1440/05/29


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/05/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 63 ) – شرطية الاختيار – شروط المتعاقدين.

اختلف في وقوع العقد صحيحاً بالرضا وعدمه ، ونحن نتكلم مرّة في الأدلة على وقوعه باطلاً ، وأخرى نتكلم في الأدلة على وقوعه صحيحاً من دون حاجة إلى اعادته من جديد:-

أدلة عدم الصحة:- وهي متعددة ، بيد أنَّ أهمها دليلان:-

الدليل الأول:- قوله تعالى:- ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم ﴾.

الدليل الثاني:- حديث نفي الاكراه.

الكلام في الدليل الأول:- استدل بالآية الكريمة من خلال تقريبين:-

التقريب الأول:- التمسّك بمفهوم الحصر ، لأنَّ الآية الكريمة حصرت جواز الأكل بالتجارة الناشئة عن تراضٍ ، فإن كلمة ( عن ) تدل على النشوء ، يعني التجارة الناشئة عن تراضٍ ، حيث إنه في عقد المكره لم تنشأ التجارة عن تراضٍ ، فهي بمقتضى الآية الكريمة تقع باطلة ، وهذا تمسّك بمفهوم الحصر ، أو بتعبير آخر تمسك بمفهوم الاستثناء.

التقريب الثاني:- التمسّك بمفهوم الوصف ، وذك بأن يقال: لو قطعنا النظر عن الحصر ، فلنفترض أنَّ أداة النفي وأداة الحصر ليستا موجودتان وإنما كانت العبارة هكذا: ( كلوا أموالكم بالتجارة عن تراضٍ ) فهذا لا يوجد فيه حصر ، ولكن هذا فيه وصف ، لأنَّ ( عن تراضٍ ) وإن كان جاراً ومجروراً ولكنه بحسب المعنى هو وصفٌ ، يعني التجارة المرضي بها ، وحينئذٍ يستفاد من خلال ذكر الوصف المفهوم وأنَّ التجارة التي لم تنشأ عن تراضٍ فهي باطلة.

وأجاب الشيخ الأعظم(قده)[1] عن كلا التقريبين وقال بلسان الحال دون المقال:- إنَّ كلا التقريبين مردود:-

أما الحصر فجوابه:- إنَّ الاستثناء المنقطع لا يدل على الحصر ، وهنا الاستثناء منقطع ، لأن الآية الكريمة قالت: ﴿ لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ﴾ ، ثم استثنت وقالت: ﴿ إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ﴾ ، والتجارة عن تراضٍ ليس من الباطل ، فالمستثنى منه ليس من جنس المستثنى ، فيكون الاستثناء منقطعاً وهو لا يفيد الحصر.

وأما بالنسبة إلى مفهوم الوصف فقد قال:- إنَّ الوصف لا يدل على المفهوم ، ولو قلنا بأنه يدل على المفهوم فإنما هو يدل عليه فيما إذا لم يكن وارداً مورد الغالب ، ولذلك قيل في الآية الكريمة ﴿ وربائبكم اللاتي في حجوركم ﴾ فـ﴿ اللاتي في حجوركم ﴾ وصفٌ ولكنه ليس له مفهوم ، يعني لو تزوّج شخص من امرأة وكانت عندها بنت في دار الحضانة أو عند جدتها فهل نقول هي حلال له ؟ كلا ، وإنما نقول إنَّ هذا الوصف ورد مورد الغالب ، لأنَّ الغالب أنَّ الطفلة مع أمها فتكون في حجرها ، فالوصف الوارد مورد الغالب لا يدل على المفهوم.

ونحن نعلّق نقول:- الكلام تارةَّ يقع في التقريب الأوّل ، وأخرى يقع في التقريب الثاني:-

أما التقريب الأوّل:- فمناقشة الاستدلال بمفهوم الحصر التي ذكرها الشيخ الأعظم(قده) بأنَّ هذا استثناء منقطع وهو لا مفهوم له يتوقف على مقدمات ثلاث:-

الأولى:- إنَّ الاستثناء في الآية الكريمة منقطع وليس بمتصل ، وهذا قد يتأمل فيه.

