38/03/26


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/03/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة ( 28 ) الاجارة على الواجبات - المكاسب المحرمة.

ويرد عليه:-

أولاً:- فلأنه قال النظام يتوقّف على بذل العمل لا نفس العمل فيكون الواجب إذن هو بذل العمل لا نفس العمل ، ونحن نقول:- إنَّ القضة بالعكس ، فإنَّ النظام يتوقف على العمل لا على بذل العمل بدون عمل - يعني يفتح العيادة ويهيئ الأمور بلا طبابة - ، فبذل العمل بلا عمل لا يتحقق به النظام وإنما النظام يتحقق بنفس العمل ، فما ذكره غريب.

ثانياً:- هو قال إنه يوجد عندنا شيآن بذل العمل ونفس العمل ، وهما وإن كانا واحداً ولكن يوجد بينهما تغاير اعتباري ، ونحن نقول:- إنَّ التغاير الاعتباري لا يكفي لأنَّ الأجرة دفعٌ خارجي ، فأنا أدفعها ازاء الموجود الخارجي والمفروض أن الموجود الخارجي هو واحد فبذل العمل والعمل واحد خارجاً ولا فرق بينهما ، نعم هناك تغاير بالاعتبار ولا معنى لأن نقول أنا أبذل الأجرة على العمل من زاوية نفس العمل لا من زاوية بذله فإنَّ هذا لا معنى له فإن الخارج واحد وتعدّد الحيثيات لهذا الموجود الخارجي لا يعدّد وجوده ، وبالتالي يكون البذل ازاء هذا الموجود الخارجي الذي هو عملٌ وبذلٌ للعمل لا أنَّ البذل يكون ازاء العمل لا بذل العمل ، نعم نحن قرأنا في النحو - وفي المعقول - على أنَّ الفرق بين المصدر واسم المصدر أنه الحدث مرّة ننظر إليه من زاوية فاعله ومصدره ومنشئه فيسمّى حينئذٍ مصدر ، ومرّة تلاحظ الضرب لا من ناحية فاعله بل من ناحية نفسه يعني بلحاظ القابل يعني الذي تحقّق بلحاظ القابل المضروب فهذا يقال له اسم مصدر ، هذه تفرقة نحوية ، كما أنَّ الايجاد والوجود أيضا هكذا حيث قالوا إنّ الفرق بينهما هو أنَّ الوجود عين الايجاد ولكن إذا نظرنا إلى الوجود من حيث الفاعل يعبّر عنه بالإيجاد ، أما إذا نظرنا إليه من حيث هو يعّبر عنه بالوجود ، وهذا صحيح ولكن هذه مصطلحات ونظرات خاصّة ، أما في باب الاجارة ودفع الأجرة فالدفع يكون بإزاء هذا الموجود الخارجي من دون ملاحظة حيثياتٍ وغير ذلك.

هذا كله بالنسبة إلى ما أفاده الشيخ النائيني(قده) وقد اتضح من خلال كلّ ما ذكرناه أنَّ إشكال الواجبات النظامية واللباء يسجّل على القائلين بالملازمة بالمنافاة بين حيثية الوجوب وحيثية الاجارة ، حيث يسجّل عليهم أنه تنتقض هذه الملازمة التي تذكرونها في الواجبات النظامية وفي مسألة اللباء فإنهم حاولوا أن يدافعوا بما أشرنا إليه وقد اتضح أنها قابلة للمناقشة ، والنتيجة هي أنَّ المنافاة ليست ثابتة ، بل ثبت عدمها من خلال الواجبات النظامية ومسألة اللباء.

هذا كلّ حديثنا عن القسم الأوّل من الوجوه التي تثبت المنافاة بين الاجارة وبين الوجوب.

ما يستدل به على النحو الثاني:-

وأما النحو - أو الصنف - الثاني فهو عبارة عن الوجوه التي يتمسّك بها لإثبات المنافاة بين حيثية الاجارة وقصد القربة ، فيختصّ إذن هذا القسم والصنف بخصوص العبادات ، بخلاف الصنف الأوّل فإنه لو تمّ فهو يعمّ العبادات وغيرها ، أما هذا فهو يختصّ بباب العبادات أعم من كونها عبادات استيجارية يعني أعم من كونها نيابيّة كما في العبادات الاستيجارية عن الميت أو استيجارية غير نيابية مثل أن أعطي شخصاً مالاً كي يصلّي على الجنازة حتى يسقط الوجوب عنّي فهذه ليست نيابية فإنَّ الأجير يأتي بالصلاة عن نفسه حتى يسقط الوجوب عني ، فالمقصود إذن اثبات المنافاة بين حيثية القربة وحيثية الاجارة هنا توجد منافاة.

