36/05/08


تحمیل
الموضـوع:- مسألة (4) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
مسألة ( 4 ):- بيع ما لا يحلّه الحياة من أجزاء الميتة إذا كانت له منفعة محلّلة معتدّ بها.
تشتمل المسألة على حكمين:-
الحكم الأوّل:- إن أجزاء الميتة التي لا تحلّها الحياة أعني مثل السنّ والشعر والصوف يجوز بيعها.
الحكم الثاني:- إنّ جواز البيع مقيّد بما إذا كانت لهذه الأشياء منفعة معتدّ بها.
أما بالنسبة إلى الحكم الثاني:- فقد تقدّمت الإشارة إليه في مسألة ( 1 ) وسيأتي في مسألة (7 ) حيث ذكرنا أنّ هذا القيد لا يلتئم مع مباني السيد الماتن(قده) وقد ذكرنا في ذلك احتمالات ثلاثة أوجهها الثالث وهو أنّ هذا القيد ذكر من باب الاحتياط الوجوبي باعتبار أنّ بعض الأعلام نقل عدم الخلاف في اعتبار الماليّة في العوضين ومع عدم وجود المنفعة فلا ماليّة فلا بيع لأنّ البيع يشترط فيه الماليّة، فإنّه لأجل هذه الشبهة احتاط وجوباً باشتراط وجود المنفعة المعتدّ بها.
إذن هذا من باب الاحتياط الوجوبي، وقد سجلنا عليه ملاحظةً فنيّة في تلك المسألة ونسجّلها في هذه المسألة أيضاً وهي أنّه كان من المناسب أن يقول ( على الأحوط ).
وأمّا بالنسبة إلى الحكم الأوّل:- فقد تعرّض له صاحب الجواهر(قده)[1] وهكذا الشيخ الاعظم(قده)[2] ولكن اكتُفِيَ بالإشارة إلى الجواز وكأنّ الحكم شيءٌ مفروغ عنه ولا يحتاج إلى دليل فلم يذكر العلمان دليلاً لذلك، فمثلاً قال صاحب الجواهر:- ( نعم لا بأس بما لا تحلّه الحياة من أجزائها كما أنه لا بأس بميتة غير ذي النفس )، وقال الشيخ الأعظم:- ( تحرم المعاوضة على الميتة وأجزائها التي تحلّها الحياة من ذي النفس السائلة على المعروف من مذهب الأصحاب ).
وعلى أيّ حال قد يوّجه الحكم المذكور بفكرة القصور في المقتضي فيقال:- إنّ الدليل المانع من البيع - أعني الروايات التي ورد فيها ( ثمن الميتة سحت ) - لا يشمل مثل هذه الأجزاء فإنّ عنوان الميتة يصدق على ما كانت فيه الحياة ثم زالت أمّا الشيء الذي ليس بقابلٍ للحياة في حدّ ذاته فهو ليس بميّت فعنوان الميتة هو من البداية لا يصدق على مثل هذه الأجزاء.
ولكن يمكن أن يناقش ويقال:- إنّ الأجزاء التي تحلّها الحياة مثل اليد والرجل لا إشكال في أنّه لا يجوز بيعها.
ولكن لماذا ؟
تارةً نقول:- إنّه لا يجوز بيعها لأنّ عنوان الميتة يصدق عليها فاليد ميتة والرجل ميتة وهكذا، وبناءً على هذا البيان يكون الأمر كما ذكر يعني أن فكرة القصور في المقتضي صحيحة فإنّ الظفر والشعر ليس بميتة لأنّه ليس فيه قابلية الحياة.
وتارةً نقول:- إنَّ اليد أو الرجل وسائر الأجزاء التي تحلّها الحياة لا يجوز بيعها لا لأجل إطلاق عنوان الميتة عليها بل لأنّها جزء من الميتة والحكم المنصبّ على الميتة يتوزّع على أجزائها إذ المجموع - أي عنوان الميتة - ليس إلا نفس الأجزاء فحينما يصبّ الحكم - وهو ( ثمن الميتة سحت ) - على عنوان الميتة سوف يثبت لكلّ جزءٍ جزءٍ باعتبار أنّ الكل هو عين الأجزاء عرفاً غايته أنّ الأجزاء لم يلحظ فيها قيد الاجتماع بينما الكلّ لوحظ فيه قيد الاجتماع، وعليه فهذه النكتة تأتي في الأجزاء التي لا تحلّها الحياة لأنّ عنوان الميتة صادق على المجموع والمجموع عين الأجزاء والصوف جزءٌ من أجزاء الميتة وهكذا والظفر والشعر وغيرهما.
