36/07/20


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 15 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
الوجه السادس:- ما نقله الشيخ التبريزي(قده)[1] عن السيد الخوئي(قده)[2] ومحصّله:- إنّ الإلزام بفعل الحرام حرامٌ كالإكراه عليه، فكما أنّ الإكراه على الحرام بأن أكره شخصاً وأقول له لابد وأن تشرب الخمر أو لابد وأن تصنع الخمر وإلا سوف أسجنك مثلاً فكما أنّ هذا حرامٌ كذلك إلزامه بفعل الحرام ولا فرق بينه وبين الإكراه.
ثم نضم مقدّمة ثانية:- وهي أنّ البائع إذا اشترط على المشتري أن يصنع العنب خمراً فقد ألزمه بفعل الحرام فيكون حراماً بمقتضى المقدمة السابقة.
ثم نقول:- إذا حرم الإلزام حرم البيع المشتمل على هذا الإلزام باعتبار أنّه مشتمل على الحرام فيصير البيع حراماً لتضمنه الحرام، ولكن لا يلزم من ذلك بطلانه فهو حرامٌ تكليفاً من دون أن يكون حراماً وضعاً، أمّا أنّه حراماً تكليفاً فلأنه اشتمل على الإلزام المحرّم، وأما أنّه ليس بحرامٍ وضعاً باعتبار أنّ هذا النهي ليس نهياً عن نفس البيع وإنما هو نهيٌ عن عنوانٍ خارجٍ عن البيع - أي عن عنوان الإلزام بالحرام - فالنهي ليس عن ذات البيع وإنما عن الإلزام بالحرام فلا يستوجب ذلك بطلان البيع.
والمهمّ في هذا الوجه هو المقدّمة الأولى - أعني أنّ الإلزام بالحرام حرامٌ -.
ويمكن التعليق على ذلك:- بأنّ الإلزام على نحوين، إلزامٌ خارجيٌّ الذي هو عبارة أخرى عن الإكراه وهذا نسلّم بحرمته، وأخرى يكون إلزاماً من خلال الاشتراط الذي يبقى معه اختيار المكلّف وله حقّ الامتناع فمثل هذا لا يمكن الحكم بحرمته ويقال إنّه حرامٌ كالإكراه على الحرام لأنّه إلزامٌ بالحرام، كلّا فإنّ المشتري يتمكّن أن لا يرضى بهذا الاشتراط، إنّه يقبل بطيب نفسٍ فأين الإلزام بذلك ؟!!
إذن كون هذا إلزاماً بالحرام هو أوّل الكلام.
وبتعبير آخر:- نحن نمنع الصغرى بعد افتراض أنّ المشتري له حقّ الامتناع من قبول هذا الشرط، والمهم في هذا الوجه هو هذا المقدار . نعم ذكر في آخره أنّ هذا النهي لا يستلزم البطلان لأنّ النهي هو نهيٌ عن عنوانٍ خارجٍ عن البيع وليس نهياً عن نفس البيع.
ونحن نقول:- إنّه حتى لو كان النهي نهياً عن نفس البيع فمن قال إنّ النهي في المعاملة يقتضي البطلان ؟! وإنما النهي عن العبادة هو الذي يقتضي البطلان، وإذا كان النهي في العبادة ليس نهياً عنها بل لأمرٍ خارجيّ ليس متّحداً معها فلا يقتضي البطلان . وأمّا في باب المعاملة فحتّى لو كان النهي نهياً عن نفس المعاملة ولكن مادام تكليفياً - حيث افترضنا أنّه تكليفي - فلا يقتضي الفساد . ولكن هذه قضيّة ليست مهمّة والمهم هو ما أشير إليه في المقدّمة الأولى وقد اتضح وجه المناقشة.
الوجه السابع:- ما ورد في باب الخمر حيث ورد أنه لعن النبي صلى الله عليه وآله الخمر وعاصرها ومعتصرها وبايعها ومشتريها وآكل ثمنها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه[3]. إنّه يستفاد من هذا المضمون أنّ كلّ ما يرتبط بالخمر فهو حرام وأمّا هذه العناوين المذكورة فتحمل على المثالية لما يرتبط بالخمر، فهي لكثرتها يحملها العرف على المثاليّة ويفهم أنّ كلّ ما يرتبط بالخمر ولو لغير هذه الأمور كأن يهيئ الشخص الكراسي والطاولة وغير ذلك لهم فالعرف يفهم أنها حرام أيضاً.
وأذكر فائدة جانبية:- وهي أنه عندنا شيآن أحدهما الخمر والثاني الربا، فكلّ ما يرتبط بالربا حرامٌ، وكذلك كلّ ما يرتبط بالخمر حرام، ووجه فهم هذا المعنى العام هو ناشئ من ذكر هذه الأمور فإنّ العرف يفهم منها بعد كثرتها وتعدّدها إلغاء الخصوصيّة وأنّه كلّ ما يرتبط بالخمر يكون محرّماً ومن جملة ما يرتبط بذلك تصيير العنب خمراً فإنّه وإن لم يذكر في الروايات ولكنه بالتالي يفهم العرف أنّه حرام أيضاً لأنّ كلّ ما يرتبط بالخمر حرام وهذا من مصاديقه.
إذن ثبت بذلك المطلوب - وهو الحرمة -، ولكنّ هذا خاصٌّ بالخمر فقط ولا يسري إلى الخشب لو اشترط صنعه صنماً . ثم إنّ غاية ما يثبته هذا الوجه هو الحرمة التكليفية دون الوضعيّة.
