1440/03/04


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/03/04

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: أقسام الصوم المكروه/ صوم يوم عرفة – صوم الضيف

 

إنتهينا من البحث السندي في الروايتين السابقتين و تبين إعتبارهما سنداً.

 

أما من حيث الدلالة فالظاهر ان دلالتهما على الكراهة تامة _لأن المقصود منها هو قلة الثواب، كما يلتزمون الفقهاء بذلك في باب العبادات، لأن الكراهة بمعنى الحزازة و المبغوضية تنافي صحة العبادة، فلذلك تفسر بقلة الثواب._

 

فإن صحيحة محمد بن مسلم والفقرة الأولى من رواية سدير إنما تنهيان عن الصوم بإعتبار مزاحمته مع الدعاء الأهم منه، و يكون هذا النهي أشبه بالارشاد إلى تحصيل ما هو أهم. فالمقصود من الرواية هو بيان أن الصوم في يوم عرفة أقل ثواباً من الدعاء و المسألة، مع أن كلاً منهما صحيح و عبادة، فليس في الصوم أيّ حزازة و مبغوضية و منقصة حتى على مستوى الكراهة المتعارفة، فتكون الكراهة بمعنى قلة الثواب.

 

و كذا الكلام في المورد الثاني من رواية سدير – و هو حالة الشك في هلال ذي الحجة و احتمال أن يوم عرفة هو يوم العيد، _فإن الصوم في يوم عرفة ليس فيه أيّ محذور حسب القواعد، للحكم الظاهري بأنه يوم عرفة، لأن المكلف قد إعتمد على الإستصحاب في تعيين أول الشهر بعد عدم رؤية الهلال في ليلة الشك، فبالتالي هذا الإستصحاب يعبدنا بأن هذا اليوم هو يوم عرفة، لكن يظهر من الرواية وجود محذور في صومه لإحتمال أنه يوم أضحى، فلذلك قال الإمام (عليه السلام) بكراهة الصوم فيه، و هذه الكراهة لا تكشف عن وجود حزازة ومبغوضية في صومه حتى على مستوى الكراهة الإصطلاحية، لأنه لا يمكن التقرب بما يكون مبعداً ومبغوضاً للمولى، والحال أن هذا الصوم لو صدر لكان صحيحاً قطعاً ويمكن التقرب به بلا إشكال، فلا توجد فيه مبغوضية و حزازة أصلاً. و من هنا لابد أن تحمل الكراهة بمعنى قلة الثواب، و هي تعني أن الصوم في هذا اليوم يكون أقل ثواباً من الصوم في باقي الأيام.

 

يوجد مطلبان مرتبطان بالفقرة الثانية

الاول ان الظاهر منها اختصاص الكراهة بعيد الاضحى ولا تشمل عيد الفطر باعتبار ان عيد الاضحى هو موردها ولا وجه للتعدي منه إلى عيد الفطر، لوجوب صوم يوم الثلاثين حتى مع احتمال كونه عيداً.

الثاني انه قد يقال بان الكراهة في رواية سدير تشمل احتمال الخطأ فيما اذا ثبت الهلال بالأمارة ولا تختص بصورة الاستصحاب، كما لو قامت الامارة على ان اليوم الاول من الشهر هو السبت وكان هناك احتمال كون اول الشهر هو اليوم السابق (الجمعة)، وحينئذ يحصل التخوف من صوم يوم عرفة بان يكون واقعاً هو يوم العيد.

لكن الظاهر اختصاص الحكم بصورة ثبوت اول الشهر بالاستصحاب ولا يصح التعدي إلى ما ثبت بالإمارة، لأن لازم التعدي الالتزام بكراهة صوم يوم عرفة غالباً، لثبوت الشهر في معظم الحالات اما بالاستصحاب أو بالإمارة، ولا يثبت بحالة اليقين الا نادراً، ويلزم من ذلك _ما يصعب الالتزام به_ تنزيل الادلة الكثيرة الواردة في استحباب صوم عرفة على خصوص هذه الحالة النادرة.

 

هناك مورد ثالث في صوم يوم عرفة استدل ببعض الاخبار على كراهة صومه و هو مورد توهم الوجوب اذا صام الامام عليه السلام فيترك الامام صومه لدفع هذا التوهم كما في رواية سالم ( عن أبي عبد الله عليه السلام قال : أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى علي عليه السلام وحده ، وأوصى علي عليه السلام إلى الحسن والحسين عليهما السلام جميعا ، فكان الحسن عليه السلام إمامه ، فدخل رجل يوم عرفة على الحسن عليه السلام وهو يتغدى والحسين عليه السلام صائم ، ثم جاء بعد ما قبض الحسن عليه السلام فدخل على الحسين عليه السلام يوم عرفة وهو يتغدى وعلي بن الحسين عليهما السلام صائم ، فقال له الرجل : إني دخلت على الحسن عليه السلام وهو يتغدى

وأنت صائم ، ثم دخلت عليك وأنت مفطر ؟ ! فقال : إن الحسن عليه السلام كان إماما فأفطر لئلا يتخذ صومه سنة ، وليتأسى به الناس ، فلما أن قبض كنت أنا الامام فأردت أن لا يتخذ صومي سنة فتأسى الناس بي .)[1]

ومحل الشاهد في الرواية قوله عليه السلام (إن الحسن عليه السلام كان إماما فأفطر لئلا يتخذ صومه سنة ، وليتأسى به الناس ، فلما أن قبض كنت أنا الامام فأردت أن لا يتخذ صومي سنة فتأسى الناس بي)

وسند الرواية الشيخ الصدوق باسناده عن عبيد[2] الله بن المغيرة _ولا اشكال فيه_ عن سالم وهو مشترك _ في هذه الطبقة _بين كثيرين بعضهم ثقات وبعضهم مجاهيل ، ومن الصعوبة تشخيص سالم الذي يروي عنه عبد الله بن المغيرة خصوصاً اننا لم نعثر _ بعد التتبع _على رواية يرويها سالم عن عبد الله بن المغيرة غير هذه الرواية.

