37/07/12


تحمیل

الموضوع:- مسألة ( 19 ) – المكاسب المحرمة.

الاشكال الثاني:- إن الشيخ الأعظم(قده) جعل هذه الرواية من روايات المقام - يعني من روايات الرهن لكن مع غير آلات القمار فهو جعلها من مصاديق المقام يعني وجود رهنٍ لكن مع غير آلات القمار - والذي نريد أن نقوله:- هو أنه ليس هناك رهنٌ ، فالرواية أجنبية عن المقام رأساً ، وذِكرها كنصرةٍ لصاحب الجواهر(قده) شيء في غير محلّه فإنّ صاحب الشاة لم يجعل رهناً لا هو ولا أصدقاؤه وإنما قال صاحب الشاة أنا أرفع اليد عن ضمان شاتي إذا أكلتموها بأجمعها وأما إذا لم تأكلوها بأجمعها فلا أرفع اليد عن الضمان بل أطالب بضمانها ، غايته قد يكون هو العوض الواقعي - يعني القيمة الواقعية - وقد يكون أكثر وقد يكون أقل لأن الرواية لم تحدّد الضمان بم يكون وإنما قالت ( إذا لم تأكلوها بأجمعها فعليكم كذا وكذا ) يعني أنا لا أرفع يدي عن الضمان وأريد الضمان ، ومعلومٌ أنّ طلب الضمان شيءٌ والرهن شيءٌ آخر ، فإن الإنسان إذا طلب ضمان ماله لا يعدّ ذلك مطالبةً بالرهن وأخذاً للرهن ، فالرواية أجنبية بشكلٍ كلّيٍّ عن مسألة الرهن وذِكرها في هذا المقام ليس في محلّه.

الاشكال الثالث:- إنَّ الشيخ الأعظم(قده) ذكر أنّ الامام عليه السلام بيّن بطلان هذه المعاملة وقال هذا باطل ، فكلمة ( باطل ) ذكرت في الرواية وذكر البطلان من دون الإشارة إلى الحرمة التكليفية يدلّ على أنّ هذه المعاملة ليست محرّمة تكليفاً وإلا لأشار إلى الحرمة التكليفية كما أشار إلى البطلان ، وبذلك تكون هذه الرواية متلائمة وفي نصرة ما ذهب إليه صاحب الجواهر(قده).

ولكن قد يشكل على الشيخ الأعظم(قده) ويقال:- إنّه لا يمكن أن نستنتج من سكوت الامام عن الحرمة التكليفية أنها غير موجودة وإنما الموجود فقط هو الضمان من دون الحرمة تكليفية بل لعلّه توجد حرمة تكليفية ولكن الامام عليه السلام سكت لأحد سببين إمّا لأجل أنّ الأكل قد انتهى وبعد أن انتهت المعاملة والاتفاق لا حاجة إلى بيان أنه حرام فإنّ المناسب بيان حرمة الشيء قبل وقوعه حتى يُتجنّب وأمّا بيان الحرمة بعد وقوعه فهو أمرٌ لا داعي إليه وهنا المعاملة قد انتهت والأكل قد انتهى ، فلعل سكوت الامام عليه السلام عن بيان الحرمة كان من هذه الناحية.

يبقى من حقّك أن تقول:- إنّ الإمام عليه السلام منصوبٌ لبيان الأحكام الشرعية فمن المناسب أن يبيّن ذلك لأنه منصوب لهذا الغرض.

والجواب:- صحيحٌ أنه منصوبٌ لذلك ، ولكنّ البيان من هذه الناحية هو واجبٌ سواءً جاء شخصٌ وسأل عن قضيّةٍ أم لم يجئ ، فعلى كلا التقديرين بيان الأحكام الشرعية وحفظها شيءٌ واجبٌ.

إذن إذا كان استكشاف عدم الحرمة التكليفية من ناحية أنه سكوتٌ عن بيان الحرمة فلا يمكن الاستكشاف من سكوت الامام إذ لعلّ سكوته كان من الناحية التي أشرنا إليها.

ولعلّ سكوت الامام عليه السلام عن بيان الحرمة التكليفية هو لمنشأ آخر لا بأن هذه قضيّة وقعت وانتهت بل لأجل أنه سئل عن الضمان ومادام السؤال عن الضمان فلا حاجة إلى بيان الحرمة التكليفية لأنه تعرضٌ إلى شيءٍ زائد لم يُسأل عنه ولا يلزم بيانُ شيءٍ لم يسأل عنه.

