34-06-27


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/06/27

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- تتمة مسالة ( 380 ) ، مسألة ( 381 ) / الواجب الرابع من واجبات حج التمتع ( أفعال منى في اليوم العاشر ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 وفي مقام الجواب نقول:- توجد احتمالات ثلاثة فيمن قدّم الذبح والحلق ثم التفت إلى أنه لم يأت بالرمي:-
 الاحتمال الأول:- أن نقول إنه يأتي بالرمي ولا حرج عليه ، وهذا هو مطلوبنا.
 الاحتمال الثاني:- أن يقال إن وجوب الرمي يسقط عنه ، وهذا أيضاً لا يضرنا فإننا نريد أن نثبت أنه لا حاجة إلى الإعادة وهذا لا يتنافى مع ما نريده.
 الاحتمال الثالث:- أن يقال إنه يلزم الإعادة ، يعني أنه يرمي ثم بعد ذلك يذبح ثم يحلق فيعيد حسب الترتيب ، وهذا الاحتمال هو الذي يضرنا ويلزم ابطاله ودفعه حتى يتمّ الاستدلال بالرواية.
 وفي هذا المجال نقول:- إن من يقرأ الرواية يفهم منها أن الجاهل والناسي معذور مادام قد صدر منه خلاف الترتيب عن جهلٍ أو نسيانٍ أما أنه يلزم أن يأتي بالجميع على شكلٍ خلاف الترتيب فهذا - إن صح التعبير - هو مورد الرواية ولكن لا تختص به فبحسب الفهم العرفي يفهم عدم الخصوصية لهذا المورد وأن الجهل هو عذر أما أنه التفت بعد الإتيان بالثلاثة متعاكساً أو التفت في الأثناء قبل الإتيان بالجميع فهذا شيءٌ ليس بمهم ، وعليه فلا مشكلة من هذه الناحية.
 هذا مضافاً إلى أنه قد يقال:- إن الوارد في الرواية هو ( جاء قوم وقد قدموا ما يلزم تأخيره ) وهذا لا يتوقف على الإتيان بالجميع متعاكساً بل يصدق حتى إذا قدم الحلق أو الذبح ولمّا يؤتى بَعدُ بالرمي فإنه يصدق أنهم قدموا ما يلزم تأخيره فلا يستفاد من هذا التعبير أن الثلاثة قد أتي بها ثم حصل الالتفات بعد ذبلك ، كلا بل إن هذا التعبير صادق حتى إذا فرض أن الالتفات قد حصل في الوسط فإنه يصدق أنهم قد قدّموا ما يلزم تأخيره ، ولكن هذا يتم على نقل غير الشيخ الصدوق(قده) وأما بناءً على نقله الذي ورد فيه ( فلم يتركوا شيئاً كان ينبغي لهم أن يقدموه إلا أخروه ولا شيئاً كان ينبغي لهم ان يؤخروه إلا قدموه فقال لا حرج ) ، إن المفهوم من العبارة الأولى يعني ( فلم يتركوا شيئاً كان لهم أن يقدموه إلا أخروه ) والذي يقدم هو الرمي ولكنهم أخّروه وظاهر أخروه وقد يقال إن ظاهر أخّروه هو أنهم أتوا به ولكن مؤخراً لا أنهم بَعدُ لم يفعلوه ، وعليه فيصير هذا نصف جواب وليس جواباً كاملاً - أي يتم على أحد النقلين دون النقل الآخر - ، فالمهم هو الجواب الأول الذي أشرنا إليه.
 وعلى أي حال هذا الذي ذكرنا ما هو إلا إشارة إلى بعض النكات الفنّية والصناعيّة وإلا فحكم الصورتين مما لا إشكال فيه ولو لأجل الروايات الأخرى.
 وأما الصورة الثالثة:- فالمناسب بمقتضى صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في الصورة الثانية هو أنه لا شيء عليه حيث جاء في ذيلها ( قلت فإنه نسي أو جهل حتى فاته وخرج ، قال:- ليس عليه أن يعيد ) فإنها واضحة في إجزاء ما أتى به ويسقط عنه الرمي . نعم في رواية عمر بن يزيد ورد أنه يلزمه أن يأتي بذلك في العام المقبل إما بنفسه أو بنائبه ولكن قلنا إن الرواية المذكورة ضعيفة السند . أجل ينسب إلى الأصحاب أنهم قد عملوا بها وأفتوا على طبقها ومن هنا يكون المناسب هو الاحتياط من هذه الناحية - يعني بالإتيان بالرمي في العام المقبل بنفسه إن أمكن وإلا فبنائبه - نعم يبقى مستوى الاحتياط وهل هو استحبابي أو وجوبي ؟ إن هذا يتبع نفسية الفقيه فإذا فرض أنه رأى أن عمل المشهور بالرواية وفتواهم على طبقها كان قوياً خصوصاً إذا كان هو يتفاعل بقوَّة مع المشهور فحينئذ يحتاط بنحو الوجوب وأما إذا لم يكن الأمر كذلك فيحتاط على نحو الاستحباب.
 
