21-11-1434


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/11/21

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 399 ) ، مصرف الهدي/ حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 النقطة الرابعة:- يلزم أن تكون النيّة من المنوب عنه مستمرة الى حين تحقق الذبح ولا تنقطع وتزول في الوسط ، والوجه في ذلك واضح إذ المهم هو وجود النيّة حالة الانتساب - أي انتساب الذبح الى المنوب عنه - والانتساب إنما يتحقق عند تحقق الذبح فإذا أمر المنوب عنه في الذبح أوّلاً ثم تحقق الذبح فعند تحققه بعد الطلب السابق سوف ينتسب الذبح إليه فيلزم أن تكون النيّة موجودة حالة الانتساب - أي حالة الذبح - ولا يجدي وجودها حين الطلب مع فرض زوالها في الوسط - أي قبل تحقق الذبح ، وهذا شيءٌ جيد ويترتب على هذا شيء آخر وهو أنه لو لم تكن النيّة موجودة حين الطلب والأمر ولكن تحققت بعد ذلك - أي حين الانتساب - كفى ذلك باعتبار أن المدار كما قلنا هو على وجود النيّة حالة الانتساب.
 ولكن تبقى قضيّة فنية أو كمالية:- وهي أن مثل هذا الحكم هل من المناسب اثباته في كتاب المناسك أو أنه لا حاجة إليه أو أن ذكره يورث الوسوسة ؟
 في الحقيقة أن النيّة هي عبارة عن الداعي فإذا كان الداعي - وهو التقرب الى الله عز وجل - موجوداً حين الطلب كفى إلا أن يحدث بعد ذلك في الوسط الرياء نستجير بالله ، فإذن لا داعي الى ذكر الاستمرار بعدما كان الداعي موجوداً عادة - يعني هذا الاستمرار الحكمي وإن لم يكن الاستمرار التفصيلي موجوداً وإنما هذا الداعي موجود في القلب ولم يحدث شيء خلافه فيكفي حينئذٍ - واذا أردنا أن نذكر هذا الفرع فالمناسب لأجل أن لا تحدث وسوسة فمن المناسب أن نبدل الألفاظ فنقول:- ( إذا حدث الرياء قبيل الذبح - أي قبيل الانتساب - وزالت القربة فلا يقع الذبح صحيحاً ) إن هذه اللهجة لهجة لا تساعد على الوسوسة فنحن حافظنا على حيثية الاستمرار ولكن بشكل لا يورث الوسوسة.
 
 مصرف الهدي:-
 الأحوط أن يعطى ثلث الهدي الى الفقير المؤمن صدقة ويعطى ثلثه الى المؤمنين هدية وأن يأكل من الثلث الباقي له . ولا يجب اعطاء ثلث الهدي الى الفقير نفسه بل يجوز الاعطاء الى وكيله وإن كان الوكيل هو نفس من عليه الهدي ويتصرف الوكيل حسب إجازة موكّله من الهبة أو البيع أو الاعراض أو غير ذلك . ويجوز إخراج لحم الهدي والأضاحي من منى.
 ..........................................................................................................
 يتضمن المتن المذكور أحكاماً ولكن قبل التعرض إليها نشير الى بعض الأمور التي تساعد على فهم ما جاء في المتن المذكور:-
 الأمر الأول:- هل يلزم أن يكون تقسيم الهدي ثلاثياً - يعني أن ثلثاً صدقة وثلثاً هدية وثلثاً له - أو يكفي التقسيم الثنائي بأن يأكل ويتصدق مثلاً أو أنه لا يلزم حتى التقسيم الثاني ويكفي أن يصرف المجموع في الصدقة مثلاً أو يأكله هو كلّه ؟
 والجواب:- إن الاحتمالات بقطع النظر عن الأقوال أربعة كما اتضح وهي التقسيم الثلاثي والثنائي وأن يأكله أجمع وأن يتصدق به أجمع.