وفيه:- إنّ السؤال ليس عن الضمان لأنّ الرواية لم تقل هل يوجد ضمان في المورد أو لا وإنما صيغة الرواية كانت هكذا:- ( في رجل آكل وأصحابٍ له شاةً فقال إن أكلتموها فهي لكم وإن لم تأكلوها فعليكم كذا وكذا فقضى فيه أن ذلك باطل )، فلم يرد في الرواية أنه عليهم ضمان أو لا وهل هذا أنّ هذا صحيحٌ أو باطل ، وإنما كأنهم يريدون أن يقولوا هكذا:- ( إنه وقعت هكذا قضية فما حكمها ) أي حكمها من جميع الجوانب ، فلماذا نخصّصها بمسألة الضمان ؟! ، وأما ما ذكر من أنّ الامام عليه السلام سكت من باب أنّ القضية والأكل قد انتهى فلا حاجة إلى بيان الحكم فيردّه أنّ هذا وجيهٌ إذا لم يريدوا هم أن يعرفوا حكم هذه القضية ، إما إذا طلبوا من الامام عليه السلام حكم هذه القضية وقالوا له ( قضية وقعت بهذا الشكل فما هو حكمها ) فالطلب طلبٌ لبيان الحكم ولا معنى لبيان نصف الحكم والسكوت عن النصف الثاني ، فإذن سكوت الامام عليه السلام عن هذا المورد يدلّ على أنه لا توجد حرمة تكليفية ، وهذا الكلام سوف يصير في صالح الشيخ الأعظم(قده) ، يعني نحن رددنا الاشكال الثالث ، ولذلك قلنا يرد عليه إشكالان أو ثلاثة وسبب الترديد هو هذا وهو أنه صحيح أنه توجد ثلاث إشكالات ولكن الثالث منها قابل للدفع بما ذكرنا.

والخلاصة :- إنّ الرواية ذكرت أنّ قضية قد وقعت بهذا الشكل وسكت ، وهناك مقدّرٌ محذوفٌ يعني ما حكمها ، فلابد وأن يبين الامام عيه السلام تمام الحكم لا أنه يبين خصوص الحكم الوضعي الذي هو البطلان ولا يبين الحكم التكليفي بعدما كان السؤال سؤالاً عن الحكم ، وإدخال قضية أنّ هذه قضية قد انتهت فلا حاجة إلى بيان حكمها فهذا يكون صحيحاً إذا فرض أنهم لم يريدوا التعرّف على حكم القضية ، أما إذا أرادوا معرفة حكمها وهم طلبوا ذلك فلابد وأن يبيّن لهم تمام الحكم.

هذه اشكالات ثلاثة وقد اتضح أنّ الاشكال الثالث يمكن ردّه ، فالتام منها الأوّلان ، وبالتالي اتضح من خلال كلّ ما أشرنا إليه أنّ التمسّك بهذه الرواية في نصرة صاحب الجواهر(قده) شيءٌ في غير محلّه من جهة أنّ مورد الرواية لم يفترض فيه وجود رهانٍ ومحلّ كلامنا هو فيما إذا فرض وجود رهنٍ.

حكم المال المأخوذ بالقمار:-

إذا فرض أنه جرت عملية القمار وفاز أحد الأطراف وأخذ الرهن أو الجائزة فما حكم ما أخذه ؟ إنه يلزمه أن يردّه على المالك من باب أنّ المعاملة باطلة ومعنى بطلانها أنّ هذا المال باقٍ على ملك صاحبه فلا يجوز أخذه - نعم صحيح أنه يجب على الآخذ أن يردّه على المالك ولكن لو قال المالك أنا راضٍ أن تأخذه فهنا لا إشكال في أخذه - فإذا كان المال موجوداً فيجب ردّه ، وأما إذا أكله - يعني إذا كان شيئاً قابلاً للأكل كالجوز والبيض - فهل يجب قيؤه أو لا ؟

ذكر صاحب الجواهر(قده)[1] :- أنه يوجد وجهان ، فإنه قد يقال بأنه لا يجب قيؤه من باب أنّ هذا صار من الخبائث وفي حكم غير المملوك ولا مالية ولا ملكية له ، ومن ناحية أخرى قد يقال نعم يجب قيؤه فإنّ الامام عليه السلام بعد أن اطّلع على أنّ هذا البيض أو الجوز حصل عليه بالقمار قاءه وهذه تدلّ على الوجوب.

ثم ردَّ هذا الاحتمال - وهو وجوب التقيؤ - تمسّكاً بالرواية فقال:- إنّ فعل الامام عليه السلام أعم من الوجوب ، فلعل القيء ليس واجباً ولكنه يريد أن يفعله ، مضافاً إلى أنّ هذه الرواية منافية لمسألة العصمة ، ولعلّ الامام عليه السلام قاءه من ناحية أنه يريد أن يتنزّه عن الحرام بأيّ شكلٍ ممكن ، فهو لا يجب قيؤه ولكنه أراد لا يمسّ بعض أعضاء بدنه ما فيه حرام أو فيه شبه حرام ولكن لا يجب قيؤه ، ونصّ عبارته:- ( وهل يجب إذا أكله ثم علم به بعد ذلك استفراغه[2] ؟ وجهان أقواهما العدم لصيرورته من الخبائث لايت لا تدخل في الملك ) ثم نقل رواية قيء أبي الحسن عليه السلام للبيض وقال ( هي لا تدل على الوجوب ) لأنه فعل والفعل أعم من الوجوب ، ثم قال ( مضافاً إلى منافاة ذلك للعصمة ) ، ثم قال:- ( ولعل الأولى حمل الخبر المزبور على فرض صحته على المبالغة في حرمة مال القمار ) يعني لم يرد الامام أن يمسّ الحرام بدنه بأيّ شكلٍ من الأشكال وإن كان قيؤه ليس بلازمٍ ولكنه ما أحبَّ ذلك.


[2] أي قيؤه.