36/06/18


تحمیل
الموضوع: الصوم , المفطرات, فصل لا بأس للصائم بمص الخاتم أو الحصى، ولا بمضغ الطعام للصبي، ولا بزق الطائر، ولا بذوق المرق ونحو ذلك.....)
فصل
(لا بأس للصائم بمص الخاتم أو الحصى، ولا بمضغ الطعام للصبي، ولا بزق الطائر، ولا بذوق المرق ونحو ذلك مما لا يتعدى إلى الحلق، ولا يبطل صومه إذا اتفق التعدي إذا كان من غير قصد ولا علم بأنه يتعدى قهرا أو نسيانا أما مع العلم بذلك من الأول فيدخل في الإفطار العمدي، وكذا لا بأس بمضغ العلك ولا ببلع ريقه بعده وإن وجد له طعما فيه ما لم يكن ذلك بتفتت أجزاء منه بل كان لأجل المجاورة، وكذا لا بأس بجلوسه في الماء ما لم يرتمس رجلا كان أو امرأة وإن كان يكره لها ذلك، ولا ببل الثوب ووضعه على الجسد ولا بالسواك اليابس بل بالرطب أيضا، لكن إذا أخرج المسواك من فمه لا يرده وعليه رطوبة وإلا كانت كالرطوبة الخارجية لا يجوز بلعها إلا بعد الاستهلاك في الريق، وكذا لا بأس بمص لسان الصبي أو الزوجة إذا لم يكن عليه رطوبة، ولا بتقبيلها أو ضمها أو نحو ذلك)[1]
الظاهر أن هذه المسألة ليست خلافية في الجملة, وبالرغم من ذلك لابد من التعرض إلى كيفية الاستدلال على جواز هذه الامور, فبعضها لا مجال لتوهم عدم جوازها بالنسبة إلى الصائم لأن الموجب لفساد الصوم وبالتالي حرمته, لابد أن يدل عليه دليل فلا نقول بأن كل شيء مفسد للصوم وإنما هي امور محددة, فإذا كان هناك شيء لم يدل الدليل على كونه مبطلاً للصوم فمقتضى القاعدة والاصل أنه ليس مفسداً له وهذا واضح, ويزداد وضوحاً بأعتبار وجود بعض الروايات_ كما تقدم_ ومنها صحيحة محمد بن مسلم (قال : سمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) يقول : لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال : الطعام والشراب، والنساء، والارتماس في الماء)[2] فأنها تحصر ما يضر الصائم بأمور اربعة أو ثلاثة, وقد اضفنا إلى ذلك ما دل عليه الدليل فيكون المجموع اموراً معينة محدودة, واذا شككنا بأمر في أنه يضر بالصائم أو لا مع عدم الدليل على كونه مضراً, فأن مقتضى هذه الادلة الحاصرة أنه لا يضر الصائم, ولذا لم يقع البحث في أن تنفس الهواء أو النظر إلى الاجنبية مضر بالصائم أو لا؟؟ لأنه لا دليل على أنه مضر به ومقتضى اطلاق هذه الادلة الحاصرة ومقتضى الاصل أنه لا يضر بالصائم, وإنما وقع الكلام في هذه العناوين التي ذكرها السيد الماتن بأعتبار احتمال أن لها ارتباط ببعض ما ثبت كونه مفطراً كالأكل والشرب, ومن هنا طرحت هذه المسألة لدفع هذا التوهم, لكنه هناك روايات صريحة خاصة تدل على جواز هذه الامور وهذه الادلة إنما خصت هذه الامور ولم تذكر مثلاً النظر إلى الاجنبية لأن هذه الامور كما قلنا لها ارتباط بمسألة الاكل والشرب.
