38/11/28


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/11/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 37 ) حكم الضرائب – المكاسب المحرمة.

وكيف نجمع بين هاتين الطائفتين ؟

إنه يحتاج إلى إلقاء نظرة جيدة على الروايات حتى نلاحظ كيف الجمع ، أما التي دلت على اشتراط العزل فهي صحيحة أبي عبيدة وهي يوجد فيها ثلاثة أسئلة وفي السؤال الثاني ذكر هذا المطلب فقيل ( قيل له:- فما ترى في مصدّق يجيئنا فيأخذ منا صدقات أغنامنا فنقول بعناها فما تقول في شرائها ، فقال:- إن كان قد أخذها وعزلها فلا بأس ) مفهومها هو إنَّ لم يعزلها فلا ، هذا بالنسبة إلى الرواية الأولى الدالة على شرطية العزل.

وأما بالنسبة إلى روايات القبالة التي لا تشترط العزل فهي موثقة اسماعيل بن الفضل الهاشمي وهي تقول هكذا:- ( في الرجل يتقبل بجزية رؤوس الرجال وبخراج النخل والآجام والطير وهو لا يدري لعلّه لا يكون من هذا شيء أبداً و يكون أيشتريه وفي أي زمان يشتريه ويتقبل منه ؟ فقال:- إذا علمت أنَّ من ذلك أن شيئاً وحداً أنه قد أدرك فاشتره وقبل به ) ، إذن الرواية قالت إذا أدرك البعض كفى في شراء المجموع ، ومن الواضح أنها اشترطت ادراك البعض لأنَّ بيع غير المقدور على التسليم لا يجوز إلا مع الضميمة الحاصلة بالفعل فهذه ضميمة حاصلة بالفعل والحال أنَّ العزل ليس موجوداً والامام لم يقل لابد وأن تعزل فيدل ذلك على أنه تجوز القبالة - التي هي شراء - من دون عزل ، فدلالتها واضحة على المطلب فماذا نصنع ؟

