33/06/16


تحمیل
  (بحث يوم الثلاثاء 16 جمادى الثانية 1433 هـ 129)
 الموضوع :- المسألة الثامنة عشر / مناقشة مذهب السيد الماتن (قده) من اختيار كون المدرك هو صحيحة الصفار دون رواية البصري والجواب عنه مبنى وبناءً / كتاب القضاء للسيد الخوئي (قده) .
 
 كان الكلام في قبول شهادة الشاهد واليمين في الدين على الميت وقلنا إن النصوص الواردة في المقام لا ينبغي الشك في إطلاقها في حدّ نفسها وشمولها للحي والميت ولم يَستشكل في ذلك أحد حسب الظاهر لكن السيد الماتن (قده) ذكر أن الصحيح أن هذه النصوص كلّها محمولة على دعوى الدين على الحيّ ولا تشمل دعوى الدين على الميت واستدلّ على ذلك بأن صحيحة الصفار التي يُستدلّ بها على الاستثناء [1] ظاهرة إن لم تكن صريحة في أن ثبوت الدين على الميت يتوقف على ضم شهادة الوصي إلى شاهد عدل آخر واليمين ففي النصّ هكذا : " أوَتُقبل شهادة الوصي على الميت مع شاهد آخر عدل ؟ فوقّع : نعم من بعد يمين " فيظهر منه أنه يُعتبر في ثبوت الدين على الميت انضمام شاهدين عادلين إلى اليمين وهذا في الحقيقة يكون تخصيصاً لأدلة حجية البيّنة [2] بمعنى أن البيّنة تُقبَل في كل دعوى بلا حاجة إلى اليمين إلا في دعوى الدين على الميت فإنها لا تكون حجة وحدها بل لا بد من ضم اليمين إليها فمن هنا يكون هذا تخصيصاً لأدلة حجية البيّنة ، ومن الواضح أنه لو كان الدين على الميت يثبت بشاهد ويمين لكان اشتراط انضمام شهادة الوصي إلى شاهد آخر عدل واليمين لغواً ولكانت صحيحة الصفار حينئذ بلا فائدة لأن المفروض بناءً على عموم نصوص الشاهد واليمين أو إطلاقها أن دعوى الدين على الميت تثبت بشاهد ويمين فلا معنى لاشتراط انضمام شهادة العدل الآخر إذ يكون اشتراطه حينئذ لغواً وحيث إن الرواية صحيحة وكلام المعصوم مُنزّه عن اللغوية فلا بد أن تكون مقيدة لإطلاق تلك النصوص فتُحمل تلك النصوص على دعوى الدين على الحيّ فتختص بها ، وأما دعوى الدين على الميت فلا تكون مشمولة لإطلاق الرواية للمحذور المذكور .
 وبعبارة أخرى : إن هذا الكلام مبني كما يُنقل عنه (قده) التصريح به على افتراض أن اليمين في مسألة الشاهد واليمين جزء متمم لثبوت أصل الدين على الميت وبناء عليه فظاهر رواية الصفار أن البيّنة [3] لا تكفي لإثبات الدين على الميت بل لا بد من ضم اليمين وهذا ما سلف عنه أنه تخصيص في حجية أدلة البيّنة وإلا فلو كان المقصود باليمين إثبات بقاء الحقّ لا أصل ثبوته فلا يكون تخصيصاً في حجية أدلة البيّنة لأن البيّنة تثبت أصل الدين واليمين يثبت بقاء الدين إلى حين موت الميّت ولا تنافي بينهما حينئذ وإنما يرى (قده) أن اليمين جزء متمم لثبوت أصل الدين ومفاد الصحيحة - التي هي المدرك عنده - أن البيّنة لا تكفي لإثبات أصل الدين بل تحتاج إلى ضم اليمين وظاهر هذه اليمين أنها يمين على نفس ما يشهد به الشهود والمفروض أنهم يشهدون على أصل الدين فاليمين يكون على أصل الدين أيضاً ومن هنا يكون مفاد صحيحة الصفار تخصيصاً لأدلة حجية البيّنة [4] فإثبات أصل الدين على الميت يتوقف على ضمّ اليمين إلى البيّنة وفي هذا منافاة مع دليل كفاية الشاهد واليمين لإثبات أصل الدين ، وهذه المنافاة تُرفع بأن يُقيّد إطلاق تلك الروايات ويُحمل على دعوى الدين على الحيّ ، وأما دعوى الدين على الميت فمقتضى صحيحة الصفار أنها لا تثبت بشاهد ويمين وإنما تثبت بشاهدين عدلين مع اليمين فيثبت تخصيص تلك النصوص .
