39/01/24


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/01/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 39 ) حكم جوائز الظالم – المكاسب المحرّمة.

قضية ظريفة:- ذكرنا فميا سبق أن الآخذ للجائزة المغصوبة من الظالم إذا كان يعلم بغصبيتها كما هو محل الكلام فمتى ما أخذها بنية الرد فجماعة من الفقهاء جوزا ذلك كالشيخ الأعظم(قده) بل قالوا لا ضمان إذا تلتف لأنه محسن فتكون في يده أمانة شرعية ، ووافقه على ذلك جملة من الفقهاء مثل السيد الخوئي(قده) وغيره ، والذي نريد ان نقوله:- إنَّ قولهم ( لأنه محسن ) اشارة إلى الآية الكريمة ﴿ ما على المحسنين من سبيل ﴾ يراد بذلك نفي الضمان بل لعلّه أيضاً يراد اثبات جواز الأخذ تكليفاً لأنه محسن والاحسان جائزٌ ، فكلا الحكمين ليس من البعيد يريد الأعلام اثباتهما بالآية الكريمة.

والذي نريد أن نقوله:- لو رجعنا إلى الآية الكريمة قد نجدها بعيدة عن قضية الضمان وإنما هي ناظرة إلى قضية أخرى وهي نفي العقوبة فلاحظ الآية الكريمة فإنها تقول :- ﴿ ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله رسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم ....... إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء ﴾[1] ، إنَّ قوله عزّ من قائل ﴿ ما على المحسنين من سبيل ﴾ في هذا المكن يعني بملاحظة ما قبله وما بعده يفهم منه أن أصحاب الأعذار إذا كانوا يحبون الجهاد والذهاب مع النبي للغزو والجهاد وهدفهم ونيتهم كانت نيّة صادقة ولكن لم يتمكنوا فعبرت الآية عنهم بالمحسنين ثم قالت ﴿ ما على المحسنين من سبيل ﴾ ثم قالت بعد ذلك ﴿ إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء ﴾ يعني يكذبون أما هؤلاء فهم صادقون ، فبقرينة ما سبق وما لحق ليس من البعيد أن نفهم أنَّ السبيل يراد به خصوص العقاب والمؤاخذة والاثم واللوم فهؤلاء ليسوا مأثومين ولا معاقبين ماداموا صادقين في عدم تمكنهم إنما المؤاخذة تصير على من يتكن من الخروج وعنده ما يحمله ولكنه لا يخرج ويقول أنا لا أتمكن كذباً وزوراً .

فإذن الآية ليس من البعيد أنها في وادي نفي العقوبة والعقاب والعتاب هذا من زاوية ، وربما يقال أيضاً هي مختصة بمسألة الجهاد والغزو.

فإذن من ناحيتين هي لا تنفعنا ، ولا أقل - ويكفينا هذا المقدار - السبيل هنا القدر المتيقن منه هو العقاب أما نفي الضمان فيشكل استفادته من الآية الكريمة لأنها ليست في هذا الصدد والمقام بل هي في مقام عالم العقوبة يعني ليست عليهم عقوبة ، فالسبيل يقصد منه العقوبة فاستفادة الضمان من الآية الكريمة كما جرت عليه عادة الفقهاء أمر مشكل ومحل كلام ، وهذه قضية يجدر الالتفات إليها.

نعم توجد آية خرى لعلّها أحسن من هذه الآية يمكن التمسّك بهاه لإثبات الضمان أعني وقوله تعالى ﴿ هل جزاء الاحسان إلا الاحسان ﴾[2] فهي تقول ليس جزاء الاحسان إلا الاحسان فحينئذٍ مقتضى ذلك لا عقوبة ولا ضمان مادام قد صدق عنوان الاحسن ، وهذه الآية لا توجد أمامها مشكلة فتصير بديلاً عن تلك الآية الكريمة ، وهذه قضية ظريفة يجرد الالتفات إليها.