الثانية:- إنَّ الاستثناء المنقطع ليس له مفهوم.

الثالثة:- إنه لا يوجد ما يمكن الاستعانة به كبديلٍ عن مفهوم الحصر.

فإذاً نحتاج إلى ثلاثة أشياء حتى ينتفي المفهوم.

أما المقدمة الأولى:- فقد يقال: إنَّ الاستثناء في الآية الكريمة متصل ، بل قد ذهب إليه السيد اليزدي(قده)[2] والسيد الخوئي(قده)[3] ، وحاصل ما ذكراه:- إنه يمكن أن نفسّر الآية الكريمة بشكلٍ يكون فيه الاستثناء متصلاً.

وقبل أن نذكر نفسّر الآية الكريمة نقول:- إنَّ المقصود من الأكل في الآية الكريمة ليس هو الأكل الظاهري ، وإنما هو كناية عن التملّك ، يعني ( لا تتملّكوا الأموال بأيّ سببٍ من الأسباب فإنَّ ذلك باطل شرعاً إلا إذا كان السبب وهو التجارة عن تراضٍ منكم فإنَّ ذلك ليس بباطل شرعاً ) ، وبناءً على هذا سوف يصير الاستثناء متصلاً ، لأنَّ الموضوع لجملة المستثنى منه هو ( بأيّ سببٍ من الأسباب) ، والحكم هو ( فإنه باطل شرعاً ) ، وجاء المستثنى وقال ( إلا إذا كان السبب هو التجارة عن تراضٍ ) ، وهذا المستثنى من جنس المستثنى منه ولا توجد مغايرة بينهما ، نعم الحكم مغاير ، وهذا لا مشكلة فيه ، لأنَّ المستثنى حكمه يكون مغايراً دائماً لحكم المستثنى منه فـ( إنه صحيحٌ شرعاً ) ، قال السيد الخوئي(قده):- ( والمعنى لا تأكلوا اموالكم بوجه من الوجوه فإنه باطل إلا أن يكون تجارة عن تراض ).

ويردّه:- إنهما جعلا كلمة ( بالباطل ) حكماً للموضوع ، ، فالموضوع هو ( أيّ سببٍ من الأسباب ) والحكم هو ( فإنه باطل ) ، فإذا فسّرنا الآية الكريمة هكذا فالأمر كما أفادا ، بيد أنَّ ( بالباطل ) لم يذكر في الآية الكريمة بعنوان حكم ، وإنما ذكر بعنوان قيد للسبب ، فإنَّ الآية الكريمة قالت ﴿ لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ﴾ ، فـ( بالباطل ) ليس حكماً وإنما هو قيدٌ للحكم ، فـ( لا تأكلوا بالباطل ) هو قيدٌ ليس حكماً ، وسوف يصير الموضوع لجملة المستثنى منه بناءً على ما ذكرناه هو ( الأكل بالباطل ) ، وليس ( الأكل بأيّ سببٍ الباطل ) هو الحكم ، كلا ، بل الموضوع هو الأكل بالباطل ثم استثني التجارة عن تراضٍ ، فيصير المستثنى مغايراً للمستثنى منه ، فيكون منقطعاً.

إذاً اتضح أنَّ المقدمة الأولى في هذا التقريب تامة وليس كما ناقش العلمان.

أما المقدمة الثانية:- وهي أنَّ الاستثناء المنقطع لا يفيد الحصر والمفهوم ، هكذا قرأنا في النحو ، فهم يقلون ( إلا ) في المنقطع هي بمعنى ( لكن ) ، يعني استدراك ، يعني إذا قلنا هكذا ( لم يجئ القوم إلا حيواناتهم ) فهذا استثناء منقطع ، فنفسّر ( إلا ) بمعنى ( لكن ) ، يعني ( لكن جاءت حيواتهم ) ، وهذا سوف لا نستفيد منه الحصر المفهوم ، فحيواناتهم قد جاءت وهذا لا ينافي أنه جاءت كتبهم ورسائلهم دراجاتهم الهوائية وغير ذلك ، ولكن كلام النحاة أو أهل البلاغة ليس بحجة ، نعم إذا كانت المسألة اتفاقية وواضحة فربما تورث هذا المعنى ، ولكن المقصود إنَّ تفسيرها بـ( لكن ) هو من غير مبرر.

