34/08/02


تحمیل
 كان الكلام في الادلة التي اقيمت على ان الوكالة والوصية اليه والنسب ونحوها لاتثبت الا بشهادة عادلين ، وقلنا ان في مقابل هذه الادلة قد يتمسك بادلة اخرى تفيد ان المذكورات يمكن ان تثبت بغير شهادة العدلين وكان الدليل الاول هو رواية منصور بن حازم .
 الثاني : التمسك بمرسلة يونس التي تقدمت مراراً الواردة في الباب 15 من ابواب كيفية الحكم:محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس عمن رواه قال : استخراج الحقوق بأربعة وجوه : بشهادة رجلين عدلين ، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ، فإن لم تكن امرأتان فرجل ويمين المدعي ، فإن لم يكن شاهد ، فاليمين على المدعى عليه [1] .
 ويدعى بان الرواية ظاهرة في قبول الشهادة لمدعي الحق سواء كانت بشهادة عدلين أو بشهادة رجل وامرأتين ، فإذا لم يوجد شاهدان عدلان حينئذٍ يمكن ان يحضر رجل واحد وامرأتين ، وهذا يشمل المقام .
 وفيه :
 اولاً : ان الرواية ضعيفة سنداً بالارسال من جهة يونس .
 وثانياً : انها رواية مقطوعة لانه يقول :قال: استخراج الحقوق ، ولم يتضح القائل من هو .
 بالاضافة الى انها منافية لما تقدم من الادلة على عدم جواز شهادة النساء منفردات ومنضمات الا في موارد خاصة والمقام ليس منها ، فالرواية إذاً منافية من هذه الجهة لتلك الروايات الموافقة للقاعدة والاصل فتكون اوجه من هذه الرواية لو أغمض النظر عن سندها
 الثالث : صحيحة محمد بن مسلم المروية في باب 14: ويرويها الشيخ باسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن عبيد الله بن أحمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : لو كان الأمر إلينا أجزنا شهادة الرجل الواحد إذا علم منه خير ، مع يمين الخصم في حقوق الناس ، فأما ما كان من حقوق الله عز وجل أو رؤية الهلال فلا [2] .
 وفيها دلالة على قبول شهادة الرجل مع يمين المدعي (الخصم) في حقوق الناس ،ويدعى ان حقوق الناس تشمل محل الكلام ، فتنافي ماتقدم .
 وهذه الرواية تقدم الكلام عنها وعن الروايات الاخرى المعارضة لها في المسألة 37 وانتهينا الى ان المراد بحقوق الله في هذه الرواية هو عبارة عن الاموال وما شابه لامطلق حقوق الله بحيث تشمل محل الكلام من النسب وأمثاله ، نعم لم نلتزم هناك بان شهادة الشاهد واليمين تقبل فقط في خصوص الدين كما هو المعروف ، كما اننا لم نلتزم بما ذهب اليه السيد الماتن من ان شهادة الشاهد واليمين يثبت بها مطلق حقوق الناس ، وانما انتهينا الى نتيجة وسط بينهما وهي ان شهادة الشاهد واليمين تثبت بها الاموال اعم من يكون ديناً او يكون عيناً .
 هذا ولكن السيد الماتن (قده) حيث انه انتهى هناك كما ذكرنا الى ان الشاهد واليمين يثبت مطلق حقوق الناس وسيأتي هنا قريبا تصريحه بان الاقرب هو ثبوت حقوق الناس بشاهد ويمين ، وحينئذٍ كان عليه ان يقتصر في نفي ثبوت هذه الامور في المتن على ذكر شهادة النساء منفردات ومنضمات لا ان يضيف الى ذلك الشاهد واليمين لانه ينافي ما ذهب اليه من ثبوت حقوق الناس بشاهد ويمين ، لكن نحن حينما نقتصر على الاموال فقط ،او المشهور حينما يقتصر على الدين لايواجه هذه المشكلة لان حقوق الناس لاتثبت عنده حتى بشاهد ويمين .
 قال (قده) : مسألة 101 :تثبت الديون والنكاح والدية بشهادة رجل وامرأتين واما الغصب والوصية اليه والاموال والمعاوضات والرهن فالمشهور انها تثبت بها وكذلك الوقف والعتق على قول جماعة ، ولكن الجميع لايخلو عن اشكال ، والاقرب عدم الثبوت .
 ونتكلم في كل واحد من هذه الامور التي ذكرها :
 الاول : الديون
 وثبوت الديون بشهادة رجل وامرأتين يستدل عليه بالاية الشريفة (( فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء )) [3] وهذه الاية واردة بعد قوله تعالى (( يا أيها الذين امنوا إذا تداينتم بدين فاكتبوه ... واستشهدوا بشهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتين ممن ترضون من الشهداء )) [4] .
