38/03/18


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/03/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 28 ) الاجارة على الواجبات - المكاسب المحرمة.

اذن الجواب الصحيح عما أفاده الشيخ الأعظم ما أشرنا إليه.

بيد أن السيد اليزدي(قده)[1] :- ويظهر أن السيد الخوئي(قده)[2] يوافقه أيضاً ، وحاصل ما ذكر السيد اليزدي بالنسبة الى هذا الوجه الذي ذكره الشيخ الأعظم أنه قال:- إن المقهورية حيثية لا تنافي المقهورية من حيثية أخرى ، يعني المقهورية من حيثية الوجوب – لأن هذا المكلف مقهور على الفعل – لا تنافي المقهورية من زاوية أخرى وهي زاوية الاجارة ، فيمكن أن يقهر من زاوية الاجارة ، فتكون هناك حيثيتان للمقهورية على الفعل ، ويترتب على ذلك ثمرة وهي أنه من زاوية المقهورية الأولى – حيثية كونه واجباً – إذا لم يأت هذا الشخص بالفعل فكل واحد من المسلمين له الحق في أن يأمره بالمعروف ويقول له افعل ويأتي الثاني أيضاً ويقول له افعل لأنه ، واجب فتوجد حيثية وجوب وحينئذً يكون مقهوراً على ذلك ، فتجهيز الميت مثلاً من حيثية كونه واحباً يمكن لكل مسلم من المسلمين أن يقول له افعل من باب الأمر بالمعروف ، فكل واحد المسلمين له الحق في ذلك بل يجب عليه ولا خصوصية لشخصٍ دون شخص ، وهذا بخلافه في المقهورية من حيث الاجارة فإنه للمستأجر الحق بالخصوص أن يأتي يطلب من الأجير أن يفعل ويلزمه بذلك بخصوصه.

إذن من حيث الحيثية الأولى كل واحد من المسلمين يلزمه أن يأمره بالفعل ، بينما من الزاوية الثانية الحق ثابت للمستأجر فقط ، فإذن لا توجد منافاة بين المقهوريتين.

وفيه:- إن ما أفيد ينفع فيما لو فرض أنه قلنا يلزم محذور اللغوية وأنه ما الفائدة من ثبوت مقهورية ثانية من زاوية الاجارة بعد ثبوت المقهورية من زاوية الوجوب ، هنا إذا أراد أحد أن يشكل بمحذور اللغوية فيجاب بهذا الجواب فيقال إن تلك مقهورية لكلّ واحدٍ من المسلمين بينما هذا له الحق بخصوصه أن يلزمه بذلك ، ولعل نوعية الالزام في هذا تختلف عن نوعية الالزام في ذاك وهذا ليس بمهم ، ولكن المشكلة ليست هذه وإنما المشكلة هي أن هذا المال لا احترام له بعد ثبوت الوجوب الشرعي وشرط صحة المعاملة الاحترام – والشيخ الأنصاري(قده ) قد حذف هذه الكبرى لشدّة وضوحها – فإذن هو يريد أن يقول إن حيثية الاحترام ليست موجودة لهذا المال ، فانت تأتي وتقول له الحيثية الثانية لا تنافي المقهورية الاولى فالأولى من ناحية كلّ واحد من المسلمين والثانية من ناحية خصوص المستأجر هذا فيما إذا كان المحذور هو محذور لغوية ، ولكن المحذور ليس محذور اللغوية وإنما بعد ثبوت الوجوب لا يبقى احترام للمال ، فإذا لم يبق احترام للمال فما معنى الاجارة بعد ذلك وشرط صحة المعاملة كالإجارة هو الاحترام وهذا لا احترام له ، فما أفاده الشيخ الأعظم(قده) لا يمكن أن يواجه بهذا الكلام ، إنما هذا الكلام يمكن أن يواجه به إذا كان الشيخ الأعظم(قده) يدّعي محذور اللغوية.