فيمكن أن يقول قائل إنَّ الاستثناء المنقطع أيضاً يفيد الحصر ، ونتمسّك لذلك بالتبادر ، فحينما نقول ( لم يجئ أحد من القوم إلا حيواناتهم ) فالمتبادر بالوجدان هو أنَّ الحيوانان هي التي جاءت فقط.

بيد أنَّ الحاج ميرزا علي الايرواني(قده) قال:- إنَّ الاستثناء المنقطع لا يفيد المفهوم ، فإنَّ الاستثناء إذا كان متصلاً فحيث إنه يرجع إلى قضيتين فهو يفيد المفهوم ، فحينما تقول ( جاء القوم إلا زيداً ) فهنا توجد جملتان ، الأولى هي ( جاء كل القوم ) وهذه قضية وجدانية ، والثانية هي ( ما جاء زيد ) ، فرجعت إلى قضيتين ، فنفهم منها الحصر حينئذٍ ، وأما إذا كان الاستثناء منقطعاً فهو لا يرجع إلى قضيتين ، بل يرجع إلى أكثر من قضيتين ، فحينما تقول ( ما جاء القوم ألا حيواناتهم ) فالقضية الأولى هي ( لم يجئ أحدٌ من القوم ) ، والقضية الثانية هي ( جاءت حيواناتهم ) ، ويوجد احتمال ثالث وهو ( جاءت كتبهم ورسائلهم ) ، فإنه لا يوجد نافٍ لذلك ، لأنَّ الجملة الأولى كانت تقول ( لم يجئ أحد من القوم ) والرسائل ليست فرداً من القوم ، والجملة الثانية تقول ( جاءت حيواناتهم ) ، ويحتمل أنه توجد جملة ثالثة وهي ( جاءت كاتبهم ورسائلهم ) إذ لا يوجد نافٍ لها ، وهذا بخلافه في الاستثناء المتصل ، لأنه في الاستثناء المتصل الجملة الأولى هي ( جاء القوم كلّهم ) والجملة الثانية هي ( لم يجئ زيد ) ، فحتماً عمرواً لم يجئ ، وإلا كان ذلك منافياً للجملة الأولى ، لأنَّ الجملة الأولى قالت ( جاء كل القوم ) والجملة الثانية قالت ( إلا زيد فلم يجئ ) ، فالنافي للجملة الثالثة موجود ، وأما في الاستثناء المنقطع فالجملة الأولى تقول ( ما جاء القوم ) والجملة الثانية تقول ( جاءت حيواناتهم ) ، ولكن لا يوجد نافٍ لمجيء الرسائل لا الجملة الأولى ولا الجملة الثانية ، فالمفهوم حينئذٍ لا يثبت.

ومقامنا من هذا القبيل - يعني لا يرجع إلى جملتين - لأنَّ الآية الكريمة قالت ﴿ لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ﴾ يعني بالأسباب بالباطلة ، ثم جاءت الجملة الثانية وقالت ( كلوا بالسبب الصحيح وهو التجارة الناشئة عن تراضٍ ، وتوجد قضية ثالثة لا نافي لها وهي التجارة الحاصلة من المكرَه ، لأنه حين العقد لم يكن راضياً ولكنه رضي بعد ذلك ، فحينئذٍ هذه المعاملة لا يوجد ما ينفيها ، ويحتمل أنها تدخل في الأولى ، كما يحتمل أنها تدخل في الثانية ، ويحتمل أن يكون لها حكم ، فلا يوجد ما ينفيها ، فلذلك لا يتحقق المفهوم لجملة ﴿ لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ﴾.


[1] كتاب المكاسب، الأنصاري، ج3، ص331.
[2] حاشية المكاسب، السيد اليزدي، ص127.
[3] محاضرات في القه الجعفري، الخوئي، ج2، ص271.