 وإذا رجعنا الى النصوص لم نجد نصاً واضحاً في وجوب التقسيم الثلاثي:-
 أما الكتاب الكريم:- فقد أشار الى الأكل والتصدُّق على البائس الفقير في آيةٍ وعلى القانع والمعتر في آيةٍ أخرى كلتاهما في سورة الحج فهو لم يشر إذن الى كون التقسيم ثلاثياً قال تعالى:- ( وأذّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فجّ عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ) [1] ، والآية الثانية هي:- ( والبدن جعلناها من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صوافّ فإذا وجبت جنوبها [2] فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر ) [3] ، وسوف يأتي في الروايات أن القانع هو من يقنع بما تدفع إليه كالجيران الذين يعطيهم الانسان في المناسبات والمعتر هو الذي يمرّ في الطريق فيرى ذبيحة مثلاً فيتوقع أن يُعطى منها فهذا يعطى مقداراً من الهدي.
 وأما الروايات:- فقد ورد وجوب التقسيم الثلاثي في بعض الروايات ولكنّها ناظرة الى حجّ القران ففي حجّ القران يقسّم الهدي الذي سيق مع الحاج الى ثلاثة أقسام وكلامنا ليس فيه بل المهم هو هدي التمتع ، اللهم إلا أن نجزم بعدم التفصيل من هذه الناحية فلا توجد مشكلة حينئذً ، فلاحظ صحيحة سيف التمار قال:- ( قال أبو عبد الله عليه السلام:- إن سعيد بن عبد الملك قدم حاجّاً فلقي أبي فقال:- إني سقت هدياً فكيف أصنع ؟ فقال له أبي:- أطعم أهلك ثلثاً وأطعم القانع والمعتر ثلثاً وأطعم المساكين ثلثاً ، فقلت:- المساكين هم السّؤّال ؟ فقال:- نعم ، وقال:- القانع الذي يقنع بما أرسلت إليه من البضعة فما فوقها [4] والمعتر ينبغي له أكثر من ذلك هو أغنى من القانع يعتريك فلا يسألك ) [5] ودلالتها واضحة على وجوب التقسيم الثلاثي بيد أنها واردة في هدي القران ، وعلى منوالها موثقة شعيب العقرقوفي:- ( قلت لأبي عبد الله:- سقت في العمرة بدنة فأين أنحرها ؟ قال:- بمكة ، قلت:- أي شيء أعطي منها ؟ قال:- كل ثلثاً وأهد ثلثاً وتصدّق بثلث ) [6] وهي تحتاج الى ضمّ عدم الفصل من ناحيتين من ناحية هدي السياق ومن ناحية أن الهدي المذكور هو هدي العمرة لا هدي الحجّ فنحتاج الى ضمّ عدم الفصل للتعميم الى غير هدي السياق - أي الى هدي التمتع - ولأجل التعميم والتعدي من هدي العمرة الى هدي الحجّ.
 إذن هذان النصان وردا في هدي القران.
 وتوجد بعض النصوص الأخرى التي يمكن أن يقال بأنها واردة في هدي التمتع ولكنّها لا تدل على التقسيم الثلاثي من قبيل صحيحة معاوية بن عمار:- ( عن أبي عبد الله عليه السلام:- إذا ذبحت أو نحرت فكل وأطعم كما قال الله " فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر " فقال:- القانع الذي يقنع بما أعطيته والمعتر الذي يعتريك والسائل الذي يسألك في يديه والبائس الفقير ) [7] وهي كما قلنا تدلّ على التقسيم الثنائي ، وعلى هذا المنوال رواية أبي الصباح الكناني:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن لحوم الأضاحي ، فقال:- كان عليّ بن الحسين وأبو جعفر عليهما السلام يتصدّقان بثلثٍ على جيرانهم وثلثٍ على السّؤّال وثلثٍ يمسكانه لأهل البيت ) [8] وهي وإن دلت على التقسيم الثلاثي ولكنه فعلٌ للإمام عليه السلام ومجرد الفعل لا يدلّ على الوجوب فلعل ذلك شيء مستحب ، ومن الواضح أن الوارد فيها كلمة ( الأضاحي ) ولا يبعد شمولها لمثل الهدي ولا يختص بالأضحية المستحبة.
