1441/01/17


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

41/01/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: احكام الاعتكاف.

مسألة ٣ : كل ما يفسد الصوم يفسد الاعتكاف إذا وقع في النهار ، من حيث اشتراط الصوم فيه ، فبطلانه يوجب بطلانه. وكذا يفسده الجماع[1] ، سواء كان في الليل أو النهار.

    1. الدليل الثالث: التمسك بما دل على النهي عن الجماع في الاعتكاف كما في قوله (عليه السلام) ((لا ياتي امراته ليلاً ولا نهاراً وهو معتكف)) فقالوا بان النهي وان كان له ظهور بمقتضى طبعه الاولي في الحرمة التكليفية لكن هذا الظهور ينقلب في باب المركبات الى الحرمة الوضعية كما في قوله (عليه السلام) ((لا تصل في ما لا يؤكل لحمه)) فهو ارشاد الى فساد الصلاة في ما لا يؤكل لحمه وكذا النهي عن القهقهة في الصلاة فانه يفهم منه المانعية، وفي المقام فان النهي عن الجماع في الاعتكاف ارشاد الى مانعية الجماع للاعتكاف او ان عدمه شرط

وقد اعترض عليه بعض الاعلام بان مقتضى الجمع بين ما دل على النهي عن الجماع في الاعتكاف وبين اطلاق صحيحة داود بن سرحان المتقدمة الدالة على انه لا يعتبر في الاعتكاف الا بان يفرض على نفسه اللبث في المسجد وعدم الخروج منه الا لحاجة لابد منها، هو حمل النهي عن الجماع على الحرمة التكليفية، فالامور التي نهي عنها كالجماع والبيع والشراء والمماراة وغيرها تخلفها لا يوجب بطلان الاعتكاف لانها غير مقومة له فالنهي عنها في هذه النصوص يحمل على النهي التكليفي فنلتزم بكل من الدليلين فنقتصر في ما هو مقوم للاعتكاف على مفاد صحيحة داود بن سرحان ونقتصرفي النواهي على ظاهرها الاولي وهو الحرمة التكليفية دون ان تكون مبطلة للاعتكاف فيكون حالها حال محرمات الاحرام فان النواهي عنها نواهي تكليفية لا توجب بطلان الاحرام

ويمكن ان يلاحظ عليه باننا لو سلمنا بان مقتضى اطلاق صحيحة داود بن سرحان عدم دخل اي شيء في قوام الاعتكاف سوى ان يفرض على نفسه اللبث في المسجد، لكن دلالة الصحيحة على هذا الشيء لا ينافي وجود شيء اخر يكون دخيلاً في صحة الاعتكاف وان لم يكن داخلاً في قوام ماهيته، فلا ضير في القول بان الجماع دخيل في صحة الاعتكاف من دون ان يكون دخيلاً في قوامه، وهذا من قبيل الكلام في الصلاة فان تركه دخيل في صحتها من دون ان يكون داخلاً في ماهيتها، فنقول بان الجماع دخيل في صحة الاعتكاف وهذا نستفيده من النواهي على اساس الظهور الذي قالوه من ان النهي في المركبات له ظهور ثاني في الارشاد الى المانعية

نعم بعد حمل النواهي على الحرمة الوضعية والبطلان يقع الكلام في الدليل على الحرمة التكليفية،

وبعبارة اخرى: هل يمكن استفادة كلتا الحرمتين التكليفية والوضعية من نهي واحد في باب المركبات؟

ويظهر من صاحب الجواهر[2] امكان استفادة ذلك فانه بعد ان استدل على حرمة الجماع بالنهي كتاباً وسنة قال: كما انه يقوى حينئذ ارادة الابطال ايضاً من النهي فيها لا التحريم خاصة، وذكر بان التحريم وان كان هو معنى النهي ولا منافاة بين التحريم والصحة ولكن الفهم العرفي كاف في ذلك كالنهي عن التكفير في الصلاة، وهذا اشارة الى ان التكفير الذي ذهب المشهور الى حرمته ومبطليته للصلاة بل ادعي الاجماع على ذلك لا دليل على حرمته التكليفية والوضعية الا النهي،

ولكن ذهب الكثير الى عدم امكان ذلك، فذكر السيد الخوئي (قده) بان النهي في الحرمة الوضعية ارشاد الى المانعية بينما يكون النهي في الحرمة التكليفية مولوياً، والارشاد يرجع الى الاخبار بينما الثاني انشاء ولا يمكن الجمع بين الانشاء والاخبار في كلام واحد، وبعبارة اخرى: ان الحرمة الوضعية والتكليفية تختلفان سنخاً لان الاولى من سنخ الاخبار والثانية من سنخ الانشاء وهذا يمنع من ظهور الدليل الواحد فيهما معاً.

ويمكن ان يلاحظ عليه بان الحرمة الوضعية ليست من سنخ الاخبار فهي تتضمن جعل واعتبار فالدليل الذي ينهى عن التكفير في الصلاة يعني ان الشارع اعتبر التكفير مانعاً من صحة الصلاة او قل اعتبر عدمه شرطاً في صحة الصلاة فهي تتضمن الجعل كالحرمة التكليفية فالمانعية والشرطية عبارة عن اعتبار نفساني ابرزه الشارع بهذا النهي في باب المركبات فالمسالة ليست مسالة اخبار فلا يوجد اخبار في باب الاحكام الوضعية بل الاخبار قد يقال في باب الامر بالطاعة التي لا تتضمن جعل اصلاً، خصوصاً اذا بنينا على ان واقع الانشاء هو عبارة عن ابراز الاعتبار النفساني، فلا فرق بين الحرمة التكليفية والحرمة الوضعية سنخا.

ومن هنا فان كان الحديث عن الامكان والاستحالة كما طرحوه فالصحيح هو الامكان، فيمكن افتراض ان الشارع المقدس يوجد في داخل نفسه اعتباران نفسيان ويبرزهما بمبرز واحد

نعم في مقام الاثبات نحن بحاجة الى دليل لان الشارع قد ابرز المانعية بالنهي ولا دليل على ان اعتبار الحرمة التكليفية قائم بنفسه وانه ابرزه بهذا الخطاب، في التكفير وغيره لا يوجد الا النهي عنه في العبادة وقد التزم المشهور بكلتا الحرمتين التكليفية والوضعية وان خالف فيه المتاخرون، وهذه الموارد قد تتكرر في الفقه وللتخلص من الاشكال نقول انه لا مانع ثبوتا واثباتا في استفادة الحرمة الوضعية والتكليفية من النهي عن الشيء في العبادة، وقربنا ذلك في التكفير بان التكفير في اثناء الصلاة فيه مفسدة تقتضي تحريمه وفي نفس الوقت فاذا جاء به المكلف يكون موجباً لابطال الصلاة، وحينئذ فالاعتبار القائم بنفس المولى هو اعتبار ترك الفعل واعتبار المانعية، ويبقى الكلام في مقام الاثبات.


[1]  .
[2] جواهر الكلام :17/200.