وأحسن ما يمكن بيانه في هذه المجال هو أن يقال:- إنَّ قصد القربة كيف يتحقّق بعد فرض أنَّ الانسان يعمل لأجل الايجار والأجرة والوفاء بالإجارة ، فهذا المكلّف يصلّي على الجنازة ليس قربةً إلى الله تعالى وإنما لأجل الأجرة والوفاء بالإجارة ، فإذن توجد منافاة بين الاجارة وبين قصد القربة فهما لا يجتمعان ، ولعل أوّل من أشار إلى هذه المنافاة السيد صاحب الرياض(قده) في رياضه فإنَّ الرياض كما نعرف شرحٌ للمختصر النافع والمحقّق(قده) ذكر في بداية التجارة صنوف المكاسب المحرّمة وأحدها الاجارة على الفعل الواجب كتغسيل الموتى بالمقدار الواجب فقال إذا أعطى الأجرة على المقدار الواجب فهذه الاجارة حرام وباطلة ، وعلّق السيد مير علي صاحب الرياض فقال في بيان المدرك قال للإجماع ولمنافاة ذلك مع الاخلاص المعتبر في العبادة ونص عبارته:- ( بل عليه الاجماع في كلام جماعة وهو الحجة مع منافاته الاخلاص المأمور به كتاباً وسنّةً )[1] ، فإذن عبارته واضحة في أنه لفت النظر إلى المنافاة ، وممن اشار إلى ذلك الفيض الكاشاني في كتاب مفاتيح الشرايع في كتاب المعايش والمكاسب –وأنا لم أر مفاتيح الشرائع ولكن صاحب الحدائق(قده) هو دائم المراجعة إلى كلمات الفيض(قده) – فينقل صاحب الحدائق هذه العبارة عن الفيض:- ( والذي يظهر لي أن ما يعتبر فيه نية التقرب لا يجوز أخذ الأجرة عليه مطلقاً لمنافاته الاخلاص )[2] .

بيد أن صاحب مفتاح الكرامة وصاحب الجواهر قالا إن الأمر على العكس ، فإن الاجارة تقوّي الاخلاص لا أنها تنافيه ، قال في مفتاح الكرامة:- ( إن تضاعف الوجوب يؤكد الاخلاص كما ستسمع على أنه لا يتم فيما ليس عبادة )[3] ، وأما صاحب الجواهر(قده) فقد قال:- ( ضرورة كون الاجارة مؤكدة له باعتبار تسبيبها الوجوب أيضاً )[4] ، إذن صار عندنا اتجاهان اتجاه يثبت المنافاة ومن رواده الفيض الكاشاني وصاحب الرياض والاتجاه الثاني يمثله صاحب الجواهر وصاحب مفتاح الكرامة.

أما الشيخ الأعظم(قده) فقد انتصر للاتجاه الأول يعني بعبارة أخرى ضد مفتاح الكرامة وصاحب الجواهر حيق قال إنَّ البعض قال لا منافاة بل يتأكد الاخلاص ونحن نسأل ما المقصود ؟ هل المقصود أنه يتأكد وجوب الاخلاص أو أن المقصود أنه يتأكد نفس الاخلاص ؟ فإذا كان المقصود أن الاجارة تؤكد وجوب الاخلاص فهذا يتم إذا فرض أن كلا الوجوبين كان قربياً عبادياً فإذا اجتمع جوبان عباديان قربيان فصحيح فسوف يصير وجوب الاخلاص آكد لأن الأمر الأول يريده والأمر الثاني أيضاً يريده ولكن لمفروض في محل كلامنا ان الوجوب الثاني الجائي الوارد الحاصل بسبب الاجارة – أوفوا بالعقود – هو توصلي وليس عبادياً حتى يوجب الاخلاص والقربة فيكف يتأكد وجوب الاخلاص ؟! وطبيعي يوجد مضافاً وهو أنه مضافا ً إلى أن الوجوب أنا لا أريده فأنا أريد الاخلاص أما وجوب الاخلاص فلا أريده فإن العبادة يلزم أن يكون فيها نفس الاخلاص أما انه يتأكد وجوب الاخلاص فهذا لا ينفع.

وإذا كان المقصود الثاني يعين أن نفس الاخلاص سوف يتأكد فيردّه أن هذا خلاف الوجدان إذ لو لم تكن أجرة موجوده فالإخلاص في النفس وفي القلب بالوجدان يكون اقوى وآكد مما إذا كان هناك أجرة فإن النفس حينئذٍ قد تنظر إلى الأجرة فيضعف الاخلاص ، فإذا لم تكن أجرة ففي عالم النفس الاخلاص يصير اقوى بالوجدان . هذا مضافاً إلى أن الآتي بالإجارة امتثالاً للإجارة يكون قاصداً حينما يقول الله أكبر على جنازة الميت يكون قاصداً الوفاء بالإجارة وليس قاصداً للقربة فإذن هو بالتالي إما أن يكون قاصداً للقربة أو يكون قاصداً للوفاء بالإجارة فإذا ارداد أن يفي بالإجارة فيأتي بهذا العمل بنية الوفاء بالعقد وهذا يتنافى مع قصد القربة فكيف أن القربة تتأكد ؟! إنه لا معنى لأن تتأكد ، وهذا خلاف الوجدان لأنه يأتي بالصلاة لا بقصد القربة وغنما يأتي بها لأجل الوفاء بالإجارة فكيف يتأكد الاخلاص ، ونصُّ عبارته:- ( وقد يردّ ذلك بأن تضاعف الوجوب بسبب الاجارة يؤكد الاخلاص ...... هل المقصود أن تضاف الوجوب يؤكد اشتراط الاخلاص ..... أو أن المقصود أن ذلك يؤكد تحقق الاخلاص من الأجير ...... يردّه إنه يتم إذا كان كلا الوجوبين تعبديين والمفروض أنَّ الوجوب بالإجارة توصلي ....... أن الخالي من الأجر الدنيوي أشد إخلاصاً بالوجدان مضافاً إلى أن الوفاء بعقد الاجارة يتحقق بالاتيان بالفعل من جهة استحقاق المستأجر له وواضح أن الاتيان بالفعل كذلك ينافي الاتيان بالعبادة لأجله تعالى )[5] .

فإذن صار عندنا اتجاهان صاحب الجواهر ومفتاح الكرامة يقول يؤكد الاخلاص ، والشيخ الأنصاري يقول هو لا يؤكد ، والحق مع من ؟