1441/04/17
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
41/04/17
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: - مسألة ( 73 ) حكم المال الذي باعه الفضولي عند عدم تحقق الاجازة من مالكه – شروط المتعاقدين.
ثالثاً: - أن يقال: إنَّ هذا البائع فعل شيئاً أوجب تلف النماء، فهو حينما قارب الجارية حصل نماء وانعقد حراً والسبب هو نفس المشتري، فهو أقدم على المقدمة، والمقدِم على المقدمة مُقدِمٌ على ذيها، فله يد في القضية، فيمكن أن يقال إنها تستوجب الضمان ولو كان معذوراً ولكن صار بفعله، وأين هذا من محل كلامنا، فإنَّ محل كلامنا هو أنَّ شخصاً اشترى شيئاً بالفضولية كالدار وقد انهدمت شرفتها من دون تفريطٍ، فالفضولي ليس سبباً لانهدامها، وهنا قد حُكِمَ بالضمان والحال أنَّ هذا المشتري ليس له أي دخل في حصول هذا الخراب، فلا يمكن التعدّي من مورد الرواية - الذي كان السبب فيه هو تدخل المشتري حيث أقدم على المقدمة - إلى موردنا، فلا يمكن أن نستفيد من الضمان هناك الضمان في موردنا الذي يفترض فيه أنَّ العين حصل فيها تلف من دون أي اقدام على مقدمة من قبل المشتري، فإذاً لا يمكن استفادة الضمان في محل كلامنا من خلال رواية الأمة المسروقة.
والخلاصة من كل ما ذكرنا: - إنَّ اثبات ضمان العين المأخوذة بالعقد الفاسد بأحد هذين الدليلين - أي قاعدة على اليد ورواية الأمة المسروقة - محل إشكال.
والأجدر أن يتمسك لذلك بدليل آخر: - وهو الارتكاز العقلائي الذي نستعين به كبديل عن قاعدة على اليد، إذ بالتالي إذا حصلت يدٌ من شخصٍ على ملك الغير، وحصل تلفٌ، فالعقلاء يضمّنون من بيده العين، وحيث إنه غير مردوع عنه فيثبت الامضاء، فإذاً الأجدر اثبات ضمان اليد لا برواية على اليد بل بالارتكاز العقلائي.
وتظهر الثمرة في أنه بناءً على الارتكاز لا نتماشى مع ألفاظ قاعدة على اليد كما صنع ويصنع الشيخ الأعظم(قده)، وإنما نحن وذلك الارتكاز، وبالتالي نأخذ منه القدر المتيقن في موارد الشك بين السعة والضيق، والاطلاق لا نتمسك به، وهذه ثمرة ثمينة مهمة بين الطريقين.
والنتيجة النهائية: - هي ثبوت ضمان العين المأخوذة بالعقد الفاسد لكن بالارتكاز العقلائي وليس بحديث على اليد ما أخذت، وبهذا انتهينا من الأحكام الثلاثة.
عود إلى النقاط التي تشتمل عليها المسألة: - وقد قلنا إنها تستمل على أربع نقاط: -
النقطة الأولى: - إنَّ المنافع المستوفاة مضمونة على المشتري الذي اشتراها من الفضولي، كركوب الدابة أو السيارة أو الجلوس في الدار.
ونلفت النظر إلى شيء: - وهو أنه هناك بعض الأحكام شبه مسلّمة بحسب الارتكاز المتشرعي أو العقلائي أو الفقهي ولكن التخريج الفني قد يواجه الفقيه فيه مشكلة، فمثلاً عند استعماله للدار جزماً يوجد ضمان لذلك ولا يقول أحد بعدم الضمان ولكن ما هو الدليل على اثبات ضمان المنافع المستوفاة بعد الالتفات إلى أنَّ المنافع ليست من قبيل الأعيان حتى يقول الشيخ الأعظم قاعدة على اليد، فإنه بقرينة ( ما أخذت حتى تؤدي ) فإنَّ الأداء والأخذ خاص بالأعيان، فعلى هذا الأساس ما الوجه في الضمان؟
وقبل أن نبين وجه الضمان نبين شيئاً آخر:- وهو أنَّ من الغريب أنَّ أحد فقهائنا المتقدمين وهو ابن حمزة(قده) ذكر في الوسيلة أنه لا ضمان للمنافع بل عليه أن يرجع العين فقط إلى المالك أما منافع العين فليست مضمونة، وقد استند في ذلك إلى فكرة ( الخراج بالضمان )، وكأنه فسّر ذلك بأنه إنك ما دمت ضامناً للعين لو تلفت فالخراج - أي المنافع التي تخرج منها - في مقابل ضمان العين، فمادمت ضامناً للعين فالمنافع تكون لك، وهذا ما تمسك به أبو حنيفة في صيحة أبي ولاد، فإنه في صحيحة أبي ولّاد خالف المستأجر للبغل وركب أكثر مما اتفق عليه مع صاحبه، وحينما تحاكموا إلى أبي حنيفة حكم بأنه لا شيء عليه في قبال المنافع مادام المستأجر ضامناً للعين، قال ابن حمزة(قده):- ( إذا باع أحد بيعاً فاسداً وانتفع به المبتاع ولم يعلما بفساده ثم عرفا واسترد البائع المبيع لم يكن له استرداده ثمن ما انتفع به أو استرداد الولد إن حملت الأم عنده وولدت لأنه لو تلف لكان من ماله والخراج بالضمان )[1]
أما التخريجات الفنية لضمان المنافع: - فقد يتمسك لذلك بعدة أدلة: -
الدليل الأول:- ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) [2] من التمسك بصحيحة أبي أسامة زيد الشحّام:- ( لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفس منه )[3] .
وجوابه واضح: - فإنه لا يبعد ظهور ( لا يحل ) في الحرمة التكليفية، يعني لا يجوز أن تتصرف في مال الغير، أما ظهور في الشمول للضمان فليس له، فظهوره المتيقن هو في الحرمة التكليفية وأما ما زاد عليه فليس بواضح.
الدليل الثاني: - قاعدة على اليد بغض النظر عن سندها وإلا عدنا إلى المناقشة السابقة.
ولكن الذي يرد عليها: - هو أنَّ الوارد فيها تعبير ( أخذت ) و ( تؤدي ) وهذا التعبير لا يبعد أن يقال إنه موجب لانصراف الرواية إلى الأعيان ولا تعم المنافع، فلا يمكن التمسّك بها لإثبات المطلوب.
الدليل الثالث:- قاعدة ( حرمة ماله كحرمة دمه )، وهي ما جاء في المستدرك[4] نقلاً عن البحار عن قضاء الحقوق للصوري من أنَّ النبي صلى الله عليه وآله قال:- ( سباب المؤمن فسق وقتاله كفر وحرمة ماله كحرمة دمه )، فهذه الرواية قد تمسك بها لإثبات الضمان.
ولكن لا يبعد أن يقال: - إنها ناظرة إلى الحكم التكليفي جزماً، أما نظرها إلى جميع الأحكام بما في ذلك الضمان للمنافع فليست واضحة فيه، وحينئذٍ يصعب التمسّك بها لإثباته.