الروضة الحيدرية

طباعة

مرقد الإمام علي ( عليه السلام )

إنّ موضع القبر ظلّ سراً مكتوماً ، لا يعرفه إلاّ أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وخواصّ شيعتهم ، إلى انقضاء دولة الاُمويين ، ومجيء دولة العباسيين ، فحينئذ دلّ العلويون بعض الشيعة عليه ، وصاروا يتعاهدونه ، وصار في معرض الظهور والخفاء ، يُثْبته قوم وينفيه آخرون .

فلما رأى داود بن علي العباسي ، إقبال الناس على موضع القبر ، أمر ـ على ما قيل ـ بعض الفعلة بالمضي إلى هذا القبر ، الذي افتُتن به الناس ، ويقولون : إنه قبر علي ، حتّى ينبشوه ويجيئوه بأقصى ما فيه ، فمضوا إليه وحفروا خمسة أذرع ، فوصلوا إلى موضع صلب لم يقدروا عليه ، فاستعانوا بغلام معروف بالشدة ، ولكن هذا الغلام بعد أن ضرب ثلاث ضربات صاح ، وصار لحمه ينتثر إلى أن مات ، فلما عرف داود بالأمر تاب ، وأمر عليَّ بن مصعب بن جابر ، بأن يبني على القبر صندوقاً ، ففعل .

ولكن مطاردة العباسيين للعلويين وشيعتهم ، أوجبت أن يُهجَر القبر من جديد ، فلا يزوره زائر إلا خلسة .

ثمّ جاء أبو جعفر المنصور ، وحاول أن ينبش القبر ، فأمر غلامه بذلك ، فبدأ بالحفر حتّى ظهر له القبر ، ثمّ أمر بطمّه ، وصرفه الله عنه .

وبعد ذلك ، وفي زمن الرشيد ، عاد القبر إلى الظهور من جديد ، في قصة معروفة جرت للرشيد ، وهو يتصيّد حول القبر ، حيث رأى الظِّباء تحتمي بالأكمَة التي فيها القبر ، فلا تقتحم كلابُ الصيد وطيور الباز إليها ، الأمر الذي أثار عجَبه ، فسأل أحدَ شيوخ الكوفة عن ذلك ، فأخبره أنها تلوذ بقبر الإمام أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) .

فكان أن أقام أول عمارة على القبر ، وهو بناء مربع الشكل ، مبنيّ بحجارة بيضاء فوقه قبة من الطين الأحمر ، فوقها جرة خضراء .

وبعد ذلك جاء المتوكل العباسي ، فخرّب عمارة النجف ، كما خرب عمارة الحسين ( عليه السلام ) .

ثمّ قام بالعمارة الثالثة ، عمر بن يحيى القائم بالكوفة ، المقتول سنة 250 هـ .

وكانت العمارة الرابعة ، على يد محمّد بن زيد الداعي ، المقتول سنة 287 هـ ، والذي ولي إمرة طبرستان ، بعد أخيه الحسن بن زيد ، فإنّه بنى على القبر الشريف قبة ، وحائطاً وحصناً فيه سبعون طاقاً ، والظاهر أنّ هذه العمارة هي التي أعقبت خراب المتوكل ، لبناء القبر كما يظهر من تاريخ طبرستان ( الفارسي ) ج 1 ص 95 .

ثمّ كانت العمارة الخامسة ، على يد أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان ، المقتول سنة 317 هـ ، وسترها بفاخر الستور ، وفرشها بثمين الحُصر .

وبعد ذلك كانت العمارة السادسة ، وهي أجلّ العمارات وأحسنها ، على يد عضد الدولة ، المتوفّى سنة 372 هـ ، وقد بذل عليها الأموال الجزيلة ، وجلب إليها الزارة والنجارة والعملة من سائر الأقطار .