إذن إذا كانت النكتة لعدم جواز بيع الأجزاء هي هذه النكتة فهي سارية وشاملة للأجزاء التي لا تحلّها الحياة.
نعم إذا كانت النكتة ما أشرنا إليه أوّلاً فهي خاصّة بالأجزاء التي لا تحلّها الحياة، ولكن ليس من البعيد أن النكتة الوجيهة هي الثانية، ففكرة القصور في المقتضي قابلة للتأمل.
والأجه أن يعلّل الحكم بوجود المانع فيقال:- هناك مجموعة من الروايات يفهم منها أنّ بيع الأجزاء التي لا تحلّها الحياة شيء جائز، ونذكر في هذا المجال ثلاث روايات:-
الرواية الأولى:- صحيحة زرارة عن أبي عبد الله علي السلام:- ( قال:- سألته عن الانفحة تخرج من الجدي الميت، قال:- لابأس به، قلت:- اللبن يكون في ضرع الشاة وقد ماتت، قال:- لا بأس به، قلت:- والصوف والشعر وعظام الفيل والجلد والبيض يخرج من الدجاجة، فقال:- كلّ هذا لا بأس به )[3]، إنّه عليه السلام قال في ذيل الرواية:- ( كلّ هذا لا بأس به ) ومن جملة المشار إليه عظام الفيل والصوف والشعر وهذه أجزاء لا تحلّها الحياة والإمام عليه السلام حكم بأنّه لا بأس به، وحينئذٍ نقول إنَّ الحكم المنصب على الذات - أو حذف المتعلّق - إذا فهمنا منه أنّه يدلّ على العموم فهنا سوف نستفيد منه العموم فإنّ الإمام عليه السلام قال ( لا بأس به ) وضمير ( به ) يرجع إلى الصوف والشعر وعظام الفيل وكأنّه عليه السلام قال لا بأس بهذه فوجّه الحكم بنفي البأس إلى هذه الذوات فبناءً على أنّ حذف المتعلّق أو الحكم المضاف إلى العين يدلّ على العموم سوف يثبت العموم ومن جملة أفراد العموم البيع فلا يختصّ نفي البأس بالأكل مثلاً أو بالاستفادة أخرى منه بل يعمّ حتى البيع.
وإذا لم نبنِ على ذلك وقلنا إنّ الحكم المنصب على الذات ينصرف إلى الأثر الظاهر فحينئذٍ نقول إنَّ الأثر الظاهر في كلّ شيءٍ بحسبه، ففي اللبن مثلاً الأثر الظاهر هو الشرب وأمّا في الشعر والصوف فالأثر الظاهر هو الاستفادة منه في الخيام أو في الملبس ومن جملة ذلك البيع، فالبيع من جملة الأثر الظاهر فيكون مشمولاً بنفي البأس، فإن قبلنا بهذا فحينئذٍ تتم دلالة الرواية ولا إشكال.
وإن شكّكنا في ذلك وقلنا إنّ البيع لا يُحرز كونه أثراً ظاهراً فيمكن أن نستعين بتقريب آخر وذلك بأن يقال:- إنّ الإمام عليه السلام حينما نفى البأس عن الاستفادة من الصوف الشعر - بلبسه مثلاً - فسوف يتخيّل السائل أنّ البيع يجوز لأنّه الوسيلة للحصول على الشعر والصوف لأنه ليس الجميع عندهم أغنام ومواشي حتى يستفيدوا من شعرها أو صوفها فيستفيدون من البيع فالذهن سوف يتخيّل أنّ البيع يكون جائزاً فمن المناسب للإمام أن يردع عن ذلك فسكوته عن البيع يدلّ على أنّه جائز.
هذا كلّه لو أخذنا بنقل الشيخ الطوسي فإنّه نقل الذيل بالشكل المذكور - أي بجملة ( كلّ هذا لا بأس به ) -.
وأما ّإذا أخذنا بنقل الشيخ الصدوق:- حيث نقل الذيل هكذا:- ( كلّ هذا ذكيّ لا بأس به ) - حسب ما نقل صاحب الوسائل في ذيل الحديث - فبناءً عليه لا نحتاج إلى التقريبات السابقة بل يكفينا أن الإمام عليه السلام أثبت عنوان الذكي فهذه ذكيّة.
