1440/05/02


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/05/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 60 ) – شرطية الاختيار – شروط المتعاقدين.

وفي الجواب نقول:- إنَّ محل كلامنا هو الأفراد التي أخذها المكرِه في كلامه وقال ( بع إما الدار أو السيارة ) ، فهنا الذي أخذه في كلامه هو بيع الدار وبيع السيارة ، فهنا نقول إنَّ الاكراه لم يتعلّق بالأفراد وإنما تعلّق بالجامع ، أما ما ذكره من أنه لو قال بع السيارة فقط ولم يقل بع السيارة أو الدار فهنا نقول كون البيع في الليل أو كونه في النهار أو كونه بسعر كذا وسائر الخصوصيات لا تنافي الاكراه ، فنحن ندّعي أنَّ تلك الخصوصيات التي يأخذها المكرِه في كلامه لا يكون اكراهٌ بلحاظها ، فلا يصدق الاكراه على الأفراد ، وأما الخصوصيات الأخرى التي لم يأخذها في كلامه ككون البيع في الليل أو في النهار لا تنافي الاكراه ، فعلى على الأساس يلزم أن ينتفي الاكراه من الحياة رأساً ، فنحن ندّعي أنَّ الذي نشعر به بالوجدان أنه لو ذكر الفردين وقال له إما أن تبيع السيارة أو الدار فهو ليس مكرهاً على بيع السيارة بخصوصها ، فإذاً لا يصدق الاكراه بلحاظ بيع السيارة ، فلا معنى لأن ينقض الشيخ الأعظم(قده) ويقول إنه على هذا سوف لا يتحقق الاكراه أبداً وحتى لو قال بع السيارة فقط يلزم أن لا يتحقق اكراه لأنَّ الأفراد هنا كثيرة ، ولكن نحن نقول:- صحيح هي كثيرة ولكن المتكلم لم يأخذها في كلامه ، فحينئذٍ نقول يصدق الاكراه لو باع ليلاً أو باع نهاراً ، وما ندّعيه هو شيء وجداني ، وقياس هذا على ذاك في غير محلّه ، فهناك متعلّق الاكراه متعدد فمصاديق المكرَه عليه متعددة وحينئذٍ يمكن أن يقال هو لا يلزم بفعل هذا بخصوصه كبيع السيارة لأنه يمكن أن يتخلّص ببيع الدار ، أما فيما إذا أكرهه على بيع السيارة فالإكراه قد توجه إلى بيع السيارة أما أنه متى يبيعها فهذا ليس محل نظر المكرِه وإنما محلّ نظره هو بيع السيارة فقط ، فإذا باع السيارة فحينئذٍ يتحقق الاكراه.

والذي نريد أن نقوله:- إنَّ قياس هذا على ذاك في غير محله ، إنما نحن ندّعي عدم تحقق الاكراه بلحاظ الأفراد إذا أخذ الأفراد في كلامه فهنا نقول إنَّ الأفراد لا يوجد اكراه بلحاظها ، لأنَّ الاكراه في الحقيقية متعلّق بواحدٍ ، فلو فرضنا أنه ذكر مائة فرد فهل هناك مائة اكراه ؟ كلا ، وهذا بخلافة فيما إذا فرضنا أنه لم يذكر الأفراد وإنما ذكر السيارة فقط فهنا نقول إنَّ الاكراه متحقق جزماً مادامت الأفراد والمصاديق ليست هي محطّ النظر ، فالنقض بأنه يلزم عدم تحقق الاكراه أبداً ليس بتام ، وإنما الذي ندّعيه فقط هو أنه لا يتحقق الاكراه إذا ذكر المكرِه الأفراد في محل كلامه.

وأما ما ذكره حَلّاً:- فهو قال إنَّ الاكراه صادقٌ لغة وعرفاً ، ومن المناسب أن يقال هو صادق بلحاظ الجامع دون الأفراد.

وإذا أردنا الفرق بين هذا الكلام وذاك الكلام ، ففي الكلام الأوّل قال هو صادق لغة وعرفاً بلحاظ الأفراد ، وفي الكلام الثاني قال المناسب أن نفرّق بين الجامع فهو مكرَه عليه وبين الأفراد فلا ، وتصير النتيجة هي أنَّ الشيخ(قده) يرى تحقق الاكراه لغةً وعرفاً ووجداناً ولكن بلحاظ الجامع دون الأفراد.

ثم فرّع على ذلك بعض الفروع:- فقال: إذا كان الاكراه صادق بلحاظ الجامع دونه بلحاظ الأفراد فسوف تترتب خمسة فروع[1] :-

الفرع الأول:- ما لو أكرهه إما على شرب الماء أو شرب الخمر ، فهنا شرب الخمر هل يكون باقٍ على الحرمة أو أنه مكره عليه وترتفع الحرمة ؟ قال: إنَّ الحرمة باقية ، لأنه يمكنه ترك شرب الخمر واختيار الماء ، فهو نختارٌ بلحاظ الخصوصية ، فإذاً حرمة الخمر باقية ، فعليه أن ينتخب غير الخمر.

