38/02/05


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/02/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تتمة مسألة(26) الغش ، مسألة( 27 ) - المكاسب المحرمة.

النقطة الرابعة: هل حرمة الغش تختص بالمسلم ؟

ربما يقال إنَّ بعض الروايات وإن كانت مطلقة ولا تحصر الحرمة بإدخال الغش على خصوص المسلم من قبيل صحيحة هشام بن الحكم فإنه جاء فيها ( يا هشام إن البيع في الظلال غشٌّ والغش لا يحلّ ) ، فهنا الرواية لم تقل غشّ المسلم لا يحلّ - ومن الواضح أنَّ غش المسلم مرّةً يكون من باب الاضافة إلى الفاعل ومرَّة يكون من باب الاضافة إلى المفعول ونحن غرضنا الآن من باب الاضافة إلى المفعول يعني إدخال الغشّ على المسلم أو على غير المسلم - فالمقصود هل حرمة الغشّ تختص بإدخال الغش على المسلم أو تعمّ إدخاله على غير المسلم ؟ وهذه الرواية مطلقة فربما يتمسّك بإطلاقها.

ولكن في المقابل توجد رواية مقيدة:- وهي رواية هشام بن سالم المتقدّمة ( إنه ليس من المسلمين من غشّهم ) والضمير يرجع إلى المسلمين فالذي يغشّ المسلمين هو ليس منهم ، فقيّدت بإدخال الغشّ على المسلم وهو أنه لا يجوز ، وهناك رواية أخرى له وهي:- ( ليس منّا من غشّنا ) فهي قالت من غشّنا ولم تقل من غشَّ حتى تصير مطلقة والضمير في ( من غشنا ) يرجع إلى المسلمين ، فإذن هاتان الروايتان مقيّدتان بخصوص ادخال الغشّ على المسلم فتصيران مقيّدتين لإطلاق صحيحة هشام بن الحكم ، وسوف تكون النتيجة هي أنَّ حرمة الغشّ تختص بإدخاله على المسلم دون الكافر.

ولكن في المقابل يمكن أن يقال:- صحيح أنَّ صحيحة أو رواية هشام بن سالم قيّدت بالمسلم وذكرت خصوص المسلم ولكن لا يبعد أن يكون ذلك من باب أنه هو الفرد البارز ومحلّ الابتلاء فإنَّ الغشّ الذي هو محلّ الابتلاء هو غشّ المسلم للمسلم أما للكافر فهو ليس محلاً للابتلاء عادةً فبهذا الاعتبار ذكر هذا القيد ، فعلى هذا الأساس يصير من قبيل ﴿ وربائبكم اللائي في حجوركم ﴾ فإن التقييد بهذا القيد كما قال الفقهاء ليس له مدخلية وإنما ذُكِر من باب أنه هو الغالب ومحلّ الابتلاء وهو أنه حينما تتزوج المرأة ولم تكن كبيرة السن فعادةً تكون بنتها معها وليس عند الغير فبهذا الاعتبار ذكر هذا القيد ، فهنا أيضاً يمكن أن يقال إنَّ هذا القيد هو من باب أنه بيان الفرد الغالب.

على أنه يمكن أن يقال بعبارة أخرى أو يمكن أن يقال لا كردّ آخر وإنما بصيغةٍ أخرى:- إنَّ المستفاد من حديث ( ليس منّا من غشّنا ) ، أو من حديث ( ليس من المسلمين من غشّهم ) أنَّ الاسلام يتنافى مع الغش ، فالإسلام والغشّ وصفان لا يجتمعان ، فإنَّ المقصود هو بيان هذا الشيء ، فإذا كان هذا هو المقصود فحينئذٍ لا تختصّ الحرمة بخصوص غشّ المسلم ، وهذا الذي ذكرناه إن استُظْهِرَ وأنه ذُكِرَ المسلم من باب الفرد البارز وأنَّ الرواية تريد أن تبيّن أنَّ الاسلام يتنافى مع الغش وهي قيدت بالمسلم من باب أنه الفرد البارز ومحلّ الابتلاء فلا ينعقد لها مفهوم فيبقى اطلاق صحيحة هشام بن الحكم على حاله ، وإذا فرضنا أنا شككنا في هذا الظهور فلا أقل من المصير إلى الاحتياط لاحتمال تمامية هذا الظهور . هذا كلّه بمقتضى القاعدة وبقطع النظر عن العناوين الثانوية فأصبحت النتيجة على الأقل الاحتياط.

