36/05/25


تحمیل
الموضوع: الصوم , المفطرات, فصل (المفطرات المذكورة ما عدا البقاء على الجنابة الذي مر الكلام فيه تفصيلا إنما توجب بطلان الصوم.....)
تقدم الكلام في صحيحة عبدالصمد وبينا عدم صحة ما ورد عليها من ايرادات, ولكن بالرغم من ذلك فأن دلالتها ليست بذلك الوضوح الذي يمكن الركون إليه ويستند إليه لأثبات صحة الصوم في محل الكلام _ الجاهل_ والخروج عن مقتضى المطلقات الدالة على الفساد في حالة ما اذا استعمل المفطر عمداً( أي تعمد الفعل ) ولا اشكال في أن الجاهل متعمد للفعل, ولقوة الاحتمال في أن كلام الامام عليه السلام في مقام نفي التبعات والعقوبة, وفي هذه الحالة يكون الاعتماد على هذه الرواية للخروج عن تلك المطلقات لا يخلو من اشكال.

والرواية الثانية: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (عن أبي إبراهيم ( عليه السلام ) قال : سألته عن الرجل يتزوج المرأة في عدتها بجهالة أهي ممن لا تحل له أبدا ؟ فقال : لا أما إذا كان بجهالة فليتزوجها بعد ما تنقضي عدتها وقد يعذر الناس في الجهالة بما هو أعظم من ذلك فقلت : بأي الجهالتين يعذر بجهالته ان ذلك محرم عليه ؟ أم بجهالته انها في عدة ؟ فقال : احدى الجهالتين أهون من الأخرى الجهالة بأن الله حرم ذلك عليه وذلك بأنه لا يقدر على الاحتياط معها فقلت : وهو في الأخرى معذور ؟ قال : نعم إذا انقضت عدتها فهو معذور في أن يتزوجها فقلت : فإن كان أحدهما متعمدا والآخر بجهل فقال : الذي تعمد لا يحل له أن يرجع إلى صاحبه أبدا)[1]
والسؤال في هذا الصحيحة وقع عن تزويج امرأة في عدتها بجهالة, والسؤال كان في أنها هل تحرم عليه ابداً أو لا؟
فأجابه الامام عليه السلام بعدم الحرمة الابدية لكون التزويج حصل بجهالة, ويفهم من ذلك أن الحرمة الابدية مشروطة بالعلم بأن هذه الامرأة في عدتها, ويستفاد من الرواية ايضاً أن الامام عليه السلام حكم بفساد العقد, ولذا امره بأن يتزوجها بعد انقضاء عدتها، ولا يمكن الاستفادة من الرواية اكثر من هذا المقدار، فلا يمكن الاستفادة منها أن الجاهل عندما يستعمل المفطر جهلاً بالمفطرية يحكم بصحة صومه، بل لعل الرواية على عكس المطلوب ادل، لأنها حكمت بفساد العقد الذي صدر منه حال الجهل، أي أن الامام عليه السلام حكم بفساد العمل( العقد) الذي صدر منه حال الجهل.
ومن هنا يتبين أن الظاهر أن ما استدل به على تقييد المطلقات الدالة على الفساد ليس تاماً.
ومن هنا يتبين من جميع ما تقدم التفريق بين الفروض الاربعة التي يستعمل الصائم المفطر فيها:-
الاول: نسيان الصوم وقلنا بصحة الصوم فيه مطلقاً (في جميع اقسام الصوم).
الثاني: استعمال المفطر قهراً وقلنا بصحة الصوم ايضاً.
الثالث: استعمال المفطر عن اكراه, وحكمنا فيه بفساد الصوم.
الرابع: استعمال المفطر جهلاً , وحكمنا فيه بفساد الصوم ايضاً.

