39/08/22


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/08/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- أصالة اللزوم - مسألة ( 52 ) – المكاسب المحرمة.

وقد يشكل على هذين التقريبين بإشكالين[1] :-

الاشكال الأوّل:- نسلّم أنَّ الآية الكريمة دلت على لزوم ترتيب مضمون العقد على طول الخط ولكن نقول لعلَّ الجواز هو مضمون العقد دون اللزوم ، ومعه فالآية الكريمة غاية ما تدل عليه هو أنَّ مضمون العقد لابد من السير على طبقه إلى الأبد وربما يكون المضمون لازماً وربما يكون المضمون جائزاً ، فعلى هذا الأساس الآية الكريمة هي حيادية من ناحية اثبات اللزوم ، فإنَّ اللزوم والجواز هما مضمونان للعقد والآية الكريمة تقول عليك أن تفي بمضمون العقد إلى الأبد ، يعني إن كان المضمون هو اللزوم فعليك أن تفي به إلى الأبد وإن كان هو الجواز فعليك أن تفي به إلى الأبد ، فهي إذن لا تثبت اللزوم أو الجواز وإنما غاية ما تثبت أن مضمون العقد يجب الوفاء به وربما يكون مضمون العقد الجواز دون اللزوم ، فإذن الآية الكريمة لا نستفيد منها لزوم العقد بعد أن جعلنا الجواز واللزوم مضمونين للعقد.

والجواب:- نحن لا نسلّم أن الجواز واللزوم هما مضمونان للعقد وإنما مضمون العقد شيء واحد وهو ثبوت الملكية فحينما أقول بعتك أو وهبتك فهذا مضمونه أني ملكتك هذا الشيء فهو بجميع منافع لك ، غايته نحن ننتزع نقول إذا كانت هذه الملكية ثابتة حتى لو قال أحدهما ( فسخت ) من دون رضا الطرف الآخر فهذا معناه أنَّ العقد لازم ، وهذا انتزاع وليس هو مضمون العقد ، وهذا مصطلح حوزوي ، فإنه مادام الملكية ثابتة حتى بعد الفسخ من دون رضا الآخر فنحن نقول ( إذن العقد جائز أو لا ) ، ولكن هذا ليس معناه أنَّ اللزوم أو الجواز صار مضمون العقد ، فينبغي التفرقة بين ما هو مضمون العقد وبين ما هو حكمٌ للعقد ، والجواز واللزوم حكمان انتزاعيان طارئان على القعد ، فإذا كانت الملكية ثابتة ومستمرّة حتى لو قال الآخر ( فسخت ) فحينئذٍ ننتزع اللزوم وإلا ننتزع الجواز ، لا أنَّ الجواز واللزوم هما مضمونان للعقد ، فوقع خلط بين المضمون وبين الأثر والحكم للعقد ، وهذا شيء ينبغي أن يكون واضحاً.

الاشكال الثاني:- إنَّ الآية الكريمة تقول ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ فلابد أن يكون العقد ثابتاً حينئذٍ يأتي ( أوفوا ) أما إذا لم يكن العقد ثابتاً فـ ( أوفوا ) لا يأتي إذ ينصب على ماذا فهل ينصب على اللا شيء فإن هذا لا يمكن ؟!! وحينئذٍ نقول: إذا قال أحد الطرفين ( فسخت ) من دون رضا الطرف الآخر فإذن نحتمل أنَّ العقد قد زال ، إذ نحتمل جوازه وإلا إذا كان لزومه ثابتاً جزماً فهذا الكلام لا يأتي ، والمفروض أننا شاكّين ، وأصالة اللزوم نأتي بها عند الشك في أنَّ العقد جائز أو لازم ، فأنت تشك أنَّ العقد جائز أو لازم ، فإذا قال أحد الطرفين ( فسخت ) فسوف يحصل شك في أنَّ العقد موجود أو ليس بموجود ، ومادمنا نشك في وجوده وعدم وجوده فإنَّ ( أوفوا ) لا يمكن أن يكون فعّالاً ويقول عليك أن تفي بالعقد ، وهذا تمسّك بعموم أو أطلاق الحكم في مورد الشبهة الموضوعية ، لأننا نشك أنَّ الموضوع ثابت أو ليس بثابت وأنه يوجد عقد أو لا يوجد عقد ، فإذا شككت في أنَّ العقد ثابت أو ليس بثابت فإذن التمسّك بـ ( أوفوا ) لا معنى له لأنه من التمسّك بالعام في الشبهة الموضوعية وهو لا يجوز.

وفي الجواب نقول:- إنه قبل حصول الفسخ هل العقد موجود أو ليس بموجود ؟ إنه موجود جزماً ومادام موجوداً ، فيأتي ( أوفوا ) ويقول إنَّ هذا العقد لا يجوز التراجع عنه بالفسح في وسط الخط ، هذا على التقريب بالأوّل والذي قلنا فيه إنَّ عدم الجواز هذا لا يحتمل أنه تكليفي فهو إذن عدم جوازٍ وضعي ، فيثبت اللزوم حينئذٍ في ظرف أنَّ العقد بعدُ باقٍ وموجود.

وأيضاً يأتي التقريب الثاني ونقول:- إنَّ هذا العقد يجب ترتيب أثره ومضمونه بحيث لا يجوز أخذ العوض من دون رضا الطرف الآخر ، ومقتضى الاطلاق بقاءه حتى بعد قوله ( فسخت ) ، فيثبت بذلك بطلان الفسخ.إذن العقد بوجوده الحدوثي كافٍ لتطبيق هذين التقريبين ، لا أنَّ التقريبين يدوران مدار العقد حدوثاً وبقاءً ، بل يكفي الوجود الحدوثي.

ومن خلال هذا كله اتضح أنَّ الاستدلال بعموم ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ لإثبات اللزوم قضية وجيهة ولا يرد عليها إشكال.

هذ كلّه في الوجه الأوّل لإثبات أصالة اللزوم.

[1] وهل الاشكالان يردان على كلا التقريبين أو احدهما ؟ إنَّ هذا ليس بمهم، لعلهما يردان على كليهما.