34-07-10


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/07/10

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- الواجب الخامس من واجبات حج التمتع - وهو الثاني من أعمال منى في اليوم العاشر- ( الذبح أو النحر في منى ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 استدراكان:-
 الاستدراك الأول:- ذكرنا فيما سبق رواية لعبد الله بن جبلة وقلنا بأنها ضعيفة بابن جبلة فإنه لم يوثق إلا بناءً على كبرى وثاقة كل من ورد في تفسير القمّي ، واستدراكنا هو أنه وقع اشتباه في الاسم إذ هو ليس عبد الله بن جبلة بل هو يحيى بن المبارك فإنه لم تثبت وثاقته إلا من خلال كبرى وثاقة كل من ورد في تفسير القمّي.
 الاستدراك الثاني:- ذكرنا فيما سبق أن وجوب الذبح يستفاد من الوجوه الثلاثة التي أشرنا إليها ، وأيضاً يمكن استفادته من صحيحة زرارة حيث ورد فيها ( المتمتع عليه الهدي ) ، وقلنا إنه يشكل استفادته من الآية الكريمة التي ورد فيها ( فما استيسر من الهدي ).
 والآن نقول:- وقد يستعان بآية أخرى لوجوب الذبح أعني قوله تعالى:- ( والبُدنَ جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر ذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون ) فإنه قد يتمسك بها لإثبات الوجوب كما ربما جاء ذلك في بعض كلمات السيد الخوئي(قده) التي ستاتي فيمن تعذّر عليه الذبح في منى.
 ولكن يرد:- يحتمل أنها ناظرة إلى حج القران الذي يقرن إحرامه مع إشعار الحيوان فهي مجملة من هذه الناحية ولا يمكن أن نجزم بأنها ناظرة إلى حج التمتع ، مضافاً إلى أنه لا يوجد فيها ما يدل على الوجب فإن قوله تعالى:- ( جعلناها لكم من شعائر الله ) أو ( لكم فيها خير ) لا يستفاد منها الوجوب ، وقوله ( فاذكروا اسم الله عليها ) وإن كان أمراً ولكن المقصود هو أنه اذكروا اسم الله عليه فـ( اذكروا اسم الله عليها ) حينئذ لا يدلّ على أنه أصل التذكية واجبة والذبح واجب أيضاً كلا بل إذا أردتم التذكية فاذكروا اسم الله عليه ، وهكذا ( فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر ) فهو وإن كان أمراً والأمر يستفاد منه الوجوب ولكن لو ذبحتم فحينئذ يجب الأكل والتصدق أما أن أصل الذبح واجب فلا يستفاد ذلك فيمكن أن يكون الذبح مستحباً ولكن لو ذبحتم فسوف يترتب هذا ، وقلت نحن والآية كما هو الحال في الاعتكاف فإنه مستحب ولكن لو أتيت بيومين وجب آنذاك اليوم الثالث مترتباً عليهما وهنا كذلك أيضاً فلو أردت أن تأتي بالذبح يترتب عليه لزوم الأكل ، وعلى أي حال يشكل استفادة الوجوب من هذه الآية الكريمة.
 النقطة الثالثة:- يلزم إيقاع الذبح نهار يوم العيد .
 ومن الجدير في هذا المجال أن نبحث المطلب المذكور في مقامات ثلاثة وإن كانت عبارة المتن لعلها ناظرة إلى بعض هذه المقامات أعني الثاني أو بإضافة الثالث - ولكن نحن نبحث هذه المقامات لضرورتها:-
 المقام الأول:- هل أن نهار يوم العيد متعيّن في مقابل نهار اليوم الحادي عشر والثاني عشر أو أنه ليس متعيناً في مقابلهما ؟ فالمسألة تستحق البحث من هذه الزاوية فإنه سلمنا أن الذبح يكون في النهار ولكن هل يكون في يوم العاشر ولا يجوز في اليوم الحادي عشر أو الثاني عشر أو لا ؟
 المقام الثاني:- هل يجب الذبح في النهار في مقابل الذبح في الليل أو لا ؟ بمعنى أن الشخص إذا لم يذبح في نهار اليوم العاشر وأراد أن يذبح ليلا - أي ليلة الحادي عشر - فهل يجوز ذلك أو لا ؟ فهل يتعين نهار اليوم العاشر أو لا يتعين ؟
 المقام الثالث:- هل يتعيّن النهار في مقابل الليلة السابقة - أي ليلية العاشر - أو أنه يجوز في ليلة العاشر ؟
 أما بالنسبة إلى المقام الأول:- فقد اختلف الفقهاء في ذلك فربما يظهر من صاحب الشرائع جواز ذلك يعني جواز الذبح في اليوم الحادي عشر أو الثاني عشر فإنه(قده) قال:- ( ويجب ذبحه يوم النحر مقدّماً على الحلق فلو أخّره أثِم وأجزأ وكذا لو ذبحه في بقيّة ذي الحجّة جاز ) فقوله ( وكذا لو ذبحه في بقية ذي الحجّة جاز ) قد يفهم منه الجواز بلا إثم.
