1440/08/21


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/08/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 64 ) – شروط المتعاقدين.

مسألة (64 ):- لو منع المالك من بيع ماله فباع الفضولي فإن اجاه المالك صحّ ولا أثر للمنع السابق في البطلان.

........................................................................................

هذه المسألة حينما نقرؤها بادئ ذي بدءٍ نشعر أنها مكررة إذ قد مرّ سابقاً أنَّ عقد الفضولي لو جرى والمالك ردّ ولكن بعد ذلك أجاز فهذه قضية قد أشار إليها السيد الماتن في الشرط الرابع بقوله ( والمشهور أنَّ الاجازة بعد الردّ لا أثر لها ولكنه لا يخلو عن إشكال بل لا يبعد نفوذها ).

والسؤال:- أوليست هذه المسألة تكراراً لما سبق ؟

والجواب:- إنه هناك مسألتان لابد من التفرقة بينهما ، احداهما ما تقدم ، يعني لو جرى عقد الفضولي وانتهى ثم ردّ المالك ثم اجاز بعد الرد فهذه مسألة وقد تقدمت ، وهناك مسألة ثانية وهي أنه قبل أن يجري عقد الفضولي يقول المالك إني أمنع أيّ شخص أن يجري عقد الفضولي على مالي ولكن جاء شخص وأخرى عقد الفضولي بعد منع المالك قبل العقد ثم أجاز المالك بعد عقد الفضولي فهل هذه الاجازة نافعة أو لا ؟

فإذاً لابد من التمييز بين هاتين المسألتين ، وكلامنا يقع في المسألة الثانية وليس في المسألة الأولى.

ونطرح ثلاث أسئلة ترتبط بهذه المسألة:-

السؤال الأول:- هل هناك مخالف في المسألة ويقول مادام المنع السابق قبل عقد الفضولي موجوداً فهو يمنع من صحة الاجازة المتأخرة ؟

السؤال الثاني:- إذا أريد أن يقال بالبطلان ، فالتوجيه الفني للبطلان ما هو ؟

السؤال الثالث:- ما هي حقيقة الحال ، فما هو الصحيح والمناسب ، فهل يضر هذا المنع من صحة الاجازة أو أنه مادام المنع قبل العقد فلا يضر ؟

وقد أشار الشيخ الأعظم(قده) إلى هذا المبحث تحت عنوان:- ( المسألة الثانية: أن يسبقه منع المالك والمشهور أيضاً صحته )[1] .

أما بالنسبة إلى السؤال الأول:- فربما يقال هناك ثلاث مؤشرات تدل على أنَّ البعض يذهب أو يميل إلى البطلان رغم أنَّ المنع قبل العقد لا بعده:-

الأول:- حكى فخر الدين أنَّ بعض المجوّزين لبيع الفضولي أنه اعتبر عدم المنع السابق.

الثاني:- ذكر العلامة في التذكرة حديثاً وهو:- ( أيما عبدٍ تزوّج بغير إذن مولاة فهو عاهر ) ، ثم قال إنه ضعيف سنداً ويمكن حمله على صدور المنع قبل العقد ، فقبل أن يتزوج هذا العبد صدر منعٌ من مولاه ، فيمكن حمل هذا الحديث على حالة صدور المنع القبلي ، فحينئذٍ هذا الحديث يقول إنَّ هذا العقد يقع باطلاً ، وهذا سوف نفهم منه نصف المطلوب ، وهو أنَّ هذا العبد إذا فرض أنَّ مولاه منعه قبل أن يجري عقد النكاح لكن العبد أجرى العقد فضولاً فهنا يحكم بأنَّ هذا العبد عاهر - والعهر هو الزنا يعني بحكم الزنا - فيثبت بذلك أنَّ المنع السابق يؤثر على العقد ، وبالتالي هذا العقد يصير بحكم العدم ولذلك حكم عليه بأنه عاهر ، ولكن هذا سوف ينفعنا في باب النكاح فقط ، فيلزم أن نضم مقدمة أخرى وهي أنَّ الظاهر أنه لا يفرّق بين النكاح وغيره ، وبذلك ثبت المطلوب ، وهو أنه متى ما صدر منعٌ سابقٌ على العقد في النكاح - كما هو مورد كلام الأعلام - أو في غيره فإنَّ العقد يقع باطلاً ، يعني لا تنفعه الاجازة المـتأخرة ، وإلا إذا كانت الاجازة نافعة فلماذا حكم العلامة بأنه يكون عاهراً.

الثالث:- احتمل المحقق الثاني فساد بيع الغاصب ، ولكن علل وقال ( للقرينة الدالة على عدم الرضا ) ، وهي قرينة الغصب التي هي موجودة قبل العقد ، فإن نفس الغصب هي أمارة عدم الرضا ، وهذا يفهم منهم أنَّ المحقق الثاني يرى أنَّ عدم الرضا السابق على العقد يمنع من صحة العقد ولا تنفع الاجازة اللاحقة.

هذه ثلاثة مؤشرات ربما يستفاد منها جود قائل أو مُحتمِل لتأثير المنع السابق على العقد من صحته العقد ، وسواء كان هناك قائل أو لم يوجد فإنَّ هذا لا يؤثر شيئاً ، بل المهم ملاحظة الدليل.

فالهم هو القضية الثانية والأهم منها القضية الثالثة.

