1440/03/20


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/03/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- شروط المتعاقدين - مسألة ( 58 ) شرطية البلوغ.

أما الروايات:- فهي:-

الرواية الأولى:- رواية أبي الحسين بياع اللؤلؤ الخادم ، وهذه الرواية يرويها الشيخ الصدوق(قده) في خصاله ، وقد نقلها صاحب الوسائل من الخصال ، وكذلك رواها العياشي ، قال صاحب الوسائل:- ( الخصال عن أبيه عن سعد عن أحمد بن محمد عن ابن أبي نصر عن أبي الحسين الخادم بياع اللؤلؤ عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سأله أبي وأنا حاضر عن اليتيم متى يجوز أمره ؟ قال: حتى يبلغ أشده ، قال: وما أشده ؟ قال: احتلامه ، قال قلت: قد يكون الغلام ابن ثمان عشرة سنة أو أقل أو أكثر ولم يحتلم ؟ قال: إذا بلغ وكتب عليه الشيء جاز عليه أمره إلا أن يكون سفيهاً أو ضعيفاً )[1] .

ومن باب الفائدة الجانبية نقول:- إنَّ صاحب الوسائل(قده) يختصر في بعض الأحيان ، فمثلاً يختصر من كان اسمه طويلاً فهو هنا نقل الرواية هكذا ( الخصال عن أبيه عن سعد عن أحمد بن محمد عن ابن أبي نصر عن أبي الحسين الخادم بياع اللؤلؤ ) ، ولكن حيما ترجع إلى الخصال[2] نجده يقول ( حدثنا أبي رضي الله عنه قال حدثنا سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن أبي الحسين الخادم بيّاع اللؤلؤ عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام .... ) ، فهو في البداية قال ( حدثنا أبي رضي الله عنه ) وصاحب الوسائل اختصر وقال ( الخصال عن أبيه ) ، ثم إنَّ صاحب الخصال قال ( حدثنا سعد بن عبد الله ) وصاحب الوسائل اختصر وقال ( عن ابن سعدٍ ) وهذا اختصار مقبول ، ثم قال صاحب الوسائل ( عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ) ولم يقل ( البزنطي ) بينما الموجود في الخصال هو ( البزنطي ) ، فهذه تغييرات مغتفرة وهي اختصار جيد.

ولكن يوجد شيء غير مغتفر ، وهو أنه سقط من قلمه المبارك عبارة ( عن عبد الله بن سنان ) لأنَّ هذا موجود في الخصال ، ومن حسن الحظ إنَّ هذا لا يضرنا في هذا المورد ، إما لو كان في غير هذا المورد فقد يضرنا ، فهنا سواء كان هناك واسطة أو لم تكن فهذا لا يضر ، لأنَّ عبد الله بن سنان من أجلّة أصحابنا ، فحتى لو كان موجوداً فهذا لا يؤثر شيئاً ، ولكنه سقط من القلم المبارك لصاحب الوسائل(قده).وهذه الرواة لا مشكلة فيها لحدّ الآن ، وقد رواها العياشي في تفسيره عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( سأله أبي وأنا حاضر ) ، وهذا مكرر في أكثر من مورد أنَّ عبد الله بن سنان والده سنان في المجلس ويسأل ، كرواية الطهارة الوارد في باب الطهارة ( الثوب أُعيره الذمّي ) فالسائل كان هو أبو عبد بن سنان وغيرها من هذا القبيل .وقد تسأل وتقول:- هل سنان ثقة أو لا فإننا لا نعلم بذلك ؟ لكن نقول:- إنَّ عبد الله بن سنان ثقة وهو كان حاضراً عند سؤال أبيه فلا مشكلة.

فالعياشي روى في تفسيره عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( سأله أبي وأنا حاضر ...... قال: إذا بلغ ثلاث عشرة سنة كتب له لحسن وكتب عليه السيء وجاز أمره إلا ان يكون فيهاً أو ضعيفاً )[3] ، بينما في نقل الوسائل كان الموجود هو عبارة ( إذا بلغ وكتب عليه الشيء جاز عليه أمره ) ولا يوجد فيها عبارة ( إذا بلغ ثلاث عشرة سنة ) ، فلو كانت هذه العبارة موجودة فسوف تضرّنا ، فإذاً هذا اختلاف في كيفية النقل.

