34/12/16


تحمیل
الموضوع : الصوم : ضروريات الدين
ويُلاحظ على هذا الدليل ايضا ان عنوان الضروري لم يرد في شيء من الروايات لكي نقول لابد من الحفاظ على خصوصيته , ويحتمل ان طرحه في كلمات الفقهاء بأعتبار انه بحكم العادة تكون الامور الضرورية في الدين معلومة لدى الشخص , فعندما يقال من انكر ضروريا من ضروريات الدين يحكم بكفره بأعتبار انه يعلم ثبوته في الدين , وعلى هذا الاحتمال لا خصوصية للعنوان , ولعل الفقهاء جعلوا الحكم في خصوص هذا الفرد (الضروري ) لوجود الفرق بالوجدان بين الضرورة وبين الامور الثابتة في الدين غير البالغة الى حد الضرورة , فالثانية يمكن القول ان انكارها لا يوجب الكفر الا اذا استلزم انكار الرسالة , اما الاولى فيمكن ان يطلقوا كلامهم ويقولوا انكار الضروري يوجب الكفر بأعتبار ان الامور الضرورية عادة تكون معلومة الثبوت , فيكون لهذا العنوان خصوصية ولو بهذا المقدار.
وبهذا يتبين ان الدليل الاول لا يصلح لأثبات السببية المطلقة .
الدليل الثاني: ان مقتضى التمثيل بالنواصب والخوارج هو السببية المطلقة , بأعتبار ان الحكم بكفرهم لا يمكن ان يكون لتكذيب الرسالة او ينكرون التوحيد , لأننا نعلم بالوجدان انهم لا يكذبون الرسالة ولا ينكرون التوحيد .
ويجاب ان التمثيل بالنواصب والخوارج لم يرد في الروايات وانما ورد في كلمات بعض الفقهاء ومن الواضح بأن هذا لا يكون حجة في مقام الاستدلال , وهو لا يزيد على ان بعض الفقهاء ذهب الى القول بالسببية المطلقة.
نعم ورد في بعض الروايات الحكم بكفرهم كمعتبرة الفضيل (قال : دخلت على أبي جعفر ( عليه السلام ) وعنده رجل فلما قعدت قام الرجل فخرج، فقال : لي يا فضيل ما هذا عندك، قلت : وما هو ؟ قال : حروري، قلت كافر ؟ قال : إي والله مشرك .)[1]
وسند الرواية معتبر يرويها الشيخ الكليني عن علي بن ابراهيم عن الخطاب بن مسلمة وابان عن الفضيل والمقصود به الفضيل بن يسار.
والرواية وان كان فيها دلالة على كفر الخوارج , لكن ليس فيها دلالة على القول الاول لأنه يمكن ان يفسر على اساس السببية المقيدة (القول الثاني ) بأعتبار ان الخوارج يعلمون عادة بأن ما ينكرونه من ضروريات الدين عند عامة المسلمين , فهم يعلمون ان وجوب مودة اهل البيت عليهم السلام ومحبتهم من ضروريات الدين عند عامة المسلمين فإذا انكروها يكون انكارهم موجبا لكفرهم على القول الثاني ولا يتوقف الحكم بكفرهم على القول الاول الذي لا يشترط العلم بالكفر .
الدليل الثالث : هو الروايات :- ويمكن تقسيمها الى طوائف
الطائفة الاولى :- ما دل على ان انكار الشيء الثابت حتى وان كان امرا تكوينيا يوجب الكفر مع اتخاذه دينا و يمكن ان يُذكر لهذه الطائفة بثلاث روايات .
الاولى صحيحة بريد العجلي ( عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : سألته عن أدنى ما يكون العبد به مشركا، قال : فقال : من قال للنواة : إنها حصاة وللحصاة : إنها نواة ثم دان به )[2]
وسندها علي بن ابراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن بريد العجلي وهو صحيح وان كان فيه كلام بأعتبار ان رواية محمد بن عيسى عن يونس محل تأمل عند بعض المحققين لكن الظاهر ان الرواية تامة سندا .