الموضوع:- مسألة ( 63 ) – شرطية الاختيار – شروط المتعاقدين.

اختلف في وقوع العقد صحيحاً بالرضا وعدمه ، ونحن نتكلم مرّة في الأدلة على وقوعه باطلاً ، وأخرى نتكلم في الأدلة على وقوعه صحيحاً من دون حاجة إلى اعادته من جديد:-

أدلة عدم الصحة:- وهي متعددة ، بيد أنَّ أهمها دليلان:-

الدليل الأول:- قوله تعالى:- ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم ﴾.

الدليل الثاني:- حديث نفي الاكراه.

الكلام في الدليل الأول:- استدل بالآية الكريمة من خلال تقريبين:-

التقريب الأول:- التمسّك بمفهوم الحصر ، لأنَّ الآية الكريمة حصرت جواز الأكل بالتجارة الناشئة عن تراضٍ ، فإن كلمة ( عن ) تدل على النشوء ، يعني التجارة الناشئة عن تراضٍ ، حيث إنه في عقد المكره لم تنشأ التجارة عن تراضٍ ، فهي بمقتضى الآية الكريمة تقع باطلة ، وهذا تمسّك بمفهوم الحصر ، أو بتعبير آخر تمسك بمفهوم الاستثناء.

التقريب الثاني:- التمسّك بمفهوم الوصف ، وذك بأن يقال: لو قطعنا النظر عن الحصر ، فلنفترض أنَّ أداة النفي وأداة الحصر ليستا موجودتان وإنما كانت العبارة هكذا: ( كلوا أموالكم بالتجارة عن تراضٍ ) فهذا لا يوجد فيه حصر ، ولكن هذا فيه وصف ، لأنَّ ( عن تراضٍ ) وإن كان جاراً ومجروراً ولكنه بحسب المعنى هو وصفٌ ، يعني التجارة المرضي بها ، وحينئذٍ يستفاد من خلال ذكر الوصف المفهوم وأنَّ التجارة التي لم تنشأ عن تراضٍ فهي باطلة.

وأجاب الشيخ الأعظم(قده)[1] عن كلا التقريبين وقال بلسان الحال دون المقال:- إنَّ كلا التقريبين مردود:-

أما الحصر فجوابه:- إنَّ الاستثناء المنقطع لا يدل على الحصر ، وهنا الاستثناء منقطع ، لأن الآية الكريمة قالت: ﴿ لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ﴾ ، ثم استثنت وقالت: ﴿ إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ﴾ ، والتجارة عن تراضٍ ليس من الباطل ، فالمستثنى منه ليس من جنس المستثنى ، فيكون الاستثناء منقطعاً وهو لا يفيد الحصر.

وأما بالنسبة إلى مفهوم الوصف فقد قال:- إنَّ الوصف لا يدل على المفهوم ، ولو قلنا بأنه يدل على المفهوم فإنما هو يدل عليه فيما إذا لم يكن وارداً مورد الغالب ، ولذلك قيل في الآية الكريمة ﴿ وربائبكم اللاتي في حجوركم ﴾ فـ﴿ اللاتي في حجوركم ﴾ وصفٌ ولكنه ليس له مفهوم ، يعني لو تزوّج شخص من امرأة وكانت عندها بنت في دار الحضانة أو عند جدتها فهل نقول هي حلال له ؟ كلا ، وإنما نقول إنَّ هذا الوصف ورد مورد الغالب ، لأنَّ الغالب أنَّ الطفلة مع أمها فتكون في حجرها ، فالوصف الوارد مورد الغالب لا يدل على المفهوم.

ونحن نعلّق نقول:- الكلام تارةَّ يقع في التقريب الأوّل ، وأخرى يقع في التقريب الثاني:-

أما التقريب الأوّل:- فمناقشة الاستدلال بمفهوم الحصر التي ذكرها الشيخ الأعظم(قده) بأنَّ هذا استثناء منقطع وهو لا مفهوم له يتوقف على مقدمات ثلاث:-

الأولى:- إنَّ الاستثناء في الآية الكريمة منقطع وليس بمتصل ، وهذا قد يتأمل فيه.