 إذن تحصيل نصّ يدل على لزوم التقسيم الثلاثي يصعب تحصيله بل لا يوجد.
 وأما من حيث كلمات الفقهاء:- فقد قال المحقق(قده) في الشرائع:- ( يستحب أن يقسمه أثلاثاً يأكل ثلثه ويتصدق بثلثه ويهدي ثلثه ) ، وعلّق صاحب الجواهر(قده) بقوله:- ( كما هو ظاهر جماعة وصريح أخرى بل في كشف اللثام نسبته الى الاكثر ) [9] ، ولكن تبقى عبارة المحقق(قده) ينتابها الاجمال باعتبار أنه ماذا يقصد من قوله ( يستحب أن يقسمه أثلاثاً ) فيحتمل أن يكون المقصود هو أن أصل التقسيم الثلاثي في مقابل الثنائي هو مستحب وبناءً على هذا الاحتمال تكون عبارته دالّة على جواز التقسيم الثنائي ولكن المستحب هو التقسيم الثلاثي ، ويحتمل أن يكون المقصود هو أنه يستحب أن يقسّمه أثلاثاً يعني متساوية فالأثلاث بنحو التساوي هو شيء مستحب أما أصل التقسيم الثلاثي فهو شيء واجب والتساوي في الأثلاث هو شيء مستحب فهذا احتمال آخر في عبارة صاحب الشرائع(قده) ، وكلا الاحتمالين قد أشار إليهما صاحب الجواهر [10] . وهناك عبارة أخرى للشهيد في الدروس وقع الخلاف فيها أيضاً وهي كالتالي:- ( ويجب أن يصرفه في الصدقة والاهداء والأكل . وظاهر الأصحاب الاستحباب ) [11] ، إن الشهيد الأول أوجب التقسيم الثلاثي ثم قال:- ( وظاهر الاصحاب الاستحباب ) وماذا يقصد من هذا ؟ يحتمل أن يكون المقصود هو أن ظاهر الأصحاب استحباب أصل التقسيم الثلاثي ولازمه جواز التقسيم الثنائي فيكون الأصحاب قد ذهبوا الى جواز التقسيم الثنائي وهذا ما فهمه صاحب الجواهر من العبارة المذكورة حيث قال:- ( ولكن في الدروس نسبة استحباب أصل الصرف في الثلاثة الى الأصحاب بعد أن اختار هو الوجوب وتبعه ثاني الشهيدين والكركي ومقتضاه [12] جواز الاقتصار على مصرفٍ واحد منها ولو بأكله أجمع ) ، بينما صاحب الحدائق(قده) قال:- ( إن مقصوده من قوله وظاهر الاصحاب الاستحباب أي ظاهرهم استحباب التقسيم الثلاثي بنحو التساوي ) [13] ولازم هذا أن أصل التقسيم الثلاثي واجبٌ ولكن التساوي بين الأقسام قد ذهب الأصحاب الى استحبابه . إذن كون أصل التقسيم الثلاثي واجبٌ أو ليس بواجبٍ لا يمكن نسبته الى الأصحاب بنحو الجزم.


[1] سورة الحج، الاية27 ، 28.
[2] وجبت جنوبها:- كناية عن سقوطها على الجنب أي ذكيت.
[3] حج/سوره22، آیه36
[4] والبضعة هي القطعة أو الجزء من الشيء.
[5] وسائل الشيعة، العاملي، ج14، ص160، ب40 من أبواب الذبح، ح3، آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، العاملي، ج14، ص160، ب40 من أبواب الذبح،ح18، آل البيت.
[7] وسائل الشيعة، العاملي، ج14، ص160، ب40 من أبواب الذبح،ح1، آل البيت.
[8] وسائل الشيعة، العاملي، ج14، ص160، ب40 من أبواب الذبح،ح13، آل البيت.
[9] جواهر الكلام ، الجواهري النجفي، ج19، ص57.
[10] جواهر الكلام، الجواهري النجفي، ج19ن ص160.
[11] الدروس الشرعية، ج1، ص439.
[12] أي مقتضى هذه النسبة التي ذكرها.
[13] الحدائق الناضرة، الكركي، ج17، ص53.