ولكن كما قلنا سابقاً إنَّ هذا على ما أشرنا إليه سابقاً مشكل ، فإننا فيما سبق قلنا إنَّ عنوان الاحسان والمحسن يشك في صدقه في مورد عدم الجزم برضا المالك بالأخذ خلافاً للشيخ الأنصاري(قده) ومن تبعه ، وعليه فلا يمكن التمسّك لا بتلك الآية ولا بهذه الآية لإثبات جواز الأخذ ولنفي الضمان ، لأنَّ صدق الاحسان محل كلام ، فهل هناك من طريق آخر لنفي الضمان ؟

وربما يقال:- والقائل هو الشيخ النائيني(قده) وهو أن يقال إنَّ مستند أصل الضمان ما هو ؟ هو ( على اليد ما أخذت حتى تؤدي ) وعنوان ( أخذت ) مشرّب ومستبطن لما إذا فرض أنَّ الأخذ كان بنحو الاستيلاء والقهر لا ما إذا كان بنيّة الردّ فإنَّ هذا ليس أخذاً[3] فقال:- ( إنَّ عموم على ليد يختص بما إذا كان الأخذ عن قهر واستيلاء على المالك لا مجرد الصول مع الجهل ) فإذا قيل هذا فله وجه.

ولكن يرد على هذا اشكالان:-

الأوّل:- إنَّ عهدت هذه الدعوى عليه - وهي أن عنوان ( أخذت ) مستبطن للاستيلاء والقهر - ، فإذن دعوى أن عنوان ( أخذت ) لا يصدق إلا في مورد القهر هذا أوّل الكلام ولكن هذه قضية عرفية.

الثاني:- إنَّ الشيخ النائيني(قده) في الكثير من الموارد يتمسّك بقاعدة على اليد والحال أننا ذكرنا أكثر من مرة أنَّ هذه القاعدة لم ترد في كتبنا الحديثية ، يعني حتى إذا قلنا بكبرى الجابرية وأن الرواية الضعيفة تنجبر برواية الأصحاب في كتبهم الحديثية - يعني شهرة روائية - ولكن موردنا ليس من هذا القبيل بل هي موجودة في مجاميع العامة ويروونها عن الحسن البصري عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم[4] [5] ، وعلى أيّ حال سنداً هي ضعيفة خصوصاً سمرة بن جندب وكذلك الحسن البصري.

فإذن الرواية ضعيفة السند فالتمسّك بتعابيرها محل إشكال وأنها عبّرت هكذا ولم تعبر هكذا فإنَّ هذا مشكل لأنه لم تثبت أنها رواية معتبرة حتى يتمسك بألفاظها وتعابيرها ، أجل هناك طريق آخر يمكن أن يكون بديلاً عن هذه الرواية وهي أن نقول إنَّ سيرة العقلاء والارتكاز العقلائي جرى على أنَّ من يأخذ أموال الآخرين من دون رضاهم يكون ضامناً فالضمان ثابت بالسيرة وبالارتكاز العقلائي والقدر المتيقن من هذا الارتكاز هو حالة الأخذ لا بنيّة الرد أما إذا أخذه من الظالم تحفظاً عليه ليسلّمه إلى صاحبه فيشك في سعة الارتكاز والسيرة فحينئذٍ ينفى الضمان من باب القصور في المقتضي لا أنَّ عنوان الأخذ مشروط بكذا أو لقاعدة ﴿ ما على المحسنين من سبيل ﴾ فإنا قلنا إنَّ ذلك لا يمكن التمسّك به لأنَّ صدق الاحسان محل كلام وإنما نتمسك لنفي الضمان بما أشرنا إليه.

والنتيجة من كل ما ذكرناه:- اتضح أنه من حيث الحكم التكليفي على ما اخترناه يشكل الحكم بالجواز لأنَّ عنوان الاحسان يشك في صدقه مادام لا يحرز رضا المالك حتى لو كان الأخذ بنيّة الرد ، نعم من حيث الحكم الوضعي - الذي هو الضمان - فدليل الضمان الذي هو السيرة والارتكاز لا نجزم بسعته لمثل هذه الحالة.

الاكراه على الأخذ:-

فيما سبق كنا نفترض أنَّ الظالم يقدم الجائزة إلى المكلف والمكلف ليس مكرهاً على أخذها وكان الكلام أنه إذا أخذها بنية الرد وهو يعلم بأنها غصب فهل يجوز أو لا يجوز وهل هو ضامن أو لا وقد عرفنا النتيجة ، أما الآن فنريد أن نقول إذا كان المكلف مكرهاً يعني أن الظالم كان يكرهه على الأخذ فالسؤال حينئذٍ مرة عن الحكم التكليفي وأخرى عن الحكم الوضعي، أما بالنسبة إلى الحكم لتكليفي - يعني جواز الأخذ – فلا إشكال فيه لأنه مكره فنتمسّك بعموم حديث نفي الاكراه فحينئذٍ ترتفع الحرمة التكليفية.

