01-12-1434


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/12/01

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مصرف الهدي/ حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 وفيه:-
 أما ما أفاده في الوجه الأول - أعني إلغاء خصوصيّة باب الزكاة وأنه حيث أنه لا يجوز دفع الزكاة لغير الأصحاب فنلغي الخصوصيّة من هذه الناحية - فيرد عليه:-
 أولاً:- إن إلغاء الخصوصيّة شيءٌ مشكلٌ فإن هذا يتنافى مع تجويز دفع الصدقة المستحبّة إليه - أي الذي هو ليس من أصحابنا - لأنه(قده) اعترف بأن الصدقة المستحبة يجوز دفعها إليه وقد دلّت على ذلك بعض الروايات من قبيل رواية ضريس بن عبد الملك عن أبي جعفر عليه السلام قال:- ( إن الله تبارك وتعالى يحب إبراد الكبد الحرّى ومن سقى كبداً حرّى من بهيمةٍ وغيرها أظله الله يوم لا ظلّ إلا ظلّه ) [1] ، وعلى منوالها موثقة اسحاق بن عمار عن جعفر عليه السلام عن أبيه عليه السلام:- ( أن علياً عليه السلام كان يقول:- لا يذبح نسككم إلا أهل ملّتكم ولا تصدّقوا بشيء من نسككم إلا على المسلمين وتصدّقوا بما سواه غير الزكاة على أهل الذمة ) [2] فأنه في هذين الحديثين جوّز التصدّق والاحسان والمعروف والدفع الى الكبد الحرّى من سقي ماءٍ أو شيءٍ آخر وجوّز الدفع الى أهل الذمّة فضلاً عن المسلمين . إذن مع وجود ما يدّل على جواز فعل المعروف والاحسان لغير أصحابنا كيف نجزم بإلغاء خصوصيّة عنوان الزكاة ونقول إن روايات باب الزكاة وإن وردت في خصوص باب الزكاة وتنهى عن دفعها لغير أصحابنا ولكن نلغي هذه الخصوصيّة بقرينة إن الغير ليس له إلا التراب - أو ليس له إلا الحجر - فكيف نلغي هذه الخصوصيّة ونقول نحن نفهم من هذه الروايات في باب الزكاة أن غير الأصحاب ليست لهم لياقة وأرضية للإحسان إليهم والحال أن هذه الروايات تجوّز ذلك ؟! وهو(قده) اعترف بجواز دفع الصدقة المستحبّة إليهم إن هذا يفهم منه أن الأهلية موجودة بلحاظ الجميع غايته قد يوجد مانع يمنع من الدفع والمانع قد وُجِدَ في باب الزكاة أما أن نجزم بأنه يفهم أن غير المؤمن ليست له أهلية للإحسان والمعروف فيشمل آنذاك حتى غير باب الزكاة كدفعِ شيءٍ من الهدي إليه فهو شيءٌ مشكل كما هو واضح.
 وثانياً:- ورد في الرواية المعتبرة - أعني موثقة هارون بن خارجة - عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( أن علي بن الحسين عليه السلام كان يطعم ذبيحته الحروريّة ، قلت:- وهو يعلم أنهم حرورية [3] ؟ قال:- نعم ) [4] ، إذن الامام السجاد كان يطعم من ذبيحته الحرورية وهم الخوارج الذين كانوا أعداءً لأهل البيت صلوات الله عليهم بشكلٍ واضح فكيف نفهم حينئذٍ أنه لا خصوصيّة لباب الزكاة وأن غير المؤمن لا أهلية له ؟!
 إذن اتضح أن إلغاء الخصوصيّة المذكورة في الوجه الأول شيءٌ مشكل.