وهذه الرواية يرويها الشيخ الصدوق في العلل عن جعفر بن علي ، عن أبيه ، عن جده الحسن بن علي ، عن جده عبد الله بن المغيرة، وفي هذا السند مضافاً إلى المشكلة المتقدمة لأن عبد الله بن المغيرة يروي فيه عن سالم ايضاً ان بعض الرواة مجهول وبعضهم مهمل، فعلي بن جعفر لا بأس به لكن علي بن الحسن مجهول والحسن بن علي مهمل لم يذكر في كتب الرجال، ومن هنا لا تصلح هذه الرواية للاستدلال بها في محل الكلام.

 

قال السيد الماتن ومنها صوم الضيف بدون إذن مضيفه والاحوط تركه مع نهيه بل الاحوط تركه مع عدم اذنه ايضاً

ملاحظة

الكراهة في الموارد السابقة مثل صوم يوم عاشوراء او صوم يوم عرفة في الحالتين السابقتين لا تختص بالصوم التطوعي بل تشمل الصوم الواجب فاذا التزمنا بكراهة صوم يوم عاشوراء سوف يكره الصوم فيه سواء كان تطوعيا او كان واجبا كالقضاء و الكفارة و امثالهما بينما الكراهة في هذا المورد و المورد الاتي [3] تختص بالصوم التطوعي حسب الظاهر .

 

ذكر في الجواهر ان الاقوال في المسألة ثلاثة :

القول الاول : الكراهة مطلقا نهى المضيف الضيف عن الصيام او لم ينه عن ذلك اذن او لم يأذن و هو المنسوب الى المشهور باعتبار ان في صوم الضيف نوع من التكلفة على المضيف و عياله

القول الثاني : عدم الجواز _بمعنى انه اذا صامه لا يصح منه هذا الصوم_ اذا كان ذلك بدون الاذن ، فمن باب اولى لا يصح في صورة النهى و هو ما ذهب اليه الشيخان و المحقق في المعتبر و ابن ادريس في السرائر و العلامة في التبصرة على ما حكى

القول الثالث : التفصيل بين النهى عنه من قبل المضيف فلا يصح و بين عدم الاذن فيكره و هو مختار المحقق في الشرائع

 

و لاتضاح ما هو الحق في المقام لابد من ملاحظة الروايات

الرواية الاولى : رواية الفضيل بن يسار [4]

محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن الفضيل بن يسار، عن أبي عبد الله [5] عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا دخل رجل بلدة فهو ضيف على من بها من أهل دينه حتى يرحل عنهم، ولا ينبغي للضيف أن يصوم إلا باذنهم لئلا يعملوا له الشئ فيفسد ولا ينبغي لهم أن يصوموا إلا باذن الضيف لئلا يحتشم فيشتهي الطعام فيتركه لهم.

 

سندها

توجد مشكلة في طريق الشيخ الصدوق الى فضيل بن يسار

قال في المشيخة : وما كان فيه عن الفضيل بن يسار فقد رويته عن محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه عن علي بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن الفضيل بن يسار[6]

و المشكلة من جهة الراوي الاول و الثاني في السند

اما بالنسبة الى محمد بن موسى بن المتوكل فقد قال السيد الخوئي عنه انه "لم يرد فيه أيّ توثيق يعتمد عليه في كتب الرجال، غير أنّنا بنينا على وثاقته، نظراً إلى أنّ ابن طاوس يروي حديثاً يشتمل سنده عليه، ثمّ يقول (قدس سره): و جميع رواته ثقات اتّفاقاً و نحن و إن لم نعوّل على توثيق المتأخّرين إلّا أنّ هذا التعبير من مثل ابن طاوس الذي كلّ عبارات المدح دون شأنه يورث الاطمئنان بأنّ في جملة المتّفقين بعض القدماء الذين نعتمد على توثيقهم و لا أقلّ من شخص أو شخصين، و هذا المقدار كافٍ في التوثيق."[7]

 


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج10، ص467، أبواب الصوم المندوب، ب23، ح13، ط آل البيت.
[2] هكذا في الوسائل وفي الفقيه ج2 ص87 عبد الله بن المغيرة.
[3] و هو صوم الولد من دون اذن الوالد.
[4] المروية في الباب التاسع من ابواب الصوم المحرم و المكروه من الوسائل الحديث الاول.
[5] في نسخة ابي جعفر عليه السلام.
[6] الفقيه ج٤ ص٤٤١.
[7] موسوعة الإمام الخوئي الجزء الثاني و العشرون ص٣٢١.