 ولعلك تقول:- إن مقصوده حينما قال ( جاز ) أي اجتزأ به ولكنّه لا يريد أن يقول أنه ليس بآثمٍ بقرينة أنه عطفه على ما قبله - وهذا ليس بمهم -.
 والشهيد(قده) في دروسه - على ما نقل صاحب المدارك - قد يفهم من كلامه أنه في المرحلة الأولى يجب الذبح في اليوم العاشر فإن لم يفعل اجتزأ به في بقيّة الأيام وإلا فالواجب في المرحلة الأولى الواجب هو الذبح في نهار اليوم العاشر ، قال صاحب المدارك:- ( أما وجوب ذبحه يوم النحر فهو قول علماؤنا وأكثر العامَّة لأن النبي صلى الله عليه وآله نحر هديه في هذا اليوم وقال:- " خذوا عني مناسككم " ..... وقال الشهيد في الدروس إن زمانه يوم النحر فإن فات أجزأ في ذي الحجّة ) [1] ، إن قوله ( إن زمانه يوم النحر فإن فات أجزأ في ذي الحجة ) قد يفهم منه اعتبار الترتيب بين الأيام ، ثم قال صاحب المدارك ما نصّه [2] :- ( ولم أقف في الروايات على ما يدلّ على ذلك صريحاً وإنما الموجود فيها أن من فقد الهدي ووجد ثمنه خلّفه عند ثقة ليذبحه عنه في ذي الحجّة ) . إذن يريد أن يقول صاحب المدارك أنه لا يوجد دليل يدلّ على الامتداد سوى ما دلَّ على أن من لم يجد الهدي خلّفه عند ثقة ليذبحه ، اللهم إلا أن تقول إن العبارة - أي خلّفه عند ثقة - يمكن فيها الاحتمالين أي يظهر أنه في البداية أنه يجب في اليوم العاشر ولعلّ هذا أوجه لصاحب المدارك لأن تعيّنه يحتاج إلى دليل لا أنه لم يجد دليلاً على الامتداد فالامتداد لا يحتاج إلى دليلٍ بل الأصل البراءة فعدم التعيّن يكفينا كدليلٍ ، وهذا ليس بمهم.
 إذن المسالة من حيث كلمات الأعلام لا يوجد اتفاق في الفتوى على تعيّن اليوم العاشر . نعم هو قول أكثر علمائنا كما قال صاحب المدارك(قده).
 وما هو المستند للزوم الذبح في اليوم العاشر ؟
 والجواب:- قد يستدل على ذلك بالوجوه الأربعة التالية:-
 الوجه الأول:- التأسي بالنبي صلى الله عليه وآله كما ذكر ذلك صاحب المدارك كتوجيهٍ إلى قول أكثر علمائنا فإنهم استدلوا بمسألة الأسوة ، قال في المدارك:- ( لأن النبي صلى الله عليه وآله نحر هديه في هذا اليوم وقال " خذوا عني مناسككم " ).
 وجوابه واضح:- فإن قوله صلى الله عليه وآله ( خذوا عني مناسككم ) نظير قوله تعالى ( ولقد كان لكم في رسول آله أسوة حسنة ) فإنه لا يدلّ على وجوب الفعل وإنما يدلّ على وجوب التأسي ومعنى التأسي هو الفعل كما فعل النبي صلى الله عليه وآله فإذا فعل واجباً فأنت تأتي به بنحو الوجوب وإذا فعله مستحباً فأنت تأتي به بنحو الاستحباب لا أن كلَّ ما فعله النبي صلى الله عليه وآله ولو كان مستحباً عليكم أن تتأسوا وتاتوا به بنحو الزوم إنه لا يحتمل هذا ، وعلى هذا الأساس لا يمكن أن نستفيد من آية الأسوة أو من حديث ( خذوا عني مناسككم ) وجوب كلّ فعلٍ وإنما ما فعله النبي صلى الله عليه وآله فأتوا به بالنحو الذي فعله.
