08-11-1434


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/11/08

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع: مسألة ( 387 ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 وقد يعوضَّ عن الرواية السابقة اي رواية منصور- بصحيحة أخرى: وهي صحيحة الحلبي: ( عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا اشترى الرجل البدنة مهزولة فوجدها سمينة فقد أجزأت عنه وإن اشتراها مهزولة فوجدها مهزولة فإنها لا تجزي عنه ) [1] ، أو بصحيحة العيص بن القاسم :- ( عن أبي عبد الله عليه السلام:- في الهرم الذي وقعت ثناياه أنه لا بأس به في الاضاحي وإن اشتريته مهزولاً فوجدته سميناً أجزأك ) [2] .
 ولكنه لا يمكن ذلك: باعتبار أنه لم ترد فيها الفقرة المذكورة - أعني ( لو اشتراها هزيلة فبانت سمينة ) - والتي هي المهم ، ووردت فقرات أخرى لا تنفعنا.
 نعم ورد في صحيحة محمد بن مسلم [3] نفس ما جاء في رواية منصور ولكنها واردة في الأضحية ولم ترد في عنوان الهدي فحينئذ يقال لابد من التمسك بفكرة عدم الاستفصال فإن الأضحية كما تطلق على المستحبة تطلق على الهدي الواجب أيضاً فعدم استفصال الامام عليه السلام بين القسمين يدل على التعميم من هذه الجهة.
 وعلى أي حال يمكن أن يفهم المطلوب من مجموع هذه الروايات - يعني أنه لو اشتراها بعنوان أنها سمينة فبانت هزيلة أجزأت - والكلام ليس في هذا فإنه لم يقع فيه خلاف وإنما وقع الكلام في قضايا ثلاث:-
 القضية الأولى: هل الحكم المذكور يختص بما إذا تبيّن الهزال بعد الشراء والذبح أو يكفي إذا تبيّن بعد الشراء ولو قبل الذبح ؟
 والجواب: إن المحقق(قده) في الشرائع قال:- ( إنه إذا تبيّن ذلك بعد الشراء فإنه يجزيه ) ولم يقيد ذلك بما إذا كان بعد الشراء والذبح وإنما قال بعد الشراء فأطلق عبارته ، ومن هنا علّق صاحب المدارك(قده) [4] وصاحب الجواهر(قده) [5] بما إذا كان الانكشاف بعد الشراء وبعد الذبح - أي أضافوا كلمة ( بعد الذبح ) - بل زاد في الجواهر قوله:- ( نعم لو ظهر الهزال قبل الذبح لم يجزِ ...... بعد انسياق ما بعد الذبح من الوجدان نصّاً وفتوىً ...... فما عن بعضهم من القول بالاجزاء ضعيف ) . إذن هذان العلمان قيّدا الاجزاء بما إذا كان التبيّن بعد الشراء والذبح ، ولماذا فإن المفروض هو أن الرواية مطلقة من هذه الناحية فإنها لم تقيّد بما إذا كان بعد الذبح ؟ والجواب:- إن صاحب الجواهر(قده) أراد أن يستدل على ذلك حيث تمسك بفكرة الانسباق - يعني الانصراف - يعني أن المنصرف من الرواية هو ما إذا كان التبيّن بعد الشراء والذبح . هكذا اذن قد يقال بالنسبة الى التقييد ببعديّة الذبح .
 أو يقال: إن المدار في الهزال والسمنة هو على وجود الشحم على الكليتين كما جاء ذلك في رواية الفضل - أو الفضيل - حيث فسّر الامام عليه السلام السمنة بذلك فلاحظ الرواية [6] .
 بيد أن في سندها ياسين الضرير وهو لم يوثق فالاعتماد على هذه الرواية مشكل.
 وعلى أي حال لو فسّرت السمنة بوجود الشحم على الكلى والهزال بعدم وجوده فالانسياق والانصراف المذكور الذي ادعاه صاحب الجواهر(قده) يكون له وجاهة باعتبار أن تبيّن الهزال والسمنة يكون بعد الذبح كي ينكشف حال الكليتين ويرى هل عليهما شحم أو لا ، أما إذا رفضنا ذلك وجعلنا المدار على العرف - أي كون الحيوان هزيلاً أو سميناً على العرف وليس على وجود الشحم على الكلية باعتبار أن الرواية ضعيفة فالمرجع هو العرف - فحينئذ هذا الانسياق لا معنى له ، ومن هنا لم يقيّد المحقق الحلّي(قده) ببعديّة الذبح ، وعبارة السيد الماتن قد توحي بالموافقة مع ما ذكره صاحب المدارك وصاحب الجواهر ، ولكن لا يبعد أن يكون الحق مع صاحب الشرائع باعتبار أن الرواية لا يوجد فيها القيد المذكور إذ الرواية هكذا قالت:- ( إذا اشترى الرجل هدياً وهو يرى أنه سمين أجزأ عنه وإن لم يجده سميناً ).
