فتطبيق فكرة الاستصحاب الاستقبالي على المقام شيءٌ مشكلٌ . إذن لابد من التفتيش عن نكتةٍ فنيّةٍ أخرى، وواضحٌ أننا الآن نريد أن نبحث عن نكتةٍ فنيّةٍ علميّةٍ وإلا فصحيحة زرارة تكفينا المؤونة لأنّه ورد فيها:- ( إذا أحصر الرجل بعث بهديه فإن أفاق ووجد بنفسه خفّةً فليمض إن ظنَّ أنه يدرك الموقفين ) [2]فظنّ يعني احتمل، فالرواية هي تثبت لزوم أن يذهب وهذا واضحٌ ونحن مسلّمون به ولكن نريد أنّ نتعلّم بعض القضايا الفنيّة والعلميّة.
إذن اتضح أنّ التمسّك بالاستصحاب مشكلٌ وهكذا التمسّك بالسيرة مشكلٌ فإنَّ القدر المتيقّن منها هو ما إذا فرض أنّ الانسان كان محرزاً للحياة الآن ويشك في بقائه ومحرزاً للعقل الآن ويشكّ في بقائه ويشك في بقاء باقي الشروط فهنا السيرة موجودة، وأمّا في مثل موردنا الذي هو من البداية يشك هل أنّه يدرك الموقفين أو لا فمن قال إنّ السيرة منعقدة على ذلك ؟! إنّه قد يشكك فيها.
والأنسب أن يتمسّك بالبيان التالي وذلك بأن يقال:- إنّ مقتضى إطلاق كلّ خطاب - مثل خطاب يجب الحج ويجب الصوم وتجب الصلاة والجهاد وهكذا كلّ الواجبات - هو وجوبه حتى إذا لم يكن الشخص قادراً، نعم العقل يتدخّل يقول مادام الشخص ليس بقادرٍ فلا يجوز توجيه الخطاب إليه إذ الداعي من الخطاب هو التحريك وتحريك غير القادر شيءٌ مرفوضٌ عقلاً فإنه لا يمكن عقلاً، ومن هنا ذهب الشيخ النائيني(قده) إلى أنّ الخطابات الشرعيّة مختصّة بعالم القدرة لهذا البيان.
ولكن نقول:- بماذا حكم العقل ؟ إنّه حكم بأنّ غير القادر بنحو الجزم يقبح توجيه الخطاب والتحريك إليه فهذا لا يمكن عقلاً ويتقيّد، يعني إذا كانت القدرةُ منتفيةٌ بنحو الجزم، أمّا إذا فرض أنّ القدرة كانت محتملة احتمالاً وجيهاً فهل يقبح توجيه الخطاب إليه ؟ إنّ العقل لا يحكم هنا بلزوم التقييد فيبقى حينئذٍ إطلاق الخطاب على حاله.
هذا بيان فنّي للزوم التحرّك وهو التمّسك بإطلاق الخطاب، مضافاً إلى أنّه قد يدّعى السيرة العقلائيّة والمتشرعيّة في موارد الظن بالقدرة على الامتثال قاضية أيضاً بلزوم التحرّك إلى أنّ يتبيّن الحال بعد ذلك، ولذلك يكون الشخص الذي يعتذر ويقول ( من قال أني أتمكن أن أصل وأؤدّي الوجب ) ملوماً من قبل العقلاء على ذلك.
الصورة الثانية:- أن يفترض أنّه ينكشف عدم إدراك الموقفين يعني أنّه وصل بعد أن أفاض الناس من المشعر الحرام ولكنّه بَعدُ لم يُذبَح عنه فما هو حكمه في مثل هذه الحالة ؟ يمكن أن يقال تشمله الرواية الدالة على أنّ من أحرم ولم يدرك الموقفين لأجل ضيق الوقت ينقلب حجّه إلى عمرةٍ مفردةٍ انقلاباً قهرياً فلاحظ صحيحة الحلبي حيث تقول:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يأتي بعدما يفيض الناس من عرفات، فقال:- ...... وإن قدم رجلٌ وقد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام فإن الله أعذر لعبده فقد تمّ حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل ان يفيض الناس فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج فليجعلها عمرة مفردة وعليه الحج من قابل )[3]، إنّ هذه الرواية التي تقول:- ( فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحجّ فليجعلها عمرة فمفردة ) تدل على أنّه فاته الحج بسبب ضيق الوقت كما هو محلّ كلامنا ففي مثل هذه الحالة ينقلب إلى عمرةٍ مفردةٍ وهذا شيء واضح.
الصورة الثالثة:- أن يفترض نفس ما افترضناه في الصورة الثانية - يعني أنّه لا يدرك المشعر الحرام - ولكن قد ذُبِحَ عنه، وهنا قد دلّت الرواية على أنّه يطبّق حكم المحصور عليه ما دام قد ذُبِحَ عنه، فعلى هذا الأساس يكون حكمه حكم المحصور يعني يتحلّل من كلّ شيءٍ إلا النساء والنساء لابد وأن يأتي لها بطوافٍ وسعيٍ وحده أو ضمن عمرة مفردة - على الخلاف -، ومدرك ذلك هو صحيحة زرارة المتقدّمة:- ( إذا أحصر الرجل بعث بهديه فإن أفاق ووجد بنفسه خفّةً فليمضِ إن طنَّ أنّه يدرك الناس فإن قدم مكة قبل أن يُنْحَر الهدي فليقم على إحرامه حتى يفرغ من جميع المناسك ولينحر هديه ولا شيء عليه وإن قدم مكة وقد نُحِرَ هديه فإن عليه الحجّ من قابل )، والمقصود من ( وقد نحر هديه فإن عليه الحج من قابل ) يعني بعبارة أخرى أن هذا لا يجزيه ويكون حكمه حينئذٍ حكم المحصور فهو قد تحلّل بالهدي ويبقى يحتاج إلى طوافٍ وسعيٍ لأجل النساء فذلك لأجل الرواية المتقدّمة في قضيّة الإمام الحسين عليه السلام، والمهم أنَّ هذه الصحيحة قالت ( إنّ من نُحِرَ هديه عله الحجّ ) أي أنَّ هذا لا يجزيه يعني أنّه يطبق حكم المحصور.
هذه هي الصور الثلاث التي أشارت إليها هذه المسألة.

مسألة ( 450 ):- إذا أحصر عن مناسك منى أو أحصر من الطواف والسعي بعد الوقوفين فالحكم فيه كما تقدّم في المصدود . نعم إذا كان الحصر من الطواف والسعي بع دخول مكة فلا إشكال ولا خلاف في أنَّ وظيفته الاستنابة.[4]
..........................................................................................................
إنّ المسائل السابقة كانت ناظرة إلى من أحصر عن الحج بمعنى أنّه لم يتمكن من إدراك الموقفين وقد اتضح حكم ذلك وأنّه يتحلّل بالهدي وأمّا بالنسبة إلى النساء فيحتاج إلى طوافٍ وسعيٍ والأحوط وجوباً أن يكون ضمن عمرةٍ كاملةٍ، أمّا الآن فنريد أن نعرف حكم من أُحْصِرَ عن مناسك منى وليس عن الموقفين، يعني أنّه مرض بعد أن وقف بالمشعر الحرام فحصر عن مناسك منى فما هو حكمه، أو فرض أنّه أدّى مناسك منى ولكن بعد أدائها حُصِرَ عن مناسك مكّة أي عن الطوافين والسعي فهنا ما هو الحكم ؟