36/01/15


تحمیل
الموضوع: الصوم : المفطرات, الثامن , البقاء على الجنابة عمدا
والظاهر ان هذا الامر من الامور المسلمة ولذا قيل انه على الاظهر والاشهر في الحرمة والقضاء والكفارة بمعنى ان تعمد البقاء على الجنابة حتى مطلع الفجر يوجب القضاء بل يوجب الكفارة مضافا الى الحرمة التكليفية , هذا هو الاظهر والاشهر كما في المستند واضاف بل بالإجماع كما عن الانتصار والخلاف والسرائر والغنية والوسيلة والتذكرة والمنتهى ؛ وفي الجواهر ان المشهور شهرة عظيمة كادت ان تكون اجماعا بل هي كذلك ؛ نعم نسب الخلاف الى الصدوقين من المتقدمين والكاشاني والاردبيلي والداماد من المتأخرين .
وقد نسب الخلاف الى الشيخ الصدوق بأعتبار انه في المقنع اورد رواية ظاهرها الدلالة على جواز تعمد البقاء على الجنابة حتى طلوع الفجر وبضميمة ان طريقته في المقنع هو الافتاء بمتون الاخبار التي ينقلها يثبت ان هذا الرأي هو رأيه؛ وعلى كل حال فالروايات الدالة على المنع وكون تعمد البقاء على الجنابة مفسد للصوم كثيرة لكن في مقابلها ايضا هناك ادلة استدل بها على عدم المبطلية وعدم الافساد وعلينا ان نستعرض ادلة هذا القول وادلة القول الاخر كما هي العادة فالروايات التي ادعى ظهورها في الافساد عديدة منها
صحيحة أبي بصير (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثم ترك الغسل متعمدا حتى أصبح، قال : يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكينا، قال : وقال : إنه حقيق إن لا أراه يدركه أبدا )[1]. أي انه لا يدرك الصوم حتى وان فعل هذه الاشياء, والرواية صريحة في ترتب الكفارة على هذا الفعل وهي دليل على ان هذا الفعل يبطل الصوم ويكون موجبا لفساده وترتب الكفارة جُعل دليلا على ذلك .
ومنها رواية سليمان بن جعفر المروزي(عن الفقيه ( عليه السلام ) قال : إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل ولا يغتسل حتى يصبح فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم، ولا يدرك فضل يومه .)[2] وقد تكلمنا عن سليمان بن حفص المروزي سابقا ولم نصل الى نتيجة التوثيق ولا داعي للتكرار .
وهذه الرواية تدل على وجوب القضاء مضافا الى الكفارة وبالرغم من ذلك فهو لا يدرك فضل ذلك ا ليوم .
ومنها رواية إبراهيم بن عبدالحميد ( عن بعض مواليه قال : سألته عن احتلام الصائم ؟ قال : فقال : إذا احتلم نهارا في شهر رمضان ( فلا ينم ) حتى يغتسل، وإن أجنب ليلا في شهر رمضان فلا ينام إلا ساعة حتى يغتسل، فمن أجنب في شهر رمضان فنام حتى يصبح فعليه عتق رقبة، أو اطعام ستين مسكينا، وقضاء ذلك اليوم، ويتم صيامه ولن يدركه أبدا .)[3]
والرواية غير تامة سندا بالإرسال اولا وبعبدالرحمن بن عبد الحميد ثانيا لأنه لم تثبت وثاقته .
والشاهد في الرواية في قوله ( فنام حتى يصبح فعليه عتق رقبة، أو اطعام ستين مسكينا، وقضاء ذلك اليوم، ويتم صيامه ولن يدركه أبد) حيث ان ظاهره تعمد النوم الذي يعني تعمد البقاء على الجنابة .
هذه هي كيفية الاستدلال بالروايات ؛ وهذه الروايات الثلاثة تتميز في انها واردة في محل الكلام ( تعمد البقاء على الجنابة حتى طلوع الفجر ) وتدل على مبطلية ذلك للصوم بل على ترتب الكفارة عليه كما ذكر في بعضها .
وهناك روايات اخرى يستدل بها على المبطلية والافساد في محل الكلام ولكنها لم ترد بالنص وانما يفهم منها ذلك من قبيل ما ورد في من تعمد النوم جنبا حتى طلوع الفجر وان عليه القضاء بل الكفارة ايضا .
ومنها صحيحة ابن أبي يعفور (قال : قلت لابي عبدالله ( عليه السلام ) : الرجل يجنب في شهر رمضان ثم يستيقظ ثم ينام حتى يصبح ؟ قال : يتم يومه ويقضي يوما آخر، وإن لم يستيقظ حتى يصبح أتم يومه وجاز له .)[4]
والاستدلال يقع في عبارة (يقضي يوما اخر ) وهذا يعني ان اليوم الذي صامه لا يكون مقبولا ولا يكون معتبرا وعليه فلابد من ان يقضي يوما اخر بدل ؛ اما عبارة ( يتم صومه) فأنه يمكن تفسيرها بتفسيرات اخرى كما سيأتي .
