34-04-13


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/04/13

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 373 ) / الواجب الثالث من واجبات حج التمتع ( الوقوف بمزدلفة) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 وبعد اتضاح وجود الخلاف في البداية والنهاية والركن فمن المناسب بحث كل واحدٍ من هذه الثلاثة تحت عنوانه الخاص:-
 تحديد البداية:- ويوجد في تحديدها قولان:-
 القول الأول:- وهو ما يمكن نسبته إلى المشهور وقد صار إليه السيد الماتن(قده) وهو أن البداية هي طلوع الفجر ، وقد ذكرنا في عبارة صاحب الشرائع المتقدمة أنه صار إلى ذلك حيث قال:- ( وأن يكون الوقوف بعد طلوع الفجر ) بناءً على تفسير كلمة ( بعد ) في كلامه بمعنى ( من ) أو ( عند ) يعني ( وأن يكون الوقوف من طلوع الفجر أو عند طلوع الفجر ) والظاهر أن هذا هو مقصوده ، وعلق صاحب(قده) المدارك بقوله:- ( هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ) [1] . إذن الرأي المشهور بل قد يدعى الاجماع عليه هو كون البداية من حين طلوع الفجر.
 أما كيف نستدل على ذلك ؟
 والجواب:- قد يستدل عليه بأحد الووه التالية:-
 الوجه الأول:- التأسّي بالنبي صلى الله عيه وآله فإن السيرة كانت كذلك.
 وفيه:- إن السيرة هي قد كانت على التواجد قبل طلوع الفجر - أي من الليل - ولا يحتمل أنهم كانوا يجيئون من بداية طلوع الفجر وما دام تواجد المسلمين كان من قبل طلوع الفجر فلا يمكن أن نقول إن البداية هي من طلوع الفجر فلعلها من قبل ذلك بل ولعل البداية هي من بعد طلوع الفجر بربع ساعةٍ أو أقل أو أكثر . إذن حتى لو فرضنا أنه صلى الله عله وآله وأصحابه كان يتواجد من حين طلوع الفجر إلّا أن هذا لا يدلّ على أن الواجب من البداية هو من طلوع الفجر فلعله من بعد ذلك بفترة زمنية . إذن التمسك بفكرة التأسي في خصوص المقام شيء مشكل من حيث الصغرى بمعنى أنا لا ندري أن بداية وقوفه الشرعي من متى كان وإلا فالتواجد فهو حاصل من قبل طلوع الفجر.
 الوجه الثاني:- صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( أصِبح على طهرٍ بعدما تصلي الفجر فقف إن شئت قريباً من الجبل وإن شئت حيث شئت فإذا وقفت فاحمد الله ... ) [2] حيث دلّت على الأمر بالإصباح على طهرٍ وهذا معناه أن البداية من حين الصباح - أي من حين الفجر - ويظهر من صاحب الوسائل أنه استفاد منها ذلك حيث عقد باباً بعنوان ( باب وجوب الوقوف بالمشعر بعد الفجر ) ثم ذكر فيه هذه الرواية بناءً على تفسير كلمة ( بعد ) بمعنى ( عند ) أو ( من ) ، وممن استفاد منها ذلك السيد الخوئي(قده) قائلاً :- ( لولا أن الطهارة ليست لازمة في الوقوف في المشعر لكنا نقول بوجوب الإصباح على طهر ولكن نرفع اليد عن ذلك ) ، وما أفاده مبنيّ على مسلك حكم العقل في استفادة اللزوم فإن أصحاب هذا المسلك يقولون بأن الصيغة أو المادة تدل على أصل الطلب من دون قيد اللزوم أو الاستحباب فإذا لم تقم قرينة على الاستحباب حكم العقل باللزوم وإذا قامت فيحكم بالرجحان وفي مقامنا حيث قامت القرينة بلحاظ الطهارة على عدم اللزوم فنحمل الأمر بلحاظها على الاستحباب وأما بلحاظ أصل الوقوف مُصبِحاً فلم تقم قرينة على استحبابه فيحكم العقل بالوجوب.
 وفيه ما أشرنا إليه سابقاً:- من أنا لو سلمنا أن الوجوب والاستحباب حكمان عقليان لا وضعيان ولكن مع الاقتران بمستحبات كثيرة - كما هو موجود في الرواية - يتوقف العقل عن الحكم باللزوم خصوصاً وأن الأمر المذكور أمر واحد تضمّن خصوصيتين هما أصل الوقوف وكون الوقوف على طهارة وكلاهما أفيد بأمر واحد حيث قيل ( أصبح على طهرٍ ) وحمله بلحاظ إحدى الخصوصيتين على الاستحباب وبلحاظ الخصوصية الثانية على اللزوم قد لا يكون شيئاً عرفياً . ولو قطعنا النظر عن كل هذا فنقول إن الرواية لم تقل ( أصبح على طهرٍ من الفجر ) حتى يتم ما أريد وإنما قالت:- ( أصبح على طهرٍ بعدما تصلي الفجر فقف إن شئت ... ) وهذه إن لم توحي بكون الوقوف الواجب هو من بعد صلاة الفجر فلا أقل هي مجملة من هذه الناحية واستفادة أن البداية هي من طلوع الفجر شيءٌ مشكل.