وقد ذكر السيد الماتن العنوان الاول وهو مص الخاتم وهو بغض النظر عن الروايات لا دليل على مفطريته, فهو ليس اكلاً ولا شرباً فيمكن أن نقول بأنه ليس من المفطرات ولا مانع منه بالنسبة إلى الصائم بدون الحاجة إلى الروايات, لكن مع ذلك هناك روايات دلت على ذلك منها:
صحيحة عبدالله بن سنان (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) في الرجل يعطش في شهر رمضان، قال : لا بأس بأن يمص الخاتم)[3]
ورواية يونس بن يعقوب (قال : سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول : الخاتم في فم الصائم ليس به بأس، فأما النواة فلا)[4]
وقد يقال أن فيها مشكلة في سندها في محسن بن احمد لكن الظاهر أنه لا مشكلة فيه لأنه روى عنه ابن ابي عمير
وصحيحة منصور بن حازم، أنه قال : قلت لابي عبدالله ( عليه السلام ) : الرجل، يجعل النواة في فيه وهو صائم ؟ قال : لا قلت : فيجعل الخاتم ؟ قال : نعم)[5]
والعنوان الثاني هو الحصى وليس فيه روايات لكنه لا اشكال في مصه لعدم الدليل على كونه مفطراً بعد وضوح عدم كونه اكلاً ولا شرباً وحينئذ يمكن التمسك بالأصل والادلة الحاصرة للدلالة على عدم كونه مفطراً أو ممنوعاً منه الصائم.
العنوان الثالث وهو مضغ الطعام للصبي وهناك روايات دلت على جوازه وعدم كونه مفطراً ومن هذه الروايات:
صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) - في حديث ـ أنه سئل عن المرأة يكون لها الصبي وهي صائمة، فتمضغ له الخبز وتطعمه ؟ قال : لا بأس به، والطير إن كان لها)[6]
ورواية مسعدة بن صدقة (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : إن فاطمة صلوات الله عليها كانت تمضغ للحسن ثم للحسين (عليهما السلام ) وهي صائمة في شهر رمضان)[7]
وهناك كلام في مسعدة من حيث التوثيق, والملاحظ أن مورد الروايتين هو المرأة لكن يمكن الغاء خصوصيتها لوضوح أنها ليس لها دخل في تجويز ذلك, وإنما الحكم للمضغ بنفسه, فهو غير مضرٍ بالصوم سواء كان الماضغ امرأة أم رجلاً.
العنوان الرابع هو زق الطائر وتدل صحيحة الحلبي _ كما في الاضافة التي في ذيلها_ جوازه وهكذا مرسلة الشيخ المفيد في (المقنعة ) قال ( قال ( عليه السلام ) : لا بأس أن يذوق الطباخ المرق ليعرف حلو الشيء من حامضه، ويزق الفرخ، ويمضغ للصبي الخبز بعد أن لا يبلع من ذلك شيئا، ويبصق ـ إذا فعل ذلك ـ مرارا، أدناها ثلاث مرات ويجتهد)[8]
وتدل على زق الطائر بقول يزق الفرخ وهكذا صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) - في حديث ـ أنه سئل عن المرأة يكون لها الصبي وهي صائمة، فتمضغ له الخبز وتطعمه ؟ قال : لا بأس به، والطير إن كان لها)[9]
فزق الطير ثابت في هذه الرواية ايضاً
العنوان الخامس ذوق المرق وهناك روايات تدل على جوازه وفي قبالها روايات تنهى عنه ومن هنا صاروا بصدد الجمع بين هاتين الطائفتين من الاخبار والروايات المجوزة لذوق المرق هي عبارة عن: صحيحة الحلبي (أنه سئل عن المرأة الصائمة تطبخ القدر، فتذوق المرق تنظر إليه ؟ فقال : لا بأس به . . . الحديث)[10]
وصحيحة حماد بن عثمان قال(سأل ابن أبي يعفور أبا عبدالله ( عليه السلام ) وأنا أسمع عن الصائم، يصب الدواء في اُذنه ؟ قال : نعم، ويذوق المرق، ويزق الفرخ )[11]
وهي صريحة في جواز ذوق المرق وكذلك صحيحة محمد بن مسلم (عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : لا بأس بأن يذوق الرجل الصائم القدر)[12] وهناك روايات اخرى في هذا الباب فيها دلالة على الجواز لكنها غير تامة سنداً.
