1440/10/06


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/10/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 66 ) – شروط المتعاقدين.

والجواب:-

أولاً:- إنه قد تقدم سابقاً أنه صحيح أن النكاح أهم ولكن الأهمية قد تصير سبباً للتساهل في الأسباب لا لتشيد فلأجل أن الشرع يهتم بالنكاح وريد النكاح وتكثير النسل وغير ذلك فيتساهل في أسبابه ومن جملة الأسباب التي تساهل فيها في باب النكاح هو تجويز الفضولية فيصح النكاح من خلال عقد الفضولي بالاجازة ، وهذا بخلافه في البيع فإنه لا يهتم به بتلك الدرجة كدرجة اهتمامه بالنكاح فإذاً لا يلزم من ذلك التساهل في الأسباب التي منها الصحة بالفضولية إذا عقد الفضولي عن نفسه فيمكن أن يحكم الشرع بعدم الصحة بالاجازة ولا يمكن التعدي من باب الناح إلى باب البيع والمعاملات.

ثانياً:- إنَّ روايات باب النكاح ليست واردة فيمن عقد عن نفسه وإنما عقد لغيره فحينئذٍ تكو أجنبية عن المقام ، فنحن نريد رواية تدل على الصحة حالة العقد عن نفسه ومن خلالها نتعدّى بالأولوية إلى باب المعاملات الأخرى والتي مصداقها المهم هو البيع ، ومعلوم أنَّ روايات الفضولية في باب النكاح لا يفترض فيها أنَّ الفضولي يعقد عن نفسه وإنما يعقد للغير فحينئذٍ لا يمكن الاستفادة منها من هذه الناحية أيضاً.

إذاً اتضح من خلال كل ما ذكرناه أنَّ المقتضي للصحة موجود في حالة عقد الفضولي لنفسه ولكن للعمومات ولصحيحة محمد بن قيس ، ولا تضم إلى ذلك الأولوية في باب النكاح ، بل المهم ذانك الأولان.

وبعد أن ثبات تمامية المقتضي لصحة بيع الفضولي عن نفسه بوجهين نأتي إلى الموانع والاشكالات المانعة من الحكم الصحة ، فإذا فرضنا أنَّ المانع كان باطلاً أخذنا بالمقتضي وأما إذا كان المانع ثابتاً فتمامية المقتضي لا تنفع فإن النتيجة تحتاج إلى تمامية المقتضي مع عدم وجود المانع أما مع وجود المانع فالمقتضي لا ينفع بمجرّده.

أما الموانع أو الاشكالات فهي متعددة:- ونذكر في هذا المجال خمسة اعتراضات كما ذكر الشيخ الأعظم(قده) والثلاث الأول منها ليست مهمة إنما المهم هما الرابع والخامس:-

الاعتراض الأول:- ما ورد في الروايتين ( لا تبع ما ليس عندك )[1] ، وتود رواية ثانية على هذا المنوال وهي ( لا بيع إلا فيما تملك [تملكه ] )[2] ، بتقريب أنها دلت على عدم صحة البيع إذا كان الشخص البائع لا يملك الشيء ، فهي تدل على البطلان حيث قالت ( لا تبع ما ليس عندك ) فهذا نهيٌ يراد به النفي والاشارة إلى عدم الصحة ، وإلا لا يحتمل أنَّ مجرد أن أقول ( بعت مال فلان ) هو حرام ، فإذاً تعبير ( لا تبع ) لا يراد منه النهي التكليفي وإنما المقصود منه النهي الارشادي ، فهذا نهي ارشادي في كلتا الروايتين ، فهو ارشاد إلى أنه لا يصح البيع إذا لم يكن الشيء ملكاً لك ، فإنَّ ( عندك ) كناية عن كون الشيء ملكاً لك ، فإذاً هي تدل على البطلان.

وفيه:-

أولاً:- إنَّ السند ضعيف ، فإنها مروية عن دعائم الاسلام والطابع العام لرواية دعائم الاسلام أنه ينقل من دون سند أو أنها مستندات ضعيفة ، وأما رواية البيهقي فهي بلا سند معتبر أيضاً.

ثانياً:- لو تمت هذه الروايات فلازمه بطلان بيع الفضولي مطلقاً لا خصوص ما إذا باع عن نفسه لأنها مطلقة من هذه الناحية لأنها قالت ( لا تبع ما ليس عندك ) أو ( لا تبع ما ليس تملك ) فتشمل بيع الفضولي عن المالك أو البيع عن نفسه ، وهذا قد لا نلتزم به ، فإن مفروض كلامنا هي الصحة فيما إذا باع عن المالك وإنما الكلام في الصحة إذا أراد أن يبيع عن نفسه وأما إذا بنينا على أن بيع الفضلي عن المالك من الأساس باطل فلا تصل إلى بيعه عن نفسه ، فإنه بالأولوية يكون بيعه عن نفسه يكون باطلاًي ولا تصل النوبة إليه ، فإذاً نحن في مسألتنا هذه فرضنا في مرحلة سابقة صحة البيع عن المالك وإلا لا تصل النوبة إلى مسألتنا هذه.

ثالثاً:- إنَّ هاتين الروايتين ترشدان إلى عدم الصحة عن الفضولي فإنَّ ( لا تبع ما ليس عندك ) هو خطاب إلى الفضولي البائع ، فأقصى ما تدل عليه هو البطلان في حق البائع أما البطلان في حق المالك الذي لم يصدر منه البيع وإنما يريد أن يجيز فهي ساكتة عنه وأجنبية عنه.