 القضية الثانية: إنه لو اشترى الحيوان بعنوان أنه هزيل فتبيّن أنه سمين فقد حكمت الرواية بالاجزاء والحال أنه قد يشكل ويقال: كيف أن هذا يجزي والحال أنه يعتقد أنه هزيل والهزيل لا يجزي فقصد القربة إذن لا يتأتى من الحاج فأنا أعلم أن الهزيل لا يجزي فإذا اشتريت الهزيل وتبين أنه سمين بعد الذبح ففي مثل هذه الحالة كيف يجزي والحال أني لم أقصد القربة فإن قصد القربة لا يكون إلا بالإتيان بما أرى أني مأمورٌ به وهذا ليس مأموراً به فكيف يتأتى قصد القربة ؟
 ولأجل هذا الاشكال بنى العماني(قده) على عدم الاجزاء على ما ذكر صاحب الجواهر(قده) [7] حيث نقل عنه ذلك بهذا التوجيه خلافاً للمشهور حيث حكموا بالاجزاء في مثل هذه الحالة على طبق ما جاء في الرواية.
 ولكن يردّه: أنه يمكن أن نتصور ذلك فيما إذا فرض أنه كان يعلم أنه هزيل ولكن لا يعلم أن السمنة هي شرط شرعاً أو كان متردّداً في ذلك فإنه إذا كان يعتقد أجزاء الهزيل فقصد القربة يتأتى وإذا كان متردّداً فقصد القربة بنيّة رجاء المطلوبيّة يتأتى منه أيضاً . نعم لو كان عالماً بكونه هزيلاً ويعرف شرعاً أن الهزيل لا يجزي فنسلم هنا أن تحقق قصد القربة منه شيء مشكل . ولكن حتى في مثل هذه الحالة يمكن أن يقال بالاجزاء تمسكاً وتعبداً بالنص فإن النص ما دام قد حكم بالاجزاء فما معنى الاجتهاد في مقابل النص ؟! فالنص قال إنه يجزي ، نعم القاعدة تقتضي عدم الاجزاء ولكن مادام النص قد حكم بالاجزاء والمفروض أن الاجتهاد في مقابل النص أمرٌ مرفوض إذن لا معنى لما ذكره العماني(قده).
 القضيّة الثالثة: ذكرنا فيما سبق أن من اشترى الهدي بعنوان أنه سمين ثم تبين أنه هزيل أجزأ والسؤال هو:- هل هذا يختصّ بعملية الشراء أو يعمّ سائر الموارد كما لو فرضنا أن شخصاً أهدى لي هدياً واعتقدت أنه سمين فذبحته وتبيّن بعد ذلك أنه هزيل ففي مثل هذه الحالة هل نحكم بالاجزاء أو لا والنص كما عرفنا وارد فيمن اشترى أما في هذه الحالة لم يرد النصّ فما هو الحكم ؟
 قد يقال: إن المناسب عدم الاجزاء باعتبار أن النصّ الدال على الاجزاء خاص بالشراء والقاعدة تقتضي عدم الاجزاء لأن المطلوب هو السمين فنرفع اليد عن هذا الشرط في خصوص الشراء لأجل الرواية وفيما عدى مورد الرواية نتمسك بمقتضى القاعدة ، إذن نتمسك في هذا المورد بالقاعدة وهي تقتضي عدم الاجزاء.
 وفي الجواب نقول: هذا كلامٌ وجيهٌ إذا فرض أن لدينا نصّاً غير هذا النص في مسألتنا يدلّ على أن السمنة شرط والهزال مانع في الهدي فإن كان عندنا نصّ فنقول نعم هذا وجيهٌ فنقول إن النص قد دلّ على أن السمنة شرط ولا نرفع اليد عن هذا الشرط إلا بمقدار المخصّص والمخصّص واردٌ في الشراء ، ولكن لا يوجد لدينا مثل هذا النص بحيث يدلّ على أن السمنة شرط إلا هذه الروايات التي في مسألتنا ونحن استفدنا شرطيّة السمنة ومانعيّة الهزال منها ولا توجد روايات أخرى وحينئذ نقول صحيح أن هذه الرواية واردة في الشراء ولكن من قال إن مانعية الهزال هي مانعيّة مطلقة إذ لا يوجد نصّ حسب الفرض يدلّ على ذلك فنشك أن الهزال في الصورة التي أشرنا إليها - وهي صورة الهدية - أن الهزال مانع أو ليس بمانع - ما دمت أنا أعتقد منذ البداية أنه سمين ثم اتضح أنه هزيل - فنجري أصل البراءة عن ذلك بعد فرض عدم وجود نصّ يدلّ على أن الهزال مانع بشكلٍ مطلق.


[1] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملي، ج14، ص114، ب16 من ابواب الذبح، ح5، آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملي، ج14، ص113،ب16 من أبواب الذبح، ح6، آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملي، ج14، ص113،ب16 من أبواب الذبح، ح1 ، آل البيت.
[4] مدارك الاحكام، محمد بن علی الموسوي العاملي، ج8، ص36.
[5] جواهر الكلام، محمد حسن النجفي الجواهري، ج19، ص149.
[6] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملي، ج14، ص114،ب16 من أبواب الذبح، ح3، آل البيت.
[7] جواهر الكلام، محمد حسن النجفي الجواهري، ج19، ص149.