وفي مقابل ذلك الروايات التي لا تجوز ذوق المرق منها: صحيحة سعيد الاعرج قال( سألت أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن الصائم، أيذوق الشيء ولا يبلعه ؟ قال : لا)[13]وهذه الرواية تامة سنداً ودلالتها واضحة في عدم الجواز. ورواية علي بن جعفر (عن أخيه موسى ( عليه السلام ) قال : سألته عن الصائم، يذوق الشراب والطعام يجد طعمه في حلقه ؟ قال : لا يفعل، قلت : فان فعل فما عليه ؟ قال : لا شيء عليه ولا يعود)[14] يروي هذه الرواية الشيخ الطوسي في التهذيب بسنده عن علي بن جعفر وسنده إليه تام.
قد يقال انها يستفاد منها عدم الجواز ووجوب القضاء من قوله عليه السلام (لا يفعل) وأن قوله (لا شيء عليه) يستفاد منه نفي الكفارة, وتكون الرواية من ادلة عدم الجواز بناءً على هذا الفهم, وقد تكون من ادلة الجواز بناءً على فهم آخر وهو أن يقال أن لسان الرواية لسان التنزيه والكراهة وليس لسان الالزام وأن قوله عليه السلام (لا شيء عليه) يعني لا شيء عليه مطلقاً لا كفارة ولا قضاء.
وعلى كل حال فأن صحيحة سعيد الاعرج تامة سنداً وظاهرة في عدم الجواز دلالة, ومن هنا يقع التعارض بينها وبين الروايات الدالة على الجواز.
حملها الشيخ الطوسي في التهذيب والاستبصار على من لا يكون له حاجة إلى ذوق المرق, وحمل روايات الطائفة الاولى الدالة على الجواز على ما لو كانت هناك حاجة إلى ذوق المراق كالطباخ مثلاً, وجمع بينهما بهذا الجمع.
لكن الفقهاء لم يرتضوا هذا الجمع وقالوا بأنه جمع تبرعي لا شاهد عليه, وان الجمع العرفي الذي لابد من الالتزام به في المقام هو حمل صحيحة سعيد الاعرج على الكراهة, جمعاً بينها وبين ما دل على الجواز صريحاً, وذلك لأن تلك الروايات صريحة في الجواز كما في قوله في صحيحة الحلبي (لا بأس به), بينما صحيحة سعيد الاعرج ظاهرة في عدم الجواز لأن قوله (لا) ليس صريحاً في الحرمة, وإنما هو ظاهر فيها, وحينئذ يقدم الصريح على الظاهر فيرفع اليد عن ظهور صحيحة سعيد الاعرج في التحريم وتحمل على الكراهة, كما هو ديدن الجمع بين الادلة التي تكون متعارضة بهذا النحو, حيث تحمل الادلة المانعة على الكراهة.
هذا ما ذكروه, والذي يبدو أن الشيخ الطوسي لديه شواهد على الجمع الذي ذكره, وكأنه يفهمه _والله العالم_ من مجموع الادلة وليس من الروايات الواردة في ذوق المرق فقط, وإنما يفهم ذلك حتى من الروايات الواردة في مضغ الطعام للصبي والروايات الواردة بعنوان زق الطائر فأن كل هذه الروايات موردها وجود الحاجة, وان لم تصل إلى مقدار الضرورة, فأن اطعام الصبي يعد حاجة وكذلك زق الطائر لأنه قد يتلف (يموت) اذا لم يزقه وهكذا الطباخ وامثاله مما يحتاج إلى ذوق المرق, وجميع هذه الروايات موردها وجود الحاجة, فهي تدل على الجواز في مورد وجود الحاجة فنجمع بينها وبين صحيحة سعيد الاعرج بحمل الصحيحة على عدم وجود الحاجة من هذا القبيل.