 مسألة ( 381 ):- إذا لم يرمِ يوم العيد نسياناً أو جهلاً فعلم أو تذكر بعد الطواف فتداركه لم تجب عليه إعادة الطواف وإن كانت الاعادة أحوط . وأما إذا كان الترك مع العلم والعمد فالظاهر بطلان طوافه فيجب عليه أن يعيده بعد تدارك الرمي.
 تتضمن المألة المذكورة نقطتين:-
 النقطة الأولى:- إن المكلف لو نسي الرمي فذهب إلى مكة وأتى بالطواف وبعد أن فرغ من الطواف وصلاته التفت إلى أنه لم يأت بالرمي.
 النقطة الثانية:- إذا ترك الرمي عن عمد وجاء بالطواف.
 أما بالنسبة إلى النقطة الأولى:- فالمناسب هو الصحة وإن كانت القاعدة الأوّلية تقتضي البطلان لأنه لم يأت بالعمل وفق الترتيب ، بيد أن المناسب للقاعدة الثانوية المستفادة من صحيحة جميل وهو أن كل من قدّم أو أخر عن سهوٍ أو جهلٍ فلا حرج . وهل يوجد احتياط ؟ ذكر السيد الماتن(قده) أنه وإن كان الأحوط استحباباً الاعادة - يعني يأتي بالرمي وببقية الأعمال ثم بعد ذلك يأتي بالطواف والنكتة لذلك هي مراعات شرطية الترتيب المحتملة - ولكن لا نرى وجهاً لهذا الاحتياط ولو على مستوى الاستحباب بعد صراحة صحيحة جميل في حكم المورد.
 وأما بالنسبة إلى النقطة الثانية:- فالمناسب الإعادة بما يحصل معه الترتيب لأن صحيحة جميل لا تشمل العامد فنتمسك بمقتضى القاعدة ، وواضح أنه ما دمنا نلتزم بأن شرط الطواف أن يقع بعد الرمي.
 وقد تقول:- ما هو الدليل على أن الطواف يلزم أن يقع بعد الرمي ؟
 والجواب:- إن هذا سوف يأتي في موضعه المناسب ولكن معجلاً نقول:- إن صحيحة جميل هي بنفسها تدلُّ على ذلك حيث قالت:- ( عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق ) والمقصود من الزيارة للبيت هو الطواف.
 وإذا قلت:- إنها قالت ( قبل أن يحلق ) ولم تقل ( قبل أن يرمي ) ؟
 قلت:- إن الحلق مترتب على الرمي في الرواية أيضاً فإن الرواية قالت ( وقال بعضهم حلقت قبل أن أرمي ) فإنه يفهم منه أن الطواف مترّتب على الحلق والحلق مترتب على الرمي فتصير النتيجة هي أن الطواف متأخر عن الرمي ، وعلى هذا الأساس يمكن أن نستفيد شرطية تأخر الطواف عن الرمي من نفس صحيحة جميل . إذن بعد إمضاء النبي أو الإمام صلوات الله وسلامه عليها لا مشكلة من هذه الناحية.
 نعم قد تقول:- لماذا لا نقول إن صحيحة جميل تشمل العامد أيضاً فإنها بصدرها وإن قال عليه السلام ( لا ينبغي إلا أن يكون ناسياً ) لكنها بعد ذلك نقلت عن النبي صلى الله ليه وآله أنه تاه قوم فقال بعضهم إني حلقت قبل أذبح وقال بعضهم حلقت قبل أن أرمي ولم يؤخذ قيد النسيان أو الجهل والنبي حكم بنفي الحرج . إذن نستفيد العموم منها ؟
 والجواب:- إن صدر الرواية - أعني ( قال:- لا ينبغي إلا ان يكون ناسياً ) - قرينة على أن المراد مما نقل عن النبي صلى الله عليه وآله هو فقط وفقط حالة النسيان وبإلغاء الخصوصية يعم الجهل - يعني حالة العذر - وأما حالة العمد فلا يشملها وإلا فسوف تحصل مناقضة بين ما ذكره الإمام وبين ما ذكره النبي وهذا شيء واضح.
 هذا مضافاً إلى أنه لو تنزلنا وسلمنا أن الفقرة الأولى لم تكن وكنا فقط وفقط مع كلام النبي صلى الله عليه وآله فرغم ذلك لا يمكن إثبات التعميم والوجه في ذلك هو أن هذا إما تمسك بترك الاستفصال أو هو تمسك بالإطلاق [1] فإن كان هو ترك الاستفصال - كما هو المناسب - فنقول لعل النبي صلى الله عليه وآله لم يستفصل من باب أنه فهم أن هذا شخص معذور في التقديم والتأخير وإلا فكيف يأتي شخص إلى الحج وهو عامد للتأخير والتقديم ؟ إن هذا بعيد إن لم نجزم به ، بل يكفينا أن نقول إنه صلى الله عليه وآله فهم أن ذلك حصل منهم عن عذرٍ فأجابهم فكيف نعمم إلى حالة العمد ؟! وأما إذا فرض أن المورد كان من باب الإطلاق فجوابه أنا ذكرنا فيما سبق أن الإطلاق إنما ينعقد ويصح التمسك به فيما لو فرض أنه كان مستهجناً على تقدير كون المراد واقعاً هو المقيَّد وهنا لو كان المراد واقعاً هو المقيّد - يعني حالة الجهل والنسيان - لما كان الإطلاق منه صلى الله عليه وآله مستهجناً فلا يشكل عليه ويقال:- لماذا لم تقيّد وأطلقت فإنه قبيح ؟ إذ يقول إني أطلقت لوضوح الحال بأن المقصود هو حالة العذر من الجهل والنسيان ، وهذه قرينة لبيَّة واضحة يمكن الاستناد إليها فالإطلاق لا يكون مستهجناً فلا ينعقد الإطلاق وبالتالي لا يصح التمسك به.


[1] والمناسب أن يكون من باب ترك الاستفصال وليس من الإطلاق إذ لا يوجد كلام مطلق نتمسك بإطلاقه في كلام النبي صلى الله عليه وآله.