الفرع الثاني:- لو أكرهه على بيعٍ صحيح أو فاسدٍ ، كما لو قال له إما أن تبيع بالعربية أو تبيع بصيغة غير العربية الذي هو فاسد مثلاً ، فهنا لو انتخب العقد بالعربية وقع صحيحاً ، لأنه ليس مكرهاً عليه ، إذ كان بإمكانه أن ينتخب العقد بالفارسية وحينئذٍ لا يترتب أثر ، فعدوله من العقد بالفارسية إلى العقد بالعربية كان باختياره ، فيقع العقد صحيحاً.

الفرع الثالث:- لو أكرهه على بيع مالٍ أو أيفاء دينٍ مستحقٍّ ، كما لو قال له إما أن تبيع سيارتك أو تسلّمني دَينك الذي هو مستحقٌّ عليك ، ففي مثل هذه الحالة لو باع السيارة فسوف يقع البيع صحيحاً ، لأجل أنَّ الطرف الثاني هو إيفاء دَينٍ مستحقٍّ لا أنه غير مستحق ، فأنت عليك أن تنتخب إيفاء الدَّين المستحقِّ ولكنك عدلت باختيارك إلى بيع السيارة ، فيقع بيعها صحيحاً.

الفرع الرابع:- لو أكرهه على بيع داره أو إيفاء مالٍ غير مستحقٍّ كألف دينار ، فإذا باع داره فالمناسب أن يقع باطلاً ، لأنه فعل ذلك فراراً من اعطاء الألف دينار التي هي ليست مستحقة ، فهو خوفاً من ذلك الطرف باع الدار والمفروض أنه لا يمكنه ترك الاثنين معاً لأنه سوف يحبسه ، فأمره يكون بين أن يحبس وبين أنَّ يعطي ألف دينار غير المستحقَّة ، فإذا اختار بيع الدار كان عن اكراه.

الفرع الخامس:- لو أكرهه على بيع داره أو شرب الخمر[2] ، ففي مثل هذه الحالة لو باع الدار فمن المناسب وقوعه باطلاً ، لأنه أوقع بيع الدار فراراً إما من شرب الخمر الذي هو محرّم أو من السجن.

وهذه الفروع ليست بتلك الدرجة من الأهمية.والمهم الذي ذكره هو أنه بالتالي يكون مختاراً من حيث الخصوصية ويكون مكرهاً من حيث الجامع.ويرد عليه:-

أولاً:- إذا أراد تطبيق حديث الرفع[3] فهل يطبقه على الخصوصية أو يطبقه على الجامع ؟ وكلاهما لا يمكن ، أما الخصوصية فهي اختيارية باعترافه ، فلا يشملها حديث نفي الاكراه ، وأما الجامع بين التكليفين كما في مثال بيع الدار أو شرب الخمر فهنا لا يوجد الجامع بينهما فواحد اباحة وهو بيع الدار وواحد حرام وهو شرب الخمر ، ولا يوجد بينهما جامع يكون حكماً تكليفياً تحريمياً أو وجوبياً ، لأنَّ حديث الرفع يرفع التكليف الوجوبي أو التحريمي أما الحكم الاباحتي فلا معنى لأنَّ يرفعه ، فعلى هذا الأساس لا يوجد بينهما جامع يمكن رفعه ، لأنَّ الجامع لا وجوب ولا حرمة حتى يمكن تطبيق حديث الرفع عيله ورفع ذلك الحكم.

ثانياً:- نقول إنه مادامت الخصوصية اختيارية فحينئذٍ المجموع يكون اختيارياً ، فإنه يكفي لاختيارية الشيء اختيارية بعض أجزائه ، فبالتالي سوف يصير المجموع اختيارياً ، لأنَّ هذا الجزء الاختياري يمكن تحقيقه فيتحقق المجموع ويمكن عدم تحقيقه فلا يتحقق المجموع ، فإذاً الاكراه سوف لا يكون صادقاً بسب اختيارية بعض أجزائه أو قيوده.

فإذاً لا يمكن تطبيق حديث الرفع ، وما ذكره من تفصيلٍ فهو غير نافع.

[1] ونحن نمر عليها مرور الكرام.
[2] وهذا المثال مع المثال الرابع تقريباً من وادٍ واحد، فلا داعي لذكرهما معاً، غاية الأمر أنَّ أداء المال ليس بمحرّم أما هنا فشرب الخمر محرّم.
[3] لأنه بالتالي يريد أن يطبق حديث الرفع.