33/12/27


تحمیل
  (بحث يوم الاثنين 27 ذ ح 1433 هـ 194)
 الموضوع : تكملة الكلام في المسألة السابعة والخمسين : الأمر الرابع والخامس والسادس من الأمور المهمة المتعلقة ببحث المقاصة مما لم يذكره السيد الماتن / كتاب القضاء للسيد الخوئي (قده) .
 
 كان الكلام في ذكر أمور قلنا إنه ينبغي التنبيه عليها وقد تقدّم منها ثلاثة :
 الأمر الرابع : في مدى جواز التقاصّ في ما إذا كان ثبوت الحقّ خلافياً بين المجتهدين ؟
 لا ريب في الحكم بجواز التقاصّ في ما إذا كان ثبوت الحق مورد اتفاق بين المجتهدين ، وأما إذا فُرض كونه خلافياً بينهم فهاهنا صور :
 الأولى : أن يكون المدّعي مقلّداً لمن يقول بعدم ثبوت الحق بغضّ النظر عن مقتضى تقليد الغريم .
 الثانية : أن يكون المدّعي مقلّداً لمن يقول بثبوت الحق والغريم مقلّداً لمن يقول بعدم ثبوته .
 الثالثة : أن يكون المدّعي مقلّداً لمن يقول بثبوت الحق ولكن لم يُعلم ما هو مقتضى تقليد الغريم أو كان يُحتمل أن مقتضاه عدم ثبوته .
 والحكم في هذه الصور الثلاث هو عدم جواز التقاصّ .
 الرابعة : أن يكون المدّعي مقلّداً لمن يقول بثبوت الحق والغريم مقلّداً لمن يقول بثبوته أيضاً .
 والحكم في هذه الصورة هو جواز التقاصّ بلا إشكال .
 الأمر الخامس : في مدى جواز التقاصّ مع عدم مطالبة المدّعي بالدين .
 أي هل يجوز للمدّعي المقاصة في حال عدم مطالبته الغريم بالدين ليتعرّف منه هل يعترف به أم يجحده ومع اعترافه هل هو مستعد لأداء الدين أم هو ممتنع عنه كما لو فُرض وجود مانع يمنع المدّعي من المطالبة كالخوف أو الحياء أو غيرهما ؟
 هاهنا صورتان :
 الأولى : ما إذا احتمل المدّعي إقرار الغريم بالدين وبذله له لو فُرض مطالبته به .
 والصحيح هنا هو عدم جواز التقاصّ لأنه قد يتحقق بعد المطالبة ما يحتمله المدّعي من إقرار الغريم بالدين وبذله له فلا وجه للمقاصّة قبل ذلك فإن المقاصّة إنما تجوز عندما يُفترض أن الغريم جاحد أو مماطل [1] ، ومن هنا فلا بد من إحراز أحد هذين الأمرين ليُحكم بجواز التقاصّ ، ومن الواضح أن إحراز أيّ منهما لا يكون إلا بعد المطالبة .
 الثانية : ما إذا كان المدّعي قاطعاً بعدم إقرار الغريم بالدين وبذله له لو فُرض مطالبته به .
 يمكن أن يقال هنا بالجواز فإنه وإن كان الجحود أو الامتناع لا يصدق شيء منهما قبل المطالبة من جهة أن كون المدّعي قاطعاً بأن الغريم إما جاحد أو ممتنع لا يُحقق صدق شيء منهما إلا أنه مع ذلك للحكم بالجواز وجه وهو البناء على أن الجحود أو الامتناع مأخوذين في لسان الأدلة كطريق لنفي احتمال إقرار الغريم وبذله أو لإحراز عدمهما [2] فيكون هذا الإحراز محض طريق لذاك ولا موضوعية له في حدّ نفسه فإذا فُرض أنه في موردٍ مّا انتفى احتمال الإقرار والبذل كما في حال قطع المدّعي بذلك كفى ذلك للحكم بالجواز [3] ولعل ما نُسب إلى صاحب المستند من القول بالجواز في المقام ناظر إلى هذه الصورة ومبني على هذا الفرض [4] .
 فإذا الصحيح هو التفصيل بين الصورتين : صورة ما إذا احتمل المدّعي أن الغريم باذل ومقرّ فلا يجوز له التقاصّ قبل المطالبة وصورة ما إذا لم يحتمل ذلك بل كان قاطعاً بعدم كونه مقراً باذلاً ففي هذه الحالة يمكن الالتزام بجواز التقاصّ بناءً على ما تقدّم من أخذ الجحود أو الامتناع في لسان الأدلة على نحو الطريقية .