 وهذا بخلاف الحال مع معتبرة البصري فإنها لو كانت هي المدرك فتصل النوبة حينئذ إلى البحث الثاني لأنه كما مرّ يتوقف على التعميم في البحث الأول الذي يتوقف بدوره على القول بكفاية ثبوت الدين على الميت بشاهد ويمين الذي هو مفاد هذه المعتبرة فيقع البحث حينئذ في أنه هل يُضم إليه يمين آخر أم لا ، وأما إذا قيل بعدم كفاية الشاهد واليمين لإثبات الدين على الميت بل لا بد من البيّنة فلا معنى للبحث عن لزوم ضم اليمين أو عدم لزومه إذ لا إشكال في ضوء ما تقدّم من أنه لا بد من ضم اليمين إلى البيّنة .
 وعلى هذا لا تكون معتبرة البصري تخصيصاً لأدلة حجية البيّنة لأن اليمين فيها ليس متمّماً لما يُثبت أصل الدين وإنما هو لإثبات بقائه إلى حين الموت وأما أصل الدين فيثبت بالبيّنة وحينئذ تبقى أدلة حجية البيّنة عامة وشاملة حتى لمحلّ الكلام وهو دعوى الدين على الميت فالبيّنة تبقى حجة ووظيفة اليمين الذي يُوجّه إلى المدّعي [5] هي إثبات بقائه إلى حين موت المُدّعى عليه .
 فالنتيجة أنه لا يكون ثمة تخصيص لأدلة حجية البيّنة في ما لو كانت معتبرة البصري هي المدرك وبناء على هذا لا توجد منافاة بين مفاد هذه المعتبرة وإطلاق أدلة كفاية الشاهد واليمين في إثبات أصل الدين إذ لا محذور في القول بأن الدين على الميت يثبت بأحد أمرين : بالبيّنة أو بشاهد ويمين فيكون حال دعوى الدين على الميت كدعوى الدين على الحيّ في عدم لزوم اللغوية وفي ثبوت كل من الدعويين بأحد ذينك الأمرين وهو ما ذهب إليه المشهور تمسّكاً بإطلاق النصوص المتظافرة وحينئذ ينفتح المجال للبحث الثاني في أنه هل يُطلَب من المدّعي أن يحلف مرة أخرى على بقاء الدين إلى حين موت المُدّعى عليه أم يُكتفى بيمينه الأولى .
 والحاصل أن الوصول إلى النتيجة في الفرع الأول من التعميم أو عدمه على رأي السيد الماتن (قده) موقوف على اختيار ما هو المدرك في هذه المسألة فإن كان هو صحيحة الصفار فلا بد من أن يُلتزم بتخصيص تلك المطلقات ويُمنع من ثبوت الدين على الميت بشاهد ويمين فيختص ثبوته بهما حينئذ بالدعوى على الحي ، وأما إذا كان المدرك هو معتبرة البصري فتلك الروايات تبقى على إطلاقها فتشمل دعوى الدين على الحي ودعوى الدين على الميت على حدّ سواء كما ذهب إلى ذلك المشهور .