نعم ليس من البعيد أن نحتاج إلى مقدّمةٍ واحدةٍ وهي التمسّك بإطلاق التنزيل، يعني نقول إنَّ الإمام نزّل هذه الأمور منزلة الذكيّة والحال هي ليست ذكيّة حقيقةً لأنّ الحيوان قد مات ولم يُذَكَّ فهذا تنزيلٌ يعني أنَّ كلّ هذه الأشياء هي بمنزلة الذكي ومقتضى إطلاق التنزيل الشمول لجميع الآثار ومنها البيع.
إذن يثبت المطلوب بهذا البيان بلا حاجة إلى تلك البيانات السابقة ولكن هذا متوقّف على ثبوت كلمة ( ذكي )، فإن بنينا على أنّ الأصل عدم الزيادة في موارد الدوران بين الزيادة والنقيصة فحينئذٍ سوف يثبت أنّ هذه الكلمة موجودة ولا إشكال في الاستدلال آنذاك، ولكن قد عرفنا أنّه حتى لو لم تكن هذه الكلمة موجودة يمكن أن نتمسّك بالتقريبات السابقة.
الرواية الثانية:- وعنه[4] عن أبيه عن حمّاد عن حريز قال:- ( قال أبو عبد الله لزرارة ومحمد بن مسلم:- اللبن واللباء والبيضة والشعر والصوف والقرن والناب والحافر وكلّ شيءٍ يفصل من الشاة والدابّة فهو ذكيٌّ، وإن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله وصلِّ فيه )[5]، وتقريب الدلالة هي أنّه عليه السلام حكم على جميع هذه الأشياء التي تنفصل من الحيوان الحيّ بأنها ذكيّة ثم قال بعد ذلك ( وإنّ أخذته منه بعد أن يموت فاغسله وصلّ فيه ) يعني هو كذلك ذكيّ ولكن يحتاج إلى إضافةٍ وهي لزوم غسله باعتبار أنّه لامس أجزاء الميتة، فعلى هذا الأساس هو ذكيّ سواء أخذ حال الحياة أو بعد الممات، ونضم تلك المقدّمة - وهي أنّ مقتضى إطلاق التنزيل الشمول لجميع الآثار التي منها البيع فهو ذكي بلحاظ جميع الآثار حتى البيع - يثبت المطلوب.
الرواية الثالثة:- رواية الحسين بن زرارة قال:- ( كنت عند أبي عبد الله عليه السلام وأبي يسأله عن اللبن من الميتة والبيضة من الميتة وإنفحة الميتة، فقال:- كلّ هذا ذكيّ )[6]، والتقريب كما سبق فإنّه عليه السلام حكم بأنّ كلّ هذا ذكيّ وبإطلاق التنزيل يثبت الشمول للبيع.
نعم المشكلة في هذه الرواية من ناحيتين:-
الناحية الأولى:- أنّه لم يذكر فيها بعض الأجزاء التي لا تحلّها الحياة مثل الشعر والصوف وإنما ذكر اللبن والبيضة والانفحة وهذه لا تنفع فهو لم يذكر عنوان الشعر الصوف حتى نتمسّك بها، فالتمسّك بهذه الرواية من هذه الناحية يكون أمراً مشكلاً.
الناحية الثانية:- إنّ الرواية قد رويت هكذا:- ( محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن ابن بكير عن الحسين بن زرارة ) والحسين لم يذكر في حقّه توثيق.
نعم لو بنينا على أنّ كلّ من روى عنه أحد الثلاثة تثبت وثاقته كما هو ليس ببعيد فتثبت وثاقة الرجل فإنّه ممن روى عنه صفوان.
وربما يؤخذ بطريقٍ آخر ويقال:- إنّ الإمام عليه السلام دعا للحسين بن زرارة وهكذا دعا لأخيه الحسن بن زرارة والدعاء بنفسه فيه دلالة على عظمة الشخص حيث ذكر الكشي في ترجمة زرارة بن أعين عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال لعبد الله بن زرارة:- ( اقرأ مني على والدك السلام ...... ولقد أدّى إليّ ابناك الحسن والحسين رسالتك أحاطهما الله وكلاهما وحفظهما بصلاح أبيهما )[7]، فقد يقال إنّه يدلّ على أنّ هذا الشخص عظيم إذ لو لم يكن ثقةً كيف يدعو له الإمام !!
هذا طريقٌ ثانٍ ولكنّه كما ترى فهو ليس بواضحٍ عندي في استفادة التوثيق.
إذن هذه الرواية محلّ إشكالٍ دلالةً، لا أقل والمهم هو الرواية الثانية ثم الرواية الأولى.
إذن يجوز ذلك لأجل هاتين الروايتين.