37/08/17


تحمیل

الموضوع:- النكتة التاسعة ( تبدل الأشياء التي يمتلكها الاشخاص فيما بينهم ) ، النكتة التاسعة ( ملكية الدولة والشركات الحكومية )- مسألة( 19 ).

النكتة التاسعة:- قد تتبدّل أحيانا عباءة الشخص بعباءة غيره أو يتبدّل حذاءه بحذاء غيره وما شاكل ذلك ، وما هو الحكم في مثل الحالة المذكورة ؟

والجواب:- إنّ هذا مصداقٌ لمجهول المالك مادمت لا أعرف الشخص الذي حصل التبدّل معه ، ومادام المورد مصداق لمجهول المالك فلا يجوز التصرّف فيه إلا إذا أحرزنا رضا صاحبه لأنّ اليأس بَعدُ لم يحصل ، وإذا حصل الياس فالوظيفة أيضا التصدّق به للفقراء ولا يأخذه هو.

وأقول شئياً خارج المحاضرة:- وهو أنه إذا سألنا الناس عن ذلك فنحن لا بأس وأن نساعدهم على تحقيق وثبوت الصغرى ، يعني نساعدهم على تحقيق احراز الرضا خصوصاً إذا كانت العباءة أو الحذاء عادياً مثلاً فنقول له اجعل نفسك مكانه فهل ترضى بالتصرّف فيه أو لا ؟ فإن رضيت فصاحبك مثلك أيضاً إن شاء الله تعالى ، وهذه مساعدة بالنسبة إلى الصغرى لا بأس بها بهذا المقدار خصوصاً بعد ضمّ جملة ( إن شاء الله ) فإنَّ هذا سوف يكون احتياطاً ولا مشكلة فيه وهو سوف يحصل له احراز الرضا ، وإذا حصل له ذلك فحينئذٍ يجوز له التصرّف ، فإذن لا يجوز التصرّف إلا مع احراز الرضا.

ورب قائل يقول:- لم لا نطبّق فكرة المقاصّة ؟ فإنّ عباءتي صارت عنده فمن باب المقاصّة أنا سوف أتصرف بعباءته ، فهو يتصرّف في عباءتي من باب المقاصّة وأنا أتصرّف بعباءته من باب المقاصّة ، فنطبق فكرة المقاصة ؟

والجواب:- إنّ ما دلّ على فكرة المقاصّة حاصٌّ بحالة العمد ، يعني لو فرض أنّ الإنسان أخذ منّي شيئاً عمداً فأنا لو عثرت في يوم من الأيام على مالٍ له وحصل بيدي فحينئذٍ أعمل فكرة المقاصّة مادام هو قد أخذ مالي عمداً ، أما إذا كان أخذه اشتباهاً والمفروض أنّه كذلك فهو لبس العباءة أو أنا لبستها اشتباهاً لا عمداً فلا يمكن تطبيق فكرة المقاصّة حينئذٍ ، اللهم إلا إذا ألغيت الخصوصية من هذه الناحية وأنّ حالة العمد ليس لها خصوصية وهذا شيءٌ صعب ، فلاحظ الرواية التي رواها الشيخ الطوسي(قده) بإسناده عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن داود بن رزين :- ( قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام:- إني أخالط السلطان فتكون عندي الجارية فيأخذونها والدابّة الفارهة فيبعثون فيأخذونها ثم يقع لهم عندي المال فلي أن آخذه ؟ قال:- خذ مثل ذلك ولا تزد عليه )[1] ، وهي تدلّ بوضوح على جواز المقاصّة ، وكما نلاحظ هي تدلّ على حالة التعمّد فإنهم يأخذون الجارية مثلاً أو الدابة عمداً فحينئذٍ الامام عليه السلام جوّز له للمقاصّة ، أما لو كان اشتباهاً فكيف ؟! إنّ الرواية لم تتعرّض إلى ذلك فنبقى نحن ومقتضى القاعدة وهي تقتضي أنّ هذا مجهول المالك وقبل حصول اليأس من صاحبه لا يجوز التصرّف فيه بل حتى بعد اليأس قلنا يكون المورد هو التصدّق.

هذا مضافاً إلى أنه لو سلّمنا أنّ الرواية تشمل حالة الاشتباه وألغينا الخصوصية من هذه الناحية فهذا يتم لو فرض الاشتباه كان منه فكيف هو لو تعمّد فأنا يجوز لي المقاصّة فكيف إذا اشتبه فيجوز لي المقاصّة ، أما لو اشتبهت أنا وأخذت العباءة بالاشتباه وخرجت ففي مثل هذه الحالة هذا لا يكون مشمولاً للرواية حتى لو قلنا بالتعدّي إلى حالة الاشتباه فإنا نتعدّى إلى حالة اشتباه الطرف الثاني لا إلى حالة اشتباهي ، فيبقى هذا تحت مقتضى القاعدة ، اللهم إلا أن نلغي الخصوصية مرّتين لا مرّةً واحدةً ونحن لم نرتضِ بإلغائها مرّة واحدةً فكيف بالمرّتين ، وعلى أيّ حال تطبيق فكرة المقاصّة أيضاً أمرٌ صعب.

