34-03-29


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/03/29

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- تتمة مسألة ( 371 ) ، الواجب الثالث من واجبات حج التمتع ( الوقوف بمزدلفة) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 الفارق العملي بين الوجوه الثلاثة:-
 ذكرنا فيما سبق وجوهاً ثلاثة لإثبات الإجزاء إما في خصوص صورة احتمال المخالفة أو قلنا بالتعميم لحالة الجزم بالمخالفة ، ونسأل:- هل هناك فوارق عملية بين هذه الوجوه أو أن نتيجتها واحدة من دون أي اختلاف - وأعني بالوجوه الثلاثة هي عمومات التقية والسيرة ورواية أبي الجارود - ؟
 يمكن أن يقال:- إن الثمرة تظهر في رمي الجمار في اليوم العاشر وما بعده فإنه لو تمسكنا بالوجه الثالث - أعني عمومات التقية - فعلى المكلف أن يرمي في اليوم الآخر لا في اليوم الذي هو مطابق مع القوم ، نعم الوقوف في عرفة وفي المشعر يأتي بهما على طبق ما هو الثابت عندهم وأما الرمي وما شاكله فيأتي به حسب ما يقتضيه الواقع ففي حالة احتمال المخالفة الاستصحاب يقتضي أن هذا اليوم ليس هو اليوم العاشر حتى يجوز فيه رمي جمرة العقبة فضلاً عمّا إذا جزم بذلك فيؤخر الرمي وهكذا بالنسبة إلى الذبح وسائر الأمور ، وأما الموقفان فكما قلنا إنه يأتي بهما مطابقاً مع ما هو عند القوم.
 وأما إذا كان المدرك هو الوجهين الأولين فيأتي بالجميع على طبق ما يوافق القوم من دون تفرقة بين الموقفين وغيرهما ، والوجه في ذلك هو أنه لو كان المستند عمومات التقيّة فهي تقتضي التساير مع التقية بمعناها الوسيع الذي يشمل التقية المجاملية - أي ولو من دون خوف وحذر - ومن الواضح إن تأخير الرمي إلى اليوم الثاني لا يخالف التقيّة بشكل من الأشكال إذ كيف يتبيّن أن هذا معهم أو ليس معهم فإنه من خلال الرمي والذبح لا يتبين ذلك وإنما يتبين الأمر بلحاظ الموقفين وعليه فيلزم أن يراعي التقية بلحاظ الموقفين دونه بلحاظ الرمي وما شاكله ، وأما إذا كان المستند الوجهين الأولين فهما كما قلنا لا يفرِّقان بين الموقفين وغيرهما .
 أما بناءً على كون المستند هو السيرة فمعلوم أن السيرة خلال هذه المدة - أي مدة مائتي سنة - لم ينقل أن الشيعة في سنةٍ من السنين أتوا بالوقفين على طبق ما عند القوم وبلحاظ الرمي وغيره أتوا به بشكلٍ متأخّر ومغاير - أي إلى اليوم الثاني - إن هذا لو كان ثابتاً حقاً لكانت ظاهرة ملفتة للنظر ولاستحقت النقل فعدم نقل ذلك يدلّ على أن السيرة كانت بلحاظ جميع أفعال الحج تتلاءم مع ما عليه القوم.
 وأما إذا كان المستند رواية أبي الجارود فالمفروض أننا استفدنا منها عدم الخصوصية لما ذكر فيها من الأضحى والصوم والفطر إنه استفدنا من إلغاء الخصوصية الثابت عرفاً بنحو الجزم التعميم لجميع الأفعال من دون خصوصية لهذه ، فالمناسب إذن المسايرة مع الوضع الرسمي بلحاظ جميع أفعال الحج من دون خصوصية لهذه الأمور الثلاثة.
 عودة إلى المتن:- ذكرنا أن السيد الماتن(قده) فرَّق بين حالة احتمال الموافقة فيجزي الوقوف معهم وبين حالة الجزم فلا يجزي وقد انتهينا من هذا والتعليق عليه ، والآن نريد التعرض إلى باقي الأحكام التي أشير إليها في المتن وهي النقاط التالية:-
 النقطة الأولى:- إن المكلف إذا جزم بالمخالفة فلا يجزيه الوقوف مع القوم على ما اختاره(قده) ولكن ماذا يصنع ؟ إنه يقف في اليوم الثاني فإن أمكنه الإتيان بالموقفين الاختياريين من دون حذرٍ وخوفٍ حتى من ناحية التقية فيأتي بذلك ، وإذا لم يمكنه ذلك فيكتفي ولو بالموقف الاضطراري لعرفة مع الموقف الاختياري للمشعر ، وإذا لم يمكنه ذلك كفاه الموقف الاختياري للمشعر ، وإذا لم يمكنه ذلك كفاه الموقف الاضطراري للمشعر - بناءً على كفايته فإن المسالة خلافية في كفاية الموقف الاضطراري للمشعر وحده والسيد الماتن يختار كفايته - إذن ينبغي أن يلاحظ المكلف هذا التدرُّج الذي أشرنا إليه ، وأما إذا لم يمكنه حتى الموقف الاضطراري للمشعر فلا حجَّ له والمستند في كل ما ذكره هو القاعدة إذ لو أمكنه أن يأتي بالموقفين الاختاريين فما المسوغ لترك ذلك ؟ فيلزمه ذلك ككل إنسان عادي آخر وإذا لم يمكنه فيكتفي بالاضطراري لعرفة والاختياري للمشعر ... وهكذا وهو مطلب واضح ، وهكذا بالنسبة إلى بطلان الحج إذا لم يمكنه كل هذا فهو على طبق القاعدة.
