39/07/21


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/07/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- وقوع البيع بالمعاطاة - مسألة ( 51 ) - المكاسب المحرّمة.- المكاسب المحرمة.

ولم يرتضِ السيد الخوئي(قده)[1] هذا البيان لتضعيف العموم فقال:- إنَّ هذا العموم مرفوض حتى في دائرة المعاملات ، لأنَّ المعاطاة تفيد اباحة التصرف بلا إشكال وهذا شيء ينبغي أن يكون مسلّماً ، إنما الكلام في أنها تفيد الملكية أو لا ، فهذا العموم لا يمكن الالتزام به حتى في دائرة المعاملات.

ولكن يمكن أن يشكل عليه:- بأنه صحيح أنَّ المعاطاة تفيد الاباحة بلا إشكال ولكن هل يعدّ هذا مضعفاً للعموم بحيث نطرح هذا العموم ويصير هذا الاحتمال باطلاً ؟ يعني هل نقول إنَّ ( إنما يحلل الكلام ) هو باطل حتى في دائرة المعاملات أو هناك طريق آخر وهو عملية التخصيص ؟ ، يعني أن نقول هكذا:- إنَّ هذا العموم وارد في دائرة المعاملات وقد خرج منه المعاطاة بالتخصيص فإنها تفيد الاباحة ، فلنلتزم بذلك ، فإذن العموم نلتزم به ولكن نقول قد خرج من ذلك المعاطاة بنحو الاباحة فإنها لا تتوقف على الكلام ويبقى العموم على حاله بلحاظ سائر الموارد ومنها المعاطاة المفيدة للملك فنقول إنَّ المعاطاة المفيدة للملك وإن جرت السيرة عليها ولكنه مردوع عنها بهذا العموم ، فنقول هذا العموم يبقى ونستفيد منه للردع عن السيرة العقلائية التي ترى أنَّ المعاطاة تفيد الملك فنرفض السيرة العقلائية ، فيتحقق الردع عن هذه السيرة العقلائية.

فإذن وصلنا إلى مقصودنا وهو الردع عن السيرة التي انعقدت على أنَّ المعاطاة تفيد الملك ، فصار ردع عن هذه السيرة بهذا العموم ، والنقض الذي ذكره السيد الخوئي(قده) على العموم لا يأتي لأننا نخصص هذا العموم ونقول خرج منه المعاطاة التي تفيد الاباحة ، فإنه لا إشكال في أنَّ المعاطاة تفيد الاباحة إما بالاجماع أو نقول إنَّ ذلك بلا إشكال . فإذن لا يرد هذا الاشكال.

نعم يرد إشكال آخر:- وهو أنه كيف يكون لسان الحصر قابلاً للتقييد ؟ فهذا حصر بـ ( إنما ) ولسان الحصر بأدوات مثل ( إنما ) يأبى عن التخصيص عرفاً ؟ ، وهذا سوف يصير في صالح السيد الخوئي(قده).

ولكن نقول:- إنه على مبناه يقبل بذلك ، فهو يرى أنَّ باب الحصر يقبل التقييد والتخصيص ، ولذلك عندنا رواية في باب الصوم وهي صحيحة محمد بن مسلم تقول:- ( سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:- لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال الطعام والشراب والنساء والارتماس في الماء )[2] ، إنَّ هذا لسان حصر بل أقوى من الحصر لأنه ذكر عدداً ، وحينما يحصر بعدد معيّن يصير إباءه عن التخصيص أوضح عرفاً ، ولكن رغم هذا قَبِلَ التخصيص وقال إنَّ بقيّة الأمور مفطرة كالغبار ، فهو عمل بالروايات الدالة على أنَّ الغبار مفطّر وقال نحن نخصّص ، فهو يرى أنَّ لسان الحصر بل الأكبر من لسان الحصر قابل للتقييد والتخصيص ، وحينئذٍ يلزمه في مقامنا أن يلتزم بتخصيص العموم ، ويبقى العموم بعد تخصيصه حجة في الأفراد الباقية ومنها المعاطاة المفيدة للتمليك ، فتصير السيرة العقلائية على المعاطاة المفيدة للتمليك مردوعاً عنها بهذا العموم ، وبالتالي هذا مخصّص على مبناه ولا محذور فيه.