وقد شاهد هذه العمارةَ ، الرحالة ابن بطّوطة ، ووصفها حين وروده النجف ، سنة 727 هـ بأنها : ( معمورة أحسن عمارة ، وحيطانها مزينة بالقاشاني ، وهو شبه الزليج عندنا لكنّ لونه أشرق ، ونقشه أحسن ، وإذا ما دخل زائر يأمرونه بتقبيل العتبة ، وهي من الفضّة وكذلك العضادتان ، ثمّ يدخل بعد ذلك إلى القبة ، وهي مفروشة بأنواع البسط من الحرير وسواه ، وبها قناديل الذهب والفضة ، منها الكبار والصغار ، وفي وسط القبة مسطبة مربعة ، مكسوّة بالخشب ، عليها صفائح الذهب المنقوشة المُحكمة العمل ، مسمّرة بمسامير الفضة ، قد غلبت على الخشب ، لا يظهر منه شيء ، وارتفاعها دون القامة ، وفوقها ثلاثة من القبور ، يزعمون أن أحدها قبر آدم ( عليه السلام ) ، والثاني قبر نوح ( عليه السلام ) ، والثالث قبر الإمام علي ( عليه السلام ) .

وبين القبور طشوت ذهب وفضة ، فيها ماء الورد والمسك ، وأنواع الطِيِب ، يغمس الزائر يده في ذلك ، ويدهن بها وجهه تبرّكاً ، وللقبة باب آخر ، عتبته أيضاً من الفضّة ، وعليه ستور الحرير الملوّن ، يفضي إلى مسجد مفروش بالبسط الحسان ، مستورة حيطانه وسقفه بستور الحرير ، وله أربع أبواب عتبتها فضة ، وعليها ستور الحرير ...) .

لكنّ هذه العمارة ، وإن كان تأسيسها يرجع إلى عضد الدولة ، إلا أنّه قد طرأت عليها إصلاحات كثيرة ، وتحسينات ثمنية من البويهيين أنفسهم ووزرائهم ، ومن الحمدانيين ، وبعض العباسيين المتشيّعين .

فإنّ المستنصر العباسي ، قد عمّر الضريح المقدس ، وبالغ فيه ، وزاره مراراً ، وكذلك فقد أصلحه وحسّن فيه ، وفي الأبنية الملحقة به ، ولكنّ عمارة عضد الدولة هذه قد احترقت ، في سنة 755 هـ ، وكانت حيطانها قد سترت بخشب الساج المنقوش ، فجُدّدت عمارة المشهد ، سنة 760هـ ، وهذه هي العمارة السابعة للمشهد .

ولكن عمارة عضد الدولة لم تذهب آثارها بالكلّية ، بل بقيت إلى ما بعد التجديد الأخير للمشهد ، حيث يذكر النسّابة النجفي ، محمد حسين كتاب دار ، أنّه رأى في المشهد بقية عمارة عضد الدولة في سنة 1041 هـ .

ثمّ جاء الشاه عباس الأول ، فأصلح عمارة المشهد ، وعمّر الروضة والقبة ، والصحن الشريف على نظر الشيخ البهائي ( رحمه الله ) ، الذي عمل رسالة في عمارة المشهد ووضعِه الهندسي .

وبعد ذلك جاءت العمارة الثامنة للمشهد الشريف ، على يد الشاه صفيّ الصفوي حفيد الشاه عباس الأول ، ووسع الصحن الشريف ، ووسع ساحة الحرم العلوي ، وأتمها ولده الشاه عباس الثاني ، بعد وفاة أبيه سنة 1052 هـ .



وصف إجماليّ للمشهد العلَوي :

إنّ عمارة المشهد القائمة في هذه الأيّام ، هي عمارة الشاه صفي ، وهي بديعة الشكل فخمة الصنعة .

يقع القبر الشريف تحت قبة عالية ، ويحيط به فسحة طول كل ضلع منها 13 متراً ، ويحيط الروضة المقدسة من جوانبها الأربعة رواق مسقّف ، ثمّ من الجهة الشرقية إيوان الذهب ، الذي تقع على جانبيه مئذنتان مذهّبتان ، ويحيط بهذا المبنى كلّه الصحن الشريف ، الذي له سور عالٍ ، مؤلّف من طابقين ، فيه أربعة أبواب رئيسية ، وخامس جانبي ، وارتفاع سور الروضة ، والرواق المحيط بها ، ثمّ السور المحيط بالصحن كلّه واحد لا يختلف .



وصف الروضة المقدسة :

يقع القبر الشريف وسط الروضة المقدسة المربعة الشكل ، يعلوه قبتان : خارجية وداخلية :

الخارجية مدببة الشكل ، يبلغ سمك جدرانها 8 سنتمترات ، وارتفاعها عن سطح الضريح 42 متراً ، وقطرها 16 متراً ، ومحيط قاعدتها 50 متراً ...