والكلام تارة يقع بلحاظ الدلالة ، وأخرى بلحاظ السند:-

أما بلحاظ الدلالة:- فإنَّ الرواية قالت ( إذا بلغ وكتب عليه الشيء جاز عليه أمره ) ، ومفهومها إنه لا يجوز أمره إذا لم يبلغ ويكتب عليه القلم ، وحينئذٍ نقول: ما هو المقصود من الأمر ؟ إنه بإطلاقه يشمل جميع ما يرتبط بالغلام من هدية أو وصية أو بيع وشراء ، فكلّ ما يصدق عليه أمر الصبي والذي بالإطلاق يشمل البيع والشراء يجوز ، فإذا بلغ جاز البيع والشراء ، وإذا لم يبلغ ولم يكتب عليه الشيء لا يجوز أمره ، فحينئذٍ كلمة أمر بإطلاقها تشمل البيع والشراء ، ثم نضم إلى ذلك ضميمةً وهي أنَّ الجواز يقصد منه الجواز الوضعي دون التكليفي ، لضعف احتمال كون المقصود منه الجواز التكليفي ، يعني ليس المقصود منه إذا لم يبلغ ولم يكتب عليه شيء لم يجز يعني حرامٌ عليه فإنَّ هذا ضعيف ، لأنه ليس ببالغٍ بَعدُ وهذا قرينة على أنَّ المقصود من الجواز هنا هو الجواز الوضعي ، والذي نريد أن نبحثه هو الجواز الوضعي ، لأننا نريد أن نعرف هل هو ممضي شرعاً أو لا ، وهناك مقدمة ثالثة وهي أنَّ المقصود هو حالة استقلاله بالأمر فإنَّ هذا هو القدر المتيقن من الرواية ، فـالقدر المتيقن من ( لا يجوز ) في قوله عليه السلام ( فإذا لم يبلغ ولم يكتب عليه شيء فلا يجوز أمره ) هو ما إذا كان مستقلاً ، فيصير المنطوق إنه يجوز أمره إذا حصل منه بالاستقلال ، فإذاً نحتاج إلى ثلاث مقدمات ، وبهذا تكون دلالة الرواية على المطلوب تامة.

إلا أن هناك مشكلة وحاصها:- إننا لو رجعنا إلى رواية ابن سنان وجدناها تقول: ( إذا بلغ ثلاث عشرة سنة كتب له الحسن وكتب السيء وجاز أمره ) ، يعني جعلت المدار في البلوغ على ثلاثة عشر سنة ، فبثلاث عشر سنة جاز أمره ، والحال أنَّ البلوغ عندنا لا يتحقق بثلاث عشرة سنة بل إلى خمسة عشر سنة ، ومادامت هذه الفقرة موجودة فلا يمكن الأخذ بالرواية.

وهذا الاشكال لا يرد على الرواية الأولى:- وهي رواية بياع اللؤلؤ ، لأنَّ الوارد فيها ( إذا بلغ وكتب عليه الشيء جاز عليه أمره ) فإنه لا يوجد فيها عبارة ( ثلاثة عشر سنة ) ، وحيث إنَّ الرواية واحدة ، فكلتاهما عن عبد الله بن سنان ، والتركيب واحد والتعبير واحد ، فحينئذٍ لا نعلم الصادر ، فيحتمل أن يكون الصادر الرواية المشتملة على عبارة ( ثلاثة عشرة سنة ) وحينئذٍ لا يمكن أن نأخذ بها ، لأنها تشتمل على عبارة تدل على أنَّ البلوغ يتحقق بثلاثة عشر سنة وهذا لا يمكن الالتزام به ، فلابد من حملها على التقيَّة ، فإذاً لا يمكن الاستدلال بها.

والجواب:- إنَّ هذا تام وله وجاهة فيما إذا فرض أنَّ رواية العياشي كانت تامة سنداً ، ولكن لو سلّمنا أنَّ كتاب تفسير العياشي وصلت نسخة معتبرة منه بيد أصحابنا ومنهم صاحب مستدرك الوسائل الذي ينقل هذه الرواية - كما يرى البعض ذلك - ولكن تبقى مشكلة ، وهي أنَّ العياشي ينقلها عن عبد الله ابن سنان ولم يذكر السند بينه وبين ابن سنان ، فتكون مرسلة ، فتسقط عن الاعتبار ، فتبقى رواية الخصال سالمة عن المعارض فنأخذ بها.