 الوجه الثالث:- ما دلَّ على ثبوت الرخصة للخائف وللنساء ونحوهما في الإفاضة ليلاً كما في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( رخَّص رسول الله صلى الله عليه وآله للنساء والصبيان أن يفيضوا بليلٍ ) [3] ، ولعله يوجد غيرها أيضاً ، وقد تمسك بها السيد الحكيم(قده) قائلاً:- ( إنها ظاهرة باختصاص الرخصة بهم لا غير ) [4] ، وممن تمسك بها بنحو المؤيّد دون الدليل السيد الخوئي(قده) حيث جاء في عبارة التقرير:- ( فإن المستفاد من هذا الترخيص لهؤلاء المذكورين هو وجوب الوقوف بالمشعر فيما بين الطلوعين لغيرهم ).
 وفيه:- إن العبارة المذكورة مجملة من هذه الناحية فكما يحتمل أن الواجب هو من بداية طلوع الفجر يحتمل أن الواجب هو من قبل ذلك أو من بعده فيحتمل أن الواجب هو من قبل طلوع الفجر وهؤلاء رُخِّصوا في الإفاضة باعتبار أنهم وقوفوا جزءاً من الليل فأتوا بالمسمّى وأما غيرهم فلا يجوز له ذلك ، ويحتمل أن الواجب هو من بعد طلوع الفجر ولكن رُخِّص هؤلاء في أن يقفوا في الليل قليلاً كموقفٍ اضطراري خاص بهم أو كوقفٍ اختاري لهم بالخصوص - أي للمعذور فإن موقفه الاختياري يشرع من الليل - إن كل هذا محتمل والترخيص في الإفاضة من الليل يلتئم مع كل ما ذكرناه ، وعليه فاستفادة أن الوجوب يشرع من حين طلوع الفجر أمر مشكل . والغريب أنهما لم يذكرا تقريباً لذلك.
 الوجه الرابع:- التمسك بالوجه الذي كنّا نشير إليه مراراً وهو أن المسألة عامة البلوى وفي مثلها ينبغي أن يكون الحكم واضحاً ، وحيث أن صاحب المدارك ادعى الاجماع على أن البداية هي من طلوع الفجر فيثبت أن الموقف الشرعي هو ذلك إذ لا يحتمل أن يكون الموقف الشرعي شيئاً آخر - بأن تكون البداية من الليل أو من بعد طلوع الفجر - ورغم ذلك يتفق الفقهاء على أن البداية هي من طلوع الفجر إن هذا شيء بعيد بحساب الاحتمال فيتعين أن تكون البداية من طلوع الفجر ، ولعل هذا هو أحسن الوجوه المذكورة لو تمت أصوله الموضوعية التي منها أن الفقهاء قد أجمعوا على كون البداية هي من طلوع الفجر ، ولكن المنقول عن صاحب لدروس أنه يرى أن البداية هي من الليل ومخالفة هذا الواحد قد لا تؤثر على الاجماع أو الشهرة في المسألة ، ولكن نقل الشيخ النراقي(قده) في مستنده قائلاً:- ( خلافاً للمحكي عن الدروس فجعل الوقت الاختياري ليلة النحر إلى طلوع الشمس ونسبه بعضٌ إلى ظاهر الأكثر ) [5] فإن صاحب الدروس جعل البداية ليلية النحر - أي من الليل - والنهاية طلوع الشمس ثم نقل عن بعضٍ أنه نسب إلى ظاهر الأكثر ذلك - يعني أن البداية هي من الليل - فإن هذه النسبة إلى الأكثر تجعلنا من المترددين في النسبة إلى المشهور فهل المشهور ما نقله عنهم صاحب المدارك وأنهم أجمعوا على كون البداية هي طلوع الفجر أو أن المشهور هو ما نقله هذا البعض عن ظاهر الأكثر من أن البداية هي الليل فلأجل هذا التردد في تشخيص رأي المشهور نتوقف في هذا الوجه وإلا فلو فرض النسبة إلى المشهور بنحوٍ قاطع - يعني أنها من طلوع الفجر - لكان هذا الوجه أحسن الوجوه.
 القول الثاني:- إن البداية هي من الليل وليس من طلوع الفجر ، وقد صار إلى ذلك الشهيد في الدروس حسب نقل الشيخ النراقي ، بل نسبه بعض على ما ذكر النراقي إلى ظاهر الأكثر ، وقال صاحب الجواهر:- ( لكن عن بعضهم أن وقت الاختيار من ليلة النحر إلى طلوع الشمس من يومها ) [6] . إذن هو قد نسب إلى بعضٍ من دون تشخيص أن البداية هي من الليل والظاهر أنه أخذ ذلك من كشف اللثام حيث قال الفاضل الهندي ما نصّه:- ( وقيل من أول ليلة النحر إلى طلوع الشمس إلّا أن على مُقدِّمِه على الفجر دم شاة ) [7] .
 وعلى أي حال ما هو الدليل على هذا القول ؟
 والجواب:- قد يتمسك له تارةً بصحيحة مسمع كردين ، وأخرى رواية هشام بن سالم وغيره ، وثالثة بإطلاق ما دلَّ على أن من أدرك المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج.


[1] المدارك، ج7، ص423.
[2] الوسائل، ج14، ص20، ب11 من أبواب الوقوف بالمشعر ح1.
[3] الوسائل، ج14، ص،28، ب17 من أبواب الوقوف بالمشعر ح3.
[4] دليل الناسك، ص340.
[5] مستند الشيعة، ج12، ص237.
[6] الجواهر، ج19، ص70.
[7] كشف اللثام، ج6، ص79.