ولكن بمقتضى العناوين الثانوية فإذا لاحظنا العناوين الثانوية فالغش في زماننا هذا يرث الاساءة إلى الاسلام والمسلمين خصوصاً مع وسائل الإعلام الحديثة ، فلأجل هذا يتمكن الفقيه لا أنه يصير إلى الاحتياط الوجوبي فقط بل يفتي بالتحريم.

ولو قال شخص:- إني أفعل الغشّ بشكلٍ لا يفهمه الغير ، فمع ذلك لابدّ للفقيهة أن يحتاط ولا يحكم بالجواز ، لأنه هو بتخيّله واعتقاده أنه لا ينكشف الأمر ولكن من قال إنَّ اعتقادك هذا مصيب فإنَّ هذا غير معلوم !! ، فمن المناسب للفقيه أن يسدَّ الباب من البداية لأجل العنوان الثانوي حتى لذلك الشخص الذي يقول بهذا القول.

نعم إذا جرمنا بأنّ هذا الشخص إذا تصرّف لا ينكشف فهنا يوجد مجال لعدم لحاظ العنوان الثانوي ونبقى نحن والعنوان الأوّلي ونفتي بما يقتضيه.

والنتيجة النهائية:- إنَّ حرمة الغش يمكن أن يقال هي تعم غير المسلم إما بمقتضى النصّ تمسكاً بأطلاق صحيحة هشام بن الحكم والمقيّد لا مفهوم له ، أو لا أقل لأجل العنوان الثانوي ، أو لاجتماعهما معاً.

النقطة الخامسة:- الغش في الامتحان.

هناك مسألة ابتلائية في زماننا فإنه في الامتحانات الوزارية العامة أو غير الوزارية العامة أو غير العامة قد يحصل غشّ فهل يجوز ذلك أو يحكم بحرمته باعتبار اطلاق صحيحة هشام حيث قالت ( والغشُّ لا يحلّ ) وهذا غشٌّ في الامتحان فلا يحلّ ، فالصحيح أنه يحرم أو لا يحرم ؟

والجواب:- إنَّ الغشّ في الامتحان مصطلحٌ جديد وقد حدث جديداً وإلا ففي اللغة والعرف لا يوجد غشٌّ بهذا المعنى وإنما الغش الموجود هو اخفاء الرديء في الجيد أو بالمناشئ الخمسة أو الستة أو السبعة المتقدّمة وهذا ليس منها ، فعلى هذا الأساس لا يمكن التمسّك بإطلاق دليل حرمة الغشّ ، ولا أقل يكون من التمسّك بالإطلاق أو العموم في مورد الشبهة المصداقية لأننا نشك أنَّ هذا مصاديق الغش بالمعنى العرفي - ولا تقل لي هو معنىً متداول في المدارس وغير هذا المعنى العرفي في زماننا بل نريده بالمعنى المتداول في العرف في تلك الفترة الزمنية - فهل أنَّ هذا كان مصداقاً من مصاديق الغشّ ، يعيني مفهوم الغش هل هو وسيع يشمل مثل هذا ؟ لا أقل نشك فإذا شككنا فحينئذٍ يصير المورد من التمسّك بالعام أو الاطلاق في الشبهة المصداقية فإنَّ الحكم لا يثبت موضوع نفسه ، هذا إذا فرضناها شبهة مصداقية ، أما إذا فرضناها شبهة مفهومية فيصير من التمسّك بالعام في مورد أجمال المفهوم لنفس النكتة فإنَّ الحكم لا يثبت المفهوم سعةً وضيقاً يعني لا يثبت موضوع نفسه سعةً وضيقاً وإنما يقول متى ما كان الموضوع ثابتاً فالحكم ثابت أما أنه وسيع أو ضيّق فهذا لا يثبته الحكم.

إن قلت:- عندي طريقة لإثبات السعة والشمول لهذا المعنى وذلك بالتمسّك باستصحاب القهقرى كما في سار الموارد ، فإنه في سائر الموارد كيف نثبت أنَّ هذا المعنى الموجود في زماننا كان موجوداً في زمن صدور النصّ وكان المعنى بهذه السعة فالموجود في زماننا هو موجود في زمان صدور النصّ ، وكيف تثبت هذا بعد الالتفات إلى أنَّ المدار في الظهورات هو على الظهور في زمان صدور النصّ ؟ إنه لا طريق إلى ذلك إلا استصحاب القهقرى ، والذي كان يعبّر عنه صاحب المعالم(قده) بأصالة عدم النقل ، وإنما سمي باستصحاب القهقرى لأجل أننا نسير بشكلٍ قهقرائي ، يعني نذهب إلى ما مضى - إلى الزمان السابق - فالآن هو زمان اليقين وأما زمان الشك فهو ما مضى فنرجع إلى الوراء إن صحّ التعبير ، وما هو مستند حجّية استصحاب القهقرى أو أصالة عدم النقل ؟ فإنه قد يقال بأنَّ الروايات كرواية ( لا تنقض اليقين بالشك ) ليست ناظرة إلى هذه الحالة وإنما هي ناظرة إلى الحالة المتعارفة وهذه الحالة ليست متعارفة ولا يلتفت إليها النصّ وهي ليست مشمولة للنصّ ، ولا أقل نشك في شمول النصّ لها ، وإنما المستند هو السيرة العقلائية فإنها جارية على استصحاب القهقرى.