ومنها موثقة سماعة بن مهران قال (: سألته عن رجل أصابته جنابة في جوف الليل في رمضان، فنام وقد علم بها ولم يستيقظ حتى يدركه الفجر ؟ فقال : عليه أن يتم صومه ويقضي يوما آخر . . . الحديث )[5].
ويستدل بهذه الرواية بعبارة (يقضي يوما اخر) على فساد الصوم ومبطلية ما فعله لصوم ذلك اليوم .
ومنها صحيحة محمد بن مسلم (عن أحدهما ( عليهما السلام ) قال : سألته عن الرجل تصيبه الجنابة في رمضان ثم ينام قبل أن يغتسل ؟ قال : يتم صومه ويقضي ذلك اليوم، إلا أن يستيقظ قبل أن يطلع الفجر فإن انتظر ماء يسخن أو يستقي فطلع الفجر فلا يقضي يومه .)[6]
ومنها صحيحة الحلبي (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) انه قال في رجل احتلم أول الليل، أو أصاب من أهله ثم نام متعمدا في شهر رمضان حتى أصبح، قال : يتم صومه ذلك ثم يقضيه إذا أفطر من شهر رمضان ويستغفر ربه .)[7]
ففيها ان الرجل نام متعمدا وقلنا ان تعمد النوم يعني تعمد البقاء على الجنابة وهذه الروايات كلها ادلة تدل على المبطلية وفساد الصوم. .
وهناك طائفة اخرى من الروايات تدل على ان من بقى على الجنابة ناسيا حتى مضى الشهر كله او بعضه يجب عليه القضاء , ويمكن الاستدلال بها على البطلان وفساد الصوم اذا تعمد البقاء على الجنابة بالاولوية , لأنه لو نسي الجنابة يجب عليه القضاء فمن باب اولى يجب عليه القضاء في حال البقاء عمدا , سنقرأها لاحقا .
وهذه الروايات هي عمدة الروايات التي يُستدل بها على القول المشهور وهو البطلان وفساد الصوم ؛ وفي مقابل ذلك اُستدل على الجواز وعدم المبطلية بأدلة من الكتاب ومن السنة فمن الكتاب استدل بقوله تعالى﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ... [8]
وقد اُستدل بفقرات من هذه الآية منها (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ) فقالوا مقتضى اطلاق هذه الآية جواز الرفث في كل جزء من الليل حتى الجزء الاخير المتصل بالفجر ومن الواضح ان هذا الامر ينافي وجوب تقديم الغسل على الفجر وبعبارة اخرى ان هذا يقتضي جواز البقاء على الجنابة الى مطلع الفجر .
ومنها قوله تعالى (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ ) فأن مقتضى ذلك هو جواز المباشرة حتى يتبين الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر الذي هو كناية عن طلوع الفجر ؛ ولو فرضنا حرمة البقاء على الجنابة الى طلوع الفجر لحرمت المباشرة عند عدم امكان الغسل في الجزء القريب من طلوع الفجر .
ويجاب عن هذا الاستدلال كما هو مذكور ان ظاهر الآية ليست مسوقة لبيان هذا الموضوع لكي يُتمسك بأطلاقها ؛ وانما هي واردة لبيان جواز اصل الرفث في الليل في قبال عدم جوازه في ا لنهار ؛ وبعبارة اخرى لو ثبت بدليل انه لا يجوز الرفث في الجزء الاخير من الليل فأنه لا ينافي قوله تعالى أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ لأن الآية ليست في مقام بيان الاوقات التي يجوز فيها الرفث وانما هي في مقام بيان جواز اصل الرفث في الليل في مقابل عدم جوازه في النهار .
كما ان الغاية التي ذكرت في قوله تعالى (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) فقد قالوا انه يمكن القول برجوعها الى الجملة الاخيرة (وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ) أي انه يمكن الاكل والشرب الى الجزء الاخير من الليل وليس الغاية للمباشرة بحيث يمكن المباشرة الى طلوع الفجر ؛ وهذا الكلام مبني على القاعدة في المورد الذي يكون فيه احتمال رجوع (حتى ) الى جمل متعددة او الى خصوص الجملة الاخيرة فأن القاعدة في مثل المقام هو رجوعها الى الجملة الاخيرة ويكون رجوعها الى بقية الجمل على سبيل الاحتمال ؛ فالمتيقن هو رجوعها الى الجملة الاخيرة .