والداخلية مستديرة الشكل ، سمك جدرانها 60 سنتمتراً ، وارتفاعها عن سطح الضريح 35 متراً ، وقطرها 12 متراً .

وتقوم القبة على رقبة طويلة ، علوّها 12 متراً ، فُتح فيها 12 شبّاكاً للتهوية والإضاءة ، وقد زُخرفت القبة الداخلية والخارجية ، بزخارف تعتبر آية من آيات الفنّ الإسلامي ، فالمقرنص الكبير الذي حمل رقبة القبة كُسي بالمرايا المصنوعة على شكل بديع ، وبالقاشاني والكتابات الجميلة ، والنقوش الرائعة ، وكذلك القبة نفسها من الداخل .

أمّا القبة الخارجية ، فقد كانت مغشاة بالبلاط القاشاني ـ وكذلك المئذنتان والايوان وسائر الصحن الشريف ـ إلى أن جاء السلطان نادر شاه لزيارة النجف ، فأمر بقلع القاشاني عن القبة ، والإيوان والمئذنتين ، واستُبدلا بصفائح الذهب ، وصرف على ذلك مبالغ جسيمة ، وذلك سنة 1156 هـ .

وفي وسط القبة يوجد القبر الشريف ، وقد وُضع عليه صندوق من خشب الساج الهندي المطعَّم بالصدف ، والعاج والأَبنوس ، وأنواع أخرى من الأخشاب المتعددة الألوان ، فجاء تحفة رائعة ، وقد حُفر على الصندوق الكثير من الكتابات العربية المتعددة الطرز ، وتاريخ صناعة هذا الصندوق هو 1202هـ .

ووضع فوق الصندوق مقصورة من الحديد ، ثمّ فوق هذه المقصورة مقصورة أخرى من الفضة الخالصة ، يبدو أنها صُنعت ووضعت في عهد الصفويين ، وجُدّدت عدة مرات ، ثمّ استُبدلت أخيراً ، أي في سنة 1361 هـ بمقصورة أخرى تحوي : عشرة آلاف وخمسمائة مثقال من الذهب ، ومليوني مثقال من الفضة ، وتعتبر آية من آيات فن صناعة الذهب والفضة ، وكذا الترصيع بالميناء المتعددة الألوان .

أما جدران المربع التي تقوم عليها القبة ، فيبلغ ارتفاعها 17 متراً ، قد غُشيت كلّها بأنواع متعددة من الزخارف النفيسة ، والألوان البديعة ، والكتابات الرائعة .

كما فرشت أرض الروضة المقدسة ، وكذلك الجدران إلى ثلاثة أذرع ونصف بالمرمر ، فوقها على الجدران شريط من القاشاني المزين بالنقوش والآيات ، فوق هذا الشريط حتّى رقبة القبة ، طبقة من الفُسيفساء تتكوّن من أحجار كريمة ، كالياقوت والزمرّد والألماس واللؤلؤ النادر ، ثمّ يأتي بعد ذلك التزيين بالمرايا على شكل بديع جميل .



أبواب الروضة المطهّرة :

وللروضة المطهرة ستة أبواب تؤدّي إلى الرواق المسقّف المحيط بها ، إثنان من جهة الغرب لا ينفذان إلى الرواق ، لأنّ خلفهما شباكاً من الفضة ، وإثنان من جهة الشرق يؤديان إلى الرواق ، في مقابل باب الإيوان الذهبي ، واثنان خلف الإمام من جهة الشمال ، يؤديان إلى الرواق أيضاً .

وأما البابان اللذان في مواجهة باب الإيوان الذهبي ، فالذي يكون على يمين الداخل ، نُصب سنة 1283 هـ ، والذي على يسار الداخل ، نصب سنة 1287هـ .

والأول كان قد أهداه لطف علي خان الإيرواني ، والثاني أهداه ناصر الدين شاه القاجاري ، وكلاهما كانا من الفضة ، ولكنهما معاً قُلعا في سنة 1376 هـ ، واستُبدلا ببابين ذهبيين جميلَي الصنعة ، بذل نفقتهما الحاج محمّد تقي الاتفاق الطهراني .