وهي تدل على ان اتخاذ غير الواقع دينا موجبا للشرك (الكفر) من دون فرق بين الاحكام او الامور التكوينية كما هو مورد الرواية .
الثانية رواية سليم بن قيس ( قال : سمعت عليا ( صلوات الله عليه ) يقول - وأتاه رجل فقال له : ما أدنى ما يكون به العبد مؤمنا وأدنى ما يكون به العبد كافرا و أدنى ما يكون به العبد ضالا ؟ فقال له : قد سألت فافهم الجواب ..... وأدنى ما يكون به العبد كافرا من زعم أن شيئا نهى الله عنه أن الله أمر به ونصبه دينا يتولى عليه ويزعم أنه يعبد الذي أمره به وإنما يعبد الشيطان. )[3]
وسندها على بن ابراهيم عن ابيه عن حماد بن عيسى عن ابراهيم بن عمر اليماني عن ابن اذينه عن ابان بن ابي عياش عن سليم بن قيس وفيه المشكلة المعروفة في ابان ابن عياش الذي على اساسه شُكك في سند كتاب سليم بن قيس مضافا الى امور اخرى .
الثالثة رواية عبدالرحمن القصير ( قال : كتبت مع عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد الله ( عليه السلام ) أسأله عن الايمان ما هو ؟ فكتب إلي مع عبد الملك بن أعين : سألت رحمك الله عن الايمان والايمان هو الاقرار باللسان وعقد في القلب وعمل بالأركان والايمان بعضه من بعض وهو دار وكذلك الاسلام دار والكفر دار فقد يكون العبد مسلما قبل أن يكون مؤمنا ولا يكون مؤمنا حتى يكون مسلما، فالإسلام قبل الايمان وهو يشارك الايمان، فإذا أتى العبد كبيرة من كبائر المعاصي أو صغيرة من صغائر المعاصي التي نهى الله عز وجل عنها كان خارجا من الايمان، ساقطا عنه اسم الايمان وثابتا عليه اسم الاسلام فان تاب واستغفر عاد إلى دار الايمان ولا يخرجه إلى الكفر إلا الجحود والاستحلال أن يقول للحلال : هذا حرام وللحرام : هذا حلال ودان بذلك فعندها يكون خارجا من الاسلام والايمان، داخلا في الكفر.)[4]
وسندها : علي بن ابراهيم عن العباس بن معروف عن عبدالرحمن بن ابي نجران عن حماد بن عثمان عن عبد الرحمن القصير وفي السند كلام حاصله :- انه غير تام وان عبر عن الرواية في بعض الكلمات بالصحيحة وذلك لأن الراوي عن الامام عليه السلام مشترك بين عبدالرحمن بن روح القصير الاسدي وبين عبدالرحيم بن عتيك القصير , والثاني لم تثبت وثاقته بخلاف الاول اذ يمكن اثبات وثاقته برواية ابن ابي عمير عنه بسند صحيح كما في تفسير القمي في تفسير قوله تعالى (ن والقلم )[5]
والوارد في تفسير القمي في هذا المورد هو عبد الرحمن القصير وعليه قد يشكل بأنه من قال ان هذا هو عبدالرحمن بن روح القصير الاسدي فلعله عبدالرحيم بن عتيك ؟؟؟
ويجاب عن هذا الاشكال ان عبدالرحمن القصير بهذا العنوان ينصرف الى الاول (عبدالرحمن بن روح ) بأعتبار هو المعروف بين الرواة والروايات والرجاليين والثاني غير معروف .
وقد يشكل ان هذا العنوان (عبدالرحمن القصير ) كما ورد في تفسير القمي كذلك ورد في روايتنا فإذا صح الانصراف في ذاك فليصح الانصراف في محل الكلام .
