37/08/02
تحمیل
الموضوع:- خــتــام.
الى هنا قد تبين ان استصحاب بقاء الزكاة في التركة محكوم بقاعدة اليد ، فان قاعدة اليد تجري في المقام ، والاستصحاب لو كان مقدما على قاعدة اليد لم يبقى مورد لقاعدة اليد ولكان جعلها لغوا ، فان الاستصحاب موجود في كل موارد قاعدة اليد ، فأي شيء اشتراه الانسان من الاسواق او وصل اليه هبة من شخص او ما شاكل ذلك فانه مسبوق بملك الغير ويشك في انه انتقل الى الواهب او البايع واقعا او انه باقٍ في ملك المالك الاول فقاعدة اليد تثبت انه ملك لصاحب اليد (البايع او الواهب) واستصحاب عدم انتقاله من المالك الاول اليه (البايع او الواهب) محكوم بقاعدة اليد ، فلو قدم الاستصحاب على القاعدة لم يبقى لها مورد وكان جعلها لغوا ولهذا ورد في الروايات ((لولا اليد لما قام سوق للمسلمين)) ، فاليد امارة على حلية الشيء وملكية الشيء ، مثلا اذا دخل في سوق القصابين فاحتمال لحم الميت موجود ولكن قاعدة اليد حاكمة ، فما كان تحت يد المسلم فهو محكوم بانه مذبوح بذبح شرعي وانه حلال ، اذن لا شبهة في هذه القاعدة ، وفي المقام ايضا كذلك فان يد المالك وان كانت مسبوقة بيده على مال الغير وهو العشر او نصف العشر للفقير فاذا احتمل انه ادى مال الغير فعندئذ استصحاب عدم الاداء وان كان جاريا الا انه محكوم بقاعدة اليد.
وذكرنا ان قاعدة اليد في هذه المسالة تختلف عن المسالة الاولى فان قاعدة اليد في المسالة الاولى ايضا تجري ولكن بعد انتقاله من ملك المورث بعد موته الى الورثة ، فاذا بلغ حصة بعض الورثة الى حد النصاب فهو يعلم اجمالا بان سهمه متعلق بالزكاة إما قبل انتقاله اليه او بعد انتقاله اليه فهو يعلم تفصيلا ان سهمه متعلق بالزكاة ، ولكن منشأ هذا العلم التفصيلي مردد ، وحيث ان قاعدة اليد لا تجري في حق الوراث لأنه يعلم تفصيلا بان ماله وسهمه متعلق للزكاة ومع العلم الوجداني لا موضوع لقاعدة اليد ، فلهذا لا معارض لقاعدة اليد في المورث فان قاعدة اليد في المورث حينئذ لا معارض لها وهي تجري ، واما في هذه المسالة فلا مورد لهذا العلم الاجمالي لان الوراث يعلم بان الزكاة تعلقت بأموال المورث وبعد موته شك في انه اداها او لا؟ فحينئذ قاعدة اليد تحكم بان جميع ما تحت يده ملك له ولا شريك معه ، واما ما انتقل الى الورثة فان الوراث لا يعلم بتعلق الزكاة بسهمه اذا بلغ حد النصاب لفرض ان الزكاة تعلقت قبل انتقاله اليه.
وكذلك ان قاعدة اليد لا تجري في الضمانات ، لان مورد القاعدة هو الاعيان الخارجية ، واما اذا كان المال الزكوي تالفا وكان التلف بتقصير من المالك فهو ضامن للزكاة وضامن لبدلها من المثل او القيمة ، فحينئذ اذا شك في انه ادى ما عليه من الضمان او لا؟ فلا مانع من استصحاب بقاء الضمان وبقاء اشتغال ذمته ، ونتيجة هذا الاستصحاب ان في التركة دين للميت ومقدار الدين يبقى في ملك الميت ولا ينتقل الى الورثة ، ولهذا لا بد من اخراج الدين اولاً من التركة ثم تقسيم التركة بين الورثة ، وقاعدة اليد لا تجري في الضمانات وموردها الاعيان الخارجية.