الثانية:- إنَّ الاستثناء المنقطع ليس له مفهوم.

الثالثة:- إنه لا يوجد ما يمكن الاستعانة به كبديلٍ عن مفهوم الحصر.

فإذاً نحتاج إلى ثلاثة أشياء حتى ينتفي المفهوم.

أما المقدمة الأولى:- فقد يقال: إنَّ الاستثناء في الآية الكريمة متصل ، بل قد ذهب إليه السيد اليزدي(قده)[2] والسيد الخوئي(قده)[3] ، وحاصل ما ذكراه:- إنه يمكن أن نفسّر الآية الكريمة بشكلٍ يكون فيه الاستثناء متصلاً.

وقبل أن نذكر نفسّر الآية الكريمة نقول:- إنَّ المقصود من الأكل في الآية الكريمة ليس هو الأكل الظاهري ، وإنما هو كناية عن التملّك ، يعني ( لا تتملّكوا الأموال بأيّ سببٍ من الأسباب فإنَّ ذلك باطل شرعاً إلا إذا كان السبب وهو التجارة عن تراضٍ منكم فإنَّ ذلك ليس بباطل شرعاً ) ، وبناءً على هذا سوف يصير الاستثناء متصلاً ، لأنَّ الموضوع لجملة المستثنى منه هو ( بأيّ سببٍ من الأسباب) ، والحكم هو ( فإنه باطل شرعاً ) ، وجاء المستثنى وقال ( إلا إذا كان السبب هو التجارة عن تراضٍ ) ، وهذا المستثنى من جنس المستثنى منه ولا توجد مغايرة بينهما ، نعم الحكم مغاير ، وهذا لا مشكلة فيه ، لأنَّ المستثنى حكمه يكون مغايراً دائماً لحكم المستثنى منه فـ( إنه صحيحٌ شرعاً ) ، قال السيد الخوئي(قده):- ( والمعنى لا تأكلوا اموالكم بوجه من الوجوه فإنه باطل إلا أن يكون تجارة عن تراض ).

ويردّه:- إنهما جعلا كلمة ( بالباطل ) حكماً للموضوع ، ، فالموضوع هو ( أيّ سببٍ من الأسباب ) والحكم هو ( فإنه باطل ) ، فإذا فسّرنا الآية الكريمة هكذا فالأمر كما أفادا ، بيد أنَّ ( بالباطل ) لم يذكر في الآية الكريمة بعنوان حكم ، وإنما ذكر بعنوان قيد للسبب ، فإنَّ الآية الكريمة قالت ﴿ لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ﴾ ، فـ( بالباطل ) ليس حكماً وإنما هو قيدٌ للحكم ، فـ( لا تأكلوا بالباطل ) هو قيدٌ ليس حكماً ، وسوف يصير الموضوع لجملة المستثنى منه بناءً على ما ذكرناه هو ( الأكل بالباطل ) ، وليس ( الأكل بأيّ سببٍ الباطل ) هو الحكم ، كلا ، بل الموضوع هو الأكل بالباطل ثم استثني التجارة عن تراضٍ ، فيصير المستثنى مغايراً للمستثنى منه ، فيكون منقطعاً.

إذاً اتضح أنَّ المقدمة الأولى في هذا التقريب تامة وليس كما ناقش العلمان.

أما المقدمة الثانية:- وهي أنَّ الاستثناء المنقطع لا يفيد الحصر والمفهوم ، هكذا قرأنا في النحو ، فهم يقلون ( إلا ) في المنقطع هي بمعنى ( لكن ) ، يعني استدراك ، يعني إذا قلنا هكذا ( لم يجئ القوم إلا حيواناتهم ) فهذا استثناء منقطع ، فنفسّر ( إلا ) بمعنى ( لكن ) ، يعني ( لكن جاءت حيواتهم ) ، وهذا سوف لا نستفيد منه الحصر المفهوم ، فحيواناتهم قد جاءت وهذا لا ينافي أنه جاءت كتبهم ورسائلهم دراجاتهم الهوائية وغير ذلك ، ولكن كلام النحاة أو أهل البلاغة ليس بحجة ، نعم إذا كانت المسألة اتفاقية وواضحة فربما تورث هذا المعنى ، ولكن المقصود إنَّ تفسيرها بـ( لكن ) هو من غير مبرر.