يبقى شيء:- وهو أنّ هذه الرواية قد ورد في سندها داود بن رزين وربما ورد في بعض النسخ داود بن زربي وهذا اثنان وليس واحداً ، وداود بن زربي ربما يوثق من باب أن الشيخ المفيد(قده) في جملة من شهد بحقهم بأنهم كبار وأجلة الأصحاب وأحدهم داود بن زربي ، أو مثلاً أنّ الشيخ النجاشي على نسخة ابن داود قد وّثقه ، ففي نسخة ابن دود توجد كلمة ثقة أما في غيرها لا توجد كلمة ثقة ، فإذن داود بن زربي يمكن توثيقه ، أما دواد بن كثير لم يذكر بتوثيق ، فعلى هذا الأساس قد يشكل في السند لأنه لم يتعيّن كون الوارد هو داود بن زربي ، أجل من يبني على كبرى وثاقة كلّ من روى عنه أحد الثلاثة فهذا الشخص قد روى عنه بسندٍ صحيح محمد بن أبي عمير فيكون ثقة ويسهل أمره سواء كان هو داود بن كثير أو كان هو داود بن وربي فعلى كلا التقديرين نفس رواية ابن أبي عمير عنه يكفي لإثبات وثاقته ، ومن الواضح أن هذا يتم بعد الالتفات إلى أنه لم يرد جرحٌ في حقّ أحدهما أما لو كان يوجد تضعيف من جهةٍ فحينئذٍ لا يكفينا رواية ابن أبي عمير عنه لأنّ المورد يصير من موارد التعارض بين الجرح والتعديل.والخلاصة من كلّ هذا:- إنَّ المورد المذكور الذي هو مورد الابتلاء تنطبق عليه فكرة مجهول المالك فلا يجوز التصرّف إلا إذا أحرز رضا الطرف ، وتطبيق فكرة المقاصّة غير ممكن للرواية لما أشرنا اليه.

النكتة العاشرة:- ملكية الدولة والشركات الحكومية.

يوجد كلام يستحق أن يذكر وهو أن الجهات العامة كعنوان الدولة وكعنوان البنك الحكومي وما شاكل ذلك فعنوان الجهة هل يملك أو لا يملك ؟

رب قائل يقول:- نعم لا محذور في ذلك باعتبار أنّ الملكية قضيّة اعتبارية والعقلاء لا يمانعون من ثبوت الملكية للعناوين العامّة كعنوان الدولة وما شاكل ذلك ، فالقضية ممكنة ولا محذور فيها ، هذا ما قد يخطر الى الذهن وقد يقال به وقد قيل بذلك .

بيد أنه يمكن أن تنفى الملكية ببيانين:-

البيان الأوّل:- إنّنا نقبل ونسلّم أن الملكية أمر اعتباري وأن الأمر الاعتباري سهل المؤونة والعقلاء لا يمانعون من ثبوت ذلك للعنوان العام بيد أن المشكلة ليست في الامكان حتى تبرز ما يثبت الامكان وإلا فنحن نستبعد أن يرفض شخصٌ أصل الامكان ، وإنما المشكلة هي أنه كيف نثبت الوقوع لا أنه لا يمكن ولكن أثبت لنا أنها مالكة بالفعل ، فنحتاج الى مثبتٍ للتحقّق الفعلي للملكية وللوقوع الفعلي للملكية ، فمثلا عنوان الفقراء في باب الزكاة عنوان عام وجهة كعنوان الدولة لا فرق بينهما وقد دلّ الدليل على أن هذا العنوان يملك وذلك الدليل هو آية الزكاة ﴿ انما الصدقات للفقراء .. ﴾ هذه الآية الكريمة بنقسها قد دلت على أن العنوان المذكور هو مالك ، فحينئذ نقول بثبوت الملكية لعنوان الفقراء ويثبت بذلك للوقوع ، وهكذا لو فرض أن شخصاً أوقف داراً على عنوان طلبة العلم فأيضاً نقول سوف يصير المالك هو العنوان المذكور ونقبل بذلك ولماذا ؟ لأنّ الرواية دالة على أن الوقوف حسب ما أوقفت عليه وهذه رواية عن الإمام الهادي عليه السلام حيث قال:- ( الوقوف حسب ما يوقفها أهلها ) ، فهذا البستان مثلاً أوفقته لعنوان الفقراء فحينئذٍ تثبت المالكية للعنوان الموقوف عليه بسبب هذه الرواية ، وهكذا ملكيتي أنا لداري أو أنت لدارك فهذا أيضا يوجد دليل على الوقوع وهو مثلاً صحة البيع أو الإرث من المملكات فهذه تدلّ على الملكية ، ومن الواضح أنّ هذا دليل على العنوان الخاصّ فإنّ العنوان الخاص أيضاً يحتاج الى دليل على الوقوع كالعنوان العام وما نقوله لا يختصّ بفكرة العنوان العام بل يعمّ العنوان الخاص أيضاً ، فكل عنوان سواء كان خاصاً أو عاماً يمكن ثبوت الملكية له وهذا لا محذور فيه ولكن في الوقوع يحتاج إلى دليل وفي العنوان الخاصّ مثل الدار الدليل هو مثل ﴿ أحل الله البيع ﴾ أو ما شاكل ذلك ، وفي مثل الزكاة والوقوف يوجد دليل أيضاً ، وهل يوجد دليل يدلّ على أن عنوان الحكومة يملك ؟ فإن وجدت دليلاً فهو نعم الدليل ، فإذن المسألة مسألة القصور في المقتضي يعني عدم الدليل لا أنّنا نمانع من ذلك.