هذا بالنسبة الى ما استدل به من الكتاب وقد استدل ايضا من السنة بروايات لعل اهمها صحيحة الخثعمي (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يصلي صلاة الليل في شهر رمضان ثم يجنب ثم يؤخر الغسل متعمدا حتى يطلع الفجر . )[9]
وحبيب الخثعمي ثقة بلا اشكال حيث عبر عنه النجاشي بأنه ثقة ثقة والرواية معتبرة سندا حيث ان جميع الرجال المذكورين في السند ثقات .
والرواية صريحة في الجواز في محل الكلام كما انها تشعر بأن هذا العمل كان ديدن النبي صلى الله عليه واله ولم يكن قد صدر منه مرة واحدة فقط .
والرواية الثانية هي صحيحة العيص بن القاسم (قال : سألت أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن رجل أجنب في شهر رمضان في أول الليل فأخر الغسل حتى طلع (1) الفجر ؟ فقال : يتم صومه ولا قضاء عليه . )[10]
وهناك رواية اخرى للعيص بن القاسم ايضا (أنه سأل أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن الرجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ثم يستيقظ ثم ينام قبل ان يغتسل ؟ قال : لا بأس )[11]
بدعوى انه ينام قبل ان يغتسل أي انه تعمد البقاء على الجنابة .
ومن الروايات ايضا رواية أبي زينبة (قال : كتبت إلى أبي الحسن موسى بن جعفر ( عليه السلام ) أسأله عن رجل أجنب في شهر رمضان من أول الليل فأخر الغسل حتى طلع الفجر ؟ فكتب ( عليه السلام ) إلي بخطه أعرفه مع مصادف : يغتسل من جنابته، ويتم صومه ولا شيء عليه )[12]
وسليمان بن ابي زينبة مجهول لكنه روى عنه بعض الثلاثة وهذا يكفي في توثيقه كما في نفس هذا السند حيث يروي عنه صفوان بن يحيى مباشرة ؛ وهذا بناء على وثاقة النوفلي الواقع في هذا السند فتكون الرواية معتبرة والا فلا تكون كذلك .
ومنها مرسلة المقنع عن حماد بن عثمان،( أنه سأل أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن رجل أجنب في شهر رمضان من أول الليل وأخر الغسل حتى يطلع الفجر (1) ؟ فقال : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يجامع نساءه من أول الليل ثم يؤخر الغسل حتى يطلع الفجر، ولا أقول كما يقول هؤلاء الاقشاب[13]: يقضي يوما مكانه)[14]
ومنها رواية إسماعيل بن عيسى (قال : سألت الرضا ( عليه السلام ) عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان فنام حتى يصبح، أي شيءٍ عليه ؟ قال : لا يظره هذا ( ولا يفطر ولا يبالي )، فان أبي ( عليه السلام ) قال : قالت عائشة : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أصبح جنبا من جماع غير احتلام، قال : لا يفطر ولا يبالي، ورجل أصابته جنابة فبقي نائما حتى يصبح، أي شيء يجب عليه ؟ قال : لا شيء عليه، يغتسل . . . الحديث)[15]
ومنها صحيحة ابي سعيد القماط (أنه سئل أبو عبدالله ( عليه السلام ) عمّن أجنب في أول الليل في شهر رمضان فنام حتى أصبح ؟ قال : لا شيء عليه، وذلك أن جنابته كانت في وقت حلال )[16]
وهذه الروايات التي استدل بها على الجواز وعدم المبطلية كما ذكروا وقد اجيب عنها ؛ فصحيحة الخثعمي والتي هي اهم ما استدل بها على الجواز اجيب عنها بأن مضمونها غير قابل للتصديق فأن الظاهر من (كان ) الوارد في الرواية هو دوام النبي صلى الله عليه واله على هذا الفعل مع انه لا اشكال في كون هذا الفعل مرجوحا اذا لم نقل بأنه محرم والنبي صلى الله عليه واله لا يداوم على الامر المرجوح فأنه قد يصدر منه مرة كما قالوا لغرض بيان الجواز وعدم المنع مثلا ؛ اما المداومة على الامر المكروه والمرجوح فأنه مستحيل في حق المعصوم ولا يمكن فرضه في حقه عليه السلام ؛ ومن هنا يكون مضمون هذه الرواية غير قابل للتصديق ؛ ويؤيد ذلك ان الرواية الاخرى نسب الامام عليه السلام هذا الكلام الى عائشة وهذا يشعر بأن القضية فيها نوع من المداراة والتقية والا فلا داعي لنسبة الكلام الى عائشة , وعلى كل حال فالجواب عن هذه الرواية بأنها غير قابلة للتصديق فيتعين اما طرحها واما حملها على التقية خصوصا ان المشهور من مذهب العامة هو عدم مبطلية البقاء على الجنابة متعمدا في شهر رمضان كما سيأتي .



[13]الاقشاب : جمع قشب، وهو من لاخير فيه من الرجال.