 الأمر السادس : في مدى جواز المقاصّة من أموال الغريم في حال كنه ناسياً للدين أو جاهلاً به من غير إعلامه به [5] .
 قالوا هنا إنه إذا احتمل المدّعي تذكّر الغريم [6] عند تنبيهه وإعلامه أو علمه به [7] فلا يجوز التقاصّ قبل الإعلام وذلك للتعليل المتقدّم وهو عدم صدق الجحود أو الامتناع من دون الإعلام ولو كانا على نحو الطريقية لإحراز عدم احتمال الإقرار والبذل .
 بل يمكن أن يقال بعدم الجواز حتى إذا لم يحتمل تذكّره بالإعلام أو ارتفاع جهله به وكان قاطعاً بعدم حصول ذاك [8] وذلك لأن غاية ما يُبرّره هذا القطع هو سقوط وجوب الإعلام على المدّعي لفرض عدم ترتب الأثر عليه [9] ولا يحقق موضوع جواز التقاصّ الذي هو الجحود أو الامتناع [10] بل قد تقدّم سابقاً [11] أن الأدلة لا تشمل هذه الحالة لأنها إنما تدل على جواز التقاصّ في صورة الجحود أو الامتناع فمع افتراض عدم تحقق شيء منهما فجواز التقاصّ في هذه الحالة يكون مشكلاً فالمقام في الحقيقة هو تطبيق للصورة الخامسة المتقدّمة [12] .
 فإذاً عدم الجواز هو باعتبار عدم صدق الجحود والامتناع قبل الإعلام سواء كان المدّعي يحتمل أن الغريم بالإعلام يرتفع جهله أو نسيانه أو كان قاطعاً بعدم ارتفاعهما وبقائه على حالة النسيان أو الجهل حتى مع الإعلام فعلى كلا التقديرين لا يصدق الجحود والامتناع قبل الإعلام فإذا قلنا بأن جواز التقاصّ منوط بصدق أحد هذين العناوين ولو على نحو الطريقية فمقتضى القاعدة في المقام [13] عدم الجواز .
 نعم .. ذهب صاحب المستند في هذه الصورة إلى الجواز قبل الإعلام [14] واستدل على ذلك بالعمومات ومقصوده هنا المطلقات - ، ويمكن توضيح مرامه بأن يقال :
 إن النصوص وإن دلّت على جواز التقاصّ في صورة الجحود والامتناع إلا انه لا يُفهم منها التقييد بهما واعتبار صدق عنوانيهما في جواز التقاصّ بحيث يدور مدار صدقهما وذلك من جهة أن هذين اللفظين وردا في كلام السائل ولم يردا في كلام الإمام (عليه السلام) في شيء من الروايات .
 نعم .. ينبغي أن يعترف صاحب المستند بأنه لا يمكن أن يُستدل بهذه النصوص على جواز التقاصّ في غير مورد الجحود والامتناع لأنها واردة فيهما فهي تدل على جواز التقاصّ في هاتين الصورتين فحسب وليس فيها إطلاق يشمل غير هذين الموردين ولكن يمكن أن يقال - على لسان صاحب المستند - بأن هناك روايات أخرى مطلقة لم تُقيّد بصورتي الجحود والامتناع لا في كلام السائل ولا في كلام الإمام (عليه السلام) يمكن التمسّك بإطلاقها لإثبات جواز التقاصّ حتى مع عدم صدق الجحود والامتناع .
 هذا ما يمكن أن يُبيّن به كلام صاحب المستند (قده) .
 ولكن هذا الوجه يتوقف على افتراض وجود مطلقات في هذا الباب ليس الجحود والامتناع مورداً لها إلا أنه بعد التأمل في نصوص الباب لم نعثر على رواية من هذا القبيل سوى رواية واحدة قد يقال بأنها هي المنظور لصاحب المستند في كونها مطلقة فيصح الاستدلال بها في المقام وهي رواية إسحاق بن إبراهيم :
 " أن موسى بن عبد الملك كتب إلى أبي جعفر (عليه السلام) يسأله عن رجل دفع إليه رجل مالاً ليصرفه في بعض وجوه البرّ فلم يمكنه صرف ذلك المال في الوجه الذي أمره به [15] وقد كان له [16] عليه [17] مال بقدر هذا المال فسأل هل يجوز لي أن أقبض مالي أو أردّه عليه وأقتضيه [18] ؟ فكتب (عليه السلام) إليه : اقبض مالك ممّا في يديك " [19] .