قضية جانبية:- ذكرنا في الوجه الخامس أن الشيخ الأعظم صاغه هكذا : ( مادام الفعل واجباً فهو ليس بمحترم ) ولا يريد أن يقول هو ليس بمال ، كلا بل هو يقول كلّ عمل إنسان هو مال ولكن مادام مقهورا عليه بسبب الوجوب العيني التعييني فهو لا يكون محترماً ، وكأنَّ الاحترام شرك من شرائط صحة المعاملة.

بيد أنه توجد صياغة ثانية لهذا الوجه:- وهي تشترك مع الصياغة الأولى من حيث الروح ، وهي ليس اضافة جوهرية في المطلب وذلك بأن يقال:- ( إن عمل الحر ليس بمال ، فإذا لم يكن مالاً كيف تصح الاجارة عليه ؟ فيقال:- ولكنه محترم ولأجل احترامه تصحّ الاجارة عليه ولكن الشارع المقدس حينما جعل هذا العمل واجباً عينياً تعيينياً زال الاحترام فتقع الاجارة باطلة ).

وهذه الصياغة روحها نفس روح صيغة الشيخ الأعظم(قده) بيد أنه وضع اصبعه فقط على أنّ عمل الحرّ ليس بمحترم إذا كان واجباً عينيا تعيينياً ، ولم يضع اصبعه على حيثية أنه مال أو ليس بمال ، ولكن الصياغة الثانية يقال هو ليس بمال أصلاً ولكن حيث إنَّ الشارع أعطاه حيثية احترام فتصح الاجارة علية وهذه حيثية الاحترام تزول حينما جعله الشارع عينياً تعيينياً عليه.

اذن تلك المقدمة – وهي انه ليس بمال – لا أرى أنها مقدمة مهمة وأصيلة ، فسواء كان مالاً أو ليس بمال فكلتا الصيغتين تؤكدان على أن الموجب لصحة الاجارة حيثية احترامه فإذا لم يكن محترماً بسبب الوجوب العيني التعييني فلا تصحّ الاجارة عليه ، فإذن لا يوجد فرق جوهري بين الصياغتين.

بيد أني أتيت بهذا المطلب إلى هنا وبيّنت الصياغة الثانية وكان هدفي هو أن أبيّن هل عمل الحر مال أو ليس بمال ؟

هذه قضية وقع الكلام فيها وإن قلنا هي ليست مهمة عندنا ، بل المهم عندنا هو حيثية الاحترام فإذا الغيت تقع الاجارة باطلة سواء كان هذا مالاً أم لم يكن مالاً ، ولكن هذه قضية علمية ينبغي ملاحظتها ، فهل عمل الحر مال أو ليس بمال - وليس عمل العبد لأنّ العبد كأنما اتفق على أنَّ أعماله مال إنما الكلام في عمل الحر - ؟

الجواب:- هناك احتمالات أربعة وبعضها يوجد به قائل:-

الرأي الأول:- هو مال مطلقاً . ويظهر من الشيخ النائيني(قده)[3] أنه يتبنى هذا الرأي.

الرأي الثاني:- إنه ليس بمال مطلقاً . ولا يمكن أن أنسبه إلى أحد بعينه.

الرأي الثالث:- التفصيل بين الكسوب وغيره ، كعمال البناء مثلاً وغير ذلك ، فالكسوب عمله مال أما غير الكسوب فعمله ليس بمال . وممن تبناه السيد اليزدي(قده)[4] ودليله العرف ، فالكسوب يعد عمله مال عرفاً ، فإذا حبس الكسوب من دون حقٍّ فله الحق في أن يطالب من حبسه ، أما إذا كان حراً فلا لأنه ليس كسوباً ، ونص عبارته:- ( وهذا غير بعيد من الصواب في الصدق العرفي في الأول دون الثاني ).