فالمقصود أنّ الوجه الأوّل صار واضحاً وهو التمسّك بفكرة القصور في المقتضي ، وأتذكر أن هذا قد استفدته من السيد الخوئي(قده) فإنه في مرّة من المرات بعد انتهاء الدرس سألته عن الدولة لماذا ليست مالكة ؟ فقال:- لعدم الدليل ، ولم يتكلّم أكثر من هذا ، وأنا ذكرت هذا التوضيح مني ولكنه هو الذي أعطاني رأس الخيط ، ولعلك تفتحه بشكلٍ أخر أو بيانٍ آخر.

البيان الثاني:- لو سلّمنا أن عنوان الدولة يملك بالفعل وافترض أنه قام الدليل على ذلك ولكن نقول من الذي يتصرّف ويكون طرفاً لنا بحيث نأخذ منه ويكون الأخذ أخذاً من المالك ؟ وهكذا الحال في البك ، فمن المالك في البنك فهل هو الذي نصّب نفسه رئيساً للبنك فمن قال إنّ نصبه شرعي فكيف أثبتَّ شرعيتك ؟ فلو قال:- قد انتخبني فلان وفلان ، ولكن نقول:- وكلّ هذه ليست مثبتات شرعية ونحن نحتاج إلى ممثلية شرعية عن هذا العنوان ، فلابدّ من وجود ممثل شرعي يكون طرفاً بيننا وبينه ، ولا يوجد ممثل شرعي ، فرئيس البنك ليست له ممثلية شرعية وإنما جاء حسب قضايا رسمية وغير ذلك ، وأنت الموظف الذي في البنك أيضاً هذا المقدار لا يجعل لك ممثلية شرعية ، فنبقى على هذا الأساس حتى مع فرض ثبوت الملكية للجهة كعنوان الدولة أو كعنوان البنك فاقدين للممثّل الشرعي لهذه الجهة فلا يمكن التعامل مع هذه الجهة أنها مالكة والأخذ يكون أخذاً من المالك ، فلا تتمكن أن تقول اني أخذت هذا المال من الدولة والدولة مالكة ، فأقول لك من الذي أعطاك هذا المال فهل أعطاه لك المالك الذي هو الدولة فهل جاءت للدولة واعطته لك ؟ تقول:- لا بل رئيس الدولة أو رئيس الجمهورية ، ولكن من قال إن رئيس الجمهورية أو الدولة هو الممثل الشرعي ... ، فنحتاج إذن إلى ممثل شرعي.

ولا يخفى الفارق العملي بين البيانين ، فإنه على البيان الأول لو فرض أن الحكومة كانت عادلة يعني كان يوجد على رأسها يوجد الفقيه أو المنصوب من قبل الفقيه العادل فحينئذٍ الممثلية موجودة بسبب امضاء الفقيه وكل الأمور حينئذٍ سوف تنتهي بالتالي إلى نصب الفقيه وتتحقّق الممثلية الشرعية فلا محذور في ذلك ، أو يفترض أنّ الفقيه لم يكن في قمّة الهرم وإنما أجاز الأعمال للدولة ولرئيس الجمهورية كما يحكى عن المحقّق الكركي أو غيره أنه أحاز السلطة في الفترة الزمنيّة التي كان فيها وعاصرها ، فعلى البيان الثاني إجازة الفقيه وامضاؤه ينفع ، أما على البيان الأول - يعني إذا قلنا بفكرة القصور في المقتضي - فإجازة الفيه ونصبه لا يكفي لأنّ عنوان الدولة لا يوجد مثبت لمالكيته فإمضاء الفقيه ماذا ينفع !! إنما هو ينفع في المورد الذي يثبت فيه وجود مالكية فيأتي أنه يحتاج المورد الى ممثلٍ عن المالك فيأتي دور الفقيه ، أما إذا فرض أنّ المالك لم يثبت للقصور في المقتضي وإنما الموجود إمكان المالك لا المالك بالفعل فإمضاء الفقيه وكون الدولة عادلة لا ينفع شيئاً ، هذا ما ينبغي أن يقال في هذا المجال.