ثم ذكر الماتن (قدس الله نفسه) : ((هذا كله إذا كان الشك في مورد لو كان حيا وكان شاكا وجب عليه الإخراج، وأما إذا كان الشك بالنسبة إلى الاشتغال بزكاة السنة السابقة أو نحوها مما يجري فيه قاعدة التجاوز والمضي ، وحمل فعله على الصحة فلا إشكال وكذا الحال إذا علم اشتغاله بدين أو كفارة أو نذر أو خمس أو نحو ذلك))[1] .
ذكر ان هذا الكلام المتقدم كله في الزكاة في السنة الحالية ، اما بالنسبة الى السنين السابقة فقد ذكر (قدس الله نفسه) ان المرجع هو قاعدة التجاوز وقاعدة الفراغ وقاعدة الصحة او الحيلولة.
ولكن قد تقدم سابقا انه لا يمكن التمسك بقاعدة الحيلولة في المقام ، فان قاعدة الحيلولة مختصة بالواجبات الموقتة كالصلاة وما شاكل ذلك ، فاذا شك بعد خروج الوقت انه صلى في الوقت او لم يصلي فحينئذ لا مانع من التمسك بقاعدة الحيلولة ، واما الزكاة فانها ليست مؤقتة بوقت فالزكاة ليست من الواجبات المؤقتة فلا مورد لقاعدة الحيلولة فيها.
واما قاعدة التجاوز فأيضا لا مورد لها في الزكاة ، فان قاعدة التجاوز انما هي في الواجبات المركبة وفي الواجبات المترتبة كالصلاة ، فان اجزاء الصلاة اجزاء مترتبة أولها التكبيرة وبعدها القراءة وبعدها الركوع ثم السجود ثم التشهد ثم التسليم ، فاذن قاعدة التجاوز انما تجري في مثل هذه الواجبات ، فاذا دخل المصلي في القراءة وشك في انه أتى بالتكبيرة او لا؟ فقاعدة التجاوز تجري باعتبار انه تجاوز عن محل التكبيرة لا انه تجاوز عن اصل التكبيرة فان اصل التكبيرة مشكوكة ، بل تجاوز عن محلها وموضعها فان الشارع عين لها محلا معينا وهو محلها قبل القراءة فاذا دخل في القراءة فانه تجاوز عن المحل المقرر للتكبيرة ، وهكذا في باقي الاجزاء واما الزكاة فليس الامر فيها كذلك فلا موضوع لقاعدة التجاوز في الزكاة.
وكذا الحال في قاعدة الفراغ فان قاعدة الفراغ ايضا لا تجري لان موضوعها هو ما اذا شك في عدم الفراغ من العمل فاذ صلى وبعد الصلاة شك في صحة صلاته وفسادها جرت قاعدة الفراغ ، واما الزكاة فليس الامر فيها كذلك فأي وقت ادى الزكاة في السنة السابقة او في هذه السنة فيجوز له ان يؤدي زكاة السنة السابقة في هذه السنة ، اذن لا يصدق عنوان قاعدة الفراغ ايضا فلا موضوع لهذه القاعدة.
واما قاعدة الصحة فموردها المعاملات وهي نفسها قاعدة الفراغ ولكن موردها المعاملات وقاعدة الفراغ موردها العبادات ، واما قاعدة الصحة بمعنى حمل فعل المسلم على الصحة فهذه القاعدة قاعدة استحبابية ولابد من حمل فعل المسلم على الصحيح فاذا شرب شيئا وشك انه خمر او خل بنى على انه خل ولكن لا يترتب على هذه القاعدة أي اثر شرعي غير حسن ظاهر حال المكلف.
النتيجة ان ما ذكره الماتن (قدس الله نفسه) غير صحيح.
مضافا الى ان قاعدة التجاوز والفراغ وظيفة المالك (المورث) لا وظيفة الوراث ومن الواضح ان الوراث لا يعلم حال المورث وانه شاك او ليس بشاك؟ ، فإذن قاعدة التجاوز وقاعدة الفراغ واصالة الصحة كل ذلك هي وضيفة المورث لا وضيفة الوراث ، لان الوراث اجنبي عن الزكاة الواجبة على المورث ، والمفروض ان الوراث لا يعلم حال المورث وانه شاك او غير شاك ، اذن ما ذكره (قدس الله نفسه) في هذه المسالة لا يمكن المساعدة عليه.
بقي شيء يأتي الكلام فيه ان شاء الله تعالى.