وعلى أي حال مناقشة فقرة ( إنما يحلل الكلام ويحرم الكلام ) بما ذكره الشيخ الأعظم(قده) عرفنا أنها محلاً للرد والبدل.

والأجدر إبراز مناقشتين أخريين غير ما ذكرهما الشيخ الأعظم(قده) أو بالأحرى لردّ السيرة بهذه الفقرة:-

المناقشة الأولى أن نقول:- إنَّ الاحتمال الأوّل باطل لا لما ذكر أوّلاً في مناقشة الشيخ الأعظم(قده) - من أنه مخالف للواقع فإنَّ الكثير من الأشياء حليتها ثابتة من دون لفظ - ، وإنما نقول إنه بناءً على هذا لا يتحقق ربط بين هذه الفقرة وبين صدر الرواية ، لأنَّ الرواية كانت تقول ( يأتيني شخص يقول اشتر لي هذا الثوب وأربحك كذا وكذا .. ) والامام عليه السلام قال: ( أليس إن شاء أخذ وإن شاء ترك ؟ يعني لم تتم المعاملة بعدُ والايجاب الملزم لم يتحقق ، فقال له: نعم لم يتحقق ، إن شاء أخذ وإن شاء ترك ، فقال له الامام عليه السلام: ( لا بأس ، إنما يحلل الكلام ويحرّم الكلام ) ، إنه إذا أخذنا بالاحتمال الأول يعني نفس التلفّظ والنطق يحلل ويحرّم وأن المدار على النطق وعلى كيفية المنطوق فهنا لا يكون هناك ربط بين التعليل والمعلَّل – أي بين صدر الرواية وذيلها - فالإمام عليه السلام قال ( لا بأس مادام إن شاء أخذ وإن شاء ترك ) ثم قال ( إنما يحلل الكلام ) ، يعني بناءً على الاحتمال الأوّل النطق وعدم النطق هو الذي يؤثر ، ومن الواضح أنَّ هذا لا ربط له بالمعلَّل ، بخلاف ما إذا أخذنا بالاحتمالين الآخرين وهو أنه إذا وقعت مواعدة فقط من دون ايجاب فلا بأس ، وإذا كانت مع الايجاب ففيه بأس فالربط بين المعلل والتعليل يصير واضحاً ،.

وهكذا على الاحتمال الثالث الذي كان يقول إنَّ المضمون الواحد قد يؤدّى بكلام فيصح وقد يؤدى بكلام آخر فلا يصح فبناء على هذا الاحتمال يوجد ربط بين التعليل وبين المعلل ، بخلافة على الاحتمال الأول الذي هو أنَّ حلّية جميع الأشياء تدور مدار الكلام والنطق ، يعني إن كان هناك نطق فحلال وإلا فلا ، ومن الواضح أنَّ هذا التعليل لا ربط له بالمعلَّل.

والخلاصة:- الأجدر أن نردّ الاحتمال الأوّل بما ذكرناه ، وهو أنه بناءً على الاحتمال لا يحصل ربك بين التعليل والمعلّل ، فيتعين أن يكون المقصود أحد الاحتمالات الأخرى وتلك الاحتمالات لا تنفع للردع عن السيرة.

المناقشة الثانية:- مادامت السيرة مستحكمة فهي تحتاج إلى ردع قوي ولا أقل يأتي ناظراً إلى نفس المعاطاة بعنوانها هي لا بعنوان قاعدة كلية ، فإنَّ الكلّي لا ينفع بل يلزم أن يكون في دائرة ضيقة فيقال المعاملة بلا إيجاب لفظي باطلة ولا تحل - بهذا اللسان أو بغيره يعني يصرح بذلك - ، فنحتاج إلى ردع متعدد لا واحد وأيضاً يلزم أن يكون هذا الردع ناظراً إلى نفس المعاطاة بعنوانها لا أنه يقدم لنا قاعدة كلية فإنَّ الردع يصير ضعيفاً إذا كان بنحو القاعدة الكلّية.