 يعني سأل الدافع أن في ذمتي ديناً لذاك الذي دفعت له المال ليصرفه في بعض وجوه البرّ فأخذه ولم يُرجعه إليّ فهل يجوز لي أن أقبض مالي الذي أخذه بالتقاصّ من ماله الذي هو دين في ذمتي له أم يجب عليّ أن أردّ هذا الدين وأبقى أطالبه بذاك المال الذي دفعته له فأخذه ولم يُرجعه وأصل إلى قبض حقّي عن طريق القضاء .
 وهذه الرواية على تقدير عدم وجود لفظة : (أقتضيه) [20] التي تعني أخذ الحقّ عن طريق القضاء أو على تقدير وتفسيرها بالمطالبة الشخصية لا المطالبة عند الحاكم وجودها فتصلح أن تكون شاهداً لمدّعى صاحب المستند لأنه لم يُفرض فيها الجحود ولا الامتناع فيمكن أن يقال إنها مطلقة فتشمل صورتي الجحود والامتناع وغير هاتين الصورتين أيضاً .
 وأما مع الإذعان بوجود هذه اللفظة [21] وتفسيرها كما هو صريح بعضهم بالمطالبة بالحقّ عن طريق القضاء فلا تصلح حينئذ أن تكون شاهداً للمدّعى [22] .
 هذه هي الرواية الوحيدة التي يُدّعى إطلاقها ولكنها غير تامة سنداً - كما تقدّم - من جهة عبد الله بن محمد بن عيسى الواقع في الطريق إليها فإنه لم تثبت وثاقته ومن جهة إسحاق بن إبراهيم أيضاً فالاستدلال بها لإثبات الإطلاق وبالتالي إثبات جواز التقاصّ في محلّ الكلام [23] مشكل فالصحيح هو القول بعدم الجواز في المقام .
 
 
 


[1] أي مقرّ ممتنع .
[2] أي عدم إقرار الغريم وبذله .
[3] ومن هنا يُعلم بأن الجحود أو الامتناع على هذا المبنى - وإن كانا قد أُخذا موضوعاً للحكم بجواز التقاصّ ولكن لا من حيث خصوصية عنوانهما بل من حيث كونهما طريقاً لتحقق عدم الإقرار والبذل فإذا تحقق هذا ولو من غير جهة تحقق نفس الجحود أو الامتناع كفى ذلك في تحقق موضوع الحكم بالجواز فموضوعه الحكم بالجواز إذاً إنما هو عدم الإقرار والبذل بأيّ وجه ثبت .
[4] يعني فرض قطع المدّعي بعدم إقرار الغريم وبذله .
[5] أي من غير إعلام الغريم بالدين الذي عليه .
[6] في حال كونه ناسياً .
[7] في حال كونه جاهلاً .
[8] أي قاطعاً بعدم تذكّر الغريم أو حصول العلم له بالإعلام .
[9] من حصول التذكّر أو العلم .
[10] فإنهما لا يتحققان مع فرض النسيان أو الجهل .
[11] وذلك في الصورة الخامسة المتقدّمة في بحث سابق .
[12] وهي ما إذا كان امتناع الغريم أو جحوده بحقّ كما إذا كان جاهلاً للدين أو ناسياً له .
[13] أي في مدى جواز التقاصّ قبل الإعلام .
[14] أي في ما إذا كان الغريم ناسياً للدين أو جاهلاً به .
[15] المفهوم منها أنه لم يُرجع المال إلى الدافع بل أخذه .
[16] أي للقابض .
[17] اي في ذمة الدافع .
[18] هذه اللفظة موجودة في المصدر وهو التهذيب - ولكنها لم ترد في الوسائل .
[19] التهذيب مج6 ص349 ، الوسائل مج17 ص275 .
[20] كما هو كذلك في نسخة الوسائل .
[21] كما هو كذلك في المصدر - وهو التهذيب - .
[22] وذلك لأنه بعد الترافع إلى الحاكم كما هو المفروض يتحقق إعلام الغريم فيخرج عن محلّ الكلام من البحث عن جواز التقاصّ قبل الإعلام .
[23] وهو صورة عدم صدق الجحود والامتناع قبل الإعلام .