38/06/20


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/06/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 33 ) حكم حفظ كتب الضلال – المكاسب المحرمة.

أما الكتاب أو الكتب:- فلابد أن نأخذها بنحو الطريقية إلى كل ما يشتمل على الضلال ولا خصوصية للكتاب والكتب ، وعلى هذا الأساس إذا فرض أنه يوجد عندي أقراص مدمجة ( سي دي ) تشتمل على شبهات أو توجد قنوات فضائية مثبتة في الستلايت وأتخوف منها وما شاكل ذلك فعلى هذا الأساس إذا قلنا بحرمة الحفظ فلا تختصّ الحرمة بعنوان الكتاب فإنه لم ترد رواية حتى نتمسّك بألفاظها ، وحتى لو فرض أنه وردت رواية فبالتالي إذا عرفنا المناط هو التخوّف الذي هو حجّة عقلائية فندور مدار الدليل سعةً وضيقاً فنوسّع من دائرة الكتاب ونأخذه بنحو الطريقية إلى كل ما يشتمل على الضلال الذي يحذر ويتخوّف منه.

وهكذا بالنسبة إلى الحفظ:- فلا يقصد منه الحفظ في المكتبة فقط ، كأن كان الكتاب موجوداً في المكتبة أو كان القرص المدمج ( السي دي ) في المكتبة ، بل يكون معنى الحفظ أوسع ، فلو فرض إنَّ الكتاب الذي فيه الضلال كان محفوظاً في الحاسوب فهذا نحوٌ من انحاء الحفظ ، فإذن نتوسّع أيضاً ونعمّم الحفظ لما يعم جميع أشكال الحفظ ، والمستند في هذا التعميم كما قلنا هو أننا ندور مدار الدليل وهو التخوّف ، فما دام هذا التخوّف ثابتاً بهذا النحو من الحفظ فسوف يعم التحريم له.

كما أنه لابد من تفسير الاتلاف بمعنىً أوسع:- فليس المقصود من الاتلاف أنه لابد من حرقه أو تمزيقه ، بل المهم أني أقطع التخوّف كما لو فرض أني دفنته في مكانٍ لا أعرفه كأن أعطيته إلى شخصٍ وقلت له ادفنه وأنا لا أعلم أين دفنه فهو موجود ولكن أنا لا أتمكن من الوصول إليه ، أو أن أضعه في قاصة وأضيّع رمز قفلها فهو موجودٌ ولكنه يصير نحواً من أنحاء الاتلاف حيث لا يمكن الوصول إليه ، فالمناط هو على عدم إمكان الوصول وإلا فالإتلاف بعنوانه الذي قد يوحي بأنَّ المراد خصوص الاعدام بالحرق والتمزيق وما شاكل ذلك فهذا ليس له خصوصية.

إذن مادام قد عرفنا المناط في التحريم فندور مداره ، فربما نوسّع في موردٍ وربما نضيّق في مورد آخر ، فالتفت إلى ذلك.

ومن خلال ما ذكرنا يتضح التأمل فيما ذكره صاحب الحدائق(قده):- فإنه قال لا يوجد دليل على حرمة الحفظ ، حيث قال ما نصّه:- ( وعند في الحكم من أصله توقف لعدم النص والتحريم والوجوب ونحوهما أحكام شرعية يتوقف القول بها على الدليل الشرعي . ومجرّد هذه التعليلات الشائعة في كلامهم لا تصلح عندي لتأسيس الأحكام الشرعية )[1] ، وما هي تلك التعليليات ؟ لعلّه ما سوف نذكره.

وفي مقام التعليق نقول:- إذا فرض حصول تخوّف من أن تحرفني هذه الكتب ففي مثل هذه الحالة ذكرنا أنَّ التخوّف حجة عقلائية في باب الضرر فعلى هذا الأساس يلزم أن نقول بحرمة الحفظ آنذاك ، نعم كلامه تام في صورة عدم الحفظ لأنه لم يدل دليل على حرمة الحفظ ، فكان من المناسب له أن يفصّل لا أن يقول إنّه لا دليل على ذلك.

الأدلة التي قد يتمسّك بها لإثبات الحرمة في المساحة الوسيعة بحيث تشمل حتى حالة عدم التخوّف:- وقد أشار الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب إلى جملة منها:-

الدليل الأوّل:- إنّ هذه الكتب مادّة فساد ومادّة الفساد يحكم العقل بوجوب قطعها وإزالتها ، ونصّ عبارته:- ( حكم العقل بوجوب قطع مادة الفساد )[2] ، ولابد من ضم ضميمة حتى يتم هذا الكلام ، فلابد من ضمّ الملازمة وإلا فإنَّ هذا الكلام لا ينفع شيئاً ، وهو لم يذكر الملازمة لشدّة وضوح المطلب.

وهذا الدليل يريد أن يتمسّك به مطلقاً من دون تفصيلٍ بين حالة التخوّف وعدم التخوّف.