ومن خلال هذا كله فهمنا أنَّ السيرة لا يمكن اثبات الردع عنها بهذه الرواية لا أقل لما أشرنا إليه من أنها تحتاج إلى ردع قوي بالبيان الذي أشرنا إليه.

تقريب آخر للتمسّك بالرواية:- ذكرنا سابقا أنَّ رواية ( إنما يحلل الكلام ويحرم الكلام ) يتمسّك بها للردع عن السيرة الجارية عن المعاطاة بالبيان الذي تقدم وهو أنَّ الرواية جعلت المدار في حلية الأشياء على الكلام ، فهي أعطت ميزان كلّي ، فكل شيء يحلّ بالكلام فيثبت بذلك أنَّ المعاطاة ليست صحيحة لأجل أنه ليس فيها كلام ، هذا هو التقريب السابق والذي أوردنا عليه فميا تقدّم ، ولكن هنا تقريب آخر قد يتمسّك به لإثبات دلالة فقرة ( إنما يحلل الكلام ويحرم الكلام ) على الردع عن السيرة غير التقريب الذي ذكرناه وذلك بأن يقال:- إنَّ الرواية حينما قالت ( إنما يحلل الكلام ) فالمقصود من الكلام هنا الايجاب أي ايجاب المعاملة ، يعني يصير المعنى هكذا ( إنما يحلّل ايجاب المعاملة ويحرّم ايجاب المعاملة ) ، فالكلام إشارة إلى الايجاب ، والشاهد على هذا الاحتمال وهذا التفسير هو أنه بناءً عليه يكون الربط بين أجزاء الرواية واضحاً ، فإنَّ السائل سأل الامام عليه السلام وقال:- ( إنَّ المشتري يقول لي اشتر لي هذا الثوب فالإمام عليه السلام قال له: أليس إن شاء أخذ وإن شاء ترك ؟ فقال: نعم ، فقال عليه السلام: إنما يحلل الكلام ويحرم الكلام ) يعني إذا لم يكن الايجاب موجوداً فيحلّل وإذا كان الايجاب موجوداً فيحرّم ، فالكلام استعمل كناية ومشيراً إلى الايجاب ، هذه مقدمة .

وهناك مقدمة ثانية:- وهي أنه حينما عبّر الامام عليه السلام عن الايجاب بالكلام يفهم من ذلك أنَّ الايجاب لا يصح إلا أن يكون لفظاً وكلاماً ولا يصح أن يكون فعلاً كما هو الحال في المعاطاة وإلا لما عبّر الامام عليه السلام بالكلام وكان المناسب أن يعبّر ويقول ( إنما يحلّل ايجاب المعاملة ويحرّم إيجاب المعاملة ) ، فحينما عبّر بالكلام كأنما يريد أن يشير إلى أنَّ الايجاب في المعاملة لا يصح إلا باللفظ والكلام ، فتكون الرواية بهذا البيان رادعة عن السيرة ولكن لا بالتقريب السابق وإنما بهذا التقريب الجديد.والفارق بين التقريبين واضح فإن التقريب الأول كان يقول حلية كل الأشياء تدور مدار اللفظ والكلام ، أما هذا التقريب فهو ليس ناظراً إلى ذلك وإنما يريد أن يقول إنَّ حلية الشيء تكون بالإيجاب وحرمته تكون بالإيجاب ولكن عبّر عن الايجاب بالكلام فيدل على أنَّ الايجاب لا يصح إلا أن يكون بالكلام ، وبذلك يثبت مطلوبنا وهو أنَّ المعاطاة باطلة لأنَّ الايجاب فيها هو بالفعل وليس بالكلام.فإذا أردنا أن نقرّب دلالة الرواية بهذا الشكل على الردع عن السيرة فهل هو تام أو لا ؟