الرأي الرابع:- ما ذكره الشيع الأعظم(قده)[5] - ولا أعلم هل يميل إليه أو لا - فهو عرّف البيع ابتداء فقال ( هو مبادلة مال بمال كما في المصباح المنير ) ، ثم جاء يستفسر ويطرح تساؤلات وهو أنه حينما نقول مبادلة مال بمال فكلمة ( بمال ) ما المقصود منها ؟ إنه العوض ، والقدر المتيقن من العوض هو أن يكون عيناً من الأعيان أو نقداً من النقود ، بأن نجعل العوض ديناراً مثلاً ، وهل يصح أن يكون منفعة أو لا ؟ قال:- أيضاً لا بأس به لأنّ المنفعة مال ، يعني أقول له اجعل الثمن أن أعلمك سورة الواقعة أو أعلمك الخياطة ، ثم طرح سؤالاً آخر وقال:- وهل يصح أن يكون العوض عمل الحرّ وليس منفعة من المنافع وإنما نفس العمل كأن أقوم لك بعمل ؟ - ونمثل للمنفعة بسكنى الدار بأن أبيعك هذا الشيء مقابل سكنى الدار لفترة سنة ، أما العمل بأن أعلمك سورة الواقعة مثلاً - فهل يجوز هنا أو لا ؟ قال:- إن قلنا إنّ عمل الحر مال قبل المعاوضة عليه صح أن يكون عوضاً وثمناً ويتحقق البيع ، فأقول له بعتك الشيء الفلاني بثمنٍ وهو أن تعلمني سورة الواقعة ، وأما أنه يصير مالاً بعد المعاوضة عليه لا قبل المعاوضة فلا يصح جعله عوضاً في البيع.

هذه أربعة احتمالات بل أقوال في المسألة.

ولا يبعد أن الصحيح منها هو الأول:- يعني هو مال ، والوجه في ذلك:- هو أن مالية المال وملاك المالية - كما قلنا سابقاً - هو التنافس العقلائي ، وهذا مما يتنافس عليه العقلاء ، فكل عمل وجيهة نريد أن نقوم به يتنافس عليه العقلاء ويبذلون بإزائه المال ظ فنحن الان مجتمعين في الدرس وهذا يتنافس عليه فيصير مالاً ، فعمل الحرّ مما يتنافس عليه العقلاء وحينئذٍ يصير مالاً.

ولكن في مقابل هذا استدل بوجوه على أنه ليس بمال نذكر ثلاثة منها:-

الوجه الأول:- لو كان مالاً يلزم أن يكون كل إنسان يصير مستطيعاً للحج وإن كان ليس عنده مال الآن لكنه مادام يعمل بحيث لو عمل يستطيع أن يحصل على المال فيلزم أنه مادام قادراً على العمل وعمله مال فحينئذٍ يلزم أن يكون مستطيعاً لأنه يملك أو تحت قدرته عمله الذي هو مال حسب الفرض ولو عمل فعمله حينئذٍ يبذل بإزائه المال وهذا لعلّه بمقدار الاستطاعة ، وواضح أَّن عمله إذا كان عملاً عادياً وكلما بذلت له لا يساوي مقدار الاستطاعة فهذا ليس مشمولاً ، أما إذا فرضنا أن عمله كان لا بأس به ففي مثل هذه الحالة حتى إذا لم يكن عنده مال الآن نقول له أنت مستطيع إلى الحج لأنه يوجد عملك تحت قدرتك وعملك مال ولو عملت لكان عملك يعادل كذا مبلغ من المال لكنك أنت الذي لم تعمل فيلزم أن تكون مستطيعاً ، وهل يلتزم بذلك فقيه ؟!

هذا قد يستدل به على أنه ليس بمال إذ لو كان مالاً يلزم أن نحكم عليه بالاستطاعة ، وحيث لا اشكال في عدم الحكم عليه بالاستطاعة فيثبت أنه ليس بمال.


[1] الحاشية على المكاسب، السيد اليزدي، ص27، ط حجرية.
[2] موسوعة السيد الخوئي ( مصباح الفقاهة )، تسلسل35، ص712.
[3] كتاب المكاسب والبيع، الميرزا حسين، ج1، ص91، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
[4] الحاشية على المكاسب، السيد اليزدي، ص55.
[5] كتاب المكاسب، الانصاري، ج3، ص8، بداية كتاب البيع، .