36/12/20


تحمیل

الموضـوع:- مسألة ( 17 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.

استدراك:-

ذكرنا أنّ التمسّك بهذه الآيات هو في الحقيقة ليس تمسكاً بالقران الكريم إنّما هو تمسّك بالسنّة الشريفة.

ولكن لعلّ البعض يدافع ويقول:-

إن قلت:- يمكن أن يقال إنّ الآيات تدلّ على المطلوب بلا حاجة إلى الروايات.

فالآية الأولى مثلاً تقول:- ﴿ واجتنبوا قول الزور ﴾[1] والزور بمعنى الباطل ، أي اجتنبوا القول الباطل ولا إشكال في أنّ الغناء هو من قسم الباطل ، فنتمسك حينئذٍ بالآية الكريمة من دون حاجة إلى الروايات.

وهكذا الآية الثانية التي تقول:- ﴿ ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله ﴾[2] فهل يوجد عندك شكّ في أنّ الغناء من لهو الحديث ؟!

قلت:- إنّ الغناء يكون باطلاً فيما إذا ثبتت حرمته والمفروض أنّا الآن نريد أن نستدلّ على حرمته ، فنحن الآن لم نفرغ عن كونه من قسم الباطل.

نعم الآن لا يوجد عندنا شكّ في كونه من الباطل إذ أصبحت حرمته في الأوساط واضحة ، إلا أنّ هذا مطلبٌ آخر فإنّا الآن نفترض أنّنا نريد أن نستدلّ على الحرمة وأنّ الحرمة بَعدُ لم تثبت ، فإذن نحتاج إلى ضمّ الروايات.

والشيخ الأعظم(قده) بعدما ذكر الآيات الثلاث وضمّ إليها الروايات المفسّرة أشكل بإشكال واحدٍ على الاستدلال بها جميعاً وحاصله:- أنّ محلّ الكلام شيء وما تنظر له الآية بضمّ الرواية شيء آخر ، فالذي نريد أن نثبت حرمته هو الغناء بمعنى الكيفية الخاصّة واللحن الخاص فهو من مقولة الكيفية ، بينما ما تثبته الآيات بضمّ الروايات هو حرمة الغناء بما هو صوت وألفاظ ، فعلى هذا الأساس ما نريد إثبات حرمته لم تنظر إليه الآيات بضمّ الروايات المفسّرة ، وما تنظر إليه لا نريد إثبات حرمته إذ الصوت بما هو صوت ليس بحرامٍ ، وإنما الذي نريد إثبات حرمته هو الكيفية - أي اللحن الخاص -.

هذا هو روح الإشكال ، ولكن نحن نبيّن روح الإشكال مرّةً في الآية الأولى ، وثانيةً في الآية الثانية ، وثالثةً في الآية الثالثة:-

الكلام في الآية الأولى:-

أمّا الآية الأولى التي تقول:- ﴿ واجتنبوا قول الزور ﴾ فحاصل الإشكال هو أن نقول إنّ الآية قالت ﴿ واجتنبوا قول الزور ﴾ فقول الباطل هو حرام ، والرواية جاءت وفسّرت قول الزور بأنّه الغناء ، فصار الغناء من قسم ومن مصاديق القول - قول الزور - فهو من مصاديق ومن مقولة الكلام والألفاظ ، بينما الذي نريد إثبات حرمته ليس ما كان من مقولة الكلام بل ما كان من مقولة الكيفية واللحن كما قلنا.

وأضاف الشيخ الأعظم(قده) مؤيدين لإثبات هذا المطلب - يعني لترسيخ الإشكال وإثبات أنّ ما تنظر إليه الآيات والرواية هو الغناء بما هو من مقولة القول الكلام والألفاظ -.

ولكن قبل أن أذكر المؤيدين سوف أنقل كلّ قسمٍ من كلام الشيخ ثم أناقشه ثم أنتقل بعد ذلك إلى لمؤيدين وإن كان المناسب فنّياً ذكر المؤيّدين وتتميم كلام الشيخ ثم المناقشة ، ولكن على هذا سوف نحتاج إلى تكرار فخوفاً من التكرار سوف أجيب على كلّ قسمٍ ثم أنتقل إلى القسم الثاني.

ويرد عليه:- أنّ الزور - كما قلنا - عبارة عن الباطل والرواية وإن فسّرت القول الباطل بالغناء ولكن هذا لا يعني أنّ الغناء يصير من مقولة الكلام - كما أفاد الشيخ - فإنّ الكلام يتّصف بأنّه باطل وزور تارةً بلحاظ مضمونه ، فالمضمون إذا كان مضموناً كاذباً أو فيه استهزاء بمؤمنٍ أو فيه غيبة فهو كلامٌ باطلٌ والبطلان جاء للكلام بسبب أنّ مضمونه مضموناً باطلاً.