 وأما بالنسبة الى الوجه الثاني - أعني الرواية التي نهت عن دفع الصدقة والزكاة الى غير المؤمن بعد الالتفات أن موردنا هو مصداق للصدقة فيرد عليه:-
 أولاً:- إن كون مقامنا من عنوان الصدقة هو أوّل الكلام فإن الآيتين الكريمتين عبّرتا بلسان ( فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ) أو ( وأطعموا القانع والمعتر ) فالمطلوب إذن هو عنوان الإطعام أما عنوان التصدّق فليس ثابتاً حتى نقول إن مقامنا هو مصداقٌ من الصدقة المنهيّ عن دفعها لغير أصحابنا وإنما هذا تعبير تداوله الفقهاء وإلا فهو ليس موجوداً في الآية الكريمة ولا في الروايات ، نعم يوجد في رواية واحدة - وهي موثقة العقرقوفي - التعبير بذلك حيث جاء فيها:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- سقت في العمرة بدنة فأين أنحرها ؟ قال:- بمكة ، قلت:- أي شيء أعطي منها ؟ قال:- كل ثلثاً وأهدِ ثلثاً وتصدّق بثلثٍ ) [5] فإنه ورد فيها التعبير بـ( وتصدّق بثلث ) ولكن نقول إن هذه الرواية ليس فيها ما يدلّ على كونها ناظرة الى الآيتين الكريمتين فإنه لم يرد فيها التعبير بالقانع والمعتر حتى نفهم منه أنها ناظرة الى الآيتين ولعل هذا حكم خاصّ بموردها - وأعني به سياق الهدي في باب العمرة الذي هو شيء إن كان ثابتاً فهو مستحب وإلا فلا يوجد في العمرة هديٌ فهذا الحكم نحتمل أنه خاصٌّ بالعمرة إذا سيق فيها الهدي ولا يمكن استفادة العموميّة منه وأن عنوان الصدقة منطبقٌ على الهدي في باب الحجّ أيضاً , إذن الجزم بأن مقامنا مصداقٌ لعنوان الصدقة هو أوّل الكلام.
 نعم رب قائل يقول:- إن الصدقة في اللغة تعني الإحسان فكل إحسانٍ للغير قُصِدَ به وجه الله عز وجل فهو صدقة وحيث أن الاطعام هو من هذا القبيل فهو إذن صدقة ، وعليه إذن لا يجوز الدفع والتصدّق على غير المؤمن من باب أن الإطعام في باب الحجّ هو مصداق للصدقة.
 قلت:- صحيح إن الصدقة لها هذا الاطلاق ولكن لها اطلاق آخر أضيق منه والذي يشهد بذلك هو نفس هذه الرواية فإنها جعلت الاهداء قسيماً للصدقة والحال أن الاهداء بهذا المعنى الوسيع للصدقة هو مصداقٌ من الصدقة فيظهر إذن وجود معنىً آخر أضيق للصدقة هو المقصود في المقام وهو لا ينطبق على الاطعام.
 وثانياً:- لو سلمنا أن الاطعام مصداق للصدقة ولكن نقول إن هذا الذي بُيّنَ وذُكِر يختص بثلثٍ من الهدي فإن ثلث الهدي هو صدقة وأما الثلث الثاني الذي هو عبارة عن الهديّة فلا ينطبق عليه عنوان الصدقة فلا مانع إذن من دفعه لغير المؤمن والحال أن دعواه(قده) أن الدفع لا يجوز لغير المؤمن سواء كان من حصّة الصدقة أو من حصّة الاهداء . إذن ما ذكره(قده) لا يتم في ثلث الاهداء.
 وعلى هذا الأساس يتضح من خلال ما ذكرناه أن الدفع لغير المؤمن لا دليل يمنع منه خصوصاً في لك الأزمنة التي قد لا يكون فيها تمييز واضح بين المؤمن وغيره الأمر الذي قد يوجب العسر ومادام لا مانع فلمناسب إذن هو الجواز.
 إن قلت:- كيف نثبت الجواز فإن نفي المانع لا يكفي لإثبات الجواز بل لابد من اثبات الجواز بدليلٍ فإن نفي المانع لا يثبت وجود المقتضي وتماميته ؟
 قلت:- إن المقتضي تامٌّ وهو إما اطلاق الآيتين الكريمتين ( وأطعموا البائس الفقير ) فإن عنوان البائس الفقير مطلقٌ وهكذا ( القانع والمعتر ) ولم يقيّد بالمؤمن فنتمسك بالاطلاق ، وبقطع النظر عن الاطلاق يكفينا أصل البراءة فإننا نشك هل اشتغلت ذمتنا بمطلق الاطعام أو بالإطعام المقيّد بأن يكون للمؤمن والثاني شكٌّ في اشتغالٍ زائد فأصل الاشتغال - وهو بالإطعام في الجملة - شيء متيقّن أما أن يكون إطعاماً للمؤمن بخصوصه فيشك في اشتغال الذمة به فتجري البراءة عنه.