إذاً المانع الأول لا يمكن الاعتداد به وهو باطل.

الاعتراض الثاني:- أن يقال: إنَّ البائع إذا كان غاصباً وبنينا على أنه مع منع المالك من البيع لا يقع البيع الفضولي صحيحاً بعد اجازة المالك رغم صدور المنع منه سابقاً - وهذا تقدم في مسألة( 64 ) - فإن قلنا بأنه مع منع المالك لا يقع بيع الفضولي صحيحاً مع اجازة المالك حينئذٍ نقول إن نفس كون الفضولي البائع غاصباً هو أمارة على منع المالك وأنه لا يرضى بالبيع ، لأنَّ هذا الفضولي غاصب ، فإذا قبلنا بهذا وقبلنا بالمبنى فحينئذٍ يلزم أن يقع البيع من الفضولي عن نفسه باطلاً ، لأنه يكون منع المالك ثابتاً ومع ثبوت منع المالك يقع البيع باطلاً بناءً على تمامية أنه مع منع المالك عن الفضولية في البيع يقع البيع باطلاً ، فيقع البيع باطلاً.

ولكن كما لاحظنا أنَّ هذا المانع ضيق ويختص بحالة ما إذا كان الفضولي غاصباً ، وأن نفترض تمامية المبنى الذي يقول إنه مع منع المالك يقع البيع باطلاً ، فإذا تم هذان المبنيان فحينئذٍ قد يقال بتمامية هذا الاشكال.

ويردّه:-

أولاً:- إنه خاص بحالة الغصبية ، يعني ما إذا كان الفضولي غاصباً ، أما إذا باع الفضولي بانياً على أنه مالك لا من باب الغصب بل من باب اعتقاد أنه مالك استباهاً فحينئذٍ هذا الدليل لا يتم.

ثانياً:- إنَّ هذا المانع يتوقف على تمامية ذلك المبنى وهو أنه مع منع المالك عن بيع الفضولي يقع البيع باطلاً حتى لو أجاز المالك بعد ذلك ، وقد عرفنا في مسألة ( 64) أن هذا المبنى مرفوض بل يقع البيع صحيحاً إذا أجاز المالك حتى مع فرض المنع المسبق من قبل المالك.

هذان جوابان ومرجعهما إلى منع الأصول الموضوعية المأخوذة في هذا المانع الثاني ، فإنه قد أخذ في هذا المانع الثاني أصلان موضوعيان ، الأول أن نفترض أنَّ الفضولي غاصب ، والثاني البناء على أنه مع منع المالك مسبقاً يقع بيع الفضولي باطلاً ولا يقبل الاجازة.

ثالثا:- إنه حتى لو سلّمنا بالأصلين الموضوعيين يمكن أن يقال إنَّ المالك إنما يمنع من البيع لو فرض أنَّ الثمن يرجع إلى الفضولي الغاصب ، أما إذا أجاز البيع فعلى هذا الأساس هو لا يكون مانعاً ولا يكون رافضاً لهذا البيع ، لأنه يرفضه لو عاد الثمن إلى الغاصب البائع ، أما إذا عاد إلى نفسه فأوّل الكلام يكون رافضاً له ومانعاً عنه بل يكون راضياً ، والمفروض أنه أجاز على أساس رجوع الثمن إليه ، فهو حينئذٍ لا يكون مانعاً من البداية ، يعني أنَّ مصداق الأصل الموضوعي الثاني ليس موجوداً في المقام ، يعني أنه من البداية لا يوجد منع أصلاً وإنما المنع موجود فيما إذا كان لم يجز وبحيث يرجع الثمن إليه أما إذا اجاز والثمن يرجع إليه فهو من الأوّل لا يكون عنده منع.

والخلاصة:- إنه يمكن أن يقال: إنَّ المالك لا منع مسبق له عن هذا البيع بعدما فرض أنَّ الثمن يرجع إليه ، وإنما يرفضه لو كان الثمن لا يرجع إليه بالاجازة.

الاعتراض الثالث:- لو فرض أنَّ المشتري كان عالماً بكون البائع غاصباً فهناك فتوى للأصحاب تقول لو رفض المالك البيع المذكور وردّه فالمشتري لا يجوز له أن يرجع بالثمن على البائع الغاصب قبل أن تصدر الاجازة أو المنع من المالك ، إنه بناءً على هذا يقال إنَّ لازم هذا عدم تحقق المعاوضة الحقيقية ، بمعنى أنه لو أجاز المالك ولم يرفض لا تكون هناك معاوضة حتى يجيزها ، وبالتالي لا يتمكن أن يأخذ هذا المالك الثمن لأنَّ الثمن صار ملكاً للبائع الغاصب بالتسليط المجاني ، فلا توجد معوض وإنما يوجد تسليط مجاني على الثمن فالاجازة تكون لأيّ شيء فإنه لا توجد معاوضة ؟!! لأنَّ الثمن صار مكلماً للغاصب ولا يرجع إليك الثمن ، فعلى هذا الأساس الاجازة لا يمكن تحققها لعدم تحقق المعاوضة ، إذ المفروض أنَّ الثمن قد دخل في كيس البائع الغاصب.


[1] سنن البيهقي، البيهقي، ج5ن ص267، ص317.
[2] مستدرك الوسائل، النوري، ج13، ص230، ابواب عقد البيع وشروطه، ب1، ح3، 4.