 والاستدلال بها بالرغم من ان موردها هو تحمل الشهادة لا اداء الشهادة لكنه يمكن ان يستفاد من قوله تعالى بعد ذلك (( ولايأب الشهداء اذا ما دعو )) [5] قبول هذه الشهادة التي امرت الاية بتحملها ، وحيث ان الشهادة في الاية لم تقتصر على الرجلين فقط بل ذكرت رجل وامرأتان فهذا يعني ان شهادة الرجل والمراتين مقبولة في الديون .
 ولكن قد يناقش فيه من هذا لايدل على اكثر من وجوب أداء الشهادة ، واما قبول الشهادة ونفوذها فهو لايستفاد من هذه الاية وان كان هناك ظهور عرفي يمكن التمسك به لإثبات قبول هذه الشهادة التي تحملوها .
 هذا ولكن الادلة وافرة على ثبوت الدين بشهادة رجل وامراتين ومما يدل على ذلك صحيحة داود بن الحصين ، باب 24 من ابواب الشهادات ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : سألته عن شهادة النساء في النكاح بلا رجل معهن إذا كانت المرأة منكرة ، فقال : لا بأس به ، ثم قال : ما يقول في ذلك فقهاؤكم ؟ قلت : يقولون : لا تجوز إلا شهادة رجلين عدلين ، فقال : كذبوا - لعنهم الله - هونوا واستخفوا بعزائم الله وفرائضه ، وشددوا وعظموا ما هون الله ، إن الله أمر في الطلاق بشهادة رجلين عدلين ،فأجازوا الطلاق بلا شاهد واحد ، والنكاح لم يجئ عن الله في تحريمه ، فسن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في ذلك الشاهدين تأديبا ونظرا لئلا ينكر الولد والميراث ، وقد ثبتت عقدة النكاح ( واستحل الفروج ) ولا أن يشهد ، وكان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يجيز شهادة المرأتين في النكاح عند الانكار ، ولا يجيز في الطلاق إلا شاهدين عدلين ، فقلت : فأنى ذكر الله تعالى قوله : * ( فرجل وامرأتان ) * فقال : ذلك في الدين ، إذا لم يكن رجلان فرجل وامرأتان ورجل واحد ويمين المدعي إذا لم يكن امرأتان ، قضي بذلك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأمير المؤمنين ( عليه السلام ) بعده عندكم [6] .
 فان ذيلها يدل على قبول شهادة رجل وامراتين في الدين ، كما انها فيها اشارة الى ان الاية تدل على قبول شهادة الرجل الواحد والامرأتان في الدين .
 وصحيحة الحلبي الواردة في نفس الباب ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) أنه سئل عن شهادة النساء في النكاح فقال : تجوز إذا كان معهن رجل ، وكان علي ( عليه السلام ) يقول : لا أجيزها في الطلاق ، قلت : تجوز شهادة النساء مع الرجل في الدين ؟ قال : نعم [7] .
 والحاصل ان قبول شهادة الرجل الواحد والامراتين في الدين مسلمة عند الاصحاب وتدل عليها هذه الادلة او بعضها .
 الثاني : النكاح
 ويدل على ثبوته بشاهد وامراتين صحيحة الحلبي التي ذكرناها في الدين حيث ذكر في صدرها السؤال عن شهادة النساء في النكاح فقال الامام (ع) تجوز اذا كان معهن رجل .
 ومعتبرة محمد بن الفضيل الواردة في نفس الباب ،قال : سألت أبا الحسن الرضا ( عليه السلام ) قلت له : تجوز شهادة النساء في نكاح أو طلاق أو رجم ؟ قال : تجوز شهادة النساء فيما لا تستطيع الرجال أن ينظروا إليه وليس معهن رجل ، وتجوز شهادتهن في النكاح إذا كان معهن رجل ، وتجوز شهادتهن في حد الزنا إذا كان ثلاثة رجال وامرأتان ، ولا تجوز شهادة رجلين وأربع نسوة في الزنا والرجم ، ولا تجوز شهادتهن في الطلاق ، ولا في الدم [8] .
 وصحيحة ابي بصير الواردة في ج27 ، ص 351 ، ح4 من نفس الباب ويرويه الكليني عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير قال : سألته عن شهادة النساء ، فقال : تجوز شهادة النساء وحدهن على ما لا يستطيع الرجال النظر إليه ، وتجوز شهادة النساء في النكاح إذا كان معهن رجل [9] .
 والسند وان كان فيه علي بن ابي حمزة لكن نحن لانتوقف فيه خلافاً للسيد الماتن .