إن قلت:- هناك طريق آخر ، وهو أن نُعمِل فكرة التفكيك في فقرات الرواية فنقول: إنَّنا نحمل فقرة ( إذا بلغ ثلاث عشرة سنة ) على التقية ، وأما فقرة ( جاز أمره ) لا موجب لحملها على التقية ، يعني أنَّ الذي كان وارداً هو ( إذا بلغ ثلاث عشرة سنة ... وجاز أمره ) ، فنحن نحمل ( ثلاث عشرة سنة ) على التقية والباقي ليس على التقية ، فالتفكيك يصير في فقرةٍ واحده ، وحينئذٍ الرواية على أنه إذا بلغ جاز أمره أما أنَّ البلوغ بم يتحقق فالرواية قالت بثلاث عشر سنة ولكن هذه العبارة ساقطة ، وإذا لم يبلغ فلا يجوز أمره ، فنفكّك بين فقرات الرواية بهذه الصورة.

والجواب:- لو سلّمنا فكرة التفكيك بين فقرات الرواية فإنما نسلّم بها فيما إذا كانت الفقرات مستقلّة بعضها عن بعض ، فلو كانت هناك رواية واحدة ولكن كانت الفقرات فيها متعددة فهنا نسلّم بالتفكيك ، أما التفكيك في الفقرة الواحدة فهذا صعبٌ جداً ، والوجه في ذلك هو أنَّ مدرك حجية الظهور هو سيرة العقلاء ، ولا نجزم بأنَّ سيرة العقلاء قد جرت على التفكيك في الفقرة الواحدة ، فإذاً هذه الفكرة مروضة.

والمناسب هو الفكرة السابقة وهي أن نقول:- إنَّ الرواية في حدّ نفسها ساقطة عن الاعتبار لإرسالها ، وحينئذٍ تبقى رواية الخصال بلا معارض فنأخذ بها.

وأما من حيث السند:- والمشكلة السندية في هذه الرواية هي من حيث أبو الحسين الخادم بياع اللؤلؤ ، وإلا فالشيخ الصدوق ووالده هم من الأجلة ، وسعد بن عبد الله صاحب كتاب الرحمة هو من أجلة أصحابنا أيضاً ، وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي هو من أحد الثلاثة الذين لهم اعتبار شديد إلى حدّ أنهم لا يروون إلا عن ثقة ، إنما المشكلة في أبي الحسين الخادم بياع اللؤلؤ ، ووجه المشكلة هو أنَّ النجاشي(قده) حينما ذكر أبي الحسين بياّع اللؤلؤ قال ( هو آدم بن المتوكل ثقة )[4] ، ولو كنا نحن وهذا المقدار لم تكن لدينا مشكلة ، ولكن يظهر من الشيخ الطوسي(قده)[5] [6] التعدّد وأنَّ الخادم يطلق على اثنين أحدهما آدم بن المتوكل والثاني لم يذكره بتوثيق ، وعليه سوف نواجه مشكلة من هذه الناحية ، وحيث نحتمل أنه الثاني فالرواية تسقط عن الاعتبار ، فاذا نصنع ؟

والجواب:- إذا كنّا نبني على أنَّ كل من يروي عنه أحد الثلاثة فهو ثقة فلا مشكلة حينئذٍ ، وأحدهم البزنطي ، لعبارة الشيخ الطوسي(قده) في العدّة من أنَّ العصابة قد عملت بمراسيل ممّن عُرِفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة ، وذكر الشيخ في عبارة العدّة ثلاثة وهم ابن أبي عمير والبزنطي وصفوان ، وهذا الشخص حيث روى عنه البزنطي بطريقٍ معتبر - لأنه في نفس هذه الرواية في سند الصدوق البزنطي قد روى عن أبي الحسين بيّاع اللؤلؤ - فعلى هذا الأساس لا تعود هناك مشكلة من حيث السند.

فإذاً الرواية لا بأس بها من حيث السند ، وكذلك لا بأس بها من حث الدلالة ، فتكون دلتها على اعتبار البلوغ في صحة معاملات الصبي تكون جيدة ويمكن الاعتماد عليها.

[6] المحققة بتحقيق السيد عبد العزيز الطباطبائي.