39/06/07


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/06/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- تتمة شروط العقد ( الفصل الأول ) ، مسألة ( 47 ) - المكاسب المحرّمة.

النقطة الثانية:- بيان الفارق بين البيع والقرض.

وهذا المطلب لم يتعرض إليه السيد الماتن في عبارة المتن ، بل بين حقيقة البيع فقط ، نعم قد تعرض إليه في مستحدثات المسائل ، حيث ذكر في نهاية الجزء الأوّل أموراً مستحدثة أحدها بيان الفارق بين البيع والقرض ، والذي دعانا إلى بيان هذا المطلب هو أنه(قده) ذكر وهكذا بقية الفقهاء أنَّ من باع مائة دينار عراقي بمائة وعشرين ديناراً عراقياً مثلاً من دون أجل[1] فهنا قالوا إنَّ هذا البيع جائز ولا يوجد فيه محذور إلا ما قد يخطر إلى الذهن من أنه ربا ، وجوابه واضح فإنَّ هذا من المعدود والربا في باب البيع يختص بالمكيل والموزون ولا يشمل المعدود.

إن قلت:- إنَّ المعاملة هي في الحقيقة ليست بيعاً ، فهي ليست بين هذه الأوراق وتلك الأوراق وإنما هذه الورقة تمثّل رصيداً من السبائك الذهبية الموجودة في البنك الخاص وتلك السبائك هي التي تصير سبباً لكون هذه الأوراق ذات قيمة ، فعلى هذا الأساس سوف المعاملة تصير على ذلك الذهب ، وبما أنَّ الذهب من الموزون فيلزم تحقق الربا من باب أنَّ كلا العوضين موزون.

قلت:- إنَّ ذلك الذهب - أي ذلك الرصيد - في الحقيقة ليس هو محطّ المعاملة ، فالمعاملة لم تقع عليه وإنما هو سببٌ لصيرورة هذه الأوراق ذات قيمة لا أنَّ المعاملة واقعة عليه ، فهذه الورقة هي في حدّ ذاتها ليست لها قيمة إلا إذا وضعت مقداراً من الذهب في البنك في مقابلها فحينئذٍ تصير ذات قيمة ، فذاك الذهب علّة وسبب لصيرورة هذه الورقة ذات قيمة لا أنَّ المعاملة وقعت على الذهب ، وهذه قضية ينبغي أن تكون واضحة ، وأحياناً ربما لا يكون هناك رصيد من الذهب أو غيره وإنما تكون هناك قضايا أخرى وراء ذلك هي السبب في كون هذه الورقة النقدية لها اعتبار - أي اعتبار - كأن يكون البلد قوياً أو دخلت قضايا سياسية في البين فتصير هذه الأوراق ذات اعتبار ، فالتالي تلك السبائك الذهبية هي منشأ اعتبار المالية لهذه الأوراق لا أنَّ المعاملة تقع عليها ، ولذلك لو مزّقت هذه الأوراق لكنت ضامناً ، فلو كانت هذه الأوراق هي مجرّد أوراق وكان المدار على تلك السبائك الذهبية فإنَّ السبائك الذهبية لم تتلف فلماذا أضمن فإنَّ هذه ورقة وأنا سوف أعطيك ورقة ثانية بدلها ؟!! ، فإذن هذه الروقة هي ذات قيمة بسبب تلك السبائك الذهبية ، فإذن المعاملة تقع على هذه الأوراق وهي معدودة فلا مشكلة من هذه الناحية ، فإذن بيع مائة دينار عراقي بمائة وعشرين دينار عراقي حال لا مشكلة فيه لأنه بيع في المعدود.

إنما الكلام فيما لو فرض أنه جُعِل أجلٌ ، كما لو باعه مائة دينار عراقي بمائة وعشرين ديناراً عراقياً إلى شهرٍ فهل هذا جائز أو لا ؟ المناسب بادئ ذي بدء أن يقال إنه مادام معدوداً فحينئذٍ بيع المعدود بزيادةٍ إلى أجل لا محذور فيه ، فليكن المورد من هذا القبيل.