ولعلكّ تقول:- إنّ العقلاء لا يوجد عندهم هذا الاصطلاح ولا يعرفونه ؟

وجوابه واضح:- فإنه ليس المقصود هو مصطلح قهقرى فإنَّ هذا المصطلح نحن نأتي به من باب أنه مشير إلى ما نريد وإلا فلنترك هذه المصطلحات فواقع المطلب هو موجود عندهم بدليل أننا نقرأ نهج البلاغة والصحيفة السجّادية ودواوين الشعراء وتاريخ أبن الأثير وتاريخ الطبري وغير ذلك والسيرة جارية على ذلك ، ونحن نقرأ ونفهم النصّ التاريخي أو الروائي أو غير ذلك ، وهكذا سيرة جارية بلا إشكال ، والحال أنَّه يحتمل أنَّ هذا المعنى الذي نفهمه هو أضيق أو أوسع أو مغاير لذلك المعنى فكيف ننفي هذه الاحتمالات ؟ إنه لا يعتني العقلاء لهذا الاحتمال ولا يخطر في بالهم ، فحالة عدم الاعتناء لديهم بهذا الاحتمال للتغيّر نصطلح عليه استصحاب القهقرى ، وبغضّ النظر عن هذا المصطلح فإنّ واقع المطلب هو أنهم لا يعتنون باحتمال التغيّر وقد جرت سيرت العقلاء عليه ولا ردع عنه وألا يلزم أن نضع الكتب القديمة من نهج البلاغة والصحيفة السجادية جانباً ولا نراجعها وهذا لا يحتمله أحد ولا يخطر في ذهنه ، فتوجد سيرة متشرّعية وعقلائية - وتكفينا السيرة العقلائية غير المردوع عنها - على استصحاب القهقرى يعيني عدم الاعتناء لاحتمال التغيّر ، ونفس الشيء نطبّقه في موردنا فنقول نحن نشكّ أنّ هذا المعنى الذي فهمناه لم يكن موجوداً سابقاً ، يعني معنى الغش سابقاً كان ضيّقاً لا يشمل هذا أو كان وسيعاً يشمله ، فنشكّ وباستصحاب القهقرى نثبت السعة لهذا المعنى.

قلت:- إنَّ مدرك استصحاب القهقرى كما قلنا هو السيرة العقلائية التي لا ردع عنها فيستكشف الامضاء ، والقدر المتيقّن من السيرة - حيث إنها دليل لبّي فيتمسّك بالقدر المتيقن – هو ما إذا لم تكن هناك مؤشرات مساعدة على حصول تغيّرٍ في المعنى سعةً وضيقاً أو بغير ذلك ، أما إذا كانت بغض المؤشّرات موجودة فنشّك في شمول السيرة لذلك وهنا كما قلنا من البعيد أن يكون هذا الشيء موجوداً سابقاً فإنه في ذلك الزمان لم تكن هناك امتحانات حتى يكون هناك غشّ فيها.

وأنا الآن أريد أن اتنزّل وإلا فنستطيع أن نجزم بأنَّ هذا المعنى جديد قد حصل حديثاً بين طلاب المدارس ، ولكن أريد أن أتنزّل لكي قول شيئاً ، فمادام مؤشرات الشك موجودة فإذن استصحاب القهقرى لا يمكن التمسّك به ، وعلى هذا الأساس الغشّ في الامتحانات لا يمكن الحكم بحرمته بمقتضى صحيحة هشام بن الحكم التي تقول ( والغش لا يحلّ ) .

أجل نحكم بحرمته بالعنوان الثانوي ، فهو لا يجوز بالعنوان الثانوي ، باعتبار أنه إذا فرض حصول الغشّ فسوف نخرِّج أطباء بالاسم فقط وهكذا المهندسين والمدرسين ويلزم من ذلك تدهور البلاد وسقوطها ونحتاج في العلاج للذهاب إلى خارج البلاد وغير ذلك ، وهذا الكلام يأتي في كلِّ دولةٍ مسلمةٍ.