 النقطة الثانية:- إذا لم يتمكن من كل هذا فقد ذكرنا أنه لا حج له إذ لم يأتِ بالموقفين وقوام الحج بالموقفين أو بالمشعر على الأقل أو بالأحرى الاضطراري من المشعر فإذا فات كل ذلك فلا حجّ له وهذا واضح ، ولكن ماذا يصنع بعد الالتفات إلى أنه قد أحرم ؟ فهل ينحل إحرامه بشكل قهري أو أن له وظيفة أخرى ؟
 والجواب:- إن مقتضى القاعدة هو الانحلال القهري لما أشرنا إليه أكثر من مرَّة إذ أن مطلوبية الإحرام مطلوبية ضمنية لا استقلالية - أي أنه يطلب لأجل بقية الأفعال ومنضماً إلى بقية الأفعال - كتكبيرة الإحرام فإنه بها يتحقق الدخول إلى الصلاة ولكن مطلوبيتها ضمن مطلوبية بقية الأفعال فإذا لم يمكن بقية الأفعال كشف عن بطلان التكبير وأنه لم يدخل في الصلاة ، إن المناسب في المقام هو ذلك فإذا انكشف أنه لا يمكنه الإتيان ببقية الأفعال ينكشف بطلان الإحرام من البداية.
 ولكن هناك روايات دلت على أن من فاته الحج المتقوم بالوقفين عليه أن يحلّ بعمرة مفردة فيأتي بعمرة مفردة ، يعني هو باقٍ على إحرامه من دون أن يأتي بإحرامٍ جديدٍ ويواصل أعمال العمرة المفردة والمسألة اجماعية أيضاً ، وعليه فهناك اتفاق من حيث الفتوى ومن حيث النصوص على لزوم الإتيان بعمرة مفردة ، أما من حث الفتوى فقد ذكر في الشرائع ما نصه:- ( الرابعة:- من فاته الحج تحلل بعمرة مفردة ثم يقضيه إن كان واجباً على الصفة التي وجبت تمتعاً أو قراناً أو إفراداً ) [1] ، وعلّق صاحب المدارك بقوله:- ( أجمع العلماء كافة على أن من لم يقف بالموقفين في وقتهما فاته الحج وأجمع علماؤنا على أن من فاته الحج تسقط عنه بقية أفعاله ويتحلّل بعمرة مفردة.... ) [2] .
 وأما من حيث الروايات فتكفينا صحيحة الحلبي التي أشرنا إليها في مسألة ( 369 ) حيث جاء في ذيلها ( فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج فليجعلها عمرة مفردة وعليه الحج من قابل ) [3] ، وعلى منوالها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام ( من أدرك جمعاً فقد أدرك الحج ) قال:- ( وقال أبو عبد الله عليه السلام:- وأيما حاج سائق للهدي أو مفرد للحج أو متمتع بالعمرة إلى الحج قدم وقد فاته الحج فليجعلها عمرة وعليه الحج من قابل ) [4] ، إلى غير ذلك من الروايات.
 النقطة الثالثة:- إذا فات الحج على المكلف فهل يجب عليه الحج في السنة الثانية ؟
 الجواب:- إذا كانت استطاعته لهذه السنة وبقيت عنده أموال يمكن أن يحج بها في العام المقبل فعليه التحفظ على الاستطاعة بمعنى أنه لا يصرف هذه الأموال في مجالاتٍ أخرى تفوّت عليه الاستطاعة للحج ، بل نقول أكثر من هذا وهو أنه إذا أمكنه أن يبقى في مكة فعليه البقاء فيها ، وأما إذا فرض أن استطاعته فاتت كما هو التعارف فيجب عليه الحج في العام المقبل إن حصلت استطاعة جديدة وإلا فلا حج عليه بل ينتظر إلى أن تحصل استطاعة جديدة ، هذا إذا فرض أنه قد حصلت له الاستطاعة في هذه السنة . اما إذا كانت استطاعته لسنواتٍ سابقةٍ وهو قد تماهل فحينئذ يجب عليه أن يحج في السنة الثانية ولو متسكعاً إذ المفروض أن الاستطاعة قد استقرت عليه ، ومستند هذا كله هو مقتضى القاعدة.
 
 الوقوف في المزدلفة
 وهو الثالث من واجبات حج التمتع . والمزدلفة اسم لمكانٍ يقال له المشعر الحرام . وحدّ الموقف من المأزمين إلى الحياض إلى وادي مُحسِّر وهذه كلها حدود المشعر وليست بموقفٍ إلا عند الزحام وضيق الوقت فيرتفعون إلى المأزمين . ويعتبر فيه قصد القربة.
 المتن المذكور يشتمل على عدة نقاط:-
 النقطة أولى:- إن الواجب الثالث من واجبات الحج بعد الإحرام وبعد الوقوف بعرفة هو الوقوف بالمشعر الحرام ، وقبل أن نوضح الحال في ذلك نشير إلى بعض القضايا الجانبية:-
 القضية الأولى:- إن المزدلفة لها ثلاثة أسماء وهي المزدلفة والمشعر الحرام وجمع.


[1] شرائع الإسلام ، في أحكام الوقوف بالمشعر الحرام.
[2] المدارك، ج7، ص 435.
[3] الوسائل، ج14، ص36، ب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر ح2.
[4] الوسائل، ج14، ص48، ب27 من أبواب الوقوف بالمشعر ح1.