ويرد عليه:-

أوّلاً:- إنه ذكر أنَّ العقل يحكم بوجوب الاتلاف ، ونحن نقول:- إنه يمكن أن يقال إنَّ العقل ليس مشرّعاً ، فالعقل لا يقول هذا واجب وذاك حرام وإنما هذا عمل الشرع ، إنما عمل العقل هو أن يقول هذا قبيح وذاك حسن فهو يحكم بالتقبيح والتحسين لا أنه يحكم بالوجوب والحرمة ، فما ذكره محلّ نظرٍ من الأساس ، فلا يناسب له أن يعبّر بالوجوب بل المناسب له أن يعبّر بالقبح.

ثانياً:- إنَّ القبح إنما يحكم به العقل لو حكم فهو يحكم به في دائرة ضيّقة وهي إذا تخوّف الشخص ، أما إذا لم يتخوّف فحكم العقل بقبح وجودها وحفظها أوّل الكلام لأنها سوف لن تضرّه لأنه لا يطالعها أو أنها لا تؤثر فيه ، واقطع النظر عن مسألة وجوب أو قبح بل نريد أن نقول إنَّ هكذا حكم عقلي بشكل مطلق ليس موجوداً وإنما هو موجود في حالة التخوّف ، فينبغي أن يفصّل بين حالة التخوّف وبين حالة عدم التخوّف والحال إنه لا يريد أن يفصّل هذا التفصيل ، فهو يقول إنَّ هذه مادّة فساد يلزم قلعها.

ثالثاً:- يمكن أن نقول إنَّ العقل لا يحكم بقبح الحفظ حتى في حالة التخوّف بل نحتمل أنَّ له حكماً آخر - ويكفينا الاحتمال - وهو قبح مخالفة من تجب اطاعته ، أي قبح الخروج عن طاعة من تجب اطاعته ، فهو يحكم بهذا الشكل وهو أنه مادام هناك من تجب اطاعته والأخذ بتعاليمه فعلى هذا الأساس يقبح التمرّد عليه والخروج عن طاعته ، فالعقل يحكم بهذا أما أنَّ هذه الكتب يجب اعدامها أو لا يجب اعدامها فهذا المجال لا يدخل فيه العقل بل هو يدخل في ذلك المجال فهو له ذلك الحكم وهو الحكم بقبح التمرّد على من تجب اطاعته ومن له حقّ عليه ، نعم قد تكون هذه الأمور لوازم فإنه إذا كان يقبح التمرّد على طاعته فإذن اذهب وأتِ بالصوم أو الصلاة ولكنَّ هذه الأشياء ليست أحكاماً عقلية وإنما هي تطبيق منّا لحكم العقل ، فبعدما نطبّق حكم العقل ونقول إنَّ العقل يحكم بأنَّ التمرّد على طاعة من تجب اطاعته قبيح فمن نتائج ذلك أنه إذن يجب أداء الصلاة ويجب أداء الصوم وتحرم الغيبة لأنه أمرنا ببعضٍ ونهانا عن بعضٍ ولكن هذا لا يعني أنه سوف تصير للعقل أحكاماً متعددة بعدد هذه الموارد الجزئية وإنما حكمه هو ذلك الواحد.

وموردنا من هذا القبيل ، فالعقل يحكم بأنَّ التمرّد على الذي تجب اطاعته لا تجوز أما أنه يجب اتلاف كتب الظلال فهو لا يحكم به ابتداءً وإنما هذه تطبيقات كما مثّلنا بتطبيق وجوب الصلاة والوصوم ونحو ذلك حيث إنها ليست أحكاماً عقلية وإنما هي نتائج وتفريعات منّا على حكم العقل ، فإذن ما أفاه قابل للمناقشة.

الدليل الثاني:- إنَّ الذمّ المستفاد من قوله تعالى ﴿ ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين ﴾[3] ، وبقرينة ﴿ أولئك لهم عذاب اليم ﴾ يفهم منه أنَّ المقصود ليس مجرّد الذمّ والتوبيخ بل هنا اثبات للعقوبة ، فحينئذٍ هذا اللسان نستفيد منه تحريم اشتراء الحديث ليضل عن سبيل الله ، وبهذا تثبت حرمة حفظ كتب الضلال.

وفيه:- إنَّ غاية ما تدل عليه الآية الكريمة هو حرمة أن يتحدّث الانسان بما يوجب الإضلال ، يعني مثل أن يخرج على القنوات الفضائية ويطرح الشبهات أو غير ذلك ، أو أنه يطبع كتباً وكراسات أو ما شاكل ذلك فإنَّ هذا مصداق لمن يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله ، أما أنه توجد عندي كتب في المكتبة أهداها لي شخص أو ورثتها وأنا لم أحدّث بها أحد فهل يصدق على هذا قوله تعالى ﴿ ليضل عن سبيل الله ﴾ ؟!! كلا ، فهي مجرّد موجودة ، نعم إذا تحدّثت بها للناس فصحيح أنه يصدق ذلك.

إذن تمسّك الشيخ الأعظم(قده) بمثل هذه الآية الكريمة غريب.