وقد تساعد بعض الروايات على هذا الفهم مثلاً صحيحة الحلبي (تطبخ القدر، فتذوق المرق)واردة في الطباخ وهو مورد حاجة للتذوق, وكذلك رواية الحسين بن زياد(عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : لا بأس للطباخ والطباخة أن يذوق المرق وهو صائم)[15]
وهكذا مرسلة الشيخ المفيد(لا بأس أن يذوق الطباخ المرق ليعرف حلو الشيء من حامضه) والروايات الواردة في مضغ الطعام واطعام الصبي تكون الحاجة فيها واضحة وكذلك روايات زق الطائر.
لكن الظاهر عدم امكان الالتزام بهذا الجمع لوجود روايات ليس فيها الا التجويز للصائم وليس فيها تلك العناوين (الطباخ وغيره), مع انها روايات كثيرة, مثال ذلك رواية حماد بن عثمان حيث ورد فيها (وأنا أسمع عن الصائم ..) فلم يفترض في من يذوق المرق أنه طباخ ويريد أن يعرف طعم الطعام, وكذلك الكلام في صحيحة محمد بن مسلم (لا بأس بأن يذوق الرجل الصائم القدر) فلم يفترض فيها وجود الحاجة وإنما ذكر عنوان الرجل الصائم فقط.
نعم عبارة الطباخ والطباخة وردت في بعض الروايات لكنه لا يوجب تقييد الروايات المطلقة التي ذكرناها, لأن هذا العبارة إما أن تكون موجودة في سؤال السائل كما في صحيحة الحلبي (أنه سئل عن المرأة يكون لها الصبي وهي صائمة، فتمضغ له الخبز وتطعمه), أو انها لا ظهور لها في نفي الجواز في غير الطباخ كما في الحديث السادس (لا بأس للطباخ والطباخة أن يذوق المرق وهو صائم) مع انها ضعيفة سنداً ولذا لم نجعلها من الروايات الدالة على الجواز ,وهكذا مرسلة المقنع فأنها ضعيفة لا يمكن الالتزام بها.
وعلى كل حال فالذي يبدو أن عنوان الطباخ والطباخة ورد في رواية معتبرة سنداً على لسان السائل, وهو لا يوجب تقييد مثل صحيحة حماد بن عثمان وصحيحة محمد بن مسلم, فيبقى الاطلاق وهذا يعني الجواز مطلقاً(مع الحاجة وعدمها).
وينبغي الالتفات إلى مطلب وهو أن الظاهر أن مضغ الطعام وذوق المرق مع عدم الابتلاع ليس من المفطرات بعناوينها, ومن هنا يكون النهي عنها اشبه بالنهي الارشادي _سواء كان لزومياً أو كراهتياً _ أي هو نهي عن هذه الامور تحفظاً من دخول شيء إلى الجوف الذي يصدق عليه الاكل أو الشرب, ومن الواضح أن دخول الطعام إلى جوف الصائم الملتفت إلى أن الاكل مفطر يكون عادة نسياناً أو قهراً, ودخوله بهذه الحالة لا يكون موجباً للإفطار وفساد الصوم, وحينئذ يمكن حمل النهي على اعتبار أن دخول الطعام إلى الجوف بلا اختيار وان كان لا يوجب بطلان الصوم الا إنه يوجب نقصان مرتبة من مراتب كمال الصوم, فيكون النهي مناسباً للكراهة والحكم غير الالزامي, لغرض تنزيه المكلف عن الاتيان بصوم _ وان حكم بصحته_ ليس حاوياً على مراتب الكمال العالية, واذا لم يتم هذا الكلام نرجع إلى كلماتهم والظاهر انها تامة وهي أن مقتضى الجمع بين هذه الطوائف من الاخبار حمل الرواية الناهية على الكراهة, فيتعين الالتزام بجواز ذوق المرق مطلقاً لكن مع الكراهة وقد يقال بأن هذه الكراهة تخف أو ترتفع عندما تكون هناك حاجة.