فإذن الغش بالعنوان الثانوي لا يجوز لأجل أنه يلزم انحطاط وسقوط البلاد ، فمن هذه الناحية يحرم بالعنوان الثانوي ، والفقيه يمكنه أن يفتى بذلك لا أنه يصير إلى الاحتياط الوجوبي من هذه الناحية.

 

مسألة ( 27 ):- الغش وإن حرم لا تفسد المعاملة به لكن يثبت الخيار للمغشوش إلا في بيع المطلي بماء الذهب أو الفضّة فإنه يبطل فيه البيع ويحرم الثمن على البائع وكذا أمثاله مما كان الغشّ فيه موجباً لاختلاف الجنس.

..........................................................................................................

تشتمل المسألة على نقاط ثلاث:-

النقطة الأولى:- الغشّ وإن كان محرّماً تكليفاً ولكن لا تبطل بسببه المعاملة.

النقطة الثانية:- إنَّ المعاملة وإن لم تكن باطلة ولكن الخيار يثبت للمغشوش -الذي غُشَّ - فيتمكن أن يفسخ المعاملة.

النقطة الثالثة:- يستثنى من الحكمين السابقين ما إذا فرض أنَّ الغشّ بنحوٍ يوجب المغايرة في الجنس ، فهذا لا يسمّونه لبناً بل أضاف عليه ماءً كثيراً بحيث لا يصدق عليه أنه لبن فهنا أوجب مغايرة ، أو أنه وضع في الخاتم الفضي أو الذهبي نحاساً بحيث لا يقولون هذا خاتم ذهب بل يقولون هذا نحاس ، فإذا فرضنا هذا فحينئذٍ تبطل المعاملة من الأساس ولا تصحّ ولا يثبت الخيار ، هذا استثناء من الحكم الثاني ، فما ذكر في النقطة الثالثة استثناء من كلا الحكمين المذكورين في النقطتين الأولى والثانية.

النقطة الأولى:- أما بالنسبة إلى أنّ الغش لا يوجب فساد المعاملة:-

فقد يقال[1] :- نحن ذكرنا في باب النجش يوجد وجهان لعدم فساد المعاملة ، الأوّل إنّ هذا نهيٌ تكليفي وهو لا يلازم الفساد ، والأوّل أنّ هذا النهي عن شيء خارجي لأنَّ النجش هو الزيادة من قبل بعض الأشخاص وهذه الزيادة تكون قبل البيع لا في البيع فحينئذٍ لا تستلزم الفساد ، فالمنهي عنه وهو الزيادة وهو أمرٌ حصل قبل المعاملة - البيع - ولا ينطبق على البيع فلا موجب لفساد البيع.

ولكن هذا لا يأتي في مقامنا:- ففي مقامنا نحن قلنا أنَّ الغش المحرّم ما هو ؟ هو عبارة عن العقد بشرط حصول التسليم والتسلّم - هكذا قلنا في مقابل الميرزا حاج علي الايرواني حيث قال لا يوجد موضع تثبت فيه الحرمة التكليفية أما نحن فقد قلنا إنَّ نفس العقد بشرط حصول القبض والإقباض هو هذا بنفسه المحرّم تكليفاً - ، وبناءً على هذا التفسير فسوف ينطبق على نفس المعاملة والبيع لا أنّه شيء خارجي.

ولو تنزّلنا وكان ينطبق على نفس البيع فحينئذٍ نقول إنَّ النهي في المعاملة لا يوجب الفساد وهذه قضية واضحة. فعلى هذا الأساس الغشّ لا يوجب بطلان المعاملة ، وهذا شيءٌ قد تقدم.

إذن اتضح أنَّ المناسب هو الصحذة وعدم والفساد.

وكان من المناسب أن نستثني الحاج ميرزا علي الايرواني(قده) من هذا النزاع لأنَّه من الأوّل استظهر الفساد من النصوص وليس الحرمة التكليفية ، فعلى هذا الأساس يصير الحوار مع من يذهب إلى الحرمة التكليفية ، وهذه قضيّة فنّية ينبغي الالتفات إليها ، فإذن من يدّعى الحرمة التكليفية يدخل في هذا النزاع ، وقد عرفنا أنه لا موجب للبطلان لوجهين أشرنا إليهما فيما سبق.

 


[1] هذا ما استدركه الشيخ الاستاذ في المحاضرة التالية / المقرر.