37/08/20


تحمیل

الموضوع:- هل الدولة أو البنك الحكومي أو الشركة الحكومية تملك أو لا - مسألة ( 19 ) – المكاسب المحرمة.

هذا وقد يتصوّر:- أنّ لازم عدم ملكية الدولة أنّ هذا يجوز له أن يأخذ خِلسةً وذاك أيضا يجوز له ذلك باعتبار أنها ليست مالكة ، فيترتّب إذن هذا اللازم ؟

وجوابه:- إنّ حكم مجهول المالك كما تقدّم ليس هو أنّ كلّ إنسان يجوز له أخذه وإنما خصوص الفقراء لا مطلق الناس ، على أنه إنما يجوز ذلك بعد كسب الإذن من الحاكم الشرعي.

وبغضّ النظر عن كلّ ذلك يمكن أن نحكم بعدم الجواز بسبب العنوان الثانوي لأنّ الأخذ والخِلسة بهذا الشكل يلزم منه اختلال النظام وحينئذٍ لا يمكن للناس أن يعيشوا في بلدهم بشكلٍ جيّدٍ ولا نحتمل أنّ الإسلام يرضى بأنّ يعيش المؤمنون والناس حياة فوضى ولا يريد الاستقرار لهم ، ولا تطالبني على ذلك بدليل فإنّ هذه قضايا قياساتها معها وهي من المسلّمات البديهيات ، فعلى هذا الأساس حتى لو قلنا بأنّ الدولة لا تملك لا نحكم بجواز الاختلاس فإنّ ذلك يلزم منه الفوضى واختلال النظام كما هو واضح.

أجل إذا فرض أنّ الدولة كانت ظالمة للعباد بحيث إذا أمكن اسقاطها يلزم ذلك وفرض أنه بالاختلاس والفوضى يمكن أن نتوصّل إلى اسقاطها فحينئذٍ يوجد مجالٌ للحكم بجواز ذلك حتى يترتّب على ذلك سقوطها ، أمّا إذا فرض أنها لم تكن ظالمة للعباد أو فرض أنها كانت ظالمة لكنّ الاختلاس لا يؤدّي إلى اسقاطها ففي مثل ذلك أيضاً لا يجوز الاختلاس لأنه يؤدي إلى الفوضى كما قلنا وهو لا يجوز.

وهناك عنوان آخر نريد أن نبحثه وهو اللوازم المترتبة على عدم ملكية الدولة أو البنك الحكومي ، ولكن قبل أن ندخل في ذكر هذه اللوازم وألفت النظر إليها نذكر شيئاً فاتنا - وهذا من باب الاستدراك - وموضعه المناسب هو نهاية النكتة الخامسة من النكات المتقدّمة فإنه في النكتة الخامسة ذكرنا أنّ حكم مجهول المالك هو التصدّق ولو على الأقل بنحو الاحتياط الوجوبي كما انتهينا إليه.

فقد يطرح هذا السؤال:- وهو أنه لو فرض أنّ من بيده مجهول المالك فقيراً فهل يجوز له أن يأخذه باعتبار أنه فقير أو أنه يلزم أن يدفعه لغيره باعتبار أنّ الروايات قالت ( قسّمه على اخوانك ) أو ( تصدق به ) أو ما شاكل من العناوين ، فهل يلزم الدفع إلى الغير ولا يجوز أن يأخذ منه هو شيئاً ؟

والجواب:- إنّ ظاهر تعبير ( قسّمه ) أو ( تصدّق به ) هو المغايرة ، يعني لا أنه تصدّق به على نفسك فإنّ هذا عرفاً ينصرف عنه عنوان التصدّق ، فحينما يقال تصدّق يعني أعطه للغير صدقةً ، أو حينما يقال قسّمه فظاهره يفهم العرف أنه يدفعه إلى الغير لا أنه ادفعه إلى نفسك ، فمن هذه الناحية يمكن أن يتوقّف في جواز أخذ نفس الشخص الذي بيده مجهول المالك له ، اللهم إلا أن يجزم شخص بأنّ القواعد اللفظية وإن كانت تقتضي المغايرة ولكن نحن نجزم بأنّ مقصود النصوص ليس هذا الظاهر وإنما يلزم أن يأخذه الفقير أعم من كونه هو الغير أو من بيده مجهول المالك ، فإن حصل الجزم فبها.