 هذه هي الروايات الدالة ثبوت النكاح بشهادة رجل وامراتين ، نعم هذه الروايات كلها لاتصرح بامراتين كعدد وانما هي تدل على ثبوت النكاح بشهادة النساء اذا كان معهن رجل ، ولكن مافهمه منها الفقهاء وهو المرتكز في الذهن هو كفاية امراتين ولانحتاج الى اربع نساء تنضم الى الرجل لان المفهوم من الادلة ان المعادل للرجل امراتان فاذا قيل يكتفى بشهادة الرجل في باب النكاح منضماً الى النساء يفهم منه ان المقصود من النساء هو الامراتان ، ولذا رتب الفقهاء على هذه الروايات ثبوت النكاح بشهادة الرجل الواحد والامراتين ، وبهذه الروايات قيدوا ما يدل على عدم قبول شهادة النساء مطلقاً في باب النكاح .
 والظاهر ان الدليل المذكور في كلماتهم لاثبات اطلاق عدم قبول شهادة النساء هو عبارة عن رواية السكوني المتقدمة مراراً وهي واردة في نفس الباب وباسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن بنان بن محمد ، عن أبيه عن ابن المغيرة ، عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه عن علي ( عليهم السلام ) أنه كان يقول : شهادة النساء لا تجوز في طلاق ولا نكاح ولا في حدود ، إلا في الديون وما لا يستطيع الرجال النظر إليه [10]
 وتقدم ان في سنده مشكلة باعتبار وجود بنان بن محمد ، ولكن قلنا بامكان الاعتماد عليه من جهة ان محمد بن احمد بن يحيى يروي عنه في كتاب نوادر الحكمة ولم يستثنه بن الوليد كما نبه على ذلك الوحيد البهبهاني .والرواية مطلقة في عدم جواز شهادة النساء في الطلاق والنكاح والحدود منفردات ولامنضمات ، فتقيد بالروايات السابقة ، وتحمل هذه الرواية على شهادتهن منفردات فهي لاتجوز في باب النكاح .
 والحاصل ان الروايات الدالة على قبول شهادة النساء المنضمات الى الرجل في باب النكاح مقيدة لما دل على عدم قبول شهادتهن مطلقاً ومقيدة ايضاً لما يدل على قبول شهادتهن في النكاح مطلقاً .
 ولكن هل يوجد دليل لدينا على قبول شهادتهن مطلقاً في النكاح او لا؟ ربما يقال ان رواية زرارة الواردة في نفس الباب تدل على ذلك وهي :عن عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن أبي نجران عن مثنى الحناط ، عن زرارة قال : سألت أبا جعفر ( عليه السلام ) عن شهادة النساء تجوز في النكاح ؟ قال : نعم [11] .
 فهي من حيث الدلالة تدل على قبول شهادتهن مطلقاً ولكن سندها ضعيف بسهل بن زياد، نعم يظهر من معتبرة داود بن الحصين المتقدمة قبول شهادة النساء في النكاح بلا رجل معهن لانه يقول في صدر الرواية : قال : سألته عن شهادة النساء في النكاح بلا رجل معهن إذا كانت المرأة منكرة ، فقال : لا بأس به.
 فهي منافية لماتقدم من ان قبول شهادتهن بصورة انضمامهن الى الرجل في باب النكاح واما لو كن منفردات فلا تقبل شهادتهن .
 هذا ولكن حمل بعضهم صدر الرواية هذا على صورة تحمل الشهادة دون اداءها وتخلص من المشكلة بهذه الطريقة .
 ولكن هذا ينافي قول السائل : اذا كانت المراة منكرة فانه يناسب اداء الشهادة ، ولو فرضنا ان الرواية تدل على تحمل الشهادة فلا يمكن العمل بها لانها شاذة ولاعامل منّا بهذا المضمون كما قال السيد الماتن ، وسيأتي بعض الكلام عن هذه الرواية ان شاء ا... تعالى.
 


[1] وسائل الشيعة (آل البيت ) ،ج27 ،ص271 ،ح2
[2] وسائل الشيعة (آل البيت) ،ج27 ، ص268 ، ح12
[3] البقرة: 282
[4] البقرة : 282
[5] البقرة : 282
[6] وسائل الشيعة ج 27 ، ص 360 ، ح 35
[7] وسائل الشيعة (آل البيت ) ج27 ، ص 350 ، ح2
[8] وسائل الشيعة ( آل البيت ) ج 27 ، ص 352 ،ح 7
[9] وسائل الشيعة (آل البيت) ج27 ، ص351 ،ح4
[10] وسائل الشيعة (آل البيت) ج27 ، ص362 ، ح42
[11] وسائل اشيعة (آل البيت) ج27 ،ص354 ، ح11