وهنا ذكر السيد الماتن(قده) في المسائل المستحدثة أنَّ هذه المعاملة هي في الحقيقة قرضٌ بصورة البيع ، فهي في روحها وواقعها قرضٌ ، ومن المعلوم أنَّ من أقرض مائة دينار بمائة وعشرين دينار إلى فترةٍ معينة فهذا هو ربا القرض وربا القرض يعمّ المعدود ولا يختص بالمكيل والموزون ، فإذن هذه المعاملة هي قرض ولكن أبرز بصورة البيع[2] .

أما لماذا هذا قرض بصورة البيع ؟

هنا أخذ يبيّن الفارق بين القرض والبيع فقال:- توجد أربعة فوارق بين البيع والقرض فارقان من حيث الموضوع وفارقان من حيث الحكم ، والفارقان من حيث الحكم ليسا مهمان لنا الآن وإنما المهم لنا هو ملاحظة الفارقين الموضوعيين ، والفارقان الموضوعيان هما:-

الأوّل:- إنَّ البيع هو تمليك عين بعوض ، بينما القرض فهو تمليك مال - أو عين - بشرط الضمان أي ضمان المثل إن كان مثلياً والقيمة إن كان قيمياً.

فإذن واقع البيع يختلف عن واقع القرض فإنَّ البيع معاوضة بين العين وبين العوض فهو تمليك عين بعوض ، بينما القرض هو تمليك مال - أو عين - لكن لا بعوض فإنه لا توجد باء المعاوضة وإنما بشرط الضمان.

وهذا الفارق ليس مهماً ،وقد ذكره الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب حيث قال:- ( بقي القرض داخلاً في ظاهر الحدّ ويكن اخراجه بأن مفهومه ليس نفس المعاوضة بل هو تمليك على وجه ضمان المثل أو القيمة لا معاوضة للعين بهما)[3] .

الثاني:- إنه في باب البيع يشترط وجود مائزٍ بين العوض والمعوَّض ، أما إذا لم يكن هناك مائز كان ذلك من مورد القرض ، وذكر مثالاً فقال لو بعتك مائة بيضة إلى أجلٍ[4] بمائة وعشرين بيضة من الحجم الكبير كان هذا بيعاً وبالتالي يكون جائزاً ، لأنَّ البيض من المعدود عندنا ، فإذن لا مشكلة من هذه الناحية ولا يقع الربا ، أما إذا لم يكن هناك مائز فأنا لم أقل له ( بيض بجحم كبير ) بل قلت ( بعتك مائة بيضة بمائة وعشرين بيضة إلى أجل كذا ) فهذا لا يجوز لأنه قرض ولكن أبرز بصورة البيع.

إذن المقوم الثاني للبيع هو وجود مائزٍ بين العوض والمعوَّض وإذا فقد المائز كان المورد من القرض ، فإذن بيع مائة دينار عراقي بمائة وعشرين ديناراً عراقياً إلى شهر هذا في واقعه قرض ولكن أبرز بصورة البيع لأنه لا يوجد مائز بين العوضين.فإذن محطّ الأثر هو الفارق الثاني وبسببه انتهى إلى أنَّ هذا المورد لا يجوز لأنه قرض أبرز بصورة البيع.وفيه:-

أوّلاً:- إنه قال يعتبر في باب البيع وجود مغايرة بين الثمن والمثمن ، ونحن نقول:- هذا شيء مقبول ، فلا يبعد أن يكون هذا شيئاً عرفياً - يعني عرفاً لابد من وجود مائز بين الثمن والمثمن - ولكن نقول لا يلزم في المائز أن يكون إلا عبارة عن الكبر أو الصغر كما صوّره هو(قده) أو غير ذلك ، بل يكفي في المائز أن يكون أحدهما عيناً والآخر كلّياً في الذمّة ، لأنَّ ( بعتك مائة ) أي هذه المائة الشخصية أو على الأقل ليست في الذمّة ، فالمائز قد حصل ولا يلزم في المائز إلى أن يكون كبر الحجم أو صغره أو ما شاكل ذلك بل المهم وجود مائز وهذا نحو من المائز ، فإذن ( بعتك مائة دينار عراقي بمائة وعشرين ديناراً عراقياً كلّية في الذمّة إلى شهر ) المائز موجود بينهم ، فإذن لا مشكلة من هذه الناحية ، ولو فرض أنه(قده) قال إنَّ هذا ليس بمائز فلا يكفينا فنقول له إنه يلزم أن تحكم بجواز بيع كيلو من السكر مثلاً بكيلو آخر من السكر إلى فترة شهر والحال أنك لا تحكم بجوازه.