نذكر في هذا لمجال ثلاث اجابات:-

الاجابة الأولى:- ما أشار إليه السيد الخوئي(قده) في المحاضرات[1] ، وحاصل ما أفاده: هو أنَّ الجابي الذي يأتي من قبل السلطان أقصى ما له من وظيفة هي أنه يجبي يعني يأخذ الضرائب ويرسلها إلى السلطان أما أنه يبيع قسماً منها أو كلّها فهذه ليست وظيفة له فلابد من المثبت ، فإذا أراد أن يبيع فلابد أن يثبت أنه مخوّل بالبيع ، ولا مثبت لهذا التخويل ، فإنَّ المثبت لا يخلو من أحد أمرين إما اليد أو أصالة الصحة - والمقصود المثبتات العامة أما المثبتات الخاصة فقد يكون أعطاه السلطان رسالة خاصة يخوله بذلك فهذا أيضاً طريق للإثبات ولكنه طريق خاص ولكن هو لو جاء وقبل بالبيع والشراء فنحن نريد مثبتاً عاماً وليس المثبت الخاص فإنه لو كان هناك مثبتاً خاصاً فسوف تنحل المشكلة ولكن نحن نريد مثبتاً عاماً الذي يمكن أن نحلّ المشكلة بواسطته - وكلاهما لا يمكن تطبيقه ، أما اليد فباعتبار أنه ليس صاحب يد بل هو الآن يريد أن يأخذ فلا يد له فهذه الضرائب لم تكن بيده لفترةٍ حتى الآن تصبح له يد ويصح الاستناد إليها في البين كلا بل المفروض أنه جاء الآن لكي يأخذها ويريد بيعها فهو لم يصر صاحب يد ، فعلى هذا الأساس قبل أن يأخذها بمجيئه لم يصر هو صاحب يد فاليد ليست موجودة حتى تثبت أنه مجاز في البيع ، كما أن أصالة الصحة لا يمكن تطبيقها فإنَّ أصالة الصحة إنما تجري فيمن كان له يد كما إذا فرض أن شخصاً كانت بيده دارة لفترة سنوات والدار ليست له فإذا أراد في يوم من الأيام بيعها فهل نشتري منه أو نتوقف ؟ نعم نشتري منه لأصالة الصحة ولكن هذه أصالة الصحة تامة بعد فرض أنه صاحب يد أما إذا فرض أن لم يكن صاحب يد يعني جاءنا شخص أراد أن يبيع دار الغير ومن الواضح إذا كان من أهل الهدى والصلاح فهذا بنفسه يورث الاطمئنان وهو ليس محل كلامنا بل جاءنا شخص وكانت الدرار ليست له ولا هو صاحب يد فهل نشتري منه ؟ كلا بل من قال أنه مخوّل في أن يبيع فلا هو مالك ولا صاحب يد فأصالة الصحة هنا لا يجزم بانعقاد سيرة العقلاء على الأخذ بها لأنَّ مدرك أصالة الصحة هو سيرة العقلاء في اثباتها للملكية وأنه مجاز في أنَّ يبيع ويتصرف والعقلاء إنما يحملون على الصحة مستنده هو السيرة وإنما جارية القدر منهاه إذا كانت الدار بيد الشخص لفترة أما لم يكن فلا نجزم وإنما عبر بـ ( لا نجزم ) ؟ لأنه يكفيني أن أقول لا نجزم ولا داعي لأن نصعّد اللهجة ونقول نجزم بعدم انعقاد السيرة بل قول لا نجزم بانعقاد السيرة في هذه الحالة ، فعلى هذا الأساس لا يمكن بأصالة الصحة ثبات أنه مخوّل والمفروض أنَّ الجابي ليس صاحب يد لأنه لم يأخذ لحد الآن بل هو الآن يريد أن يأخذ والآن يريد أن يصير صاحب يد فهو ليس صاحب يد فإذن ليست له يد مسبقة فبأصالة الصحة لا يمكن اثبات أنه مخوّل بعدما كان مدرك أصالة الصحة السيرة والقدر المتيقن منها من كان صاحب اليد ، فإذن هذا الجابي حينما يريد أن يبيع هو ليس صاحب يد وليس هناك أصالة صحة يمكن تطبيقها وهذا بخلاف ما إذا عزلها فإنه إذا عزلها صار صاحب يد فإذا صار صاحب يد حينئذ يحصل الثبوت لكونه مخوّل في البيع والمثبت هو كونه صاحب يد مضافاً إلى أصالة الصحة ، إذن الرواية اشترطت العزل هو في لحقيقة شرط على طبق القاعدة فإنَّ القواعد تقتضي ذلك وليست قضية تعبّدية.

إذن العزل ليس شرطًاً تعبدياً وإنما ليتحقق الثبت لكونه مجازا في البيع وإلا فجواز البيع ليس مشروطاً بالعزل وإنما الامام اعتبر العزل كطريق لإثبات انه مخوّل وإلا فالعزل ليس شرطاً تعبدياً فإذا عرفنا أنَّ هذا الجابي مخول جزماً أو هو نفس السلطان يريد أن يبيع فحينئذٍ لا نحتاج إلى عزل فإنَّ العزل معتبر لأجل هذه النكتة وهي لإثبات أنه صاحب يد حتى يكون هنا مثبت لكنه مخولاً بالبيع.

وفيه:-

أوّلاً:- إنَّ العزل يمكن أن يقال لا تتحقق به اليد بجرّده فلو فرض أنه عزله في الزاوية فبمجرد أن وضعه في الزاوية صار صاحب يد ؟ إنَّ هذا يصعب الالتزام به ، ولو سلّمنا أنه بالعزل يصير صاحب يد فهو يحتاج في صيرورته صاحب يد إلى مضي فترة عرفية كيوم أو يومين أو عشرة أيام مثلاً أما بلحظة واحد فلا يصير الانسان صاحب يد عرفاً لأنَّ مدرك حجية اليد كأصالة الصحة هو سيرة العقلاء فهو لا يصير صاحب يد بمضي لحظات كما لو فرض أني جئت في يوم من الأيام قد لبست خامتاً جديداً فبمجرد لبس هذا الخاتم في أوّل يوم هل أصير صاحب يد ؟ كلا بل لابد من مضي فترة على ذلك لا أنه بدقيقتين يصير صاحب يد ، فإذن العزل بمجرده لا يحقق اليد ولو سلّمنا أنه يحقق اليد فدلالة اليد إنما تحتاج إلى مضي فترة حتى تكون هذه يد ظاهره في الملكية وظاهرة في التخويل والمفروض أنَّ الرواية قالت بمجرد العزل يجوز الشراء منه بلا حاجة إلى مضي فترة ، فإذن هذا حكم لا يمكن تخريجه على طبق القاعدة كما أراد السيد الخوئي(قده).