 هذا توضيح كلامه (قده) وإن كان قد ذهب إلى كون المدرك هو صحيحة الصفار لعدم تمامية معتبرة البصري سنداً عنده (قده) .
 ولكن يمكن الجواب عنه بجوابين :
 الأول : اعتبار رواية البصري لتماميّتها سنداً فتكون هي المدرك وعليها المعوّل - كما هو ظاهر كلمات الفقهاء (رض) - لكونها مفسّرة لصحيحة الصفار وأن المقصود باليمين في الصحيحة هي اليمين القائمة على بقاء الحقّ إلى حين موت المُدّعى عليه لا اليمين القائمة لإثبات أصل الدعوى حتى يلزم منه التخصيص في أدلة حجية البيّنة .
 الجواب الثاني : التسليم بأن المدرك هو خصوص صحيحة الصفار وأن رواية البصري غير معتبرة ولكن ليس مفاد الصحيحة منافياً لإطلاق نصوص الشاهد واليمين حتى تكون مقيّدة له وذلك لأن افتراض شهادة الوصي مع شاهد آخر عدل ويمين المدّعي لم يرد في كلام الإمام (عليه السلام) وإنما ورد في كلام السائل حيث قال : (أوَتُقبل شهادة الوصي على الميت مع شاهد آخر عدل) والإمام (عليه السلام) وقّع : (نعم من بعد يمين) ولم يقل (عليه السلام) إن قبول هذه الدعوى [6] يتوقف على وجود تلك الأمور الثلاثة : شهادة الوصي وشهادة عدل آخر ويمين المدّعي بل غاية ما أجاب به (عليه السلام) هو أنه في مفروض السؤال لا بد من ضمّ اليمين فلأيّ شيء يكون هذا منافياً لإطلاق النصوص المتظافرة بل يبقى إطلاقها على حاله ليكون مفاده أنه يكفي في ثبوت الدين مطلقاً [7] شاهد ويمين [8] فيكون لسان تلك النصوص قيام الشاهد واليمين مقام البيّنة لإثبات أصل الدين فينتج التعميم في البحث الأول وحينئذ ينفتح المجال للبحث الثاني فيقال هل يُشترط انضمام اليمين القائمة على إثبات بقاء الحقّ إلى حين موت المُدّعى عليه أم لا يُشترط ذلك .
 والنتيجة أنه لا ضير في القول بكفاية الشاهد واليمين لإثبات أصل الدين على الميت كما يكفي لإثباته على الحي فيكون قائماً مقام البيّنة وحينئذ تكون المطلقات باقية على إطلاقها ولا تطالها يد التقييد .
 وبذا يتمّ الكلام في البحث الأول حيث تبيّن فيه تمامية القول بكفاية الشاهد واليمين في إثبات الدين على الميت فيكون حاله حال البيّنة والإقرار وعلم الحاكم على القول به .
 وسيقع الكلام إن شاء الله تعالى في البحث الثاني وهو أنه هل يلزم حينئذ يمين آخر لإثبات بقاء الدين إلى حين الموت أم يُكتفى باليمين الأولى ؟


[1] لأنها العمدة والمدرك بحسب نظره (قده) لأنه يرى ضعف رواية البصري سنداً .
[2] أي أن رواية الصفار تكون مخصصة لهذه الأدلة .
[3] أي شهادة عدلين على أصل الدين .
[4] لأن المفروض أن البيّنة وحدها تكون كافية لإثبات ما تشهد به ومفاد الصحيحة عدم كفايتها في إثبات الدين على الميت بل لا بد من ضم اليمين .
[5] لا إلى المُدّعى عليه لأن المفروض أنه ميت لا لسان له .
[6] أي الدعوى على الميت وثبوت الدين عليه .
[7] أي سواء كانت الدعوى على الحي أم على الميت .
[8] مع الالتفات إلى أن اليمين في نصوص الشاهد واليمين هي يمين على أصل الدين (منه دامت بركاته) .