أقول:- وهو له وجاهة إذا قلنا إنّ اللعن يدلّ على الحرمة، وقد تقدّم في أبحاثٍ سابقةٍ أنا نتردّد من هذه الناحية.
إذن لو ثبت دلالة اللعن على الحرمة فهذا وجه وجيه لإثبات الحرمة التكليفية ولكن في خصوص الخمر - يعني بيع الخمر لأجل صنعه خمراً -.
الوجه الثامن:- ما أشرنا إليه سابقاً وهو أن اشتراط صنع العنب خمراً أو الخشب صنماً أو غير ذلك نحو تشجيعٍ وحثٍّ ودفعٍ إلى الحرام والتشجيع على الحرام حرامٌ إمّا لاقتضاء المرتكزات المتشرعيّة والضرورة الشرعيّة لذلك أو لأدلّة النهي عن المنكر فإنّا يفهم منها أنّ كلّ منكرٍ يلزم النهي عنه وبالتالي يلزم أن لا يحث ولا يشجع عليه، واشتراط صنع العنب خمراً نحو حثٍ ودفعٍ إلى الخمر فحينئذٍ لا يكون جائزاً بمقتضى ما أشرنا إليه، وبالتالي يكون البيع حراماً لأجل اشتماله على الحث على الحرام فيكون حراماً لهذا العنوان، ولكن هل يكون البيع باطلاً أو نقول هو صحيح ؟ المناسب أن يكون باطلاً إذ لو كان صحيحاً فذلك يعني وجوب الوفاء بما هو حرام . نعم يمكن أن يقال يبطل الشرط ويكون فاسداً لهذه النكتة - أي لأجل أنه لو صحّ يلزم وجوب الوفاء بالحرام - أمّا لماذا لا نفكك ونقول إنَّ الشرط فاسد لا يجب الوفاء به ولكن العقد صحيح بناءً على أنّ الشرط الفاسد ليس بمفسدٍ ؟! فالحرمة التكليفية لا إشكال فيها كما أنّ فساد الشرط لا إشكال فيه، ولكن ربما يقال فساده لا يسري إلى نفس العقد.
والنتيجة للنهائية من كلّ هذا:- إنّ البيع المشتمل على هذا الشرط هو حرامٌ لهذا الشرط، والبيع باطل أيضاً بمعنى بطلان الشرط، وأمّا المشروط فيتبع ما يُبنَى عليه من أنّ الشرط الفاسد مفسدٌ أو ليس بمفسد.
العنوان الثاني:- الإجارة على الحرام - كإجارة السيارة لحمل الخمر فيها وإجارة البيت لإحراز الخمر فيه وما شاكل ذلك-.
إنّ الشيخ الأعظم(قده)[4] مرّ مرور عابرٍ على هذه المسألة وذكر أنه توجد روايتان إحداهما مانعة والأخرى يظهر منها الجواز:-
أما المانعة:- فهي وراية جابر - أو صابر -:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يؤاجر بيته يباع فيه الخمر، قال:- حرام أجرته )[5]، ودلالتها على الحرمة واضحةٌ حيث قال عليه السلام:- ( حرام أجرته ).
وأمّا الرواية المعارضة:- فهي صحيحة عمر بن أذينة:- ( قال:- كتبت إلى أبي عبد الله عليه السلام أسأله عن الرجل يؤاجر سفنته ودابّته ممّن يحمل فيها أو عليها الخمر والخنازير، قال:- لا بأس )[6].
إنّ هاتين الروايتين متعارضتان فماذا نصنع ؟
أجاب الشيخ الأعظم(قده):- بأنّ الأولى المانعة نصٌ في أخذ ما ذكره البائع - أعني بيع الخمر - فهي نصٌّ في كون ذلك قد أخذ بنحو الشرطيّة من قبل البائع على المشتري وظاهرة في غيره وهو بيع الخمر - إذ أنَّ بيع الخمر فيها يحصل اتفاقاً من دون اشتراط -، فإذن هي نصٌّ في حالة الاشتراط وظاهرة في حالة عدم الاشتراط أيضاً.
وأما الرواية الثانية التي قالت ( لا بأس ) فهي نصٌّ في حالة عدم الاشتراط - يعني هو قد حمل ذلك الخمر مثلاً اتفقاً إذ البائع لم يشترط عليه - لذا قال الإمام عليه السلام ( لا بأس ) . نعم لها ظهورٌ في حالة الاشتراط أيضاً.
فإذا عرفنا هذا فنرفع اليد عن ظاهر كلّ واحدةٍ بصراحة الأخرى، يعني نأخذ بالصريح في هذه الرواية ونحملها عليه والصريح في تلك الرواية ونحملها عليه، فالرواية الأولى صريحة في حالة الاشتراط فنحملها على حالة الاشتراط فحينما قال الإمام عليه السلام ( حرام أجرته ) يعني في حالة الاشتراط إذ هي صريحة فيه، والثانية صريحة في حالة عدم الاشتراط حيث قال الإمام عليه السلام ( لا بأس ) ،فارتفع التنافي، وإنما حصل التنافي بسبب إدخال الظهورين بل نترك الظهورين ونأخذ بصراحة الروايتين، فظهور هذه الرواية نرفع اليد عنه بصراحة تلك، وظهور تلك الرواية نرفع اليد عنه بصراحة هذه ونبقى نحن الصراحة، وإذا أخذنا الرواية الأولى بجانب ما هي صريحة فيه ثبتت حرمة المعاملة، وإذا أخذنا بالرواية الثانية بما هي صريحة فيه - والتي قالت ( لا بأس ) يعني حالة عدم الاشتراط - ارتفع التعارض.