 وقد ذكرنا غير مرّة أنه لا يتوهّم متوهّم أن المورد من موارد الاشتغال فإن الذي يريد أن يتمسك بالاشتغال يذهب الى عالم الامتثال ويقول نحن نشك هل الامتثال يتحقق بالدفع لغير المؤمن أو لا فنتمسك بالاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.
 ونحن نجيب فنقول:- نحن لا نذهب الى عالم الامتثال بل قبل أن نصل الى عالم الامتثال نذهب الى عالم شغل الذمة فإن عالم الامتثال فرع عالم شغل الذمة ونحن في عالم شغل الذمة نشك أن ذمتنا اشتغلت بالمقيّد - أي بإطعام المؤمن - بعد الجزم باشتغالها بأصل الاطعام في الجملة وعليّه فما اشتغلت ذمتنا به يقيناً وهو الاطعام في الجملة قد فرغت منه يقيناً - يعني بالدفع الى غير المؤمن - وما نشك في تحقق الامتثال به - وهو الدفع الى غير المؤمن - نشك في أصل اشتغال الذمة به فلا معنى لتطبيق قاعدة الاشتغال اليقيني.
 والخلاصة من كل هذا:- إنه لا ما نع من الدفع الى غير المؤمن ، نعم الاحتياط الاستحبابي شيء حسن مراعاة لخلاف بعض الفقهاء.
 الأمر الخامس:- ذكر(قده) أنه يجوز للحاج أن يأخذ الوكالة من شخصٍ فقير في بلده كما إذا كان الحاج من النجف الاشرف فيأخذ وكالة من فقيرٍ في النجف على أن يستلم عنه مقدار ثلثٍ ويوكّله الفقر أيضاً وكالةً أخرى في التصرف ويقول له أنت وكليلي أيضاً في أن تتصرف فيه ما شئت ، وهكذا بالنسبة الى ثلث الهديّة فيأخذ من أشخاص مؤمنين وكالتين بالشكل المذكور ، وقال(قده) إن هذا شيء جائز ، وقرّب ذلك بأنه مقتضى القاعدة ببيان أن التمليك والاعطاء من الأمور القابلة للوكالة إذ المطلوب هو تمليك الفقير والاعطاء والتسليم إليه وهذه العناوين قابلة للوكالة فإنا لو وكّلت شخصاً بأن يتملّك بالنيابة عنّي كان أمراً وجيهاً فإن التملّك عنوانٌ يقبل الوكالة وهكذا لو وكلّت شخصاً في الاستلام والقبض عني فإنه شيء وجيه لأن الاستلام والقبض فهو من الأمور القابلة للوكالة ، إذن هذا الحكم هو على طبق القاعدة . هكذا ذكر(قده) .
 وإذا رجعنا الى كلمات القدماء وجدنا أن صاحب المدارك(قده) يقول:- ( والأصح عدم جواز التوكيل في قبض الوكيل كما لا يصح التوكيل في قبض الزكاة ) [6] ، إذن يفهم من عبارة صاحب المدارك أنه لا يجوز التوكيل في القبض والتمليك ، وإذا رجعنا الى الجواهر أو الحدائق لم نجد فيهما ذكراً لذلك وهو غريبٌ ، والأمر ليس بمهم بل المهم هو أن نعرف أن هذه الطريقة هل جائزة ويمكن الأخذ بها أو لا ؟


[1] وسائل الشيعة، العاملي، ج9، ص409، ب19 من ابوب الصدقة، ح2، آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، العاملين ج9، ص410، ب19 من ابواب الصدقة، ح6، آل البيت.
[3] الحرورية:- هم الخوارج نسبة الى قرية الحرورية حروراء وهي قرب الكوفة على ما ورد في مجمع البحرين وكان أول تجمعهم فيها ولأجل ذلك نسبوا الى هذه القرية فيقال حروري نسبة الى هذه القرية.
[4] وسائل الشيعة، العاملي، ج14، ص162، ب40 من ابواب الذبح، ح8، آل ابيت
[5] وسائل الشيعة، العاملي، ج14، ص165، ب40 من أبواب الذبح، ح18، آل البيت.
[6] مدارك الاحكام، الموسوي العاملي، ج8، ص45.