36/03/21


تحمیل
الموضوع: الصوم : المفطرات, الثامن , البقاء على الجنابة عمدا , مسألة 56 القسم الثالث (وصورة الذهول)
استدل السيد الخوئي (قد) على وجوب الكفارة في محل الكلام بصدق التعمد في ترك الغسل وحينئذ تشمله (المتردد) الادلة الدالة على وجوب الكفارة على المتعمد , وذلك لأن صدق التعمد (أي تعمد ترك الفعل ) هو ترك الفعل وهو لا يتوقف على قصد الترك وانما يكفي فيه عدم قصد الفعل ويطبق ذلك (قد) على السفر في الحج كما لو افترضنا بأن المكلف تردد في السفر الى الحج واستمر التردد الى ان انتهى وقت الحج فأنه يصدق على هذا المكلف انه تعمد ترك الحج وان لم يكن قاصدا لتركه وانما كان مترددا لكن صدق تعمد ترك الحج لا يتوقف على قصد تركه بل يكفي فيه عدم قصد الفعل والمتردد لم يقصد الفعل (الحج).
ويمكن التأمل فيما ذكره السيد الخوئي (قد) من صدق قصد الترك عند التردد فيه حيث ان ذلك لا يصدق على المتردد كما لو افترضنا ان شخصا تردد في عيادة مريض ولم يزره فأنه لم يصدق عليه انه تعمد ترك العيادة له, وانما يقال بأنه ترك زيارة المريض لتردده , وكأن التعمد مأخوذ فيه القصد للترك والعزم عليه , فأن الانسان يكون متعمدا لشيء اذا عزم عليه وقصده.
ومن هنا يظهر ان لا دليل على وجوب الكفارة في محل الكلام والظاهر ان السيد الخوئي يعترف بعدم الدليل على وجوب الكفارة في محل الكلام سوى ادخاله في مسألة التعمد , والا لو كان يعتقد شمول الادلة الدالة على وجوب الكفارة لمحل الكلام لكان الاستدلال بها اولى .
ويظهر ايضا ان القسم الثاني يُفرق فيه بين وجوب القضاء ووجوب الكفارة , فنلتزم بوجوب القضاء وبطلان الصوم مع التردد لا من جهة الاتيان بالمفطر وهو تعمد البقاء على الجنابة وانما من جهة الاخلال بالنية , ونلتزم بعدم وجوب الكفارة لعدم الدليل عليها في محل الكلام .
القسم الثالث
وهو ما قال فيه الماتن ((بل الأحوط ذلك إن كان مع الغفلة و الذهول أيضاً، و إن كان الأقوى لحوقه بالقسم الأخير) [1]
والكلام يقع في ان هذا القسم هل يلحق بالقسم الاول والثاني؟؟ او انه يلحق بالقسم الرابع ؟؟
وعلى كل حال فأن الكلام في وجوب القضاء وعدمه لأنه لا كفارة في هذا الفرض لأنها لا تجب الا مع العمد , وقد يُستدل على البطلان بما ذكره السيد الخوئي وغيره وهو ( دعوى أن الذهول عبارة عن النسيان بأعتبار ان المكلف حينما اجنب كان عالما بالجنابة ثم بعد ذلك ذهل عنها , فذهوله مسبوق بالعلم بالجنابة ووجوب الغسل ثم نام ذاهلا وهذا هو معنى النسيان , حيث انه كان عالما ثم نسى او ذهل ما شئت فعبر ؛ وحينئذ يمكن الاستدلال على البطلان فيه بما تقدم في مسألة (50) حيث ذكر فيها (الأقوى بطلان صوم شهر رمضان بنسيان غسل الجنابة ليلًا قبل الفجر حتّى مضى عليه يوم أو أيّام)[2]
وتدل على ذلك صحيحة الحلبي(قال : سئل أبو عبدالله ( عليه السلام ) عن رجل اجنب في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتى خرج شهر رمضان ؟ قال : عليه أن يقضي الصلاة والصيام)[3]
و رواية إبراهيم بن ميمون(قال : سألت أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن الرجل يجنب بالليل في شهر رمضان ثم ينسى أن يغتسل حتى يمضي لذلك جمعة أو يخرج شهر رمضان ؟ قال : عليه قضاء الصلاة والصوم .)[4]
واورد على ذلك ان الذهول غير النسيان _ مع ان الذهول لم يرد في الروايات وانما من تعبير الماتن _ فالذهول يعني ان يكون الشخص عالما بالجنابة ونام بعدها غافلا ولم يكن عندما نام على ذكر من امر الغسل لا بقصده ولا بقصد عدمه ولا هو متردد فيه .
