34-06-20


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/06/20

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسالة ( 379 ) / الواجب الرابع من واجبات حج التمتع ( أفعال منى في اليوم العاشر ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 وفيه:- لو سلمنا عدم قابلية بقاء تلك الأجزاء على مرور الأيام وغضضنا النظر عن كونها عبارة عن حصىً كبار وهي لها القابلية على الاستمرار وقلنا إنه حتى مثل هذه الحصى هي في معرض التغيّر ولو بسبب الهواء وما شاكل ذلك ولكن نقول إن هذا المقدار - الذي ذكره - لا يكفي لإثبات الإجزاء بل لابد من ضمّ مقدمة أخرى ولعله لم يشر إليها لشدَّة وضوحها عنده(قد) وتلك المقدمة لو ضممناها فلا حاجة إذن إلى ما أشار إليه من أن أجزاء الجمرة تتغيّر حتماً فإن هذه المقدمة التي ركّز الأضواء عليها نكون في غنىً عنها ما دمنا قد ضممنا المقدمة التي سوف نشير إليها وإذا لم نضم تلك المقدمة الواضحة فما أشار إليه لا يكفي وحده للوصول إلى المطلب وتلك لمقدمة هي أنّا لا نحتمل سقوط وجوب الرمي رأساً وإن كانت القاعدة تقتضي ذلك حيث إن الواجب هو رمي تلك الجمرة فإذا زالت فذلك يعني تعذر الرمي المطلوب وبتعذره سوف يسقط وجوب الرمي بل يسقط وجوب الحج بيد أن هذا لمّا لم يكن محتملاً فعليه سوف يكون وجوب الرمي باقٍ ولا يزول ولازم بقائه أن أجزاء الجمرة حتى لو تغيّرت فلا يؤثر ذلك على الإجزاء والكفاية فيجزي رمي هذا الشيء الجديد مادام وجوب الرمي باقياً ولا يمكن إلا رمي هذا المستحدث ، إن هذه المقدمة لابد من ضمّها إذ من دون ضمّها لا يمكن أن يصل(قده) إلى ما أراد إذ يعود لدينا احتمال آخر وهو سقوط وجوب الرمي وبالتالي سقوط وجوب الحج فهو لابد وأن يبني منذ البداية على أن هذا الاحتمال مرفوض ولعله لم يسلّط الأضواء عليه لشدة وضوحه . ولكن يبقى ما أشرت إليه من أن هذه المقدّمة إذا سلّمناها فلا حاجة إذن إلى المقدمة التي سلّط هو الأضواء عليها - أعني أن الجمرة لا يمكن أن تبقى بأجزائها إلى الأبد - فهذه المقدمة ليست مهمة فإنه سواء كانت غير قابلة لذلك أو كانت قابلة فهذا لا يؤثر على النتيجة بعد قبول تلك المقدمة التي أشرنا إليها فحتى لو كانت قابلة للبقاء إلى الأبد فلو فرض أنها بُدِّلت واستحدثت بأجزاءٍ جديدة فنبقى نقول بالإجزاء لتلك المقدِّمة الواضحة وهي عدم احتمال سقوط وجوب الرمي.
 والخلاصة:- نحن نوافقه(قده) إلى ما انتهى إليه ولكن المقدمة التي نستند إليها غير المقدمة التي استند إليها . إذن نحن نوافقه في النتيجة ولكن الطريق مختلف.
 ثم إن ههنا كلمات ثلاث ترتبط بهذه المسألة:-
 الكلمة الأولى:- إن بالإمكان التمسك بالإطلاق ومقدمات الحكمة لإثبات عدم جواز رمي الزائد أو المستحدث ، وفي المقابل قد يقول قائل نتمسك بالإطلاق ومقدمات الحكمة لإثبات العكس - أي جواز رمي الزائد والمستحدث -.
 أما بيان الإطلاق الأول لإثبات عدم الجواز:- فباعتبار أنه لو كان يجوز رمي الزائد لقيَّد المولى بكلمة ( أو ) ولقال ( ارم الجمرة أو ما زاد ) وهكذا ( أو ما استحدث ) نظير ما يقال في باب الوجوب التخييري من أن الإطلاق ينفي الوجوب التخييري إذ لو كان هناك عِدلٌ لأشير إليه بكلمة ( أو ) وحيث لم يشر إليه فذلك دليل على عدم وجود العِدل ، وهنا أيضاً يقال بأنه لو كان رمي الزائد كافياً وهكذا لو كان رمي الجمرة المستحدثة كافياً لأشير إلى ذلك بكلمة ( أو ) وحيث لم يُشَر فذلك يكشف عن تعيِّن هذا المقدار دون غيره من الزائد أو المستحدث.
 وجوابه واضح:- فإن هذا يتم فيما لو كان التقييد بـ( أو ) وجيهاً ففي المورد الذي يكون فيه وجيهاً كمثال الكفارة يتم هذا فيه وأما إذا لم يكن وجيهاً فلا معنى للتمسك به ومقامنا من القبيل الثاني إذ الزائد والمستحدث لم يكن موجوداً في تلك الفترة فالتقييد بـ( أو ) يكون شيئاً غريباً أو مضحكاً وهذا شيء واضح.