 الوجه الثاني:- الروايات البيانيّة ، فإن معاوية بن عمار نقل عن الإمام الصادق عليه السلام كيفية حجّ النبي صلى الله عليه وأله وفي جملة ما جاء في الرواية:- ( ...... وأمرهم أن لا يرموا الجمرة جمرة العقبة حتى تطلع الشمس فلما أضاء له النهار أفاض حتى انتهى إلى منى فرمى جمرة العقبة وكان الهدي الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله أربعاً وستين أو ستاً وستين - بدنة - ....... فنحر رسول الله صلى الله عليه وآله ستاً وستين ..... وأمر أن يؤخذ من كلّ بدنة جذوة - حذوة - ..... وحلق وزار البيت ورجع إلى منى فأقام بها حتى كان اليوم الثالث من أيام التشريق ) [3] ، والصحيحة المذكورة وإن لم يصرَّح فيها بأنه نحر في اليوم العاشر ولكن المفهوم منها أنه فعل ذلك في اليوم العاشر لأنها قالت ( وحلق وزار البيت ورجع إلى منى ) أي أنه كان موجوداً في اليوم الثاني أو كان موجوداً في الليل في منى - أي البيتوتة - فحتماً أنه فعل الذبح في نهار اليوم العاشر ولا يحتمل أنه فعله في اليوم الحادي عشر فإنه وإن لم يصَّرح ولكن أجواء الرواية واضحة في ذلك ، فإذا قبلنا بهذا نضمّ إليه مقدمة من السيد الخوئي(قده) وهي أن الروايات البيانيّة التي تبيّن فعل النبي صلى الله عليه وآله والتي ينقلها الإمام عليه السلام ظاهرة في أن كلّ ما يذكره الإمام من فعل النبي هو واجبٌ إلا ما خرج بالدليل لأن الإمام يريد أن يعلم الناس فمادام هو وفي مقام التعليم فيتولد ظهورٌ في أن كل ما ذكر في الرواية هو واجبٌ إلا ما خرج بالدليل فيثبت بذلك أن الذبح في النهار واجبٌ لأن النبي فعل هكذا . وهذا وجه جيد ولكنه على مبنى السيد الخوئي(قده) ولكنه لم يتمسك به وكان من المناسب أن يتمسك به إلا أن يدعي أن الرواية لم تقل ( ألا أعلمكم حجّ رسول الله ) كما ورد في باب الوضوء فإنه ورد فيه ( إلا أعلمكم وضوء رسول الله ) فهنا فلم يرد هذا اللسان وإنما الإمام نقل حجّه.
 وهو كما ترى:- فإنه حينما ينقل الإمام حج النبيّ فما هو الهدف منه ؟ إن الهدف هو أن يتعلم الناس فالتصريح بقوله ( ألا أعلمكم ) شيء ليس بمهم وليس بلازم.
 والخلاصة:- إنه على مبناه(قده) لا بأس باستفادة الوجوب ، ولكن تقدم منّا في أبحاثٍ سابقةٍ أن هذا الظهور لم يثبت عندنا - وهو أن الروايات البيانية ظاهرة في أن كل ما يذكره الإمام واجب - . نعم هو شيء مقبول أما أنه يتشكل ظهور ونبني عليه فالجزم به شيءٌ صعب ولذلك يشكل التمسك بالوجه المذكور.
 الوجه الثالث:- صحيحة محمد بن حُمران فإنه جاء فيها:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحاج - غير المتمتع [4] - يوم النحر ما يحلّ له ؟ قال:- كلّ شيءٍ إلا النساء . وعن المتمتع ما يحلّ له يوم النحر ؟ قال:- كلّ شيءٍ إلا النساء والطيب ) [5] ، وتقريب الدلالة هو إنه عليه السلام حكم بأنه في اليوم العاشر يحلّ للمتمتع كل شيء خلا النساء والطيب فيثبت بذلك أن أعمال منى الثلاثة - أي أعمال منى يوم العاشر - يلزم الإتيان بها في اليوم العاشر وإلا كيف يحلّ للحاج كل شيء خلا النساء والطيب ؟! فالحكم إذن بأنه يحلّ له كل شيء يعني أن هذه الأفعال يلزم الإتيان بها في هذا اليوم ، هكذا قل.
 أو قل:- إن حكم الإمام عليه السلام بأنه يحلّ له كلّ شيء يدلّ على حتميّة الإتيان بالحلق فإنه من دون الحلق لا تحلّ الأشياء كالمخيط وغيره فحكم الإمام عليه السلام بأنه يحلّ كل شيء خلا النساء والطيب يعني أن الحلق حتماً يلزم الإتيان به فإذا ثبت هذا نضمّ إلى ذلك مقدمّة وهي أن الحلق يلزم الإتيان به بعد الذبح فيثبت بذلك - إذا قبلنا هذه المقدمة - أن الذبح يتعيّن الإتيان به في نهار اليوم العاشر حتى يصحّ الحلق وحتى يترتب بعد الحلق حليَّة جميع الأشياء خلا النساء والطيب ، وأما الرمي فاسكتوا عنه لأنه ليس محل كلامنا وإنما نريد الآن أن نثبت أن الذبح يتعين الإتيان به في اليوم العاشر بمقتضى هذه الرواية فتقول إن الحلق يلزم الاتيان به حتماً في اليوم العاشر حتى تحلّ جميع الأشياء وإذا ثبت أن الحلق يلزم الاتيان به في هذا اليوم لأجل حليّة الأشياء يثبت أن الذبح حيث إنه متقدّم وشرط في صحّة الحلق أن يتقدم الذبح فإذا قبلنا بهذا فحينئذ يثبت أن الذبح يلزم الإتيان به في اليوم العاشر . هكذا قد يستدل على لزوم الذبح في اليوم العاشر بالرواية المذكورة بل قد استدل بها بعض الفقهاء.


[1] مدارك الأحكام، الموسوي العاملي، ج8، ص27.
[2] وهذه العبارة اذكرها من باب أن المدرك ما هو لاعتبار ان يكون الذبح في اليوم العاشر.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج11، ص216، ب2 من أبواب أقسام الحج، ح4.
[4] وفي الوسائل توجد جملة ( غير المتمتع ) أما في التهذيب فلا توجد هذه الجملة.
[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص236، ب14 من أبواب الحلق والتقصير، ح1.