وتوضيح ذلك:- إنه في باب الربا قرأنا أنه يتحقق الربا إذا فرض تحقق وجود زيادة في أحد العوضين المتماثلين من المكيل أو الموزون ولو كانت الزيادة حكمية ، وقالوا مثال الزيادة الحكمية مثل أن يقول له ( أبيعك كيلو سكر بكيلو سكر إلى فترة شهر ) فقالوا هذه زيادة حكمية وهي لا تجوز ، ولماذا هذه زيادة حكمية ؟ لأنَّ هذا كيلو في مقابلة كيلوا زائداً شهر فسوف يصير الكيلو الحال أكثر من الكيلو المؤجل ، فإذن هذه زيادة ولا يلزم في الزيادة أن تكون عينية بل يكفي أن تكون حكمية ، ولذلك أفتى السيد الماتن(قده) في منهاج الصالحين بذلك.

ونحن نقول له:- إنَّ هذه المعاملة التي قلت بأنها غير جائزة يلزم أن تقول بجوازها ، لأجل أنَّ هذا ليس بيعاً لأنه لا يوجد مائز بين العوض والمعوَّض ، ومجرَّد أن أحدهما كلّي في الذمّة والآخر شخصي المفروض أنك لم تقبله ، فعلى هذا الأساس يلزم أن لا يكون هذا بيعاً لتماثل العوض والمعوَّض من دون مائز بينهما ، يعني يصير المورد من باب القرض ولكن أبرز بصورة البيع ، وحينئذٍ يلزم أن يكون هذا جائزاً ، لأنَّ القرض هذه وظيفته - وهو أن أعطيك كيلو سكر الآن إلى شهرٍ وتعيد إليَّ كيلو السكر من دون زيادة ففي القرض هذا جائز - فعلى مبناك حيث لا يوجد مائز فيلزم أن تحكم بأنَّ هذه المعاملة ليست بيعاً لتماثل العوض والمعوَّض وعدم وجود مائز ، أما نحن فندَّعي وجود المائز وهو أنَّ أحدهما كلّي والآخر شخصي ، ولكن لو رفضت هذا المائز وقلت بعدم كفايته فسوف يسجّل عليك هذا النقض ، فيلزم أن تلتزم بأنَّ بيع كيلو سكر بكيلو سكر من دون زيادةٍ إلى شهرٍ يكون جائزاً والحال أنك حكمت بعدم جوازه لوجود زيادة حكمية ، فيلزم أن تحكم جوزاه باعتبار أنَّ هذا قرض لأنه لا يوجد مائز بين العوض والمعوَّض وإذا لم يوجد مائز فأنت قلت إنَّ هذا قرض وفي باب القرض لا بأس بأن يقرض الشخص كيلو سكر بكيلو سكر إلى شهرٍ فيلزم أن تحكم بجوازه والحال أنك قلت إنَّ هذا بيع.

ومنه يتضح أنه يكفي في المائز أن يكون أحدهما شخصياً والآخر كلّياً.

[1] كأنَّ كانت هذه المائة ورقها جديد وتلك المائة والعشرين ورقها قديم.
[2] منهاج الصالحين، الخوئي، ج1، ص416، مسألة18 من مستحدثات المسائل.
[3] تراث الشيخ الانصاري، الأنصاري، تسلسل16، ص15.
[4] وفي عبارته لا يوجد ( إلى أجل ) ولكن من المناسب ذكرها.