أما القضية الثانية التي نريد أن نقولها:- هي أنه كيف يوجّه تأثير المنع السابق وأنه يمنع من الصحة حتى لو تحققت الاجازة بعد ذلك ؟

ذكر الشيخ الأعظم(قده) في هذا المجال توجيهين:-

التوجيه الأول:- رواية عروة البارقي فإنها أحد الأدلة التي يستدل بها على صحة بيع الفضولي ، والتي ذكر فيها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطاه دينارًا ليشتري بها أضحية فذهب واشترى بالدينار أضحيتين فباع واحدة بدينار وأرجع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ديناراً مع أضحية والنبي صلى الله عليه وآله وسلم بارك له في بيعه ، فهذه الرواية دلت على صحة بيع الفضولي ، وحينئذٍ نقول هي واردة في حالة عدم وجود المنع السابق ، فإذاً حالة المنع السابق لا دليل على الحصة فيها فإنَّ دليل الصحة مختص بحالة عدم المنع السابق ، فإنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يمنعه من البيع بالفضولي بأن يبيع شاةٍ بدينارٍ ويأتي بالشاة الأخرى ، فإذاً رواية عروة البارقي لا تدل على الصحة في حالة تحقق المنع السابق ، وإنما موردها حالة عدم المنع السابق.

وردّ الشيخ الأعظم(قده) على هذا وقال:- إنَّ الدليل على صحة بيع الفضولي لا ينحصر عندنا برواية البارقي حتى تقول هي تختص بحالة عدم المنع السابق ، بل توجد عندنا أدلة أخرى تصحح عقد الفضولي غيرها وتلك الأدلة تشمل حتى حالة المنع السابق ، وهي العمومات - أي مقتضى القاعدة - حيث نقول إنَّ عقد الفضولي بعد تحقق الاجازة افترض أنه يوجد منع سابق قبل العقد ولكن المالك بعد ذلك أجاز ، فإذا أجاز يشمله حينئذٍ قانون ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ كما تُمسِّك به فيما سبق ، فبإجازة المالك يصح حينئذٍ عقد الفضولي إما بـ ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ أو بـ ﴿ وأحل الله البيع ﴾ أو بغير ذلك.

فإذاً يوجد عندنا مدرك آخر وهو مقتضى القاعدة وهو يثبت الصحة حتى في حالة تحقق المنع السابق ، لا أنَّ الأمر ينحصر برواية عروة البارقي حتى يقال إنها ضيقة من البداية وخاصة في تصحيح عقد الفضولي بحالة عدم تحقق المنع السابق.

ملاحظة جانبية:- وهي أنَّ الشيخ الأعظم(قده) ذكر رواية عروة البارقي والحال أنها واردة من طرق العامة ، بل كان عليه أن يذكر وروايات أخرى مثل رواية محمد بن قيس ، فبدلاً من أن يقول إنَّ رواية عروة البارقي خاصة بحالة عدم تحقق المنع السابق يقول إنَّ رواية محمد بن قيس - والتي هي من الأدلة التي ذكرناها على صحة بيع الفضولي - موردها هو حالة عدم تحقق المنع السابق ، وهذا ليس إشكالاً على الشيخ الأعظم(قده) وإنما لعله هو الأجدر والأحسن.

الدليل الثاني:- الاستعانة بوجه البطلان في المسألة الأخرى الشبيهة بمسألتنا وهي أن يصدر المنع بعد عقد الفضولي ثم يجير المالك ، فإذا بنينا هناك إلى البطلان فسوف نسحب وجه البطلان هناك إلى مسالتنا التي يكون المنع فيها قبل العقد.

وكيف تسحب هذا الحكم فإنَّ تلك المسألة ناظرة إلى المنع الصادر بعد عقد الفضولي بينما محل كلامنا هو في المنع الصادر قبل عقد الفضولي ؟ذلك ببيان:-

أولاً:- إنَّ المنع في مح كلامنا وإن كان سابقاً على عقد الفضولي إلا أنه بالتالي له استمرارية ، لأنَّ المفروض أنَّ المالك بعدُ لم يتراجع عن منعه ، فالمنع الموجود سابقاً سوف يكون ثابتاً بعد عقد الفضولي ولو آناً ما ، فإذا ثبت هذا نقول إنَّ هذا المنع يكفي في تحقق الردّ ، يعني بالتالي يثبت أن المالك قد ردّ عقد الفضولي ، وكيف يصدق أن الردّ قد تحقق بعد عقد الفضولي ؟ ذلك باعتبار أنَّ الردّ إنما كان ردّاً ومانعاً لأنه أمارة عدم الرضا وذلك المنع السابق الذي هو مستمر لحظةً إلى ما بعد العقد أيضاً هو أمارة عدم الرضا ، ومادام هو أمارة عدم الرضا فسوف يصدق عنوان الرد.

وما الوجه في كفاية عدم الرضا الباطني في تحقق الرد ، بمعنى أننا لا نحتاج إلى إنشاء الردّ بلسان حيث يقول ( رددت ) أو ( رفضت ) بل يكفي كل أمارة على عدم الرضا وذلك المنع السابق المستمر بعد العقد هو أمارة عدم الرضا فيكفي في تحقق الردّ ولا يلزم في الردّ إنشاء الردّ بعنوان ( رددت ) بل يكفي عدم الرضا في تحقق الرد ؟

إنَّ الدليل على كفاية عدم الرضا في تحقق الرد هو أنه قال:- ( وذلك لما ذكره بعض الفقهاء من أنه الموكّل إذا حلف على عدم الاذن للوكيل في شراء هذه السلعة وحلف الموكِّل قال بعض الفقهاء انفسخ العقد لأنَّ الحلف أمارة عدم الرضا ) ، وهذا معناه أنَّ كل ما يكون أمارة على الرضا يكفي في تحقق الردّ والفسخ.