اقول ان هذا وان كان صحيحا , لكنه في هذه الرواية توجد خصوصية مانعة من ذلك وهي ان الشيخ الكليني(قد) الذي روى هذه الرواية , روى رواية اخرى
(علي بن إبراهيم، عن العباس بن معروف، عن ابن أبي نجران، عن حماد ابن عثمان، عن عبد الرحيم بن عتيك القصير قال : كتبت على يدي عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد الله عليه السلام : أن قوما بالعراق يصفون الله بالصورة وبالتخطيط فإن رأيت - جعلني الله فداك - أن تكتب إلي بالمذهب الصحيح من التوحيد ؟....) [6]
والذي يظهر بعد الالتفات الى وحدة السند في الروايتين روايتنا وهذه الرواية والالتفات الى ان كلتا الروايتين مكاتبة على يدي عبدالملك بن اعين وهناك ايضا قال على يدي عبدالملك بن اعين ,حينئذ يحصل اطمئنان على ان الرواية واحدة وقد كتب فيها سؤالان ,وبعد تقطيع الروايات الحق كل سؤال بالباب المناسب له , وهنا صرح بأسم عبدالرحمن بن عتيك ولو لم يحصل الاطمئنان ان المذكور في روايتنا هو عبدالرحيم بن عتيك الذي لم تثبت وثاقته فلا اقل من وجود الاحتمال .
ومن هنا يظهر ان الرواية ليست تامة سندا .
والاستدلال بهذه الروايات غير واضح ويرد عليها اشكالات منها :-
اولا :- انها مطلقة وغير مختصة بالضروري بل الظاهر ان بعضها غير ضروري كالنواة والحصاة والحلال والحرام أي مطلق الحكم الشرعي بينما القول الاول يدعي ان انكار الضروري لهذه الخصوصية سببا للكفر واما انكار غير الضروري ليس سببا للكفر .
ثانيا :- انها لا تفيد القول الاول فهي ظاهرة في حرمة التشريع الشامل للتدين بشيء مع عدم العلم بثبوته في الدين , مع ان الظاهر ان التدين بشيء مع عدم العلم بثبوته في الدين لا يوجب الكفر , ولو كان الحديث ناظر الى هذا او شامل له فلابد من حمل الحديث على التوسعة في اطلاق الشرك وفي اطلاق الكفر ولو بأعتبار ان التشريع من مختصات الشارع المقدس فكأن الذي يشرع يشارك الله سبحانه وتعالى فيما هو من مختصاته واطلق عليه الشرك على هذا الاساس , والا فمجرد التعبد بشيء من دون ان يعلم بثبوته في الدين وان كان محرما الا انه لا يوجب الكفر .
نعم عدم التدين بشيء مع العلم بثبوته في الدين ممكن القول بأنه يوجب الكفر لأنه يستلزم انكار الرسالة , ومن هنا يتضح ان الروايات ناظرة الى حرمة التشريع وهذا غير محل الكلام .
فالكلام تارة يقع عن التدين بما لم يثبت في الدين واخرى عن عدم التدين(انكار) بما ثبت في الدين ومحل كلامنا هو الثاني والروايات تدل على الاول .
فالحكم بكفر من يتدين بخلاف الواقع مع علمه بأن هذا خلاف الواقع لا يلازم الحكم بكفر من لا يتدين بضروري من ضروريات الدين. اذن هذه الروايات اذا حملناها على التدين مع الشرك لا يمكن حملها على الكفر ولابد من تأويل الكفر والشرك فيها الى غير المعنى الاصطلاحي , وتحمل على المعنى الواسع من قبيل من استعان بوضوئه فقد اشرك واما اذا كان المقصود بها التدين مع العلم بعدم الثبوت وان الثابت غير ما يتدين به يحكم عليه بالكفر لأنه يؤدي على انكار الرسالة , لكن هذا غير محل الكلام فكلامنا عن عدم التدين بالضروري وليس التدين بعدمها .
وهناك روايات واردة صحيحة السند بمضمون ان من نصب دينا غير دين المؤمنين فهو مشرك , او من نصب دينا غير دين الله فهو مشرك[7].





[1] الكافي , الكليني , ج2 ,ص387.
[2] الكافي, الكليني , ج2 , ص397.
[3] الكافي , الكليني , ج2 , ص414.
[4] الكافي, الكليني , ج2, ص27.
[6] الكافي , الكليني , ج1 ,ص100.