وشبيه هذا الكلام يأتي في موردٍ آخر:- وهو ما لو فرض أنّ شخصاً كتب في وصيته ( أريد أن يصرف ثلث أموالي في الخيرات ) فقد يأتي الورثة ويسألون ويقولون نحن أيضاً مصداقٌ للخيرات فلنأخذ هذا الثلث لنا ، فهل نحكم بالجواز ؟

والجواب:- نقول لهم إذا جزمتم بأنّ مقصود الوالد هو الأعم ولو أنتم فيجوز لكم أخذه ، ولكن إذا لم يجزموا بأنّ المقصود هو ذلك وطلبوا من الحاكم الشرعي الحلّ ففي مثل هذه الحالة قد يأتي هذا الاشكال وهو أنّ ظاهر ( أريد خيرات ) يعني أريد خيرات لغير ورثتي فإنه لا يبعد وجود ظهور عرفي من هذا القبيل ، ومعه فينبغي دفعه إلى الغير لا أنه يأخذه نفس الورثة.

وفي هذا المجال أنا أحياناً اتبع هذه الطريقة في الحلّ:- وهي طريقة احتياط ، يعني أنا أرى أنّ هؤلاء الورثة محتاجون حقّاً فأتقبّل أنا فيما إذا كنت أحرز من نفسي أنّ عنوان الفقر ينطبق عليّ فأطبّق على نفسي عنوان الخيرات فأتقبّل منهم ثلث البيت مثلاً وبعد ذلك أهبه لهم.

ونفس الكلام نذكره في مجهول المالك ، فأحياناً يأتي شخص بيده مجهول المالك وهو يطمع به وأنا أريد طريقاً شرعياً لإيصاله إليه فتوجد شبهة أنّ ( تصدّق ) أو ( قسّمه ) ظاهره المغايرة ، فحينئذٍ أقول له أعطه لي فإذا أعطاه لي فسوف أرجعه إليه وهذه طريقة للاحتياط لا بأس بها.

نعم هنا شبهة:- وهي أنّ الروايات قالت ( قسّمه على إخوانك ) فالواحد لا يكفي ولابد من اعطائها لعددٍ من المؤمنين ، وهكذا الكلام في ( تصدّق به ) ، فقد تأتي هذه الشبهة.

ولكن الجواب:- إنه ليس من البعيد أنّ المفهوم العرفي من ( قسّمه بين اخوانك ) يعني ادفعه إلى الغير كما لو أتيت بصدقةٍ وسألتني وقلت لي لمن أعطيها فأقول لك اعطها للفقراء ، وهل يلزم أن تعطيها لثلاث فقراء مثلاً لأنّ أقلّ الجمع هو ثلاثة ؟! كلا ، بل المقصود هو الجنس وليس المقصود جنس الفقير فأعمّ من كونه جماعة أو فرداً واحداً ، فعلى هذا الأساس لا بأس بالدفع له.

نعم إذا فرض أنه صار غنياً يعني كانت كميّة المالك كبيرة ويصير غنياً بدفعها إليه فحينئذٍ قد تأتي شبهة أنّ المقدار الزائد على حاجته لا يجوز دفعه إليه ، ولكن نحن نفترض أنّ المقدار الذي يدفع إليه لا يزيد على مقدار الحاجة.

لوازم عدم ملكية الدولة أو البنك الحكومي:-

هناك لوازن تترتّب على عدم ملكية الدولة والبنك أو الشركة الحكوميتين أذكرها لا من باب أنها محاذير توجّه إلى من يلتزم بعدم ملكية الدولة أو البنك أو الشركة الحكوميتين وإنما أذكرها من باب واقع الحال فإن واقع الحال كذلك ، يعني من يلتزم بعدم ملكية الدولة أو البنك أو الشركة الحكوميتين فهذه أمورٌ سوف تترتّب ، فالتفت إلى أنه بالتالي لابد وأن تلتزم بها وقد تقول نعم جميعها ألتزم بها بلا محذور ، وهي:-