والبابان اللذان من جهة الشمال خلف الضريح ، ويؤديان إلى الرواق ، فهما من الفضة الخالصة ، وكانا في الأصل باباً واحداً ، لكنّه قُلع في سنة 1366 هـ ، وجُعل مكانه البابان اللذان كانا إلى جهة الغرب ، عند رأس الإمام ( عليه السلام ) ، ومن هذه الأربعة فقط يكون الدخول والخروج ، من الرواق إلى الروضة المطهرة .



الرواق المحيط بالروضة المقدسة :

ويحيط بمبنى القبة ( الروضة ) من جميع الجهات ، رواق مفروش أرضه ، وقسم من جدرانه متصل بجدار الروضة نفسها ، بسقف مزيّن بالمرايا الملونة ، ذات الأشكال الهندسية المختلفة البديعة ، وأرضه والقسم الأسفل من جدرانه مفروش بالمرمر ، ويساوي ارتفاع جداره ارتفاع جدار الروضة ، وجدار الصحن الخارجي ، ويبلغ طول ساحته من الشرق إلى الغرب 30 متراً ، ومن الشمال إلى الجنوب 31 متراً ، وله ثلاثة أبواب :

بابان متقابلان : أحدهما من جهة الشمال مقابل لباب الصحن المعروف بباب الطوسي ، والثاني من جهة الجنوب ، مقابل لباب القبلة ، وهذا قد نصب فيه باب فضي ثمين مُحلّى بالذهب ، نصب سنة 1341هـ ، وقد بذلت نفقته والدة الحاج عبد الواحد زعيم آل فتلة ، وهو المعروف بباب المراد .

والباب الثالث : هو الذي في الإيوان الذهبي ، ويدخل الداخل منه إلى الرواق ، وهو من الأبواب الثمينة المتقنة ، نُصب سنة 1373هـ ، وهو مرصّع بالأحجار الكريمة ومطعّم بالميناء ، وهو لوحة فنيّة رائعة كُتبت عليه الآيات القرآنية ، والأشعار اللطيفة .

وفتح في سنة 1373هـ باب جديد ينفذ إلى الرواق ، ويمرّ على مرقد العلاّمة الحلّي ، الذي برز للرائح والغادي حين فُتح هذا الباب .

وجدران مبنى الروضة والإيوان الخارجية مزينة بالقاشاني ، يرجع معظمها إلى العصر العثماني ، ويحيط بالجدران من أعلى شريط من الكتابة بخط الثلث الجميل .



الإيوان الذهبي الكبير :

ومن جهة الشرق يقع الإيوان الذهبي الكبير ، وسقفه وجدرانه مكسوّة بالذهب الإبريز الخالص ، وفي ركنيه المئذنتان الذهبيتان ، كُتب في وسطه على جانبي الباب قصيدة فارسية بحروف ذهبية بارزة ، وفي أعلاه كلمات عربية وحروفها ذهبية بارزة ، وفيها تاريخ تذهيب القبة ، والمئذنتين والايوان بأمر السلطان نادرشاه ، وقد دفن في هذا الايوان كثير من العلماء والأعيان .

وفي غرفة تقع على يمين الداخل إلى الرواق ، يوجد قبر العلاّمة الحلّي ، وفي أخرى على يسار الداخل يقع قبر المقدس الأردبيليّ ، وهذه الغرفة اليوم مخزن لبعض النفائس الثمينة .

أمام هذا الايوان رحبة كبيرة ، ترتفع عن أرض الصحن قدر متر ، ويبلغ طولها 33 متراً ، وعرضها 20 متراً .



المآذن :

تقع المئذنتان في ركنَي الايوان ، في الجهة الشرقية من الروضة الشريفة ، ومحيط كل منها ثمانية أمتار ، وارتفاع كل واحدة منها 35 متراً ، وقطرها متران ونصف ، ويقال : إنّ على كل واحدة منهما أربعة آلاف صفحة من الذهب الخالص .

وعلى ارتفاع 25 متراً ، يحيط بالمئذنتين شريط عرضه متر من الكتابة العربية ، فيه آيات من سورة الجمعة ، ويعلو الكتابة صفّان من المقرنصات ، ترتكز عليهما شرفة المؤذّن ، التي قطرها متر ونصف ، وارتفاعها ثلاثة أمتار ، فوقها اُسطوانة ضيّقة ، يبلغ قطرها متراً ونصفاً ، وارتفاعها ستة أمتار ، ويتوّج الاسطوانة طاقية مصفّقة يعلوها الهلال .