اما النسيان الوارد في الرواية فهو يعني انه لما نام كان بانيا على الغسل أي كأنه يستبطن القصد للإتيان بذلك الشيء لولا النسيان الذي منع من الاتيان به , كما لو كان عليه دين او موعد فنساه , فأثبات الحكم المذكور للنسيان وسحبه الى محل الكلام قد يقال بأنه غير واضح .
ويلاحظ على هذا الاعتراض على فرض تمامه انه سيثبت البطلان في المقام من باب اولى, لأنه اذا فرضنا ان البطلان ثابت للنسيان الذي فيه استبطان قصد الغسل , وذلك لدلالة الروايات المتقدمة على البطلان عند النسيان, فحينئذ لعل ثبوت هذا الحكم للذهول الذي ليس فيه قصد الغسل ولا قصد عدمه ولا التردد فيه بنفس تلك الروايات , ومن هنا يظهر عدم المانع من الاستدلال بتلك الروايات اما بأعتبار ان النسيان يصدق على الذهول , على فرض صحة هذا التفسير , واما بأعتبار الاولية على فرض عدم صحة صدق النسيان على الذهول .

والذي يبدو ان الذهول غير النسيان لغة وعرفا , فلا يصح استخدام النسيان في مثل قوله تعالى (يوم تذهل كل مرضعة عما ارضعت) ومنه يتضح ان الذهول له معنى والنسيان له معنى اخر , وفي اللغة ايضا يبدو كذلك فالذهول في العين (ترك الشيء فنساه على عمد ) يعني ترك الشيء والغفلة عنه لكن على عمد , وذكر معنى اخر ايضا (وهو ترك الشيء اذا شغلك عنه شاغل) ولعل هذا المعنى هو ما ورد في الآية الشريفة ؛ وفي الصحاح فسره ( بترك الشيء على عمد او نسيه لشغل ويمكن ارجاع هذا المعنى الى نفس ما ورد في العين ) .
ونستطيع ان نقول بأن الذهول هو الغفلة التامة عن الشيء _ بناء على المعنى الثاني _ بسبب وجود شاغل ومانع من الموانع الخارجية التي تشغل الانسان عن الالتفات الى الشيء فيكون في ذهول تام وغفلة تامة عنه بسبب وجود هذا الشاغل ؛ بينما النسيان وان كان هو غفلة عن الشيء ايضا الا انه لا يصدق في هذه الحالة, وانما هو غفلة بسبب شرود الذهن او كبر العمر كما في بعض الاحيان , وعلى كل حال فهل ان السيد الماتن عندما ذكر الذهول في القسم الثالث يقصد المعنى الخاص منه ؟ او ان مقصوده منه النسيان ؟
اذا قلنا بأنه يريد النسيان سيكون الكلام في المقام اشبه بالإعادة لأنه ذكر حكم النسيان في مسألة (50) وهذا يؤيد ان مراده في المقام من الذهول المعنى الخاص وليس النسيان, ويؤيد ذلك ايضا انه لو كان المراد بالذهول النسيان لعبر بالنسيان لا بالذهول , فتعبيره عنه بالذهول كأنه يريد به معنى اخر غير النسيان , ويؤيد ذلك ايضا اختلاف رأيه _ وان كان اختلافا جزئيا _ عن مسألة (50) التي ذكر فيها النسيان , فقد حكم هناك بوجوب القضاء بشكل واضح , بينما هنا فقد ذكر احتياطا وغير ذلك .
هذا من جهة ومن جهة اخرى نستبعد ان يكون مراده من الذهول بالمعنى الخاص , وعلى كل حال وان كان مراده من الذهول مجملا ؛ فنقول ان كان مراده منه النسيان فأن حكمه تقدم سابقا وهو وجوب القضاء , وان كان مراده منه ما ذكره الفقهاء _ الغفلة التامة عن الغسل عندما يريد النوم على نحو لا يكون متوجها للاغتسال لا قاصدا الاغتسال ولا قاصدا عدم الاغتسال ولا متردد فيه _ حينئذ يمكن ان يقال في مقام الاستدلال على المبطلية ووجوب القضاء ان الادلة الدالة على المبطلية في النسيان ليست بأعتبار ان هذا كان عازما على ترك الغسل , نعم يمكن ان يقال بأنه غير عازم على الغسل, والروايات حكمت بالمبطلية على الناسي بأعتبار انه صام جنبا ولم يقصد الغسل فيقال ان هذا السبب _ عدم قصد الغسل _ موجود في الذهول ايضا؛ فالذاهل ايضا صام جنبا وهو غير عازم على الغسل .
وعلى كل حال فالذي يبدو ان الصحيح هو الحكم بالبطلان في القسم الثالث (في صورة الذهول) .
هذا ما يمكن ان يقال في مسألة الذهول بالنسبة للقضاء واما الكفارة فمن الواضح بأنها لا تجب ولا دليل عليها لأن الكفارة انما تجب في حالات التعمد والقصد وهو غير متحقق في حالات الذهول والنسيان .