اللازم الأول:- إنّ عميلة إقراض البنك المعبّر عنه في يومنا هذا بالإيداع ، وفي الحقيقة هو ليس بإيداع وإنما هو إقراض فإنّ الوديعة تعني الأمانة يعني أنا أدفعه إليك ليبقى أمانة بيدك ولا يجوز حينئذٍ أن تتصرف فيه بأن تدفعه إلى الآخرين وغير ذلك فإنّ هذا غير جائز ، نعم في باب الوديعة يقولون يجوز الانتفاع بها كما لو فرضنا أنّ شخصاً أتى بتلفزيون ووضعه وديعةً عندي فقلت له هل استطيع تشغيله في بعض الأوقات ؟ فقَبِلَ بذلك واستخدمته فهذا تصرّفٌ لا بأس به ، أما التصرّف المتلف فهذا ينافي عنوان الوديعة والمفروض أنّه في موردنا سوف يتلف البنك هذا المال وإنما تبقى القيمة ، فهذا ليس بوديعةٍ ولكن يعبّر عنه بالوديعة اشتباهاً وإلا المناسب أنه قرضٌ ، فما يدفع بعنوان القرض أو بعنوان ما يسمى بالإيداع إلى البنك بناءً على فكرة عدم المالكية يلزم أن لا يكون قرضاً ولا إيداعاً بل يكون أشبه بإلقاء المال في النهر ويكون ذلك موجباً لإتلافه ، وبالتالي يجب بمجرّد دفعه إلى البنك لأنه صرفٌ في غير المؤونة.

أمّا كيف يلزم ذلك ؟ ذلك باعتبار أنّ القرض يحتاج إلى موجبٍ وقابلٍ ، فأنا أقول أقرضتك - وإن لم يكن بهذا اللسان الفصيح فبنحو المعاطاة - وهو يقبل ، وحينئذٍ نأتي ونقول:- مَنْ الذي يقبل ؟ فهل هو نفس البنك أو الموظف الموجود في البنك ؟ فنفس البنك المفروض أنه لا يملك حتى يقول قبلتُ ، فعلى هذا الأساس كيف يكون القرض له ويكون هو المالك لهذا المال المقترض ، على أنه يحتاج إلى قبولٍ ومن هو الذي يقبل فالبنك ليس له لسانٌ وإنما يوجد شخصٌ موظفٌ وهذا ليست له ممثلية شرعية عن البنك فإذن لم يحصل القبول ، فالقرض إذا كان لنفس البنك فنحن قد فرضنا أنه لا يملك كما لا يوجد من يمثله شرعاً حتى يقبل وشرط القرض الايجاب والقبول.

وإذا كان الاقراض للموظّف فهو يمكن أن يملك ويمكن أن يقبل ولكني لا أريد أن أقرض الموظف وألا يلزم أن أُلاحق الموظّف حينئذٍ وإذا مات فسوف ذهب إلى ورثته واطالبهم ولا أذهب إلى البنك والذهاب إلى البنك معناه أني لم أقرض الموظّف ، فإذن من يمكن اقراضه - وهو الموظف - أنا لا أقرضه ومَن أريد أن أقرضه - وهو البنك - لا يمكن أن يملك وعلى الأقل لا يصدر منه قبولٌ ، فهذا الدفع إذن يكون كإلقاء المال في النهر فيجب حينئذٍ التخميس لأنّ هذا صرفٌ في غير المؤونة ، نظير ما لو كانت عندي أموال حصلت عليها اليوم وذهبت إلى النهر وألقيتها فيه فإنه بمجرد إلقائها في النهر يجب التخميس لأنه صرفٌ في غير المؤونة ، وما دلّ على الاستثناء دلّ على الاستثناء لأجل الصرف في المؤونة ، أمّا إذا صرف الشخص المال في غير المؤونة فبمجّرد الصرف يجب التخميس من دون انتظار سنةٍ ، ولذلك من يصرف أمواله في أشياء غير المؤونة يجب عليه تخميس هذه الأموال فوراً ، فهنا الذي يودع ماله لدى البنوك يترتّب عليه هذا أيضاً.