ونادر شاه هو الذي أمر بإزالة القاشاني الذي عليهما ، وعلى القبة والإيوان ، واستبداله بصفائح الذهب ، وذلك في سنة 1156 هـ ، وقد هُدّمت المئذنة الجنوبية ، في سنة 1281 هـ حتّى أساسها ، ونُزعت الصفائح الذهبية عنها ؛ لهدف إصلاحها ، ثمّ أعيد بناؤها على طرزها الأول .

وفي سنة 1352 هـ ، قُلع الذهب عنها أجمع ، وهدم أعلاها ، ثمّ اُعيد كلّ ذلك كما كان ، واُصلحت المئذنة الشمالية المجاورة لمرقد العلاّمة الحلّي ، في سنة 1315هـ ، فنزع ما عليها من الذهب ، وهدمت إلى نصفها ، ثمّ أعيد بناؤها على طرازها السابق كذلك .

وفي سنة 1367هـ ، قُلع الذهب عنها أجمع ، وهدم أعلاها ثمّ أعيد بناؤه .



الصحن الشريف :

يحيط بهذا المشهد الشريف سور مربع الشكل تقريباً ، طول كل من ضلعيه : الشرقي والغربي 84 متراً من الخارج ، و 77 متراً من الداخل ، وطول ضلعه الشمالي 74 متراً من الخارج ، و 72 متراً من الداخل ، والجنوبي من الخارج 75 متراً ، ومن الداخل 72 متراً .

أما ارتفاع السور فيبلغ 17 متراً ، وهو مؤلّف من طابقين :

الأول منهما : مؤلف من 54 ايواناً مقبباً ، يتقدم حجرة هي مقبرة لأحد المشاهير ، ويسكنها عادة طلاب العلم ، ولكنها أصبحت الآن مشغولة بالقرّاء على الأموات .

أما الطابق الثاني : فهو عبارة عن إيوان معقود بعقود فارسية مدببة ، يتقدم مجموعة من الغرف المقبّبة يسكنها عادة الطلبة والمنقطعون للعبادة ، ويحتوي الطابق الأعلى على 78 غرفة ، وجميع جدران السور مكسوة بالقاشاني البديع النقش ، وعلى حواشي جدرانه العليا مكتوب بعض السور القرآنية بأحرف عربية جليّة .

وهذا السور يحيط بالصحن الشريف الذي هو رحبة واسعة تبلغ مساحتها ثمانية آلاف متر مربع مفروشة بالرخام ، كانت قبل فرشها بالرخام مملوءة بالقبور والمحاريب التي تعيق عن التحرّك بحريّة .

وفي سنة 1306 هـ حُفرت السراديب التي نُقل إليها كثير من القبور ، ثمّ سُوّيت أرض الصحن ، وكسيت ببلاطات من المرمر .

وفي هذا السور المحيط بالصحن خمسة أبواب :

الباب الأول : الباب الكبير في الجهة الشرقية من السور مقابل السوق المشهور بـ: السوق الكبير ، وفوق هذا الباب توجد الساعة التي أمر بإرسالها من إيران الوزير أمين السلطنة سنة 1305 هـ ، وقد زُخرفت جهات الساعة الأربع ، وكذا القبة التي تعلوها ببلاطات من الذهب الخالص ، في سنة 1323هـ .

والباب الثاني : باب ليس رئيسياً إلى يمين الباب الكبير ، ويسمى بـ: باب مسلم بن عقيل .

والباب الثالث : هو المعروف بباب الطوسي ، لأن الخارج منه ينتهي إلى قبر الشيخ الطوسي ، المتوفى سنة 460 هـ .

والرابع : باب القبلة الذي جُدد بناؤه عدة مرات ، وهو أصغر الأبواب الرئيسية .

والخامس : الباب السلطاني الذي هو في الجهة الغربية ، سُمّي بذلك لأنه فُتح في عهد السلطان العثماني عبد العزيز سنة 1279 هـ .

ويسمى أيضاً : باب الفرج ، لأنه ينتهي إلى مقام الحجّة عجّل الله تعالى فرجه .