ثانياً:- إنَّ الرواية الشريفة يمكن أن نستفيد منها بمقتضى الاطلاق أنه حتى لو جزمنا بتخويل السلطان له - كأن أتى لنا بورقة فيها تخويل من قبل السلطان - فمقتضى الرواية لا يجوز لأنّ العزل ليس موجود وقبل العزل لا يجوز الشراء منه ، فإذا قلنا الرواية تدل بمقتضى اطلاقها على عدم الجواز فهذا يكون دليلاً على أنَّ العزل لم يؤخذ كطريق لإثبات التخويل فإن الرواية بمقتضى اطلاقها هو أنه حتى لو كان مخوّلاً جزماً في صحة البيع يلزم العزل.

هذا كلّه فيما أفاده(قده) في المحاضرات.

الاجابة الثانية:- ما ذكره في مصباح الفقاهة[2] ، وحاصل ما أفاده:- هو أنه قبل أن يعزل مقدار الحق يكون باقياً على ملك صاحبه وبالعزل يخرج عن ملكه فقبل العزل يكون باقياً على ملكه ومادام باقياً على ملكه فلا يجوز له أن يشتريه وإلا كان شراؤه شراءً لملكه وهذا غير ممكن فلذلك الرواية اشترطت العزل حتى يتحقق بذلك الخرج عن ملكه.

وفيه:- إنَّ الرواية تدل على عدم جواز الشراء حتى إذا كان شراءً للكلّي وليس للشخص المعيّن والحال أن الكلّي خارج عن ملك الدافع لأنه بمجرد أن حلّ وقت الزكاة يخرج من ملكه مقدار الزكاة الذي هو العشر أو نصف العشر فهو حينئذٍ يشتري ذلك العشر الخارج عن ملكه وهذا حينئذٍ لا يكون شراءً لملكه بل يكون شراء شيء خارج عن ملكه ومقتضى اطلاق الرواية أنه قبل العزل لا يجوز حتى بنحو شراء الكلّي ، فما فرضه يتم لو أراد أن يشري الشخص والحال أنه قبل العزل هو يريد أن يشتري الكلّي ، فأصلاً لعلّه لا نحتاج إلى الاطلاق فإنه قبل العزل يكون الشراء للكلي والكلي خارج عن ملكه ولذلك بمجرد تحقق وقت وجوب الزكاة يصير المال مشاعاً يعني قسم منه للمالك وقسم منه لغير المالك فحينئذٍ هذا المالك يشتري ذلك القسم الذي خرج من ملكه والرواية لم تجوز ذلك واشترطت العزل.

الاجابة الثالثة:- وهي لم يذكرها أحد ولكنها قد تخطر في الذهن وهي أن نقول إنَّ الرواية اشترطت العزل حتى يتعيّن مقدار المبيع لأنَّ من أحد شراط البيع المعلومية ولا يصير معلوماً إلا بالعزل.

والجواب قد اتضح:- وهو أنَّ المفروض أنه قبل العزل هو يريد أن يشتري الكلّي لا الشخصي فلا تشترط المعلومية فإنَّ الكلي معلوم مقداره فيجوز شراء الكلي قبل العزل حينئذٍ بلا حاجة إلى عزل.

فإذن هذه الاجابة باطلة أيضاً فبقينا بلا اجابة فماذا نصنع ؟


[1] محاضرات في الفقه الجعفري، الخوئي، ج1، ص678.، ايضاً ذكه في مصباح الفقاهة ولكن عبارته هنا أوضح.
[2] موسوعة السيد الخوئي( مصباح الفقاهة)، الخوئي، تسلسل35، ص816.