 وأما بيانه بالشكل الذي نثبت به جواز رمي الزائد أو المستحدث:- فحاصله هو أن مقتضى الإطلاق هو إن الجمرة يلزم رميها والزائد يصدق عليه عنوان الجمرة وهكذا المستحدث ومادام يصدق عليه فيشمله إطلاق قوله عليه السلام في صحيحة معاوية بن عمار:- ( ثم اات الجمرة القصوى التي عند العقبة فارمها من قبل وجهها ) إنه صادق كما هو واضح.
 وجوابه:- إن الإطلاق يمكن التمسك به إذا كان عدم التقييد مستهجناً عند إرادة المقيد واقعاً ، وفي المقام لو كان المتكلم يريد المقيّد واقعاً - يعني خصوص هذا الموجود دون الزائد ودون المستحدث - فعدم التقييد والاطلاق لا يكون مستهجناً إذ الموجود هو هذه الجمرة وغير ذلك ليس بموجودٍ فلماذا التقييد بعد فرض أن الموجود هو هذا ؟! بل لو قيّد فقد يكون التقييد مستهجناً ومضحكاً فلو قال الإمام الصادق مثلاً ( اات جمرة العقبة دون ما زاد أو سيزيد ودون المستحدث ) فإنه مضحك حيث إنه لا يوجد ذلك الزائد ولا المستحدث فيصح للمتكلم آنذاك أن لا يقيّد حتى لو كان مراده هو المقيّد واقعاً ، وعليه فالتمسك بالإطلاق لا معنى له بكلا شكليه.
 وأما الكلمة الثانية:- وهي ان القدماء قد تعرضوا إلى هذه المسألة ولكن بشكلٍ آخر فصاحب المدارك(قده) ينقل عن الشهيد في دروسه ما نصه:- ( والجمرة اسم لموضع الرمي وهو البناء أو موضعه مما يجتمع من الحصى وقيل هو مجتمع الحصى لا السائل منه وصرح علي بن بابويه بأنه الأرض ) [1] هذه ثلاثة أقوال نقلها صاحب الدروس في هذا المجال هي:-
 الأول:- أن تكون الجمرة عبارة عن نفس البناء.
 والثاني:- أن تكون عبارة عن مجمع الحصى.
 والثالث:- أن يكون عبارة عن نفس الأرض دون مجمع الحصى ودون البناء الذي على الأرض.
 ثم بعد ذلك علّق صاحب المدارك(قده) ما يظهر منه أن المناسب هو التفصيل بين ما إذا كان البناء موجوداً فتكون الجمرة عبارة عن البناء وأما إذا لم يكن موجوداً فالجمرة تكون عبارة عن الأرض ، قال(قده) بعد ذلك الكلام:- ( وينبغي القطع باعتبار إصابة البناء مع وجوده لأنه المعروف الآن من لفظ الجمرة ولعدم تيقن الخروج من العهدة بدونه أما مع زواله فالظاهر الاكتفاء بإصابة موضعه ) [2] ومقصوده من الموضع هو إما أرض التي عليها البناء أو الفضاء الذي كان فيه البناء . وجاء الفقهاء من بعده كصاحب الجواهر والنراقي وأخذوا يتناقلون هذا الكلام مع بعض الاضافات ولكنه لم يخرج عن هذا الإطار.
 في مقام التعليق نقول:-
 أولاً:- فلأن المناسب تفسير الجمرة بنفس البناء دون الأرض ودون مجمع الحصى فلاحظ صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة حيث جاء فيها:- ( ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة فارمها من قبل وجهها ولا ترمها من أعلاها ..... ) [3] فإن قوله عليه السلام ( من قبل وجهها ) أو ( لا ترمها من أعلاها ) لا يمكن تصوّره إلا بفرض أن الجمرة عبارة عن البناء حتى يكون لها وجه في مقابل الملتصق بالجبل فإنه الخلف وليس هو الوجه وهكذا الأعلى والأسفل يتصور بناءً على ارادة البناء وأما بناءً على إرادة الأرض فأين الأعلى وأين الأسفل ؟! وهكذا مجمع الحصى فأين الأعلى وأين الأسفل ؟! إذن تعبير هذه الرواية واضح في أن المقصود من الجمرة هو عبارة عن البناء.
 وثانياً:- إن هذا النزاع لا يؤثر شيئاً على الموقف فإنه سواء فسرنا الجمرة بنفس البناء أو بالأرض أو بمجمع الحصى فبالتالي لابد وأن يكون الرمي للجمرة بأي واحدٍ من المعاني ضمن هذه المساحة دون ما زاد على ذلك ودون ما تغيّر مكانه فلو زيد على الجمرة فهذا الخلاف لا ينفعنا - يعني حتى لو فسرناها بالأرض أو بمجمع الحصى - فتبقى النتيجة أنه لا يجوز رمي المقدار الزائد فهذا الخلاف لا يؤثر على مسألة أنه هل يجوز رمي الزائد أو لا يجوز وهكذا المستحدث ؟ فهذا خلاف عقيم لا يوصل إلى النتائج المقصودة سلباً أو إيجاباً.


[1] مدارك الأحكام، ج8، ص8.
[2] مدارك الاحكام، ج8، ص9.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص58، ب3 من أبواب رمي جمرة العقبة، ح1.