وعلى سائر الأبواب كتابات جميلة وتواريخ تجديد بنائها ، وفيها مدح لسيّد الأوصياء ( عليه السلام ) ، ونقوش جميلة بالقاشاني .

وأخيراً.. ففي الجهة الشمالية من السور الخارجي يوجد إيوان العلماء ؛ لأن كثيراً من العلماء مدفونون فيه .



إعجاز هندسيّ للمشهد العلوي :

وبعد .. فقد كان ما تقدم وصفاً موجزاً للمشهد العلويّ المقدس ، ويبقى أن نشير إلى أن الهندسة العامة للمشهد المقدس تُحيّر العقول حقاً ، فقد رُوعي في المشهد الشريف أمران :

الأول : أن يكون شكل البناء بحيث أنه كلّما وصل الظلّ إلى نقطة معينة عُرف أنّ الشمس قد زالت ، وأنّ وقت الظهر هو تلك اللحظة ، لا يختلف ذلك لا صيفاً ولا شتاءً .

الثاني : أنّ الشمس كلّما طلعت فإنها تطلع وتشرق على الضريح المقدس مباشرةً ، سواءً في الصيف أو في الشتاء .

وتحكيم هذين الأمرين ـ كما هو معلوم ـ صعب عادة ، يحتاج إلى الكثير من الدقة والمعرفة .



خزانة التحف والهدايا :

يوجد في مشهد الإمام علي ( عليه السلام ) مجموعة من التحف القيّمة ، والمنقطعة النظير ، التي اُهديت إليه عبر العصور من قبل الملوك والسلاطين ، وكبار رجال الدولة ، والأعيان ، وكبار التجار وغيرهم .

ويرجع تاريخ أقدم هذه الهدايا إلى القرن الرابع الهجري ، أي من عهد البويهيين ، فقد أهدى عضد الدولة البويهي المتوفى سنة 372هـ أو بعدها غطاءَ قبر يعتبر آية من آيات فن النسيج والتطريز ، والزخرفة التي يعزّ لها مثيل حتّى في القرن العشرين رغم التقدم الآلي فيه .

ثمّ توالت الهدايا على المشهد في سلسلة متصلة ، ويوجد العدد الأكبر من هذه المخلّفات في خزانة مبنية في جدار الروضة الحيدرية في الرواق الجنوبي من الحرم الشريف ، ويبلغ عددها (2020) تحفة موزّعة على الوجه التالي :

1ـ من المصاحف المخطوطة الأثرية ، التي رجع أقدمها إلى القرن الأول الهجري (550) مصحفاً ، وهي تبدأ من القرن الأول حتّى الرابع عشر للهجرة ، في سلسلة تكاد تكون متصلة .

2ـ التحف المعدنية (420) قطعة معدنية مكونة من الحُلي الذهبي المرصع بالجواهر المتعددة الألوان ، كالزمرّد والألماس ، واللؤلؤ والفيروزج وغير ذلك ...

ومن قناديل من الذهب المكفت ، والمرصّع بالأحجار الكريمة ، والمزخرف بالميناء ، ومباخر وطاسات ، وأباريق ، وشماعد ، وألواح زيارة ، ومزهريات وكشكول ، ومجموعة كبيرة من الأسلحة ، ورؤوس أعلام ، ورؤوس أخرجة ، وتيجان .

3ـ المنسوجات (448) قطعة ، منها أغطية قبور ، وستور ، وخيام ، وملابس ، وغير ذلك ، وقد رصّع بعضها بالأحجار الكريمة واللؤلؤ .

4ـ السجاد (325) سجادة ، وتعتبر مجموعة السجاد الموجودة بالمشهد نادرة ولا مثيل لها في العالم ، من الناحيتين : الفنية والمادية ، إذ يوجد بين هذه المجموعة سجادة معقودة من الوجهين ، وبكل وجه زخارف وألوان تختلف كل الاختلاف عما في الوجه الآخر .

5ـ التحف الزجاجية (121) قطعة مختلفة الأشكال ، بعضها : مشكاوات مموهة بالميناء ، وبعضها ثريات من البلور النادر ، وقناديل تضاء بالشمع ، وغير ذلك .

6ـ التحف الخشبية (156) قطعة ، ومعظمها عبارة عن كشكول من خشب الساج الهندي ، البديع الصنع والزخرفة ، ثمّ هناك عدد من كراسي المصحف وألواح الزيارة .