إن قلت:- إن حديث نفي الاكراه وارد مورد الامتنان وجواز الأخذ هو حكم على خلاف المنّة على المالك المغصوب منه ؟

قلت:- وأيُّ خلاف منَّة !! فأنا المفروض أني آخذها بنيّة الرد والحافظة وهذا ليس مخالفاً للمنة .

وأما بالنسبة إلى الضمان فقد يقال:- إنَّ رفع الضمان يخالف المنّة لأنَّ المالك سوف يتضرر والمفروض أنه حديث امتناني ؟

قلت:- نحن حينما نرفع الضمن نرفعه عن الآخذ ولكنه يبقى الضمان على المكرِه وهو الظالم ، فبالتالي الضمان لا يرتفع من الأساس وإنما يرتفع عن الآخذ مع بقائه على الالم الجائر فلا يلزم بذلك خلف المنّة.

إن قلت:- إنَّ حديث نفي الاكراه يناظر إلى الأدلة الشرعية ويرفع مضمونها وفي موردنا الدليل ليس شرعياً لأنَّ المدرك للضمان عندنا ليس هو قاعدة على اليد حتى يقال هي دليل شرعي وإنما المستند هو السيرة وهي ليست دليلاً شرعياً وإنما هي من خلال الامضاء تكشف عن حكم شرعي لا أنها بنفسها دليل شرعي وحديث نفي الاكراه يختص بكونه ناظراً إلى الأدلة الشرعية.

قلت:- إنَّ حديث نفي الاكراه وكذا كل حديث على هذا المنوال مثل حديث لا ضرر وما شاكل لك هو يختص برفع الأحكام الشرعية أما أن المستند يلزم أن يكون شرعياً فهذا ليس من اللازم وإنما اللازم أن يكون الحكم شرعياً لأن هذا الرفع - ( رفع عن امتي ما استكرهوا عليه ) - رفع شرعي والرفع الشرعي لا يكون إلا للحكم الشرعي ، أما أنَّ مستند الحكم الشرعي يلزم أن يكون دليلاً شرعياً فهذا لم يثبت ، فعلى هذا الأساس لا بأس بالتمسّك بحديث نفي الاكراه لإثبات نفي الضمان على الآخذ مادام ذلك بقصد الرد.

هذا ويمكن أن نضيف ونقول:- إنَّ بالإمكان التمسّك بفكرة القصور في المقتضي كما أشرنا ، فإنَّ متقضي الضمان كما أوضحنا هو السيرة والقدر المتيقن منها غير هذه الحالة ، إذ المفروض في حالتنا أنَّ الأخذ هو بنحو الاكراه وبنيّة الرد ومادام كذلك فلا يجزم بانعقاد السيرة على الحكم بالضمان ، فننفي الضمان من باب عدم المقتضي وليس من باب وجود المانع أعني حديث رفع ما استكرهوا عليه.

والنتيجة من خلال ما ذكرناه:- إنَّ الحكم التكليفي هنا مرتفع إذا المفروض وجود الاكراه فيرتفع بحديث نفي الاكراه ، والحكم الوضعي يرتفع أيضاً بوجهين الوجه الأوّل حديث نفي الاكراه بالبيان المتقدّم والوجه الثاني القصور في المقتضي ، فإنه حتى لو قلنا عن حديث نفي الاكراه يختص بالنظر إلى الأدلة الشرعية ولا يكفي أن يكون الحكم شرعياً بل يلزم أن يكون الدليل شرعياً مع ذلك يمكن أن ننفي الضمان لأنَّ مدرك الضمان قاصر عن الشمول لمثل هذه الحالة.


[3] هذا ما افاده في منية الطالب بكلام له بالمناسبة فيمكن أن نجعله دليلاً على نفي الضمان، ج1، ص63.
[4] سنن البيهقي، البيهقي، ج6، ص90، من بواب كتاب العارية.
[5] كنز العمال، ج5، ص257.