قال الماتن
مسألة 1 (إذا أكل ناسيا فظن فساد صومه فأفطر عامدا بطل صومه وكذا لو أكل بتخيل أن صومه مندوب يجوز إبطاله فذكر أنه واجب)[2]
أما قوله (قد)
(إذا أكل ناسيا فظن فساد صومه فأفطر عامدا بطل صومه)
فذلك لأنه مصداق للجاهل وقد تقدم سابقاً أن استعمال الجاهل للمفطر يوجب الفساد, لأنه تعمد الفعل(وذلك يوجب المفطرية) والظاهر أن الحكم بالفساد بالنسبة للجاهل في المسألة السابقة لا يفرق بين صورة الجهل بالحكم كما تقدم _ كما لو كان جاهلاً بحكم المفطرية للجماع مثلاً مع علمه بأنه صائم _ وبين الجهل في هذه الصورة وهو الجهل بأنه صائم ويجب عليه الالتزام بأحكام الصائم (الامساك), ففي كلا الصورتين يبطل صومه ويجب عليه القضاء.
والدليل على المفطرية في المقام هو المطلقات التي تقول كل من يتعمد فعل المفطر في نهار الصوم يفسد صومه.
نعم اذا قلنا بعدم البطلان في اصل المسألة استناداً إلى موثقة زرارة وابي بصير وقيدنا المطلقات بها والتزمنا بعدم فساد الصوم بالنسبة للجاهل، يمكن التفريق بين هذه الصورة وبين الصورة المتقدمة بأعتبار أن مورد الرواية هو الصورة الاولى( الجهل بكون هذا مفطراً) لأن الرواية تقول (وهو لا يرى إلا أن ذلك حلال له) وهذا يعني الجهل بحكم المفطرية للشيء الذي ارتكبه مع علمه بأنه صائم, وحينئذ قد يقال بأن الحكم بالصحة لما كان على خلاف المطلقات يختصر فيه على مورد الرواية _الصورة الاولى_ وهو الجهل بحكم المفطرية لما ارتكبه.
السيد الخوئي (قد) ذكر مطلباً في مناقشة هذا الكلام _ بناء على صحة تقييد المطلقات بالموثقة_ فقال (قد)
(ولكن الظاهر عدم الفرق .
أما أولا فلأن دليل الصحة في تلك المسألة لم يكن منحصرا بالموثقة ليقال إن الموضوع فيها هو الصائم مع الجهل بالمفطرية والمقام بعكس ذلك . فمع الغض عن هذه تكفينا صحيحة عبد الصمد " أي رجل ركب أمرا بجهالة . . الخ " فإنها غير قاصرة الشمول للمقام، فإن من أكل معتقدا فساد صومه يصدق في حقه أنه ركب أمرا بجهالة، فإذا كان قوله عليه السلام فيها لا شئ عليه شاملا للقضاء ولأجله حكم بالصحة في فرض الجهل لم يكن عندئذ فرق بين المقامين وشملهما الصحيحة بنطاق واحد كما لا يخفى.
وثانيا إن الموثقة بنفسها أيضا شاملة للمقام، إذ لم يؤخذ فيها شيء من الأمرين لا عنوان كونه صائما ولا كونه جاهلا بالمفطرية، بل الموضوع فيها اتيان الأهل في شهر رمضان وهو لا يرى أن هذا محرم عليه، وهذا كما ترى صادق على الموردين معا، فكما أن من يعلم صومه ويجهل بالمفطرية- كتخيل أن شرب الدواء مثلا لا بأس به - مشمول له، فكذا عكسه إذ يصدق في حقه أيضا أنه جامع أواكل وهو يرى أن هذا حلال له ولو لأجل اعتقاد عدم كونه صائما، فكلا الفرضين مشمول للموثق بمناط واحد، وعلى القول بأن الجاهل لا قضاء عليه نلتزم به في المقام أيضا)[3]

قال الماتن
(وكذا لو أكل بتخيل أن صومه مندوب يجوز إبطاله فذكر أنه واجب)
أو تخيل بأن صومه واجباً موسعاً يجوز ابطاله فتبين أنه مضيقاً لا يجوز ابطاله فيحكم ببطلان صومه كذلك، والظاهر أنه لا اشكال في بطلان الصوم في هذه الصورة لأنه استعمل المفطر عامداً، غاية الأمر أنه تخيل أن صومه مندوباً، ولعل منشأ تخيل الصحة في المقام هو قياس هذا الفرع على ناسي الصوم الذي حكمنا بصحة صومه، والفرق بين محل الكلام ونسيان الصوم هو أنه في المقام لم يكن ناسياً للصوم وإنما ناسٍ لخصوصية فيه أما في ما تقدم فأنه ناسٍ لأصل الصوم.
ولكن قياس هذا النسيان على ما تقدم قياس محض, فأن الروايات دلت على صحة صوم من ينسى كونه صائماً ويستعمل المفطر، والتعدي من الروايات الدالة على الصحة في ناسي الصوم إلى هذا المقام ليس تاماً ومقتضى القاعدة هو الحكم بالبطلان كما ذكر السيد الماتن.