فيمكن أن يقول قائل إنَّ الاستثناء المنقطع أيضاً يفيد الحصر ، ونتمسّك لذلك بالتبادر ، فحينما نقول ( لم يجئ أحد من القوم إلا حيواناتهم ) فالمتبادر بالوجدان هو أنَّ الحيوانان هي التي جاءت فقط.

بيد أنَّ الحاج ميرزا علي الايرواني(قده) قال:- إنَّ الاستثناء المنقطع لا يفيد المفهوم ، فإنَّ الاستثناء إذا كان متصلاً فحيث إنه يرجع إلى قضيتين فهو يفيد المفهوم ، فحينما تقول ( جاء القوم إلا زيداً ) فهنا توجد جملتان ، الأولى هي ( جاء كل القوم ) وهذه قضية وجدانية ، والثانية هي ( ما جاء زيد ) ، فرجعت إلى قضيتين ، فنفهم منها الحصر حينئذٍ ، وأما إذا كان الاستثناء منقطعاً فهو لا يرجع إلى قضيتين ، بل يرجع إلى أكثر من قضيتين ، فحينما تقول ( ما جاء القوم ألا حيواناتهم ) فالقضية الأولى هي ( لم يجئ أحدٌ من القوم ) ، والقضية الثانية هي ( جاءت حيواناتهم ) ، ويوجد احتمال ثالث وهو ( جاءت كتبهم ورسائلهم ) ، فإنه لا يوجد نافٍ لذلك ، لأنَّ الجملة الأولى كانت تقول ( لم يجئ أحد من القوم ) والرسائل ليست فرداً من القوم ، والجملة الثانية تقول ( جاءت حيواناتهم ) ، ويحتمل أنه توجد جملة ثالثة وهي ( جاءت كاتبهم ورسائلهم ) إذ لا يوجد نافٍ لها ، وهذا بخلافه في الاستثناء المتصل ، لأنه في الاستثناء المتصل الجملة الأولى هي ( جاء القوم كلّهم ) والجملة الثانية هي ( لم يجئ زيد ) ، فحتماً عمرواً لم يجئ ، وإلا كان ذلك منافياً للجملة الأولى ، لأنَّ الجملة الأولى قالت ( جاء كل القوم ) والجملة الثانية قالت ( إلا زيد فلم يجئ ) ، فالنافي للجملة الثالثة موجود ، وأما في الاستثناء المنقطع فالجملة الأولى تقول ( ما جاء القوم ) والجملة الثانية تقول ( جاءت حيواناتهم ) ، ولكن لا يوجد نافٍ لمجيء الرسائل لا الجملة الأولى ولا الجملة الثانية ، فالمفهوم حينئذٍ لا يثبت.

ومقامنا من هذا القبيل - يعني لا يرجع إلى جملتين - لأنَّ الآية الكريمة قالت ﴿ لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ﴾ يعني بالأسباب بالباطلة ، ثم جاءت الجملة الثانية وقالت ( كلوا بالسبب الصحيح وهو التجارة الناشئة عن تراضٍ ، وتوجد قضية ثالثة لا نافي لها وهي التجارة الحاصلة من المكرَه ، لأنه حين العقد لم يكن راضياً ولكنه رضي بعد ذلك ، فحينئذٍ هذه المعاملة لا يوجد ما ينفيها ، ويحتمل أنها تدخل في الأولى ، كما يحتمل أنها تدخل في الثانية ، ويحتمل أن يكون لها حكم ، فلا يوجد ما ينفيها ، فلذلك لا يتحقق المفهوم لجملة ﴿ لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ﴾.


[1] كتاب المكاسب، الأنصاري، ج3، ص331.
[2] حاشية المكاسب، السيد اليزدي، ص127.
[3] محاضرات في القه الجعفري، الخوئي، ج2، ص271.