وأخرى يتّصف الكلام بأنّه باطل باعتبار كيفيّته ولحنه وليس باعتبار مضمونه ، فلعلّ مضمونه حقّ ولكن حيث جيء به بصياغةٍ وكيفيةٍ لهويّةٍ فيصح أن نصفه بأنّه باطل ، والمصحح لنسبة البطلان إلى الكلام والحال أنّ الباطل هو الكيفية وليس نفس الكلام هو أنّ الكيفية متّحدة مع الكلام خارجاً ، أو بتعبير آخر بين الكيف والكيّف ، أو بتعبير ثالث بين اللحن والملحّن - أي الملحّن فيه وهو الكلام والصوت - ، فلأجل الاتحاد بينهما يصحّ حينئذٍ أن نصف الكلام بأنّه باطل باعتبار كيفيته.

وبناءً على هذا التوضيح يكون عدّ الغناء من الباطل باعتبار كيفيته ، وهذا احتمالٌ وجيهٌ ، وعليه فلا تكون هذه الآية بضمّ الرواية دالّة على شيءٍ يتنافى مع ما نريد ، بل بناءً على ما ذكرناه سوف تتلاءم معه ، إذن هذه الروايات المفسّرة لا تتنافى مع ما نريد إثباته.

إن قلت:- إنَّ ما ذكرته هو احتمالٌ ، وهو احتمال وجيه ، ولكن الاحتمال الوجيه لا يكفينا إلّا إذا ارتقى إلى مستوى الظهور وهذه الروايات المفسّرة للآية لا ظهور لها في ذلك ، نعم هي تتلاءم مع ما أشرنا إليه لا أنّها ظاهرة في ذلك والنافع هو الظهور.

قلت:- نحن بعد أن عرفنا من الخارج بنحو القضيّة البديهية أنّ الغناء من مقولة الكيف ولا يحتمل أحدٌ أنّه من مقولة الكلام فإذن من الخارج عندنا شيء واضح وبديهي أنّ الغناء عبارة عن الكيفية واللحن الخاص فيقال ( فلان يغنّي ) يعني بمعنى أنّ كيفية الصوت كيفيّة غنائية ولا ينظر العرف إلى الألفاظ ومضمونها.

إنّه بعد أن ثبت هذا من الخارج بشكلٍ بديهيّ وواضح فنقول إنَّ ما ذكرته الرواية بضمّها إلى الآية لا تفيد مطلباً يتنافى مع هذه القضيّة البديهيّة فيكفينا أن نبرز احتمالاً وجيهاً يتلاءم مع تلك القضية البديهية ، وبالتالي نحمل الرواية المفسّرة للآية على هذه القضية البديهيّة - يعني هي ناظرة إلى هذا الاحتمال الذي أشرنا إليه -.

وأمّا بالنسبة إلى المؤيّدَينِ اللذين ذكرهما فهما:-

الأوّل:- صحيحة حمّاد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( سألته عن قول الزور، قال:- قول الرجل للذي يغنّي أحسنت )[3] .

وحاصل ما ذكره الشيخ في وجه التأييد أنّه قال:- إنّه عليه السلام فسّر قول الزور بكلمة ( أحسنت ) ، يعني فسّره بالألفاظ ولم يفسّره بالكيفية فيدلّ هذا على أنّ الرواية هي بصدد إثبات حرمة قول الزور لا إثبات الكيفية الباطلة والحال أنّنا بصدد إثبات الكيفية الباطلة.

ويردّه:- إنّ الزور كما ذكرنا عبارة عن الباطل ، والقول يوصف بأنّه باطل تارةً باعتبار الكيفيّة وأخرى باعتبار أنّه صدر في الموقع غير المناسب ، فقول الزور إذن معناه عامّ هو كلّ كلامٍ باطلٍ سواء نشأ البطلان من الكيفيّة الباطلة أو من الموضع غير المناسب أو غير ذلك ، وحينئذٍ حينما قال الإمام عليه إنّ كلمة ( أحسنت ) تقال للمغنّي هي من قول الزور يكون من باب تطبيق ذلك المعنى العام على هذا المصداق ومن باب تطبيق الكلّي على مصداقه وليس من باب الحصر ، فلا يمكن أن نستفيد من الرواية أنّ قول الزور منحصر بالألفاظ ، كلّا بل معناه وسيع يشمل غير الألفاظ ولكن الامام طبّق هنا في الرواية على اللفظ الذي صدر في الموقع غير المناسب.

ولعله لأجل ما ذكرناه عدّه الشيخ مؤيداً ولم يجعله دليلاً.

ولكنّي أقول:- إنّه بناءً على ما ذكرنا أنّ ما ذكره الشيخ(قده) لا يصلح حتى على مستوى التأييد ، فإذن هذا المؤيد لا مجال له.

هذا مضافاً إلى أنّ الإمام عليه السلام قال ( منه ) ولم يقل ( هو ) ، فهي واضحة في أنّها بصدد بيان مصداقٍ وليس بصدد الحصر.